مشاهدة النسخة كاملة : ديوان الشاعر : محمد جبر الحربي


a7med
02-12-2009, 10:40 PM
الفارس المطعون بحراب الأهل



لا تحزني ياحرةً عربيّةً ملكتْ زِمامَ منيّتي

فلقد ذكرتكِ والرماحُ نواهِلٌ

مني ِ وبيض الهندِ تقطر من دمي

فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها

لمعتْ..

ولم يحضرْ أحدْ..

**

هي شمعةٌ أشعلتُها من غيظِ أحزاني، وفيْض طويّتي

فجراً ولم يحضرْ أحدْ

**

والوردةُ الأولى على أطرافِ ليل الصابرين غرستُها

بين اليقين، ونوح ِ نائحتين قرّبتا المثاني في جنانِ الله لم تحدا ولمْ

يحضرْ أحدْ.

**

هي قطعةٌ من عزفِ مجهولين فات أوانهم

تهذِّب الصحوَ الخفيضَ

وقسوةَ الانسانِ والاوطانِ

لم يحفلْ بدعوتِها ، وقطفِ الصبح ِ فلاحو الغنائم ِ

ما استفاق النَوّمُ الثملون من سُكرِ الهزائم ِ

والكلام ِ المثقل ِ الأجفان ِ بالأوهام ِ

لم يحضر على قلق ٍ أحَدْ.

**

هي لحظةٌ من نقش ناحلتين حارستين أدمنتا الترقّب خِيفة ً

هي لحظةٌ فانعمْ بِنَومِك هانئاً

ياصاح ِ نام الناسُ مثلُكَ

لم تفُتْك غنائمٌ،

وتحررت من عبئها الأنفالُ،

لا نصرٌ تيامَنَ،

لا ثقاةٌ خُلّصٌ يُهدون للتاريِخ ِ بيضَ رقاعِهِمْ.

ما اخضرّت الدنيا على إيقاعهمْ

هذا مُثارُ النقع ِ:

تلك على اليمين مقابرُ الزمن الجميل ِ،

وتلك شهبُ قلاعِهمْ.

**

وهنا قلوبُ العاشقين لأمةٍ عظمى توقَف عزفُها

وروى الخليقة َ نزفُها..

هي فتنهٌ عظمى:

لصوصٌ مارِقُون تمكنوا منَا ومن أشياعِهِمْ.

شيعٌ وتجارٌ وأشباهٌ شواحبُ من غثاءِ السيل ِ

باعوا عَرشنا

لا دودةٌ حَفلت بمنسأةٍ

**

ولا إنسٌ أفاقوا

فتنهٌ كبرى ولم يحضُرْ أحدْ..

لوداع أحزان الظهيرة ِ..

**

ياخديجةُ خبّري عنِي التلفّتَ والندى

أني أميرٌ ما أسِرتُ إذا أسِرْت من العدا

رِدءاً أردتُ فكان مستنداً رماديَّ الرّدى

الموتُ في عينيه لم أبصرْهُ كنتُ مُرمَّداً

والموتُ في أعطافِهِ ولبسته ياللردا

انّي الخُذِلتُ وكنت وحدي أبْلجاً ومهنداً

**

ما خنتُ:

كفّنت الشهيدَ،

وناذراً للموتِ .. مبتدِراً غداً.

أفشيت سِرَّاً ؟

لم أخنْ.

خانوا ولم يحضرْ أحدْ.

**

هو نهرُ خلاني يُغنيه الفراتُ

وترتدي أحزانَه أضواءُ دِجلة

رجّها المجدافُ

مرتني بباب النوم ِ أهدتني مكاني

بين أسياد الكلام وسادة الفوضى العظام ِ

على ينابيع ِ النظام ِ.

كلما قلبتُ رأسي شدّني

لعظيم حكمتِهِ

وفارع صبرِهِ

وطوى الكتابَ على وميض الدهشةِ العينان ِ

لامعتان ِ لا صوتٌ ، ولا جسدٌ يعيقُ تدفقَ

المعنى الكتابُ يمرّ من مبنىً الى مبنىً

ومن غيم ٍ إلى غيم ٍ على كتف الجبال ِ

**

الأرضُ واقفهٌ على طلل ِ الرشيدِ

ووحدها الأفكارُ لا تفنى

ولا يفنى القصيدُ.

**

هي رؤيةٌ فُتحت لباب ِ الشمس ِ

من غَبَش ِ الشواهِدِ

نبتة أورقتُها

للريح.. للمطر ِ الجديدِ أسوقه لفرادةِ التاريخ ِ

أحفظُهُ لميلاد ِ الوليدِ

مهدهداً شِبْنا ..

ولمْ يحضرْ أحَدْ.





العظيمة


خُذي بيدي

تَعِبتْ قدماي .. خذي بيدي

أنكرتني القبيلةُ والأهل

((والمُدُن المشتراةُ

وتلك التي في الندى المشتهاةُ))*

خُذي بيدي

فالبلادُ بلادي

وذا النخلُ نخْلي، وشاهدُ رمْسي ِ.

وذا الماءُ مائي ِ،

وذا اليبْس يَبْسي.

وحتى المساءُ لهُ دفءُ همسي

وحتى النساءُ لهنَّ الجمالُ

الذي رسَمَتْهُ أنامِلُ حَدْسي ِ

فقدّمتهُنَّ،

وعليّتهنَّ على كلِّ لبْس ِ

و سميّتهنَّ

سموّاً بهنَّ

على كلِّ إنس ِ

فكنَّ الجليلات تاجاً لرأسي

وكنَّ لي الفأل في يوم ِ نحس ِ

وقَدْ صنْتُ نَفْسي ِ

وعلّمتُ نفسي ِ

فرقّيتُ نَفْسي ِ

وصرتُ كبيراً

فضاقت على الدرب نفسي.

وأصبحتُ شمساً

وأصلحتُ دورة روحي الصّباحَ

فلا تُطفِئي الليلَ باللّوم ِ شمسي

فما خُنتُ بَوْحي

ولا خُنْتُ بالهمس ِ بذْري وغَرْسي

وما خنتُ جِذري

إذِ اصطبحَ الناسُ روماً بفرْس ِ.

خذي بيدي

أخرجيني لبعضِ السّماءِ

وبعض ِ الهواءِ

فلنْ يُرضِيَ اللهَ قيْدي

ولنْ يُرضيَ اللهَ حَبسي.

خذي بيدي

قد سَئمْتُ مـــــن الشكِّ

هاتي يقيني

وهاتي من الحلم رأْسي .

خذي بيدي

فالجيادُ أضاعتْ بنيها

وما ظلّ منها سوى الذكريات

وما ظلَّ من فارس ٍ يحتويها

وصرتُ وحيداً

أنا الجمْعُ أصبحتُ وحْدِي ِ

فكيف أنا الجمعُ أصبحتُ وحدي ؟!

خُذي بيدٍ حُرَّةٍ

وتملّي نهاراً بها:

هذه الكفُّ قطرُ الندى يعتريها

فهلاَّ قرأتِ العواصِمَ فيها

ولولا صبرتِ

لأدركتِ أنّ التفاصيل َ

تُبعد عدنانها عن بنيها

وأدركتِ أنّ لقحطان شأناً

وأن الخطوط تدلّ على تعب العمرِ

ياليتني أفتديها..

خُذي بيدي أرجعيني

وسجادتي..

لا تدلي العدوّ عليها ..

وقومي..

أيا بنتُ قومي نَُصَلِّي.






صباحُ الخير



زمانٌ مُرّ..

زمانٌ مَرَّ ما فتِّ ،

وما جئتِ ،

ولا قمتِ ..

كرفعةِ روحيَ العليا

كبوحٍ لا رقيبَ بهِ

غناءٌ لا رقيبَ بهِ

كما شئتِ

ولا قلتِ

أنا الطفلُ اليتيمُ الساحرُ الخلاقُ ما قلتِ

صباحُكَ .. يا صباحَ الخير.

*******

صباحُكِ يا صباحَ الخير يبكيني

ويشجيني

بلا عُرَبٍ ، ولا عودِ

يمدّ ليَ الفضاء َ، وحمرةََ التينِ

ظلاليَ ، والدّنى دوني

أقومُ إليهْ

وأصفو مثلما يصفو الفقيرُ الفارِهُ العطِرُ

وأكتبُ حاضناً كفّيْهِ موّالي

صباح الخير يا وردي

ويا عودي

إذا طربُ الجوانحِ صاحَ لي عودي

وأشرقَ مثلما صنعاءَ

فاتنةً ومخفيّه

وورديـّه

رماديـّه

يصوغُ بها السحابُ الحرُّ أحزاناً حُمينيّه. (1)

هي الخلفيّةُ الأولى

لهمّي ، والشّجارُ الواجبُ الحذرُ

مع الأصحابِ..

والأشجارُ حاضرةٌ ومنسيّه.

وحبّكِ

بوحُ عصفورين مالا فوق غصنِهما بغصنِهما

حنانٌ ما لهُ أوّلْ

ندى عينيكِ والدنيا شِماليّه

جنوبيّه

هما نهران يختلجان والدنيا شتائيّه

تحرّقُ مهجة الحيرانِ .. يستعِرُ

غريبٌ كم يُعِدُّ الليل للدنيا الشتائيّه.

*******

أخاف عليك

ومني يا جنون الصبح

يا فجراً من الأطفال ِ والفوضى

جنوني أنك الفوضى الشماليّه

جنوبيه.

ولا تدرين..

سؤالٌ مُرّ

سؤالٌ مَرَّ والآكام تحتضرُ

- أتُبرقُ؟!

صاح من حولي

أجاب الآخر المنفيّ

ستمطرُ إن تجاوزتِ الحدودَ

وما رماها العسكرُ المحشود بالنيّه.

*******

سلاماً يا منائرها

وصبحاً بالسلامِ تعودْ .

مدائنَ من ضفافِ الجودْ.

ملامحَ ما استماتَ الغربُ شرقيّه.

بلادُ العرْبِ أوطاني

وأوطاني العنادُ المرُّّ..

أوطاني الجبالُ السمرُ

والكتب السماويّه.

*******

لكِ اللهُ التي في أعيني شمسي

وعليائي

وإن أدنو

فغاياتي

جمالٌ من حِراك الضوء.

وماءٌ من رحيق النوء.

وصبحٌ مالهُ أولْ..

كصبحكِ يا صباح الخير يا أمي

ويا بنتي

ويا كلماتيَ الأولى البدائيه .

*******







حاملة الشهد



أحمل وجهي وأمشي

إلى حيث يجتمع المدمنون على قتل أوقاتِهم

قلت أمشي إليهم، أشاركهم قتلَها

قلت أمشي مشيتُ

حذائي يطالعني في الزجاج النظيفِ

وهذي الوجوهُ تطالعني في الهواء المشوبِ

بين الهواء وبين الزجاجِ

تذكرتُ ناراً تباعد، عرضَ السواعدِ

والوهجَ المتصاعد من أعين البدوِ

أشعارَهم في النساءِ، المساءَ

السيوفَ التي كُسِرتْ في وجوهِ الرمالْ

النساءَ اللواتي احترفنَ انتظارَ الرجالْ

تذكرتُ.. أغفلتُ.. قلتُ

سيعرفني القادمون من الخِيَم المخمليّةِ

من حاضر الحيّ، لكنني

كنت أحبو على بعد قرنٍ

من الحيّ كنتُ

أنا الحوتُ ما ضمّني البحرُ

أرقص في الرملِ

والرقص موتْ.

أنا النورسُ

أنا الصوتُ في الفجرِ

أولُ صوتٍ

وآخرُ صوتْ:

(صباحٌ له لونُ خدّيكِ حاملةَ الشهدِ

أيَّ الشوارع أسلك حين يطاردني الخوفُ؟

لا. قلتُ لا حين سألني حاكمُ العشقِ

- حاملةَ السِرّ -

أيَّ الشوارع أرتاد حين أغادر رمسَ التوجّدِ؟

لا ضمّني البحرُ، لا ضمّني قاربٌ لابن ماجدَ

عاريةٌ أنتِ، خارجةٌ أنتِ

زاويتي أنتِ

أنّى وكيف أغادرُ؟

زاويتي أنتِ، أين ينام جوادي التَّعِبْ؟)

يا حبيبةَ هذا الشقيّ

حبيبةَ هذا التعبْ.

حين يتكىء المتعبون على صدرك الطهرِ

أيُّ المناديلِ يمسح دمعكِ؟

أيُّ القناديلِ يستلّ نوراً كوجهكِ؟

أيُّ الشفاه تكون السعيدةَ بالنطق: إني أحبّكِ؟

إني أُحبّكِ. لكنني ريشةٌ لا تريد الكتابةَ

إن الكآبةَ مرتصّةٌ مثلُ سورٍ

وبابٍ قديم على جبل في «المدائنِ»

يومَ استدار البشرْ.

أحبّكِ

يهتزّ سورُ المدينةِ

يهتزّ قلبي

ويهتزّ هذا الذي يحرس القبرَ

مرتدياً جبّةً من ذهبْ.

مغلّلةٌ بالقيودِ

معلّلة بالندى

مسافرة بالوعودِ

محلّلة للردى.

أيُّ النياقِ ستحمل وشمي؟

أيّ التوابيت يبتاعني في المساءِ

ويُسلمني في الصباح لغير احتضاركِ؟

أيّ اشتهاءٍ يظلّلني في ذراعيكِ حيناً

ويمنعني أن أكونَ الأخيرَ الرديءْ؟

ذا زمانٌ رديءْ

ذا زمان غدا فيه حبّكِ كفرا

وحفظُ التواريخ كفرا

وقولُ الحقيقة كفرا

وذا السندسيّ يموتُ

ولا يقبل العشق قسراً، فمَنْ؟

- تباركتِ - مَنْ؟

- يا حبيبةُ - منْ؟

للمدار، ومنْ؟

للثمار، ومنْ؟

يحتوي نهرَنا عندما يحتوينا الدوارْ؟

أَلَيْلٌ ومتّكأٌ للغناءْ؟

وصبحٌ كما الأمسِ نحبو إليهْ؟

تباركت كيف اتّكأنا عليهْ؟

وكيف بكينا على مقلتيهْ؟

وكيف أتانا

يلملم أكفانََه في يديهْ؟

صباحٌ له لونُ خديّكِ

متعبةٌ أنتِ

- بل متعبٌ.. كلانا

ولكنه صاحبي

كنتُ أُُخفيه دوماً لأبكي عليهِ

- سلامٌ عليهْ

- سلام عليهْ






وطن الجنى



قد ضاقت الدنيا على سعةِ المنى والبيتُ بيتك ما حللت مؤمَّنا
أعطيكَ أيسرَهُ ، و أحملُ جُلَّهُ و تعللتْ كلّ الجهاتِ بزادِنا
إن شئتَ أرضيتُ الخرائدَ بالضحى من عذبِ ما روَّيتَ ظمآن الرّنا
المردفاتِ لكِّ الربيعَ من اللَّظى المدبراتِ لكرَّةٍ بين القنا
من طيبة الطيبِ المعتق حاضناً والمقبلُ الجاني لكرم المنحنَى
و الله قد أعلاك صوتَ حقيقةٍ أو كشَّر الأعداءُ عن نابِ الشنا
المردفاتِ لكِّ الربيعَ من اللَّظى المدبراتِ لكرَّةٍ بين القنا
المدنياتِ لك الشوامخَ من علٍ و الجنةِ الأخرى تكاشفُ من مِنى
من طيبة الطيبِ المعتق حاضناً والمقبلُ الجاني لكرم المنحنَى
والأحمرُ القاني بأوردةِ الصِّبا والأرضُ حُضنك إنْ عرضتَ مُهادنا
و الله قد أعلاك صوتَ حقيقةٍ أو كشَّر الأعداءُ عن نابِ الشنا
المانحاتِ لكلِّ بارقةٍ سنى المبلغاتِك للعزيز من المنى
المردفاتِ لكِّ الربيعَ من اللَّظى المدبراتِ لكرَّةٍ بين القنا
المقبلاتِ إذا الكريهةُ أقبلت الرواياتِ الشعرَ أنك من هنا
المدنياتِ لك الشوامخَ من علٍ و الجنةِ الأخرى تكاشفُ من مِنى
من جنّةِ الدنيا و مُزدلف الورى للنخلِ، للشرف الرفيعِ، تَعَدْننا
من طيبة الطيبِ المعتق حاضناً والمقبلُ الجاني لكرم المنحنَى
يا ذا الفتى الحاني لى سرواتِنا أشعلتَ جذوتنا وعدتَ محصّنا
والأحمرُ القاني بأوردةِ الصِّبا والأرضُ حُضنك إنْ عرضتَ مُهادنا
فالأرض أرضك ما ركضتَ مغالبا فاصدحْ وصحْ بالناسِ أنك من هنا
و الله قد أعلاك صوتَ حقيقةٍ أو كشَّر الأعداءُ عن نابِ الشنا






جاءت خديجة



طلعتْ فتاة الليل من صبح الهواء، فأورقت تيناً وزيتونا ً وألقت

للنخيل تحية الآتين من سفرٍ فأينعت الوجوه شقائقاً ونمتْ

حبيبات الندى مطرا ًَ على تعب القرى

قمراً على الباب العتيق لعالَمٍ نسي الحديث الطفل، والكلمَ

المذابَ مع ارتخاءِ النهرِ أولَ ما ظهرْ

نسيَ التطلعَ للقمرْ

طلعت على مد البصرْ.

جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ

دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ

قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا

قمراً على وجع القمرْ.

دمعتْ ... مشتْ

مشت الدروب على خطاها واكتفتْ

بالصمت حين تحدثتْ:

اللوح أسود

فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة

واحتموا بوجوهكم

وتبينوا أن جاءكم نبأُ

هذا أنا تعَبٌ، ومرساةٌ، وقيدٌ رافضٌ للقيد

(من يزرع قلوب الناس يُحصد: ذا زمان الحصد

من يسرق يُجازى بالتي...)

وضعت يديها فوق نافذة الكلام وأسرجت خيلاً

لعنق الشمس

واحتفلت بميلاد الحروفِ

وأطلقت عصفورها للبوح في طرق السماءِ:

لا تزرعوا قمحا ًمن قبل أن يجد الفؤاد طريقة للناس..

لا تركبوا بحرً من قبل أن يجد الحمام مكانه في القلب.. لا

لا تطلبوا أجراً على وجع الكلام، وحرقة القلب المضرج

قبل أن يفد الحمام.

قالت.. وأسدلت الكلام.

تتذكر الآن البدايةَ

مفرق الطرق القديمة..

كان "شام"

(إن تغرس السكين في الظهر ستغرسْ

ألف سكين بظهركْ)

جلست على طرف الكلام

هذا معاويةُ الذي..

ويضج طفل البوح في فمها ويشتعل الكلام:

لا تقرأوا التاريخ

زيفٌ ما يسطِّره الذيول

كفاكمو زيفاً على زيف ٍ

سنيُّ العمر مرت ما قرأت حقيقة

مرت كما مرت على الصحراء صائفة الغمام

تعبٌ وحال الناس في الأرض التعب

أن جاءكم نبـأ ٌ..

فهذا ساحل الرؤيا وإن عجَّت به ريح الشمال

تظل أصوات النوارس، صرخة الحيواتِ ملء رماله

فتبينوا أن جاءكم نبـأ.

دخلت على الحجرات في القلب المشاع

وجدت رماداً

ملؤه وطنٌ، وأسئلةٌ تثار ولا إجابة في المنابر

لا إجابة في رحيق السيف

وجدت نخيلا ً واقفا ً بالباب منحنيا ً

جداولَ جف فيها الطين

أسرابا ً من الوجع المهاجر

لا أمان

ولا مكان

ودمعتين نوافذ التوق الذي أدمنته عاماً فعاما ً

ثم نمت على الحجارة.. لم أخن

كشفتْ وكم كشفت عن الأوراق في حجراته

وأنا أصيح: قصيدتي وجه الزمن

صرختْ.. صرختُ وما فتئتُ أردد الصلوات في روحي

وأسترق الوطن:

كلا وربِّ السيف والكلمات والمدن الخرافه.

ما ناشني فرحٌ

ولا دونت اسمي في دواوين الخلافه.

مضت الفصول

خلعت جلدي

يا بلادا ً باعها السمسار للسمسار

وأستبق الغزاة إلى ملابسها

وتجار الصحافه.

لهفي على وطنٍ يغادرنا

ليسكن في المحافل والفنادق

تترك الصحراء أنجمها

وتبحر في ملفات العويل

وواجهات النشرة الأولى

وأقبية الفراغ

وتترك الأنهار أبناء القرى

لتنام في برك السباحه.

طلَبتْ موانئ

فتَّشتْ في السفْن عن وطنٍ بديل

تعبتْ من البحث الطويل

تعبتْ من الركض الذي يمتد من فرح الأجنة

وانطلاقات الجذور

إلى انحناءات الكهولْ

تعبت من الوطن البخيلْ.

وطنٌ سرابْ

غابٌ من القيم الخرافة

وانتماءٌ مرَّغ الوحل به أنف السحابْ

وطنٌ

عيونٌ فيه تستسقي

وتُسقى جمره

جيفٌ تفتش عن غرابْ.

وطنٌ ترابْ

يقف النخيل وكم يطول الوقت بالنخل

وكم ينأى السحابْ

وطنٌ ضبابْ

إن تدرك الأطراف تدركْك المنية يا معذب

فالتئم بالتربة العذراء

وليكن الغيابْ

غابٌ وغابْ

لا أرض في الأرض التي تهب السوادْ

لا أرض في الأرض اليبابْ

وطنٌ ترابْ

وطنٌ ضبابْ

وطنٌ سرابْ

سرابْ

سرابْ

طلبتْ مداداً

جف ماء البحر

صرختها استحالتْ نبتةً في غرَّة الصحراء

دمعتها استحالتْ قطرةً

(الغيث في الصحراء لا يأتي

إذا تعبتْ أكفُّ الريح وانهزم الجوادْ).

طلبتْ مزيداً من مدادْ

وطلبتُ منها أن نكونْ

أبقيتُ في يدها يديَّ

فكفتْ الدنيا عن التجديف

ذا بحرٌ

وقفنا

والسموات انتهتْ فينا

وكنا راحتين تحوطان الشمسْ

شفةٌ وشمسْ

لغةٌ ترطِّب مبسمين

حمامةٌ ترتاد ساحتنا

نُحِبُّ

نُحِبُّ

يا الله نحن الحبُّ

نحن الصرخة الأولى

ولون الماء والأشياءْ.

لوَّنـّـا الجداول

فاستدار الماء بالأسماك

واحتفلتْ على يدنا بميلاد الهواءْ.

ولوَّنـّـا البلابل في صباحٍ غائمٍ بالحب

أسكنَّـا حناجرها مفاتيح الغناءْ

ولوَّنـّـا القبائلَ

ذاب فصُّ الملح

والصحراءُ

من بحرٍ إلى بحرٍ

وهبناها مساء الخير، والكلمات

فرحتَنا

ـ نُحِبُّ .. نُحِبُّ

دفءَ اللحظة الأولى

وطعمَ الخبز ممزوجاً بطعمِ الرمل

وجه النخلة العفويَّ

نحن الحبُّ

نحن الحبُّ

ما كذَب الهوى قسما ً

ولا كذَبتْ يدان تحوِّطان الشمسْ

جاءت على شفةٍ وشمسْ

طلعتْ خديجة من تفاصيل الهواء فأشرقتْ

ونمتْ على يدها القرى

ونما الهوى أبداً

وما كذَبَ الهوى

كلا وما كذبتْ تراتيل القرى.

كلا وما كذبتْ تراتيل القرى.






حزن كنعان



هي كف يافا أشعلت شطآنه

في ذروة من نورها و وجيبها شدت علاها

في ظلام صاغه الشيطان

من قتلى الحضارة

راكضين الى جحيم اشعلوه مسومين بعارهم

ومن الجنود الواقفين على المنابع

ممعنين

ومانعين

وصاعدين على ركام من جرائم

لا تكفُّ

فلا يجف من الدماء سوى الدماء على الدماء

هو شاعر ما مات

أبصر ليله يذوي فأشعل صبحه

شدته يافا

من مزاج الخيل

لم تسأله مذا يفعل الشعراء عند الفجر

ماذا يفعل الغرباء في ليل شديد الهول

ماذا يفعل الإنسان

ولا وطن

ولا منفى

ولا رأس

ولا بأس

ولا شمع

ولا اشلاء

هي كف مانحة

فماذا يفعل الإنسان ولا نفس

ولا روح تصان

ولا يد تعطي خيار الكف

لا تغني

ولا يغني كفاف العزة البيضاء

هي كف يافا

من بقايا مرمر

وعناد حور

والتقاء عراقة عظمى من الأنهار والأجساد

فجرها لنا كنعان

واستلقى على ظهر البسيطة

مرجئاً بوابة الأحزان

وفواكه النسيان

لدموع يافيين

ما اقترفوا من الآثام غير جمالهم

شدتهم الدنيا على ظهر الرحيل ولم يزل

فيهم بياض ضارب في الضوء

ولا سكر

ولا ثمل

نجوم من كروم من خليل

من حنايا النور

في الأجساد

والبور

والأرواح

والكلمات

والفعل المضارع

والثبات

وحدَّةٌ

من أبيض التاريخ حتى الزرقة الخضراء

متأرجحين

على ضفاف

من غيوم

من تمور

من نخيل

من منافٍ لا تغربهم ولا تحنو على اطفالهم

عند المفارز

عند شارات المرور

وفي بهيم الليل والأضواء ناعسة

وشاعلة هي الأصداء

هي كف يافا

لا تزال بعيدة

وقريبة مني الوعود

إلا البنت

ياالله

هذي البنت لا تدري لماذا

لا ينام الليل في عيني

لا يصحو بها فجر

ولا عند الضحى

تمشى الهويني

في العيون نؤومة

وتعيد اشجاري لي الرزقاء

هي كف يافا

لا تكف عن العطاء اذا تجهمت السماء

هي التمام لنقص ايام الصحاري

واكتمال القادرين على العطاء




العبسي يُحاصر الذاكرة


مُلقىً

وعبلة لا تفارقني

لكأن رأسي خدرها

ويدي أصابعها

تُزيل الليل عن عينين واسعتين

أقرأ في سوادهما وأكتبُ - حين أكتب- دمعتين:

خدرها وطنٌ

وعيناها يدان

مدنٌ تعلمك الكتابة والحديث

مدن تعلمك الرّهانَ وكيف تخسر في الرهان

تركضُ من طفولتك الفقيرة

ورتعاشك في الحجاز"الطائف" الجبلي

والماء الرضي

إلى ارتعاشك في سوادهما

زمان غامض

والجوع وديانٌ من الحزن الحثيث

لكنّ عبلةَ لاتفرطُ في الحديث!

ولا القدم

وأنا القصيدةُ لم تتمْ؟!!

**

مُلقى

حذائي تحت رأسي

والسماءُ خفيضة

ولصيقةٌ بفمي

ودمي تعطّل عن مُجاراة الهواء

في نهارٍ طلّق التاريخُ دورتهُ

**

قطعانُ قلبي

لم تجد مرعى يليقُ بجائعٍ

وطيور عيني دون ماءٍ

الآن نعرفُ سرّ هذا الثقبِ

في جسد السماء

قطعانُ قلبي دون ماء

الآن نعرف سرّ هذا الرعب

قطعان قلبي والعصافيرُ الصغيرةُ دون ماء

الآن نعرف سرّ هذي السُحب

قطعانُ قلبي دون ماءٍ

أسلمتُ ماء قصيدتي

**

قطعانُ قلبي

لم تجد مرعى يليقُ بجائعٍ

وطيور عيني دون ماءٍ

الآن نعرفُ سرّ هذا الثقبِ

في جسد السماء

قطعانُ قلبي دون ماء

الآن نعرف سرّ هذا الرعب

قطعان قلبي والعصافيرُ الصغيرةُ دون ماء

الآن نعرف سرّ هذي السُحب

قطعانُ قلبي دون ماءٍ

أسلمتُ ماء قصيدتي

لقوافل الفقر البطيء

وكان أوّلها فمي :

يا دار عبلةَ بالجواء تكلمي!






المُغني


أنا أولُ العاشقين وآخرهم

سقطت نجمة عند بابي

صرختُ ثيابي

نزعتُ من شبابي الطفولة

أدركتُ أنّي

على غير ما استسيغُ أغني

أكلُ الذي في البرية يُحمدُ؟!

إني اتخذتك همّي

وساءلتُ نجم العشية قُدني

أبي ليس يعرفُ

أمي مضت

فمن ذا سيرفعُ رعبَ العبارة عني؟!!

وماذا يظلُ؟!

ومن ذا على هدمه سوف يبني ؟!

ومن ذا على ذمّه سوف يُثني؟!!

ولا دهشةٌ في المآب

ولا دهشةٌ في التجني

سأذكرُ ما ليس يُذكرُ

إني افتقدتُ البراءة

حين افتقدتُ التمني

فقد كانت الأرضُ

ناعمةً والطفولةُ

مجنونةً والليالي

بوح الحقيقة للحقِ

بوح المُدانين بالدّين

بوح العصافير صادحةً دونَ منّ.

وماذا يظلُ؟!!

الحقيقةُ

أم جفوة الرّملِ؟!

هجسُ الفجيعةُ

أم هجعة المطمئنِ ؟!

أيا أيها الوعيُ

يا أيها الوعيُ

أفسدتَ ذوق المغني!!

بوح العصافير صادحةً دونَ منّ.

وماذا يظلُ؟!!

الحقيقةُ

أم جفوة الرّملِ؟!

هجسُ الفجيعةُ

أم هجعة المطمئنِ ؟!

أيا أيها الوعيُ

يا أيها الوعيُ

أفسدتَ ذوق المغني!!





ابن باجة



النوابت سرُ الفتى

والنوابتُ سرُ المدى

والنوابتُ سرُ الولادة

تلك التي كيفما يشتهيها الغلاة ستُمنحُ

قد كان في غفلةٍ

هكذا قيل

لكنه كان فيما يُخبئُ

منتصراً للحياةِ.. على قهرهِ

للنوابتِ في سره

لم يكن غيرهُ والنوابت

لم يكن غير حلم الولادة

للنوابتِ في سره

لم يكن غيرهُ والنوابت

لم يكن غير حلم الولادة





الفارابي


وحدهُ يبني

ويخلقُ في فضاء الله

مشروع الولادة

وحدهُ الآتي

طيورٌ حنطةٌ في الشمس تتبعهُ

تسرّبُ من يديه

وتعتلي صمت الإرادة

إلا النوابتُ ضده

في العقل

ناثرةً بذور الجهل

محكمةً سواده

نجم سهيل
07-08-2009, 05:48 PM
قصيده رائعه وجميله

بعطيك العافيه


لك الشكر