ضامية الشوق
12-11-2024, 03:53 PM
تفسير قوله تعالى
﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ... ﴾
قوله تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115].
لَمَّا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ فِي الْآيَةِ الْسَّابِقَةِ فكان الحكم عامًّا في كلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، ذَكَرَ في هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا مُسْتَوِينَ في الحكمِ.
﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ﴾: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ طائفةٌ قَائِمَةٌ أي: مَوْصُوفَةٌ بالصَّلاحِ والاستقامةِ، و﴿ قَائِمَةٌ ﴾؛ أي: مستقيمةٌ عادلةٌ، من أقمت العود فقام، بمعنى استقام.
قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي: قَائِمَةً بِالْحَقِّ، يُرِيدُ قَوْلًا وَفِعْلًا، وهم الذين مَاتُوا قَبْلَ أن يُدْرِكُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَدْرَكُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ فآمَنُوا بِكِتَابِهِم وَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ.
﴿ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾: يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَهِيَ آنَاؤُهُ فِي صَلَاتِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُونَ فِيهَا.
وفي الكلام إيجاز بالحذف تقديره: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَمِنْهُمْ أُمَّةٌ مَذْمُومَةٌ، واقتصرَ على ذِكْرِ الأُمَّةِ القَائِمَةِ؛ لأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ؛ كما قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
دَعَانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّيَ لَامْرُؤٌ
مُطِيعٌ فَلَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا
وَالتَّقْدِيرُ: (أَرُشْدٌ طِلَابُهَا أَمْ غَيٌّ) فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الرُّشْدِ عَنْ ذِكْرِ الْغَيِّ.
﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾: يُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى ويوحدونه، وَيُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوتِ والحسابِ والجزاءِ، وَيَأْتمُرُونَ فيما بينهم بِالْمَعْرُوفِ وَيَتنَاهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَبَادِرُونَ إِلى فِعْلَ الْخَيْرَاتِ يبتغون الأجرَ من اللَّهِ تَعَالَى.
﴿ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾: ومن كانت هَذِهِ صِفَاتُهُمْ فهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ؛ لأنها صفاتٌ حميدةٌ، وخصالٌ مَرْضِيةٌ.
﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾: وَسُمِّيَ مَنْعُ الْجَزَاءِ كُفْرًا، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَحْدِ وَالسَّتْرِ، لأَنَّ الْكُفْرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ السَّتْرُ.
وَقد عدِّي تَكْفُرُونِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَائِبُ الْفَاعِلِ، والثاني: الهاء؛ والأصلُ أَنَّ شَكَرَ وَكَفَرَ لَا يَتَعَدَّيَانِ إِلَّا إِلَى مَفْعُولِ وَاحِدٍ، يُقَالُ: شَكَرَ النِّعْمَةَ وَكَفَرَهَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ كَفَرَ هُنا ضُمِّنَ مَعْنَى الْحِرْمَانِ.
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾: خصَّ الله تعالى الْمُتَّقِينَ هنا بأنه عليم بهم مَعَ أَنَّهُ عَلِيمٌ بجميعِ خلقهِ، للدَلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفُوزُ عِنْدَهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ.
وهذه الآيات السابقة كقَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 199].
الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ:
من الأَسَالِيبِ البَلَاغِيةِ في هَذِهِ الْآيَاتِ: حذف الاختصار في قوله: ﴿ ليْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ..... ﴾، فذكر أُمَّةً واحدةً ولم يذكر بعدها أخرى، وسواء تأتي للمعادلة بين اثنين فما زاد، والتقدير: وأمة على خلاف ذلك.
وحذفٌ في قوله تعالى: ﴿ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ..... ﴾ تقديره قَائِمَةٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
والْمُقَابَلَةُ في: ﴿ يَأْمُرُونَ ﴾، وَ﴿ يَنْهَوْنَ ﴾، وَ﴿ الْمَعْرُوفِ ﴾، وَ﴿ الْمُنْكَرِ ﴾.
والتضمين في قوله: ﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾، ضُمِّنَ الْفِعْلُ كَفَرَ هُنا مَعْنَى الْحِرْمَانِ.
الإِشارة بالبعيد في: ﴿ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ لبيان علو منزلتهم، وارتفاع مكانتهم.
والاختصاص في قوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾.
﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ... ﴾
قوله تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115].
لَمَّا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ فِي الْآيَةِ الْسَّابِقَةِ فكان الحكم عامًّا في كلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، ذَكَرَ في هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا مُسْتَوِينَ في الحكمِ.
﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ﴾: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ طائفةٌ قَائِمَةٌ أي: مَوْصُوفَةٌ بالصَّلاحِ والاستقامةِ، و﴿ قَائِمَةٌ ﴾؛ أي: مستقيمةٌ عادلةٌ، من أقمت العود فقام، بمعنى استقام.
قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي: قَائِمَةً بِالْحَقِّ، يُرِيدُ قَوْلًا وَفِعْلًا، وهم الذين مَاتُوا قَبْلَ أن يُدْرِكُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَدْرَكُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ فآمَنُوا بِكِتَابِهِم وَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ.
﴿ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾: يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَهِيَ آنَاؤُهُ فِي صَلَاتِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُونَ فِيهَا.
وفي الكلام إيجاز بالحذف تقديره: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَمِنْهُمْ أُمَّةٌ مَذْمُومَةٌ، واقتصرَ على ذِكْرِ الأُمَّةِ القَائِمَةِ؛ لأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ؛ كما قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
دَعَانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّيَ لَامْرُؤٌ
مُطِيعٌ فَلَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا
وَالتَّقْدِيرُ: (أَرُشْدٌ طِلَابُهَا أَمْ غَيٌّ) فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الرُّشْدِ عَنْ ذِكْرِ الْغَيِّ.
﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾: يُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى ويوحدونه، وَيُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوتِ والحسابِ والجزاءِ، وَيَأْتمُرُونَ فيما بينهم بِالْمَعْرُوفِ وَيَتنَاهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَبَادِرُونَ إِلى فِعْلَ الْخَيْرَاتِ يبتغون الأجرَ من اللَّهِ تَعَالَى.
﴿ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾: ومن كانت هَذِهِ صِفَاتُهُمْ فهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ؛ لأنها صفاتٌ حميدةٌ، وخصالٌ مَرْضِيةٌ.
﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾: وَسُمِّيَ مَنْعُ الْجَزَاءِ كُفْرًا، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَحْدِ وَالسَّتْرِ، لأَنَّ الْكُفْرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ السَّتْرُ.
وَقد عدِّي تَكْفُرُونِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَائِبُ الْفَاعِلِ، والثاني: الهاء؛ والأصلُ أَنَّ شَكَرَ وَكَفَرَ لَا يَتَعَدَّيَانِ إِلَّا إِلَى مَفْعُولِ وَاحِدٍ، يُقَالُ: شَكَرَ النِّعْمَةَ وَكَفَرَهَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ كَفَرَ هُنا ضُمِّنَ مَعْنَى الْحِرْمَانِ.
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾: خصَّ الله تعالى الْمُتَّقِينَ هنا بأنه عليم بهم مَعَ أَنَّهُ عَلِيمٌ بجميعِ خلقهِ، للدَلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفُوزُ عِنْدَهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ.
وهذه الآيات السابقة كقَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 199].
الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ:
من الأَسَالِيبِ البَلَاغِيةِ في هَذِهِ الْآيَاتِ: حذف الاختصار في قوله: ﴿ ليْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ..... ﴾، فذكر أُمَّةً واحدةً ولم يذكر بعدها أخرى، وسواء تأتي للمعادلة بين اثنين فما زاد، والتقدير: وأمة على خلاف ذلك.
وحذفٌ في قوله تعالى: ﴿ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ..... ﴾ تقديره قَائِمَةٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
والْمُقَابَلَةُ في: ﴿ يَأْمُرُونَ ﴾، وَ﴿ يَنْهَوْنَ ﴾، وَ﴿ الْمَعْرُوفِ ﴾، وَ﴿ الْمُنْكَرِ ﴾.
والتضمين في قوله: ﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾، ضُمِّنَ الْفِعْلُ كَفَرَ هُنا مَعْنَى الْحِرْمَانِ.
الإِشارة بالبعيد في: ﴿ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ لبيان علو منزلتهم، وارتفاع مكانتهم.
والاختصاص في قوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾.