مشاهدة النسخة كاملة : قراءة بلاغية في سورة الكافرون (1


ترانيم عشق
05-06-2025, 09:57 AM
قراءة بلاغية في قصار السور
الحلقة الأولى
سورة الكافرون

قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 1 - 6].

هي سورةٌ مكيَّة، آياتها ستٌّ، وتُعَدُّ سورة التوحيد والبراءة من الشِّرك والغِوايةِ والضَّلال؛ فقد طلَبتْ قريش من الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يَعبُدَ آلهتَهم سنةً، ويَعبُدوا إلَهَه سنةً، فقال: معاذ الله أن نُشرِك بالله شيئًا، فقالوا: فاستَلِمْ بعض آلهتنا نُصدِّقك ونعبُد إلَهَك، فنزلت السُّورة، فغَدَا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المسجد الحرام، وفيه الملأُ من قريش، فقامَ على رُؤوسِهم، فقرَأَها عليهم، فأيسوا منه، وآذوه، وآذوا أصحابَه، كما يَذكُر الألوسي في "روح المعاني"، والقُرطبي في "جامعه".

قوله: ﴿ قُلْ ﴾ هو أسلوب إنشائي، نوعُه أمرٌ، غرضه النُّصح والتَّوجيه، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي الجرأة في الحق، ووجوب الإعلان عنه، والتصريح به، كما أنَّ فيه كنايةً عن صفةٍ هي صِدقُ الرَّسول فيما بلَّغ، وعدم كِتمانه شيئًا ممَّا أُمِرَ به، كما أنَّ فيها صَدْعًا بالحق، وعدم خِزي منه أو استِهانةٍ به، وفيه كذلك تعليمٌ للصَّفِّ المؤمن أنْ يقولَ الحقَّ، لا يَخشَى في الله لَوْمَةَ لائم، وأنْ يجعَلَه ديدَنَه في الحياة، يَنشُرُه ويَذُود عنه، ويموتُ في سبيله؛ لكَوْنه الأحقَّ بالحياة والحُكم والبَقاءِ.

﴿ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ﴾: هذا أسلوبٌ إنشائيٌّ، نوعه نداء، غرَضُه البَراءة من الكُفر وأهله، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي أنَّه محروسٌ بالله، مَحُوطٌ بعَوْنِه، مشتملٌ على رِعايته، فينطقُ بالحق، لا يَخافُ من الباطل وأهله، والوُضوح سمةُ الداعية، وعِند احتِدام الأمر لا محلَّ للخَلط وحديث النِّفاق، وإنما لا بُدَّ من وُجود حُدودٍ فاصلةٍ، فمع أنهم سيغضَبُون من نسبة الكُفر إليهم، لكنَّه صَدَعَ به على ملأٍ منهم، وفي وُجود الخلق في المسجد الحرام، وفيه دليلٌ على أنَّه مأمورٌ بذلك من عِند الله، كما أنَّ في هذا النِّداء كنايةً عن صفةٍ هي عدم الخوف منهم، أو المبالاة بهم، وبطَواغِيتهم، وهكذا أهلُ الصِّدق ثابتو الجنان، مُطمئنُّو القلب؛ بسبَبِ رعاية الربِّ سبحانه، كما أنَّ الخِطاب بهذا النِّداء إنما ورَد للتَّشنيع والتَّوبيخ على أهل مكَّة، واسم الفاعل (الكافرون) يحمِلُ الفعل ومَن قام به، وفيه النيَّة المبيَّتة للفعل، أو أنَّ "أل" موصولة، وهذا يعني أنهم كفَرُوا، واتَّخذوا الكفر مَنهَجًا وطَريقًا؛ ومن ثَمَّ وجبت البراءة منهم.

﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾: (لا) تنفي الحال، فأنا لا أعبد إلهكم في الحال كما تطلبون إليَّ، فهي كنايةٌ عن صفةٍ هي التوحيد، والتبرُّؤ من عِبادة الأوثان والأصنام، وهي إلَهُهم الباطل، واستعمالُ المضارع المنفيِّ يفيدُ كمالَ البراءة واستِمرار الوَلاء لله، والتخلُّص من كلِّ شَوائب الشِّرك، وفيه كنايةٌ عن المسؤوليَّة الفرديَّة، فالهمزة في (أَعْبُدُ) تُبيِّن ضَرُورةَ تبرُّؤ كلِّ إنسانٍ من عَقائد الوثنيَّة، كما أنَّ استعمالَ (ما) في المعبود - وهي الدالَّة على غير العاقل - تُبرِزُ عدمَ اعتِرافِه به، أو إقراره بألوهيَّته، فهو في إطار ما لا يَعقِل، ومن ثَمَّ فلا حقَّ له في الألوهيَّة، كما أنَّ فيها خَلْعَ صِفات الإله من سمعٍ وحسٍّ وعقل واتِّزان، فهو أشبَهُ بِجَمادٍ عُبِّرَ عنه بـ(ما) الموضوعة لغير العاقل.

و﴿ تَعْبُدُونَ ﴾: تدلُّ على دَيْمُومة عبادتهم له، واستمرار دُعائهم إيَّاه، مع أنَّه صنمٌ ووثنٌ، لا يعقلُ ولا حيلةَ له، ولا ينفع نفسَه فضلاً عن تقديم أيِّ لونٍ من النَّفع لسِواه، وفي الآية كناية سلب (لاَ أَعْبُدُ - تَعْبُدُونَ)، والضدُّ يُظهِر حُسنَه الضدُّ، نفي وإثبات لمادَّة لُغويَّة واحدة (عبد)، وفيها مقارنةٌ بين حَياتهم المتدنِّية، وعقيدتهم الفاسدة، وحياته السامية، وعقيدته الصحيحة، وبضدِّها تتميَّز الأشياء، إنها حياة الطُّهر والعَفاف والنُّور، وفي مقابل حياة الفُسوق والخنا والظُّلمات.

﴿ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾: تأكيد وترشيح إلى أنَّ عُقولهم لا تصلُ إلى العبادة الحقيقيَّة والعقيدة الصحيحة الراسخة؛ فهو يعبُدُ الإلهَ الحقَّ، وهو الله ربُّ العالمين، الحقيق بالسجود والأولى بالطاعة، وهم يَعبُدون أحجارًا وأشجارًا وأوثانًا لا تستحقُّ أنْ تُسمَّى معبودًا، فضلاً عن عِبادتها، وشتَّان ما بين عبادة الرحمن وعبادة الأوثان، والجملة الاسميَّة تفيدُ الثُّبوت والاستِمرار، كما أنَّ الفِعل المضارع (أَعْبُدُ) يُوحِي بسَلامة العلاقة، وحُسن الاتِّصال، ودَوام العبادة وصِدق الطاعة.

نجم أبو أحمد
05-06-2025, 03:50 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

مديونه
05-06-2025, 04:01 PM
لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/images/a3zz-7891e79eef.gif

جنــــون
05-06-2025, 06:17 PM
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ
https://upload.3dlat.com/uploads/3dlat.com_17_19_ba83_fb0eb66adb0a14.gif

ضامية الشوق
05-06-2025, 06:32 PM
جزاك الله خيرا

طهر الغيم
05-06-2025, 08:26 PM
يعطَيّك العافَيَة عَلَّى الطَرَحَ الرائع
مآننَحَرَم مَنّ جَدِيَدَكَّ آلَمَمَيَّز
أَمْنِيّآتي لك بُدَّوَأَمْ التألق
والٍإِبْداعٍ لَكِ الْشُكْر,‘

عازفة القيثار
05-07-2025, 01:32 AM
جزاك الله خيرا
ونفع بك ع الطرح القيم والمفيد
وعلى طيب ماقدمت
اسعد الله قلبك بالأيمان
وسدد خطاك لكل خير وصلاح
وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
دمت بطاعة الرحمن

ترانيم عشق
05-07-2025, 10:28 AM
عبق نرجسي يسطر بعذوبه
وجمال يعانق السماء كجمال الانتقاء
على مروركم الراقى
ولاعدمنا تشريفكم لمتصفحنا دوما
تحياتى لكم

أبو إبتهال
05-07-2025, 04:43 PM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

ترانيم عشق
05-08-2025, 11:54 AM
عبق نرجسي يسطر بعذوبه
وجمال يعانق السماء كجمال الانتقاء
على مروركم الراقى
ولاعدمنا تشريفكم لمتصفحنا دوما
تحياتى لكم

نظرة الحب
05-08-2025, 02:27 PM
يعطيك العافيه على الاختيار
ويعطيك العافيه على مجهودك
.
.
احترامي..

فزولهآ
05-11-2025, 03:20 PM
طرح جميل

القبطان
05-20-2025, 12:24 AM
http://img-fotki.yandex.ru/get/6617/153292660.405/0_9272c_71f96b43_L.png

جزاك الله خيرا
وبارك فيـك علام الغيوب
ونفـــس عنــك كـل مكــروب
وثبـت قلبـك علـى دينـه
إنــه مقلـب القلـوب
دمت بحفظ الله ورعايته




http://img-fotki.yandex.ru/get/6617/153292660.405/0_9272c_71f96b43_L.png