روح الندى
10-10-2024, 10:05 AM
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله خمسًا من مُفسدات القلب، وبيَّن أثرها فيه، وحذَّر منها لتسلَمَ القلوب من العَطَبِ، وتكمل مسيرها إلى الله تعالى ورضوانه وجنته؛ لتصل بسلامٍ بإذن بارئها وفضله؛ والمفسدات هي:
أولًا: التعلُّق بغير الله تبارك وتعالى في طلب خيرٍ أو دفع ضرٍّ، وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضرُّ من هذا الأمر، ولا أقْطَعُ له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلَّق القلب بغير الله تعالى، وَكَلَه الله إلى ما تعلَّق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره،والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله تعالى حَصَلَ، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به ممن دونه سبحانه وَصَلَ؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82]، فأعظم الناس خِذلانًا مَن تعلَّق بغير الله عز وجل، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظمُ مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرَّض للزوال والفَوات، ومَثَلُ المتعلِّق بغير الله تعالى كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، فهو أوهن البيوت، فأساس الشرك وقاعدته التي بُنِيَ عليها: التعلُّق بغير الله تعالى ولصاحبه الذَّمُّ والخِذلان؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، مذمومًا لا حامد له، مخذولًا لا ناصر له، فمن تعلق قلبه بأحدٍ من الخَلْقِ في جلب نفع أو دفع ضرٍّ، أو تخاذَلَ عن الحق والتزامه ونصرته مجاملةً لأحدٍ من الخَلْقِ، ناله من الذم والخِذلان بقدر تعلُّقه بهذا المخلوق الضعيف، وخوفه، ومجاملته.
ثانيًا: كثرة الخِلطة، وذلك بكثرة مجالسة الناس، وغِشْيَانِهم في اجتماعاتهم، وكثرة الخِلَّان والأصحاب والجُلساء، وكثرة لُقياهم والْمُكث معهم، وإطلاق اللسان بالحديث، خاصةً في حديث لا ينفع في الآخرة، ويزداد الأمر سوءًا إن كانوا جلساء وأصحابَ سوءٍ، وكان الحديث بالباطل، فهذا النوع من الخلطة يملأ القلب من دُخَانِ أنفاسهم بالحديث السيئ حتى يسوَّد، ويُوجِب له تشتُّتًا وتفرُّقًا، وهمًّا وغمًّا وضعفًا، وإضاعة مصالحه،فكم جلبت كثرة خِلطة الناس فيما لا ينفع في الدين والدنيا من نقمة، ودفعت من نعمة، وأحلَّت رزِيَّة، وأوقعت في بَلِيَّة، وهل آفة الناسِ إلا الناسُ؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة تُوجِب له سعادة الأبد.
ويكفي ذمًا لمجالس اللهو ولو كان مباحًا لم يُذكر الله تعالى فيه، قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم ترةً يوم القيامة) رواه الترمذي وأبو داود، والترة: هي الحسرةً والندامة.
وهذه الخِلطة التي تكون على نوعِ مودةٍ ومصلحة في الدنيا من غير نفع في الآخرة، تنقلب عداوةً يوم الدين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
وهذا شأن كلِّ أصحاب سوءٍ، يتوادُّون ما داموا متساعدين على حصول مرادهم من الدنيا، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامةً وحزنًا وألمًا، وانقلبت تلك المودة بغضًا ولعنةً وذمًّا من بعضهم لبعض.
والضابط النافع في أمر الخِلطة: أن يخالط الناس في الخير، ويعتزلهم في الشر، وفضول المباحات، فإذا دَعَتِ الحاجة إلى خِلطتهم في الشر، ولم يمكن اعتزالُهم، فالحذرَ الحذرَ من موافقتهم، وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلِبَ ذلك المجلس طاعةً لله تعالى إنأمكنه، ويشجع نفسه، ويقوِّي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطانيِّ القاطع له عن ذلك، بدعوى أن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليحاربه، ولْيَستغْنِ بالله سبحانه، ويؤثِّر فيهم من الخير ما أمكنه، وما أصعب هذا وأشقَّه على النفوس! وإنه لَيسيرٌ على من يسَّره الله تعالى عليه، فبين العبد وبينه أن يصدُقَ الله تباركوتعالى، ويلتجئ إليه، ويُكثِر من دعائه بأن يجعله مفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشر؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الخير خزائنُ، ولتلك الخزائن مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جَعَلَهُ الله عز وجل مِفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشر، وويل لعبدٍ جَعَلَهُ الله مِفتاحًا للشر، مِغلاقًا للخير))؛ [رواه ابن ماجه، والطبراني]، فإذا علِم الله تعالى ما انطوى القلب عليه من الخير، وفَّق صاحبه ويسَّر له، وإلا صرفه وأضلَّه.
ثالثًا: ركوب بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم؛ كما قيل: إن الْمُنى رأس أموال المفاليس، الذين ليس لهم همَّة تُنال بها الفضائل والْمَكْرُمات، بل استبدلوا بذلك الأمانيَّ الذهنية، وكلٌّ بحسب حاله؛ فمنهم من يتمنَّى مِنَ الدنيا التَّطوافَ في البلدان، أو نَيلَ الشهوات من المناصب والجاه، والأموال والنساء، والخدم والأنعام والحرث، والذهب والفضة، وغير ذلك من مُتَعِ الدنيا، فيمثِّل المتمنِّي صورة مطلوبه في نفسه وخياله بأنه قد فاز بوصوله إليه، والتذَّ بالظَّفَر به، فبينا هو على هذه الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير.
وصاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقرِّبه إلى الله تعالى، ويُدنيه منجواره، ساعِ لتحقيقها، سائلًا مولاه عز وجل أن يحققها لها فأمانيُّ هذا إيمانٌ ونورٌ وحكمة، وأمانيُّ أولئك خداع وغرور.
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله خمسًا من مُفسدات القلب، وبيَّن أثرها فيه، وحذَّر منها لتسلَمَ القلوب من العَطَبِ، وتكمل مسيرها إلى الله تعالى ورضوانه وجنته؛ لتصل بسلامٍ بإذن بارئها وفضله؛ والمفسدات هي:
أولًا: التعلُّق بغير الله تبارك وتعالى في طلب خيرٍ أو دفع ضرٍّ، وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضرُّ من هذا الأمر، ولا أقْطَعُ له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلَّق القلب بغير الله تعالى، وَكَلَه الله إلى ما تعلَّق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره،والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله تعالى حَصَلَ، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به ممن دونه سبحانه وَصَلَ؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82]، فأعظم الناس خِذلانًا مَن تعلَّق بغير الله عز وجل، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظمُ مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرَّض للزوال والفَوات، ومَثَلُ المتعلِّق بغير الله تعالى كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، فهو أوهن البيوت، فأساس الشرك وقاعدته التي بُنِيَ عليها: التعلُّق بغير الله تعالى ولصاحبه الذَّمُّ والخِذلان؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، مذمومًا لا حامد له، مخذولًا لا ناصر له، فمن تعلق قلبه بأحدٍ من الخَلْقِ في جلب نفع أو دفع ضرٍّ، أو تخاذَلَ عن الحق والتزامه ونصرته مجاملةً لأحدٍ من الخَلْقِ، ناله من الذم والخِذلان بقدر تعلُّقه بهذا المخلوق الضعيف، وخوفه، ومجاملته.
ثانيًا: كثرة الخِلطة، وذلك بكثرة مجالسة الناس، وغِشْيَانِهم في اجتماعاتهم، وكثرة الخِلَّان والأصحاب والجُلساء، وكثرة لُقياهم والْمُكث معهم، وإطلاق اللسان بالحديث، خاصةً في حديث لا ينفع في الآخرة، ويزداد الأمر سوءًا إن كانوا جلساء وأصحابَ سوءٍ، وكان الحديث بالباطل، فهذا النوع من الخلطة يملأ القلب من دُخَانِ أنفاسهم بالحديث السيئ حتى يسوَّد، ويُوجِب له تشتُّتًا وتفرُّقًا، وهمًّا وغمًّا وضعفًا، وإضاعة مصالحه،فكم جلبت كثرة خِلطة الناس فيما لا ينفع في الدين والدنيا من نقمة، ودفعت من نعمة، وأحلَّت رزِيَّة، وأوقعت في بَلِيَّة، وهل آفة الناسِ إلا الناسُ؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة تُوجِب له سعادة الأبد.
ويكفي ذمًا لمجالس اللهو ولو كان مباحًا لم يُذكر الله تعالى فيه، قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم ترةً يوم القيامة) رواه الترمذي وأبو داود، والترة: هي الحسرةً والندامة.
وهذه الخِلطة التي تكون على نوعِ مودةٍ ومصلحة في الدنيا من غير نفع في الآخرة، تنقلب عداوةً يوم الدين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
وهذا شأن كلِّ أصحاب سوءٍ، يتوادُّون ما داموا متساعدين على حصول مرادهم من الدنيا، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامةً وحزنًا وألمًا، وانقلبت تلك المودة بغضًا ولعنةً وذمًّا من بعضهم لبعض.
والضابط النافع في أمر الخِلطة: أن يخالط الناس في الخير، ويعتزلهم في الشر، وفضول المباحات، فإذا دَعَتِ الحاجة إلى خِلطتهم في الشر، ولم يمكن اعتزالُهم، فالحذرَ الحذرَ من موافقتهم، وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلِبَ ذلك المجلس طاعةً لله تعالى إنأمكنه، ويشجع نفسه، ويقوِّي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطانيِّ القاطع له عن ذلك، بدعوى أن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليحاربه، ولْيَستغْنِ بالله سبحانه، ويؤثِّر فيهم من الخير ما أمكنه، وما أصعب هذا وأشقَّه على النفوس! وإنه لَيسيرٌ على من يسَّره الله تعالى عليه، فبين العبد وبينه أن يصدُقَ الله تباركوتعالى، ويلتجئ إليه، ويُكثِر من دعائه بأن يجعله مفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشر؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الخير خزائنُ، ولتلك الخزائن مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جَعَلَهُ الله عز وجل مِفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشر، وويل لعبدٍ جَعَلَهُ الله مِفتاحًا للشر، مِغلاقًا للخير))؛ [رواه ابن ماجه، والطبراني]، فإذا علِم الله تعالى ما انطوى القلب عليه من الخير، وفَّق صاحبه ويسَّر له، وإلا صرفه وأضلَّه.
ثالثًا: ركوب بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم؛ كما قيل: إن الْمُنى رأس أموال المفاليس، الذين ليس لهم همَّة تُنال بها الفضائل والْمَكْرُمات، بل استبدلوا بذلك الأمانيَّ الذهنية، وكلٌّ بحسب حاله؛ فمنهم من يتمنَّى مِنَ الدنيا التَّطوافَ في البلدان، أو نَيلَ الشهوات من المناصب والجاه، والأموال والنساء، والخدم والأنعام والحرث، والذهب والفضة، وغير ذلك من مُتَعِ الدنيا، فيمثِّل المتمنِّي صورة مطلوبه في نفسه وخياله بأنه قد فاز بوصوله إليه، والتذَّ بالظَّفَر به، فبينا هو على هذه الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير.
وصاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقرِّبه إلى الله تعالى، ويُدنيه منجواره، ساعِ لتحقيقها، سائلًا مولاه عز وجل أن يحققها لها فأمانيُّ هذا إيمانٌ ونورٌ وحكمة، وأمانيُّ أولئك خداع وغرور.