ضامية الشوق
12-28-2024, 04:15 PM
لقد خلق الله العليم الخبير ابن آدم من تراب ..
فهو يحوي جميع ما في التراب من صفات الشدة في الحجر والسهولة والليونة والانبساط في السهول والهضاب ..
بل وربما حمل صفات مواد الأرض من معادن وفلزات وغيرها..
وهذا يفسر التباين الشديد بين البشر في الصفات والطبائع والألوان رغم كونهم من أصل واحد..
وأيضاً يكتسبون صفات إضافية من بيئاتهم ومناطقهم التي يعيشون بها ..
وحين خلقهم من ذكر وأنثى ... أبان بين الجنسين وجمع في الصفات..
فجعل بينهم من القواسم المشتركة ما يقرب بينهم ويؤلف ..
وجعل في كل جنس صفات ليست في الآخر وهو في أمس الحاجة إليها ..
فيكون كل جنس مكمل للآخر ومتمم ..
ثم نفخ فيه من روحه إكراماً لهذا التراب وسمواً به..
فالنفس تشرق وتسمو بقدر علوها عن التراب الجسدي ..
فالإنسان مكون من جسد ترابي ونفس روحانية ..والدين أتى بالموازنة بين حاجات الجسد والروح ..فإن طغت إحداهما على الأخرى انحرفت الفطرة ..
فمن غلّب الجانب الروحاني على الجسدي بدرجة كبيرة ففيه شيء من
رهبانية مخالفة للسنن الإلهية والهدي النبوي..
ومن غلب الجانب الجسدي الترابي غلبت رغباته الجسدية الحاجات الروحية مما يضعف الجانب العبودي لديه ..
وكلاهما ظالمين وعن الحق حائدين..
وهذا الجانب ( الأخير ) هو الغالب على أهل هذا الزمان..
عذراً قد أكون أسهبت في المقدمة .. ولكني أردت أن تكون الصورة واضحة أمامكم..
ندخل الآن إلى موضوعنا الذي أريد أن أدلف إليه...
إنها كلمة لطالما أعيدت و كررت ..
شن عليها البعض حرباً شعواء بسبب مفهوم مغلوط لبَّس عليهم معناها الجميل ...
وناضل أقوام واستماتوا في الدفاع عنها بما غشيها من تحريف وتضليل...
وقليل هم الذين حازوها نقية صافية وحافظوا عليها من التلبيس والتحريف..
أتعلمون ما هي ؟؟؟
إنها,,’’,,.. الحــــــبــــ ــــــ&..,,’’,,
الحب الذي تهفو إليه نفوس البشر على الإطلاق ..
نعم على الإطلاق بلا استثناء..
فو الله إنه لا يوجد نفس بشرية لا يأسرها الحب ..ولا ترنو إليه..
فما من عاقل إلا وتسمو نفسه إلى ذلك الشعور الذي يجعل النفس حتى وإن كانت صحراوية الأحاسيس تزهر بالورود الجميلة..
بل أن الصحراء حين يأتيها الغيث تموج بزهور ورياحين قل أن ترى في غيرها من البقاع ...
فالحب هو الماء الذي نروي به أرض قلوبنا لتزهر ..
وهو ضرورة وأجدها الرحمن في القلب لا يستقر حاله إلا بوجودها..
بنوعيه...
حب روحاني .. وهو الذي لله سبحانه وفيه...
وحب جسدي ترابي.. ويدخل فيه حب الزوج والوالد والولد.. بتشعباته ودرجاته..
وهو نوعين ..(كلاهما الروحي والجسدي)
حب مكتسب : يوجد بسبب الإحسان وصنائع المعروف..( فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها )
فالخلق جميعاً يحبون الخالق لأنه محسن إليهم أيما إحسان.. يستوي في هذا الحب مسلمهم وكافرهم..
وكذلك يحبون من أحسن إليهم من البشر بغض النظر عن أشكالهم وقرابتهم ..وهو حب( الإحسان)
وحب هبة ورزق وعطية :.. يعطيه الله من شاء من خلقه لحكمة ويمنعه من شاء لحكمة أيضا ولا بد أن نعرف أن الله سبحانه لا يظلم أحداً وأقداره جميعاً عادلة وفي غاية الحكمة والعدل..
فمن منعه الله الحب الجسدي الترابي .. وإن شعر بألم لهذا المنع وأحتسبه عند الله .. ولكن عنده أمل أن يعيشه في الآخرة ..
ولكن ليت شعري ما هو حال من حرم الحب الروحاني الذي يوصله لحب الرحمن المنان.. وينجيه من النيران..
ويجعله من الخالدين في الجنان...
( حب الخالق سبحانه)
يقول ابن القيم رحمه الله :
أما والذي شق القلوب وأودع .... المحــبة فيهــا حيث لا تتصرم
وحمّلهــا قــلب المحــب وإنــه .... ليعجز عن حمل القميص ويألم
وذلّلها حتى استكانت لصـولة ... المحبـــة لا تــلوى ولا تتلعـــثم
فكلامه رحمه الله عن الحب في هذه الأبيات يشمل النوعين..
والموفق السعيد من رزق الحبين وجمع له الرحمن بين سعادة الدنيا والآخرة..
ولكن في حال المؤمن إذا تعارض النوعين فلابد أن تكون الغلبة للحب الروحاني ( حب الله ونبيه وشرعه)
فالروح علوية لابد أن تسمو على الجسد الترابي الطيني
جعلني الله وإياكم ممن غلب حبه لربه كل حب..
نأتي الآن للحب الجسدي الطيني ..
فالجسد لابد له من حب الجسد .. والطين لابد له من حب الطين..
سأبدأ بالعلاقة بين الجنسين والتى أحتكر الحب لها ..
فلا يدندن به إلا حولها..
قلنا بأن الله خلق البشر من جنسين بينهما شيء من صفات مشتركة وكثير من الاختلاف.. وأوجد ميلاً من كليهما للآخر لغاية عظيمة وحكمة بالغة .. منها أنس ابن آدم وطمأنينته في الحياة الدنيا .. وعمارتها بالنسل والتكاثر...
ولولاها لما حن ذكر لأنثى ..
أعني هنا العاطفة والمشاعر الجنسية ..
ثم يأتي عبيد الشهوة ليصوروا الحب على أنه هذه الجزيئية البسيطة ..
وهو أعظم وأكبر من ذلك..
لنأتي للمسألة من الوجهة الشرعية الفطرية ..
ثم نقيس عليها الشواذ مما سواها..
حين يصل الإنسان لسن البلوغ يجد في نفسه ميلاً للجنس الآخر وضرورة للارتباط به ..
فهنا حث الشارع على المسارعة لتلبية هذه الرغبة لتسكن النفس وتطمئن...(...ليسكن إليها...)
وشرع طريقاً واحداً وهو الزواج ...
وأمر بتيسيره وتسهيله والمسارعة إليه ..( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء(
لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً أخرى لتفريغ هذه العاطفة إلا هاتين الطريقتين ..
الزواج و الصيام ..
وذكر الصيام حكمة عظيمة لأن الإنسان في حال صومه يكون أبعد عن الدنيا وأقرب من ربه..
وأيضاً الصيام فيه تضييق لمجاري الشيطان في ابن آدم حيث يجري منه مجرى الدم ..
ومعروف أن الإنسان أثناء صومه ينخفض ضغط دمه ومروره في الأوردة والشرايين ...
إذاً حديثي سيكون بعنوان..
الحب والزواج..
حين يريد الشاب خطبة شابة ما .. لابد وأنه يطمح من وراء هذا الزواج في :
استقرار وسكن وحب ورحمة وتآلف وفوق ذلك ذرية صالحة.. وفي سبيل ذلك تهون عليه الصعاب ويرخص كل غالي ..
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة ..
قد يختلف الحال بين فئة وأخرى وشخص وآخر ..
فالناس يتباينون في صفاتهم وطبائعهم ومطالبهم ..
ولكن من هذه الناحية يكادون يلتقون جميعاً أعني العواطف والأحاسيس
وإن كانوا ليسوا بدرجة واحدة..
فهناك العقلاني .الذي يزن الأمور بالعقل والتجربة..
والعاطفي المغرق في العاطفية الحالمة..
ومن بينهما ..
ولكن جميعهم بلا استثناء تأسرهم العواطف ويجذبهم الحب..
من أجل ذلك استغل أعداؤنا هذا الانجذاب وذلك الأسر لتسويق الرذيلة بين أبنائنا وبناتنا في.الإعلام ..
فأتت مقولة : لا زواج قبل الحب..أو الحب قبل الزواج..
واستعانوا بتزيين إبليس نعوذ بالله منه لهذا الحب ..
فارتحل فتيات ونساء منا وعلى ديننا وتربين في مجتمعاتنا ليفتن الرجال فيضللن ويغوين بلباس فاضح..
وعباءة تحتاج إلى حجاب .. وبالخضوع بالقول والفعل ..
وارتحل شباباً منا تربوا بيننا وعلى ديننا ليغروا فتياتنا ويوقعوا بهن في أتون الرذيلة والفضيحة في الدنيا .. والعذاب والخزي في الآخرة..
وكل ذلك بدعوى الحـــــــــــــــــــــب...
عن أي حب يتحدثون وبأي حب يحلمون ..
رسالة .. لك أيها الشاب:
اعلم أنك لن تفكر بالزواج بمن جاهدت لتقيم معها علاقة ولو بالكلام .. حتى ولو أحببتها كما يقولون ..
حدثني أحد أقاربي بأنه رأى صديقاً له يبكي من فرط حبه لفتاة له علاقة بها عرف أن والدها سيزوجها ..
فقال له :
ولماذا لا تتقدم لخطبتها إن كنت تحبها لهذه الدرجة ..
فقال : أحبها نعم وكأني مقتول لو تزوجت .. ولكن زوجة... لالالالالا ..
حبيبة فقط ..
يعني للتسلية فقط...
أقول لك اتق الله وأعلم أن ما تعمله بأعراض المسلمين سيصيبك في عرضك ولو بعد حين...
وأنت أيتها الدرة المصونة بدينها وعفافها ..
إياك أن تثقي بذئب يلقي إليكِ معسول القول وجميل العبارات ليوقعك بفخه .. ثم تقولين: سيتزوجني. وعدني بذلك..
إليك هذه القصة ..
أحدهم له قريبة تسكن في منطقة أخرى غير منطقة سكنه..
ويأتون إليهم في المناسبات والأعياد..
رآها خلسة فأعجب بها .. وحض إحدى أخواته أن تجعله ينفرد بها ..
وحصل ذلك عدة مرات ..
يقول :
كانت من الحياء لا تستطيع أن تنظر في وجهي ..( ولكن لتزيين الشيطان لم توقفه عند حده.)
وشيئاً فشيئاً أصبحنا ننفرد ببعضنا عندما يأتون إلينا أو نأتي إليهم لعدة دقائق ..
ولم تزد لقاءاتنا على نظرات وكلمات من قبلي .. بل ولم ألمسها إلا مرة واحدة أمسكت بيدها فقط..
أصبحت أحبها بجنون ..وهي كذلك..
وتقدمت لأبيها خاطباً فوافق .. ولكن ..
أصبحت قلقاً جداً وتنتابني شكوك فيها .. ويسيطر علي كونها كما خانت أهلها وكانت تلتقي بي ..
فقد تخونني مع غيري فلست أكرم عليها من أهلها ..
فكيف أثق بمن خانت أهلها ..
وهكذا .. حتى تركها ...بعدما حطمها ..
وهو قد يجد من تنسيه حبها ..
ولكن هي هل ستنساه أم ستسطر الأشعار والخواطر في حبٍ لم تعشه ولم تنعم به..
وأتحدى أن تكون قصة حب كانت في حرام تدوم و ينعم بها أصحابها..
فأنى لعاطفة يؤججها الشيطان ويسعر نارها أن تبقى ..
فالله سبحانه سماه الغرور..
فما ينسجه من حب ما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ...
فالحب الذي يدّعونه قبل الزواج ..
هو في الحقيقة طوفان هائج وبحر مائج .. لا تستقر عليه سفينة الزوجية إلا في ما ندر ..
بعكس .. حب الزواج الصافي من الشوائب ..
الذي أقرب تشبيه له الينبوع المتدفق ..
يروي الأرض فتنبت العشب والزهور والرياحين ..
تلتقي ينابيعه مكونة مجرى هادئاً يبحر بزورق الزوجية في هدوء وسكينة .. وعلى حافته ما يبهج القلب ويسر العين ..
وقد يستمر ذلك الإبحار لتلك الديار التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا طر على قلب بشر...
ومن أراد أن يستمتع بعذوبة هذا الحب فلا يغامر قبله بتجارب حب شيطاني ..
فكلما كان القلب خالياً أحب بصفاء ونقاء..وتمكن الحب منه..
مما يجلب مزيداً من السعادة والهناء..
ألم يقل الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ***** فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وقال الآخر :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى.....ما الحــــب إلا للحـبـــيــب الأول
حين يريد الرجل خطبة فتاة ما ..
رغّب الشارع في النظر إلى ما يدعوه لنكاحها .. وبالذات إن عرف في عائلتها عيباً..
لقول النبي صلى الله عليه في الحديث الوارد:
( أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) قيل زرقة وقيل صغر..
ويجوز له أن ينظر إليها من دون علمها إن استطاع .. بشرط أن يغلب على ظنه قبولها له..
ويحل له أن ينظر إلى ما يدعوه لنكاحها مما يظهر عادة في البيت.. وليس صحيحاً أنه لا يحل له إلا الوجه والكفين..
كل ذلك من أجل بذر بذور المحبة..
فهي في الحقيقة جس نبض للقلب لمعرفة ردة فعله تجاه الطرف الآخر ...(النظرة الشرعية)
فقد يزرع الله المحبة بينهما بمجرد النظرة..
وقد يتأخر الحب فلا يأتي إلا بالمعاشرة والتعايش...
وقد يكون شديداً وجارفاً ويخبو مع الزمن .. وأغلب حالات هذا النوع حين يتميز المحبوب بصفات ظاهرة مميزة ..
ولكن مع العشرة يتعود الشخص على تلك الصفات .. ولا يجد فيه صفات متجددة تحيي جذوة هذه المحبة ..
وأقرب تشبيهاً لهذا النوع إشعال النار في أعواد رقيقة هشة فتشتعل النار فيها بسرعة هائلة وقوة ...
لكن لا تلبث أن تخبو وبنفس السرعة التي اشتعلت بها..
أما المحبة الكاملة العميقة فهي التي تزيد مع طول العشرة..
وأكبر مثال لهذا الحب .. هو حب النبي صلى الله عليه وسلم ..للسيدة خديجة رضي الله عنها..
فلقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم ..لما تحمله من صفات العقل والحكمة والرقة والحنان..
فهي رضي الله عنها عرفت كيف تحتويه وتعوضه ما حرم منه من حنان الأمومة .. بسبب يتمه ..
وتواسيه في ما يصيبه ويحل به من وصب ونصب..
فأحبها حباً عظيماً رغم الفارق العمري بينهما..
حتى قال لعائشة حبيبته رضي الله عنها : ( لقد رزقت حبها..) يعني خديجة..
وكذلك حبه لعائشة رضي الله عنها ..فهو قد أحبها لصفات متجددة فيها كالذكاء والفطنة والفقه وليس لشكلها الظاهري فقط ..
فقد روي أن صفية رضي الله عنها كانت أجمل نساء النبي صلى الله عليه وسلم..
وكلما أخلص الإنسان لشريكه وتقرب إلى الله تعالى بإدخال السرور والسعادة لقلبه ..
أعطاه الله منهما ضعف ما أدخله على شريكه سيما مع الدعاء..
كـــ:
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين..)
(اللهم أملأ قلبي بمحبته ,وعيني إعجاباً به , ونفسي سروراً بلقائه, وهو كذلك.)
وسوف أذكر لكم قصة واقعية
تقول ناصحة ..
ينبغي للمؤمنة ألا تيأس من رحمة الله تعالى إذا لم يعطها الله ما تتمنى من الصفات في زوجها ... ولنترك لها الحديث لتحدثنا بتجربتها..
تقول :
تزوجت برجل تربطني به نوع قرابة وقد عرف عنه الشدة والغلظة والجفاء .. مع التزامه الظاهر ..
كنت حينها في السادسة عشرة من العمر ولكن بحمد الله بعقل وعلم الكبيرة الناضجة ..
وكان هو في الرابعة والعشرين..
كنت أسمع قريناتي يتهامسن الله يعينها بتعيش معه هو وأهله بعد ..
وكان أهله معروفين بالبخل وعدم التواصل العاطفي مع أقاربهم ..
لم يكن لي خيار فأنا أخجل من والدي .. ووالدي أهم أمر عنده كونه ملتزماً...
دخلت عليه وقد خصص لي سكناً فوق والدته (ملحق)..
فوجئت ليلة الدخول بتواضع الأثاث ..(نفس أثاث أمه تقريباً )
مع كونهم على مستوى من الثراء لا بأس به..
كنت مميزة جداً لا يكاد يماثلني أحد من أقاربي ومعارفي في كل شيء تقريباً..
ذكاء وفطنة وثقافة وجمالاً..
منعني من إكمال تعليمي .. وقال هذه الكتب إن أردت أن تتعلمي .. أما دراسة وعمل فلا ..
وكانت لديه كتب لا بأس بها .. وزدت عليها مع مرور الوقت..
عكفت فترة تفرغي على الكتب والقراءة .. وكانت هوايتي المفضلة..
نسيت الدراسة وأقنعت نفسي أن هذه حياتي ولا بد أن أنجح فيها..
كنت رقيقة العاطفة لا أجرح أحداً رومانسية إلى أبعد حد .. بعكسه تماماً..
الدباشة والرعن مركب..
ولكنني رحمته حقيقة فلم يكن في عائلته مكان للعواطف أو حتى الاحترام أو الخصوصية ..
يتدخلون في شؤون بعضهم وفي كل صغيرة وكبيرة .. على عكس ما تربيت عليه تماماً..
لدرجة أني لم أخرج السنة الأولى بمفردي معه إلا لأهلي لزيارتهم ..
واكتشفت أن هذا كله ردة فعل .
لزواج أخيه الأكبر من امرأة سيطرت عليه تماماً فلا يخرج ولا يدخل إلا برضاها..
عاملته معاملة راقية جداً كما تعامل الحبيبة حبيبها مع أني لم أكن أحببته بعد بسبب حاله وما كان عليه..
وعاملت أهله كما أحب أن يعامل أهلي .. أحبني أبوه لخدمتي له وطاعتي ..
كنت إذا اشتريت لي ملابس أعرضها عليهم ..
وكانت له أخت في مثل سني ..فكنت أخيرها بين ما اشتريت ..فتختار أحسنه بلا حياء ولا حرج ..
أما أنا فقد كنت والله في غاية السعادة ..ليس اختيارا مني ولكن فضلاً من الله أسبغه علي رغم صغر سني ...
أصبحت قريبة شيئاً ما لأخواته وأمه ولكن ليس حباً لأنهم لا يعرفونه ولا يحسنونه..
قد تعجبون أني لم أكن أظهر لأهلي أي شيء عن سلوكهم ومعائبهم..
خوفاً من سقوطه من أعينهم ..
فقد كنت شديدة الحرص على ألا يعاب شيء يخصني ولا يظهر عيبه..
وهذا أيضاً رحمة من الله بي ..
فالزوج والزوجة ينسيان ما حصل بينهما بمجرد الاتفاق بعكس الأهل..
وكان يكثر علي من قوله .. سأتزوج بأربع فالرجل هو من يعدد أما الضعيف فيبقى على واحدة ..
ربما ليغيظني ..
وكذلك أهله .. حملت بحملي الأول وتعبت كثيراً في فترة الوحم .. ولكن لم أر منه حناناً أو عطفا ً ..
حتى إذا قال قولاً حنوناً أشعر في قرارة نفسي أنه تصنعاً..
استمريت أعامله بأفضل طريقة ممكن تعامل بها زوجة محبة لزوجها .. وأدعو الله
حتى أعطاني الله ما طلبته وحصل ما كنت أتمناه..
شيئاً فشيئاً بدأت ألمس تغيراً واضحاً فيه..
بدأ يشعر بخطئه وخطأ طريقته التي كان يسير عليها ويعزو ذلك لتنشئته الأسرية .. وجفافها العاطفي ..
حتى حظيت عنده بدرجة لم أكن أحلم بها أو تخطر لي على بال ..
وأصبحت قرة عين له بحق ..ما يشعرني به..
بلغ حبه لي درجة لا يمكن أن أصفها ..
حتى إني الآن أشعر بحرج شديد من أولادي بسبب نظراته وكلماته التي تفيض حباً وجوى ..
لم يعد يسافر بمفره كما كان سابقاً ( كان سفره للدعوة والسفر المباح فقط)..
بل يصر على أن أكون معه ..
حتى إنه في آخر سفرياته السابقة لم يستطع أن يبقى المدة التي كان مفروضاً أن يقضيها ..
بل قطعها ورجع ..
وحين عاد قال لي:
شعرت أني فارقت أنسي وبهجتي بمجرد سفري ..
والله أني لم أهنأ بأكل ولا نوم ولا طبيعة ..
كنت إذا أكلت تمنيتك معي ..
وإذا رأيت منظراً جميلاً حزنت ألا تشاركيني تلك المتعة ..
وإذا جاء الليل هزني الشوق إليك .. أتذكركم في كل لحظة . .لم تغيبوا عن بالي دقيقة واحدة..
فأيقنت أنه فضل من الله علي وابتلاء لشكري .. وثمرة لدعائي ..
أصبح يفاخر بي بين أهله وأصحابه..
لم يعد يحزنني بترديده: ..(أيقني أني سوف أتزوج أربعاً فوطني نفسك على ذلك)
بل إنها عرضت عليه فأبى وقال :
لن أجرح قلباً أحبني وتحمل عوجي صابراً محتسباً حتى أسكن حبه قلبي الذي ما كان يعرف ما هو الحب..
ثم إني متيقن أني لن أجد مثلها ولو طفت الأرض..
ثم إنه أصبح لا يرد لي طلباً ..
بل والله إني لا أذكر له رغباتي إلا إذا كانت ضرورية خشية أن يكون تبذيراً أو يسخر منه أبناءه ..
تولى بخله إلى غير رجعة ..
أشعر أني إذا تكدرت أو غضبت على أولادي يجحف بهم انتصارا لي ..
مما يدفعني أن أظهر البشر دائماً .. ليأنس ..
بالمختصر المفيد عاشق بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ..
ومع ذلك هي أعظم معين له على دينه والدعوة إليه..
أتدرون بعد كم حصل هذا..؟
بعد أكثر من عشر سنين .. من الجفاف والتصحر ..
الآن لهما أكثر من عشرين سنة زواج ..
وكأنهما في سنتهما الأولى ..
والله أني أشعر حين أراهما بالغبطة ..
وأقول لئن كانت الزوجية هكذا فهي جنة الدنيا ...
لكن الحق يقال إنها تستحق ذلك ..
فمع كونها لديها ثمانية أبناء وقد قاربت الأربعين..
إلا أنها تبدو لمن يراها وكأنها في العشرينات من عمرها ..
لاهتمامها بنفسها وهندامها ..
وفوق ذلك علم وخلق ودعوة ..
فبلغها الرحمن سعادة الدارين ..
وحشرها مع المتقين ..
وألبسها حلل السندس والإستبرق وجعلها على الأرائك من المتكئين..
وأصلح لها بنيها وبناتها وأقر عينها بهم ..
وجعلهم من الشهداء يا رب العالمين..
ووالديها ومن تحب يا رب العالمين..
فهو يحوي جميع ما في التراب من صفات الشدة في الحجر والسهولة والليونة والانبساط في السهول والهضاب ..
بل وربما حمل صفات مواد الأرض من معادن وفلزات وغيرها..
وهذا يفسر التباين الشديد بين البشر في الصفات والطبائع والألوان رغم كونهم من أصل واحد..
وأيضاً يكتسبون صفات إضافية من بيئاتهم ومناطقهم التي يعيشون بها ..
وحين خلقهم من ذكر وأنثى ... أبان بين الجنسين وجمع في الصفات..
فجعل بينهم من القواسم المشتركة ما يقرب بينهم ويؤلف ..
وجعل في كل جنس صفات ليست في الآخر وهو في أمس الحاجة إليها ..
فيكون كل جنس مكمل للآخر ومتمم ..
ثم نفخ فيه من روحه إكراماً لهذا التراب وسمواً به..
فالنفس تشرق وتسمو بقدر علوها عن التراب الجسدي ..
فالإنسان مكون من جسد ترابي ونفس روحانية ..والدين أتى بالموازنة بين حاجات الجسد والروح ..فإن طغت إحداهما على الأخرى انحرفت الفطرة ..
فمن غلّب الجانب الروحاني على الجسدي بدرجة كبيرة ففيه شيء من
رهبانية مخالفة للسنن الإلهية والهدي النبوي..
ومن غلب الجانب الجسدي الترابي غلبت رغباته الجسدية الحاجات الروحية مما يضعف الجانب العبودي لديه ..
وكلاهما ظالمين وعن الحق حائدين..
وهذا الجانب ( الأخير ) هو الغالب على أهل هذا الزمان..
عذراً قد أكون أسهبت في المقدمة .. ولكني أردت أن تكون الصورة واضحة أمامكم..
ندخل الآن إلى موضوعنا الذي أريد أن أدلف إليه...
إنها كلمة لطالما أعيدت و كررت ..
شن عليها البعض حرباً شعواء بسبب مفهوم مغلوط لبَّس عليهم معناها الجميل ...
وناضل أقوام واستماتوا في الدفاع عنها بما غشيها من تحريف وتضليل...
وقليل هم الذين حازوها نقية صافية وحافظوا عليها من التلبيس والتحريف..
أتعلمون ما هي ؟؟؟
إنها,,’’,,.. الحــــــبــــ ــــــ&..,,’’,,
الحب الذي تهفو إليه نفوس البشر على الإطلاق ..
نعم على الإطلاق بلا استثناء..
فو الله إنه لا يوجد نفس بشرية لا يأسرها الحب ..ولا ترنو إليه..
فما من عاقل إلا وتسمو نفسه إلى ذلك الشعور الذي يجعل النفس حتى وإن كانت صحراوية الأحاسيس تزهر بالورود الجميلة..
بل أن الصحراء حين يأتيها الغيث تموج بزهور ورياحين قل أن ترى في غيرها من البقاع ...
فالحب هو الماء الذي نروي به أرض قلوبنا لتزهر ..
وهو ضرورة وأجدها الرحمن في القلب لا يستقر حاله إلا بوجودها..
بنوعيه...
حب روحاني .. وهو الذي لله سبحانه وفيه...
وحب جسدي ترابي.. ويدخل فيه حب الزوج والوالد والولد.. بتشعباته ودرجاته..
وهو نوعين ..(كلاهما الروحي والجسدي)
حب مكتسب : يوجد بسبب الإحسان وصنائع المعروف..( فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها )
فالخلق جميعاً يحبون الخالق لأنه محسن إليهم أيما إحسان.. يستوي في هذا الحب مسلمهم وكافرهم..
وكذلك يحبون من أحسن إليهم من البشر بغض النظر عن أشكالهم وقرابتهم ..وهو حب( الإحسان)
وحب هبة ورزق وعطية :.. يعطيه الله من شاء من خلقه لحكمة ويمنعه من شاء لحكمة أيضا ولا بد أن نعرف أن الله سبحانه لا يظلم أحداً وأقداره جميعاً عادلة وفي غاية الحكمة والعدل..
فمن منعه الله الحب الجسدي الترابي .. وإن شعر بألم لهذا المنع وأحتسبه عند الله .. ولكن عنده أمل أن يعيشه في الآخرة ..
ولكن ليت شعري ما هو حال من حرم الحب الروحاني الذي يوصله لحب الرحمن المنان.. وينجيه من النيران..
ويجعله من الخالدين في الجنان...
( حب الخالق سبحانه)
يقول ابن القيم رحمه الله :
أما والذي شق القلوب وأودع .... المحــبة فيهــا حيث لا تتصرم
وحمّلهــا قــلب المحــب وإنــه .... ليعجز عن حمل القميص ويألم
وذلّلها حتى استكانت لصـولة ... المحبـــة لا تــلوى ولا تتلعـــثم
فكلامه رحمه الله عن الحب في هذه الأبيات يشمل النوعين..
والموفق السعيد من رزق الحبين وجمع له الرحمن بين سعادة الدنيا والآخرة..
ولكن في حال المؤمن إذا تعارض النوعين فلابد أن تكون الغلبة للحب الروحاني ( حب الله ونبيه وشرعه)
فالروح علوية لابد أن تسمو على الجسد الترابي الطيني
جعلني الله وإياكم ممن غلب حبه لربه كل حب..
نأتي الآن للحب الجسدي الطيني ..
فالجسد لابد له من حب الجسد .. والطين لابد له من حب الطين..
سأبدأ بالعلاقة بين الجنسين والتى أحتكر الحب لها ..
فلا يدندن به إلا حولها..
قلنا بأن الله خلق البشر من جنسين بينهما شيء من صفات مشتركة وكثير من الاختلاف.. وأوجد ميلاً من كليهما للآخر لغاية عظيمة وحكمة بالغة .. منها أنس ابن آدم وطمأنينته في الحياة الدنيا .. وعمارتها بالنسل والتكاثر...
ولولاها لما حن ذكر لأنثى ..
أعني هنا العاطفة والمشاعر الجنسية ..
ثم يأتي عبيد الشهوة ليصوروا الحب على أنه هذه الجزيئية البسيطة ..
وهو أعظم وأكبر من ذلك..
لنأتي للمسألة من الوجهة الشرعية الفطرية ..
ثم نقيس عليها الشواذ مما سواها..
حين يصل الإنسان لسن البلوغ يجد في نفسه ميلاً للجنس الآخر وضرورة للارتباط به ..
فهنا حث الشارع على المسارعة لتلبية هذه الرغبة لتسكن النفس وتطمئن...(...ليسكن إليها...)
وشرع طريقاً واحداً وهو الزواج ...
وأمر بتيسيره وتسهيله والمسارعة إليه ..( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء(
لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً أخرى لتفريغ هذه العاطفة إلا هاتين الطريقتين ..
الزواج و الصيام ..
وذكر الصيام حكمة عظيمة لأن الإنسان في حال صومه يكون أبعد عن الدنيا وأقرب من ربه..
وأيضاً الصيام فيه تضييق لمجاري الشيطان في ابن آدم حيث يجري منه مجرى الدم ..
ومعروف أن الإنسان أثناء صومه ينخفض ضغط دمه ومروره في الأوردة والشرايين ...
إذاً حديثي سيكون بعنوان..
الحب والزواج..
حين يريد الشاب خطبة شابة ما .. لابد وأنه يطمح من وراء هذا الزواج في :
استقرار وسكن وحب ورحمة وتآلف وفوق ذلك ذرية صالحة.. وفي سبيل ذلك تهون عليه الصعاب ويرخص كل غالي ..
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة ..
قد يختلف الحال بين فئة وأخرى وشخص وآخر ..
فالناس يتباينون في صفاتهم وطبائعهم ومطالبهم ..
ولكن من هذه الناحية يكادون يلتقون جميعاً أعني العواطف والأحاسيس
وإن كانوا ليسوا بدرجة واحدة..
فهناك العقلاني .الذي يزن الأمور بالعقل والتجربة..
والعاطفي المغرق في العاطفية الحالمة..
ومن بينهما ..
ولكن جميعهم بلا استثناء تأسرهم العواطف ويجذبهم الحب..
من أجل ذلك استغل أعداؤنا هذا الانجذاب وذلك الأسر لتسويق الرذيلة بين أبنائنا وبناتنا في.الإعلام ..
فأتت مقولة : لا زواج قبل الحب..أو الحب قبل الزواج..
واستعانوا بتزيين إبليس نعوذ بالله منه لهذا الحب ..
فارتحل فتيات ونساء منا وعلى ديننا وتربين في مجتمعاتنا ليفتن الرجال فيضللن ويغوين بلباس فاضح..
وعباءة تحتاج إلى حجاب .. وبالخضوع بالقول والفعل ..
وارتحل شباباً منا تربوا بيننا وعلى ديننا ليغروا فتياتنا ويوقعوا بهن في أتون الرذيلة والفضيحة في الدنيا .. والعذاب والخزي في الآخرة..
وكل ذلك بدعوى الحـــــــــــــــــــــب...
عن أي حب يتحدثون وبأي حب يحلمون ..
رسالة .. لك أيها الشاب:
اعلم أنك لن تفكر بالزواج بمن جاهدت لتقيم معها علاقة ولو بالكلام .. حتى ولو أحببتها كما يقولون ..
حدثني أحد أقاربي بأنه رأى صديقاً له يبكي من فرط حبه لفتاة له علاقة بها عرف أن والدها سيزوجها ..
فقال له :
ولماذا لا تتقدم لخطبتها إن كنت تحبها لهذه الدرجة ..
فقال : أحبها نعم وكأني مقتول لو تزوجت .. ولكن زوجة... لالالالالا ..
حبيبة فقط ..
يعني للتسلية فقط...
أقول لك اتق الله وأعلم أن ما تعمله بأعراض المسلمين سيصيبك في عرضك ولو بعد حين...
وأنت أيتها الدرة المصونة بدينها وعفافها ..
إياك أن تثقي بذئب يلقي إليكِ معسول القول وجميل العبارات ليوقعك بفخه .. ثم تقولين: سيتزوجني. وعدني بذلك..
إليك هذه القصة ..
أحدهم له قريبة تسكن في منطقة أخرى غير منطقة سكنه..
ويأتون إليهم في المناسبات والأعياد..
رآها خلسة فأعجب بها .. وحض إحدى أخواته أن تجعله ينفرد بها ..
وحصل ذلك عدة مرات ..
يقول :
كانت من الحياء لا تستطيع أن تنظر في وجهي ..( ولكن لتزيين الشيطان لم توقفه عند حده.)
وشيئاً فشيئاً أصبحنا ننفرد ببعضنا عندما يأتون إلينا أو نأتي إليهم لعدة دقائق ..
ولم تزد لقاءاتنا على نظرات وكلمات من قبلي .. بل ولم ألمسها إلا مرة واحدة أمسكت بيدها فقط..
أصبحت أحبها بجنون ..وهي كذلك..
وتقدمت لأبيها خاطباً فوافق .. ولكن ..
أصبحت قلقاً جداً وتنتابني شكوك فيها .. ويسيطر علي كونها كما خانت أهلها وكانت تلتقي بي ..
فقد تخونني مع غيري فلست أكرم عليها من أهلها ..
فكيف أثق بمن خانت أهلها ..
وهكذا .. حتى تركها ...بعدما حطمها ..
وهو قد يجد من تنسيه حبها ..
ولكن هي هل ستنساه أم ستسطر الأشعار والخواطر في حبٍ لم تعشه ولم تنعم به..
وأتحدى أن تكون قصة حب كانت في حرام تدوم و ينعم بها أصحابها..
فأنى لعاطفة يؤججها الشيطان ويسعر نارها أن تبقى ..
فالله سبحانه سماه الغرور..
فما ينسجه من حب ما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ...
فالحب الذي يدّعونه قبل الزواج ..
هو في الحقيقة طوفان هائج وبحر مائج .. لا تستقر عليه سفينة الزوجية إلا في ما ندر ..
بعكس .. حب الزواج الصافي من الشوائب ..
الذي أقرب تشبيه له الينبوع المتدفق ..
يروي الأرض فتنبت العشب والزهور والرياحين ..
تلتقي ينابيعه مكونة مجرى هادئاً يبحر بزورق الزوجية في هدوء وسكينة .. وعلى حافته ما يبهج القلب ويسر العين ..
وقد يستمر ذلك الإبحار لتلك الديار التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا طر على قلب بشر...
ومن أراد أن يستمتع بعذوبة هذا الحب فلا يغامر قبله بتجارب حب شيطاني ..
فكلما كان القلب خالياً أحب بصفاء ونقاء..وتمكن الحب منه..
مما يجلب مزيداً من السعادة والهناء..
ألم يقل الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ***** فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وقال الآخر :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى.....ما الحــــب إلا للحـبـــيــب الأول
حين يريد الرجل خطبة فتاة ما ..
رغّب الشارع في النظر إلى ما يدعوه لنكاحها .. وبالذات إن عرف في عائلتها عيباً..
لقول النبي صلى الله عليه في الحديث الوارد:
( أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) قيل زرقة وقيل صغر..
ويجوز له أن ينظر إليها من دون علمها إن استطاع .. بشرط أن يغلب على ظنه قبولها له..
ويحل له أن ينظر إلى ما يدعوه لنكاحها مما يظهر عادة في البيت.. وليس صحيحاً أنه لا يحل له إلا الوجه والكفين..
كل ذلك من أجل بذر بذور المحبة..
فهي في الحقيقة جس نبض للقلب لمعرفة ردة فعله تجاه الطرف الآخر ...(النظرة الشرعية)
فقد يزرع الله المحبة بينهما بمجرد النظرة..
وقد يتأخر الحب فلا يأتي إلا بالمعاشرة والتعايش...
وقد يكون شديداً وجارفاً ويخبو مع الزمن .. وأغلب حالات هذا النوع حين يتميز المحبوب بصفات ظاهرة مميزة ..
ولكن مع العشرة يتعود الشخص على تلك الصفات .. ولا يجد فيه صفات متجددة تحيي جذوة هذه المحبة ..
وأقرب تشبيهاً لهذا النوع إشعال النار في أعواد رقيقة هشة فتشتعل النار فيها بسرعة هائلة وقوة ...
لكن لا تلبث أن تخبو وبنفس السرعة التي اشتعلت بها..
أما المحبة الكاملة العميقة فهي التي تزيد مع طول العشرة..
وأكبر مثال لهذا الحب .. هو حب النبي صلى الله عليه وسلم ..للسيدة خديجة رضي الله عنها..
فلقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم ..لما تحمله من صفات العقل والحكمة والرقة والحنان..
فهي رضي الله عنها عرفت كيف تحتويه وتعوضه ما حرم منه من حنان الأمومة .. بسبب يتمه ..
وتواسيه في ما يصيبه ويحل به من وصب ونصب..
فأحبها حباً عظيماً رغم الفارق العمري بينهما..
حتى قال لعائشة حبيبته رضي الله عنها : ( لقد رزقت حبها..) يعني خديجة..
وكذلك حبه لعائشة رضي الله عنها ..فهو قد أحبها لصفات متجددة فيها كالذكاء والفطنة والفقه وليس لشكلها الظاهري فقط ..
فقد روي أن صفية رضي الله عنها كانت أجمل نساء النبي صلى الله عليه وسلم..
وكلما أخلص الإنسان لشريكه وتقرب إلى الله تعالى بإدخال السرور والسعادة لقلبه ..
أعطاه الله منهما ضعف ما أدخله على شريكه سيما مع الدعاء..
كـــ:
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين..)
(اللهم أملأ قلبي بمحبته ,وعيني إعجاباً به , ونفسي سروراً بلقائه, وهو كذلك.)
وسوف أذكر لكم قصة واقعية
تقول ناصحة ..
ينبغي للمؤمنة ألا تيأس من رحمة الله تعالى إذا لم يعطها الله ما تتمنى من الصفات في زوجها ... ولنترك لها الحديث لتحدثنا بتجربتها..
تقول :
تزوجت برجل تربطني به نوع قرابة وقد عرف عنه الشدة والغلظة والجفاء .. مع التزامه الظاهر ..
كنت حينها في السادسة عشرة من العمر ولكن بحمد الله بعقل وعلم الكبيرة الناضجة ..
وكان هو في الرابعة والعشرين..
كنت أسمع قريناتي يتهامسن الله يعينها بتعيش معه هو وأهله بعد ..
وكان أهله معروفين بالبخل وعدم التواصل العاطفي مع أقاربهم ..
لم يكن لي خيار فأنا أخجل من والدي .. ووالدي أهم أمر عنده كونه ملتزماً...
دخلت عليه وقد خصص لي سكناً فوق والدته (ملحق)..
فوجئت ليلة الدخول بتواضع الأثاث ..(نفس أثاث أمه تقريباً )
مع كونهم على مستوى من الثراء لا بأس به..
كنت مميزة جداً لا يكاد يماثلني أحد من أقاربي ومعارفي في كل شيء تقريباً..
ذكاء وفطنة وثقافة وجمالاً..
منعني من إكمال تعليمي .. وقال هذه الكتب إن أردت أن تتعلمي .. أما دراسة وعمل فلا ..
وكانت لديه كتب لا بأس بها .. وزدت عليها مع مرور الوقت..
عكفت فترة تفرغي على الكتب والقراءة .. وكانت هوايتي المفضلة..
نسيت الدراسة وأقنعت نفسي أن هذه حياتي ولا بد أن أنجح فيها..
كنت رقيقة العاطفة لا أجرح أحداً رومانسية إلى أبعد حد .. بعكسه تماماً..
الدباشة والرعن مركب..
ولكنني رحمته حقيقة فلم يكن في عائلته مكان للعواطف أو حتى الاحترام أو الخصوصية ..
يتدخلون في شؤون بعضهم وفي كل صغيرة وكبيرة .. على عكس ما تربيت عليه تماماً..
لدرجة أني لم أخرج السنة الأولى بمفردي معه إلا لأهلي لزيارتهم ..
واكتشفت أن هذا كله ردة فعل .
لزواج أخيه الأكبر من امرأة سيطرت عليه تماماً فلا يخرج ولا يدخل إلا برضاها..
عاملته معاملة راقية جداً كما تعامل الحبيبة حبيبها مع أني لم أكن أحببته بعد بسبب حاله وما كان عليه..
وعاملت أهله كما أحب أن يعامل أهلي .. أحبني أبوه لخدمتي له وطاعتي ..
كنت إذا اشتريت لي ملابس أعرضها عليهم ..
وكانت له أخت في مثل سني ..فكنت أخيرها بين ما اشتريت ..فتختار أحسنه بلا حياء ولا حرج ..
أما أنا فقد كنت والله في غاية السعادة ..ليس اختيارا مني ولكن فضلاً من الله أسبغه علي رغم صغر سني ...
أصبحت قريبة شيئاً ما لأخواته وأمه ولكن ليس حباً لأنهم لا يعرفونه ولا يحسنونه..
قد تعجبون أني لم أكن أظهر لأهلي أي شيء عن سلوكهم ومعائبهم..
خوفاً من سقوطه من أعينهم ..
فقد كنت شديدة الحرص على ألا يعاب شيء يخصني ولا يظهر عيبه..
وهذا أيضاً رحمة من الله بي ..
فالزوج والزوجة ينسيان ما حصل بينهما بمجرد الاتفاق بعكس الأهل..
وكان يكثر علي من قوله .. سأتزوج بأربع فالرجل هو من يعدد أما الضعيف فيبقى على واحدة ..
ربما ليغيظني ..
وكذلك أهله .. حملت بحملي الأول وتعبت كثيراً في فترة الوحم .. ولكن لم أر منه حناناً أو عطفا ً ..
حتى إذا قال قولاً حنوناً أشعر في قرارة نفسي أنه تصنعاً..
استمريت أعامله بأفضل طريقة ممكن تعامل بها زوجة محبة لزوجها .. وأدعو الله
حتى أعطاني الله ما طلبته وحصل ما كنت أتمناه..
شيئاً فشيئاً بدأت ألمس تغيراً واضحاً فيه..
بدأ يشعر بخطئه وخطأ طريقته التي كان يسير عليها ويعزو ذلك لتنشئته الأسرية .. وجفافها العاطفي ..
حتى حظيت عنده بدرجة لم أكن أحلم بها أو تخطر لي على بال ..
وأصبحت قرة عين له بحق ..ما يشعرني به..
بلغ حبه لي درجة لا يمكن أن أصفها ..
حتى إني الآن أشعر بحرج شديد من أولادي بسبب نظراته وكلماته التي تفيض حباً وجوى ..
لم يعد يسافر بمفره كما كان سابقاً ( كان سفره للدعوة والسفر المباح فقط)..
بل يصر على أن أكون معه ..
حتى إنه في آخر سفرياته السابقة لم يستطع أن يبقى المدة التي كان مفروضاً أن يقضيها ..
بل قطعها ورجع ..
وحين عاد قال لي:
شعرت أني فارقت أنسي وبهجتي بمجرد سفري ..
والله أني لم أهنأ بأكل ولا نوم ولا طبيعة ..
كنت إذا أكلت تمنيتك معي ..
وإذا رأيت منظراً جميلاً حزنت ألا تشاركيني تلك المتعة ..
وإذا جاء الليل هزني الشوق إليك .. أتذكركم في كل لحظة . .لم تغيبوا عن بالي دقيقة واحدة..
فأيقنت أنه فضل من الله علي وابتلاء لشكري .. وثمرة لدعائي ..
أصبح يفاخر بي بين أهله وأصحابه..
لم يعد يحزنني بترديده: ..(أيقني أني سوف أتزوج أربعاً فوطني نفسك على ذلك)
بل إنها عرضت عليه فأبى وقال :
لن أجرح قلباً أحبني وتحمل عوجي صابراً محتسباً حتى أسكن حبه قلبي الذي ما كان يعرف ما هو الحب..
ثم إني متيقن أني لن أجد مثلها ولو طفت الأرض..
ثم إنه أصبح لا يرد لي طلباً ..
بل والله إني لا أذكر له رغباتي إلا إذا كانت ضرورية خشية أن يكون تبذيراً أو يسخر منه أبناءه ..
تولى بخله إلى غير رجعة ..
أشعر أني إذا تكدرت أو غضبت على أولادي يجحف بهم انتصارا لي ..
مما يدفعني أن أظهر البشر دائماً .. ليأنس ..
بالمختصر المفيد عاشق بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ..
ومع ذلك هي أعظم معين له على دينه والدعوة إليه..
أتدرون بعد كم حصل هذا..؟
بعد أكثر من عشر سنين .. من الجفاف والتصحر ..
الآن لهما أكثر من عشرين سنة زواج ..
وكأنهما في سنتهما الأولى ..
والله أني أشعر حين أراهما بالغبطة ..
وأقول لئن كانت الزوجية هكذا فهي جنة الدنيا ...
لكن الحق يقال إنها تستحق ذلك ..
فمع كونها لديها ثمانية أبناء وقد قاربت الأربعين..
إلا أنها تبدو لمن يراها وكأنها في العشرينات من عمرها ..
لاهتمامها بنفسها وهندامها ..
وفوق ذلك علم وخلق ودعوة ..
فبلغها الرحمن سعادة الدارين ..
وحشرها مع المتقين ..
وألبسها حلل السندس والإستبرق وجعلها على الأرائك من المتكئين..
وأصلح لها بنيها وبناتها وأقر عينها بهم ..
وجعلهم من الشهداء يا رب العالمين..
ووالديها ومن تحب يا رب العالمين..