روح الندى
10-03-2024, 11:51 PM
"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على مَن بعثه الله رحمةً للعالمين وحجةً على الناس أجمعين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين:
معاشر المسلمين، اتقوا الله سبحانه وتعالى حقَّ التقوى، واعلموا أنه لا فلاح ولا نجاح في الدنيا والآخرة إلا بتقوى الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
أيها المسلمون، فقط مجرد تنبيه، إن كثيرًا من المسلمين يحتفلون في شهر رجب بما يسمى بالإسراء والمعراج، مسرى ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم، يعتقدون أنه في شهر رجب في سبعة وعشرين من رجب، والجواب على ذلك أنه لم يثبُت أن الإسراء والمعراج كان في شهر رجب، أو أنه في ليلة سبع وعشرين من رجب، وعلى حدِّ أنه قد ثبت لو قال قائل: بل قد ثبت في أنه في رجب وفي ليلة سبعة وعشرين، نقول: إن الاحتفال بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم، لو سألنا هؤلاء المحتفلين: ماذا تريدون؟ يقولون: نريد بذلك التقرب إلى الله والتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول: هذه عبادة والعبادة لا تكون إلا بدليل من الشرع، فمن ذبح في شهر رجب من أجل الإسراء والمعراج، ومن اشترى القات وأتعَب نفسه، فليعلم أنه قد ارتكب إثمًا، وأنه قد ابتدع في دين الله بدعة لم ينزل الله بها من سلطان، لماذا؟ لأن القرون المفضلة انقرَضت ولم تُحدث هذه البدعة، وهكذا علماء المسلمون إلى يومنا هذا لم يحتفلوا بهذا الأمر، على أن يهوديًّا من اليهود قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت - لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال أي آية؟ قال:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة[18]، لكن الصحابة لم يتخذوا ذلك اليوم عيدًا، فليس لنا معشر الإسلام في دين الإسلام إلا عيد رمضان وهكذا عيد الأضحى المبارك، وهكذا يوم الجمعة هو عيد الأسبوع، ثم بعد ذلك من الأعياد أعياد مبتدعة، ما أنزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان، فالواجب على المسلمين أن يتوبوا، وربما بعض الناس يقول: هؤلاء لم يجتمعوا على فيديو ولا على خلاعة، ولا على سينما ولا على مزمار، ولم يجتمعوا على غيبة أو نميمة، وإنما اجتمعوا في مديح النبي صلى الله عليه وسلم نقول: إن التحديد والتخصيص يحتاج إلى دليل، فلمَ لا يكون الاجتماع كل يوم، يكون الاجتماع مثلًا بعد العشاء لقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحاديث من رياض الصالحين، فإذا جاءت ليلة سبعة وعشرين من رجب، كانت ليلة كغيرها من الليالي، لكنا إذا خصصنا كنا مطالبين بإثبات الدليل، وليس لنا دليلٌ، وأول من يزدحم عند حوض النبي صلى الله عليه وسلم المبتدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يرفضهم ويطردهم من على حوضه، ولا يسمح لهم أن يشربوا من يده، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من البدع قال: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)[19]، (وكل ضلالة في النار)[20].
والجاهل لا يفقه يرى أن هذا خير، وأن هذه قربة، والأمر ليس كذلك، فالبدعة معناها الابتداع والاختراع والاستدراك، فكأنك تستدرك على الشرع، كأنك تستدرك على أرحم الراحمين، والله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وكأنك تستدرك على رسول الله وهو يقول: (اللهم هل بلَّغت اللهم فاشهَد)[21]، فالذين يحيون هذه الشعيرة يطالبون بدليل، وأقول ولله الحمد: لا يمكن أن يأتوا بدليل، لا دليل صحيح ولا ضعيف، ولا يستطيعون أن يأتوا بعالم من علماء المسلمين الموثوق بعلمهم، وبتقواهم وبأنهم ثقة عند المجتمع، بأنه أحيا هذه الليلة، ولكن يتعللون ببعض العلل مثل ما ذكرته لكم، يقولون: هذه محبة الرسول وهذه قربة، ولسنا في أغاني ولا سينما، هذه تعليلات عليلة لا محل لها من الإعراب، فعلى المسلم أن يعلم أن دين الله هو دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو دين الجهاد وهو دين الصدق، وهو دين الحكم بما أنزل الله، إنه دين الصلاة ودين الزكاة ودين الخير، ليس دين الدروشة ودين البدع، ودين الخرافات، هذه أمور قد عفا عليها الزمان، وصارت في خبر كان، فيجب على المسلم أن يعلم أنه مسلم وكفى، ومعنى مسلم استسلام لله بالظاهر والباطن.
أسأل الله أن يوفِّقنا وإياكم لما يُحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه.
اللهم أصلح أحوالنا يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أحوال إخواننا في فلسطين، وأصلح أحوال إخواننا في العراق، وأصلح أحوال إخواننا الأفغان.
اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم من كان في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، فأصلِحه ووفِّقه يا أرحم الراحمين، ومن كاد للمسلمين فكِدْه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
اذكُروا الله يذكُرْكم واشكُروه على نِعَمه يَزِدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون، وأقِم الصلاة.
[1] لما رواه الترمذي (413) والنسائي (465) عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2020) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر).
وفي رواية عند الطبراني في الأوسط (1859) عن أنس رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2573) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله).
[2] لما روى البخاري (6168، 6471) ومسلم (1678) وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
[3] رواه البخاري (6469) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[4] صحيح: رواه الترمذي (1395) والنسائي (3986، ومواضع) والطبراني في الأوسط (4349) والبزار (2393) عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه (2619) عن البراء بن عازب، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (5077، 5078).
[5] صحيح: رواه الترمذي (3540) وتفرد به عن أصحاب الأمهات الستة، ورواه الطبراني في الأوسط (4305) وأبو نعيم في الحلية (2/231) وصححه الألباني في: صحيح الترمذي (2805) وصحيح الجامع (4338) والصحيحة (127)، ورواه أحمد (21510، 21544) عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه شعيب في تحقيق المسند، فائدة: قال ابن دقيق العيد في شرحه (ص108): في هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان، وقال ابن رجب: وقد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة: أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وفي السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة"، ثم تلا هذه الآية... لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه.
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء.
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة قال الله تعالى [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] (النساء48) فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة.
أنظر: جامع العلوم (ص/392ـ 398) بتصرف.
[6] رواه مسلم (2582) وأحمد (7203) ومواضع والترمذي (2420) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] رواه البخاري (2317، 6169) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] صحيح بشواهده: رواه الترمذي (2416) وأبو يعلى في مسنده (5271) والطبراني في الكبير (9772) والصغير (760) والبيهقي في الشعب (1784) وصححه الألباني لشواهده في: المشكاة (5197) وانظر: الصحيحة (946).
[9] انظر: حلية الأولياء (2/148) وروى البيهقي في الشعب (10663) نحوه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه.
[10] صحيح: رواه الحاكم (7846) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في الشعب (10248) وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (111) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (2) وأبو نعيم في الحلية (4/148) والبيهقي في الشعب (10250) وابن أبي شيبة (34319) والقضاعي (729) عمرو بن ميمون، قال الحافظ في الفتح (11/235): أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، وانظر: صحيح الجامع (1077) وصحيح الترغيب (3355).
[11] متفق عليه: البخاري (629، 1357، 6114، 6421) ومسلم (1031) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[12] انظر: إحياء علوم الدين (2/58).
[13] هو محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى كما في تعليم المتعلم" للزرنوجي (ص28) وحلية طالب العلم ص ().
[14] رواه مسلم (1015) وأحمد (8330) والترمذي (2989) والبخاري في رفع اليدين (94) والدارمي (2717) والبيهقي في الكبرى (6187) وفي الشعب (1159) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] رواه مسلم (2963/9) وأحمد (7442، 10251) والترمذي (2513) وابن ماجه (4142) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي البخاري (6125) ومسلم (2963/8) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه).
[16] انظر: البخاري (89، 2336، 4629، 4630، 4631، 4895، 4920، 5505، 6829، 6835)، ومسلم (1479) عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما.
[17] انظر في قصة هؤلاء في: مسلم (1905) وأحمد (8260) والنسائي (3137) والترمذي (2382) وابن خزيمة (2482) وابن حبان (408) والحاكم (1527) وصحيح الجامع (1713) وصحيح الترغيب (22، 1335) وفي غيرها.
[18] متفق عليه: البخاري (45، 4145، 4330، 6840) ومسلم (3017) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[19] صحيح: رواه أحمد (17184، 17185)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43،42) والحاكم (332)، وابن حبان (5) والدارمي (95) والبيهقي في الكبرى (20125) والشعب (7515) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (2549) والصحيحة (2735) والإرواء (2455) والمشكاة (165)، وقال الشيخ مقبل الوادعي: في الدلائل (ص476): الحديث حسن لغيره وله طرق يرتقي بها إلى الصحة.
[20] صحيح: وهي زيادة في خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه عند النسائي (1578) وابن خزيمة (1785) وانظر: صحيح الجامع (1353) وخطبة الحاجة ص (25) وإصلاح المساجد ص (11).
[21] متفق عليه: لبخاري (67، 105، 1654، 3025، 4144، 4385، 5230، 6667، 7009) ومسلم (1679)عن أبي بكرة وهو عند البخاري (1655، ومواضع) ومسلم (66) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على مَن بعثه الله رحمةً للعالمين وحجةً على الناس أجمعين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين:
معاشر المسلمين، اتقوا الله سبحانه وتعالى حقَّ التقوى، واعلموا أنه لا فلاح ولا نجاح في الدنيا والآخرة إلا بتقوى الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
أيها المسلمون، فقط مجرد تنبيه، إن كثيرًا من المسلمين يحتفلون في شهر رجب بما يسمى بالإسراء والمعراج، مسرى ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم، يعتقدون أنه في شهر رجب في سبعة وعشرين من رجب، والجواب على ذلك أنه لم يثبُت أن الإسراء والمعراج كان في شهر رجب، أو أنه في ليلة سبع وعشرين من رجب، وعلى حدِّ أنه قد ثبت لو قال قائل: بل قد ثبت في أنه في رجب وفي ليلة سبعة وعشرين، نقول: إن الاحتفال بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم، لو سألنا هؤلاء المحتفلين: ماذا تريدون؟ يقولون: نريد بذلك التقرب إلى الله والتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول: هذه عبادة والعبادة لا تكون إلا بدليل من الشرع، فمن ذبح في شهر رجب من أجل الإسراء والمعراج، ومن اشترى القات وأتعَب نفسه، فليعلم أنه قد ارتكب إثمًا، وأنه قد ابتدع في دين الله بدعة لم ينزل الله بها من سلطان، لماذا؟ لأن القرون المفضلة انقرَضت ولم تُحدث هذه البدعة، وهكذا علماء المسلمون إلى يومنا هذا لم يحتفلوا بهذا الأمر، على أن يهوديًّا من اليهود قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت - لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال أي آية؟ قال:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة[18]، لكن الصحابة لم يتخذوا ذلك اليوم عيدًا، فليس لنا معشر الإسلام في دين الإسلام إلا عيد رمضان وهكذا عيد الأضحى المبارك، وهكذا يوم الجمعة هو عيد الأسبوع، ثم بعد ذلك من الأعياد أعياد مبتدعة، ما أنزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان، فالواجب على المسلمين أن يتوبوا، وربما بعض الناس يقول: هؤلاء لم يجتمعوا على فيديو ولا على خلاعة، ولا على سينما ولا على مزمار، ولم يجتمعوا على غيبة أو نميمة، وإنما اجتمعوا في مديح النبي صلى الله عليه وسلم نقول: إن التحديد والتخصيص يحتاج إلى دليل، فلمَ لا يكون الاجتماع كل يوم، يكون الاجتماع مثلًا بعد العشاء لقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحاديث من رياض الصالحين، فإذا جاءت ليلة سبعة وعشرين من رجب، كانت ليلة كغيرها من الليالي، لكنا إذا خصصنا كنا مطالبين بإثبات الدليل، وليس لنا دليلٌ، وأول من يزدحم عند حوض النبي صلى الله عليه وسلم المبتدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يرفضهم ويطردهم من على حوضه، ولا يسمح لهم أن يشربوا من يده، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من البدع قال: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)[19]، (وكل ضلالة في النار)[20].
والجاهل لا يفقه يرى أن هذا خير، وأن هذه قربة، والأمر ليس كذلك، فالبدعة معناها الابتداع والاختراع والاستدراك، فكأنك تستدرك على الشرع، كأنك تستدرك على أرحم الراحمين، والله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وكأنك تستدرك على رسول الله وهو يقول: (اللهم هل بلَّغت اللهم فاشهَد)[21]، فالذين يحيون هذه الشعيرة يطالبون بدليل، وأقول ولله الحمد: لا يمكن أن يأتوا بدليل، لا دليل صحيح ولا ضعيف، ولا يستطيعون أن يأتوا بعالم من علماء المسلمين الموثوق بعلمهم، وبتقواهم وبأنهم ثقة عند المجتمع، بأنه أحيا هذه الليلة، ولكن يتعللون ببعض العلل مثل ما ذكرته لكم، يقولون: هذه محبة الرسول وهذه قربة، ولسنا في أغاني ولا سينما، هذه تعليلات عليلة لا محل لها من الإعراب، فعلى المسلم أن يعلم أن دين الله هو دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو دين الجهاد وهو دين الصدق، وهو دين الحكم بما أنزل الله، إنه دين الصلاة ودين الزكاة ودين الخير، ليس دين الدروشة ودين البدع، ودين الخرافات، هذه أمور قد عفا عليها الزمان، وصارت في خبر كان، فيجب على المسلم أن يعلم أنه مسلم وكفى، ومعنى مسلم استسلام لله بالظاهر والباطن.
أسأل الله أن يوفِّقنا وإياكم لما يُحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه.
اللهم أصلح أحوالنا يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أحوال إخواننا في فلسطين، وأصلح أحوال إخواننا في العراق، وأصلح أحوال إخواننا الأفغان.
اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم من كان في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، فأصلِحه ووفِّقه يا أرحم الراحمين، ومن كاد للمسلمين فكِدْه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
اذكُروا الله يذكُرْكم واشكُروه على نِعَمه يَزِدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون، وأقِم الصلاة.
[1] لما رواه الترمذي (413) والنسائي (465) عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2020) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر).
وفي رواية عند الطبراني في الأوسط (1859) عن أنس رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2573) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله).
[2] لما روى البخاري (6168، 6471) ومسلم (1678) وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
[3] رواه البخاري (6469) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[4] صحيح: رواه الترمذي (1395) والنسائي (3986، ومواضع) والطبراني في الأوسط (4349) والبزار (2393) عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه (2619) عن البراء بن عازب، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (5077، 5078).
[5] صحيح: رواه الترمذي (3540) وتفرد به عن أصحاب الأمهات الستة، ورواه الطبراني في الأوسط (4305) وأبو نعيم في الحلية (2/231) وصححه الألباني في: صحيح الترمذي (2805) وصحيح الجامع (4338) والصحيحة (127)، ورواه أحمد (21510، 21544) عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه شعيب في تحقيق المسند، فائدة: قال ابن دقيق العيد في شرحه (ص108): في هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان، وقال ابن رجب: وقد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة: أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وفي السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة"، ثم تلا هذه الآية... لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه.
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء.
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة قال الله تعالى [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] (النساء48) فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة.
أنظر: جامع العلوم (ص/392ـ 398) بتصرف.
[6] رواه مسلم (2582) وأحمد (7203) ومواضع والترمذي (2420) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] رواه البخاري (2317، 6169) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] صحيح بشواهده: رواه الترمذي (2416) وأبو يعلى في مسنده (5271) والطبراني في الكبير (9772) والصغير (760) والبيهقي في الشعب (1784) وصححه الألباني لشواهده في: المشكاة (5197) وانظر: الصحيحة (946).
[9] انظر: حلية الأولياء (2/148) وروى البيهقي في الشعب (10663) نحوه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه.
[10] صحيح: رواه الحاكم (7846) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في الشعب (10248) وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (111) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (2) وأبو نعيم في الحلية (4/148) والبيهقي في الشعب (10250) وابن أبي شيبة (34319) والقضاعي (729) عمرو بن ميمون، قال الحافظ في الفتح (11/235): أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، وانظر: صحيح الجامع (1077) وصحيح الترغيب (3355).
[11] متفق عليه: البخاري (629، 1357، 6114، 6421) ومسلم (1031) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[12] انظر: إحياء علوم الدين (2/58).
[13] هو محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى كما في تعليم المتعلم" للزرنوجي (ص28) وحلية طالب العلم ص ().
[14] رواه مسلم (1015) وأحمد (8330) والترمذي (2989) والبخاري في رفع اليدين (94) والدارمي (2717) والبيهقي في الكبرى (6187) وفي الشعب (1159) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] رواه مسلم (2963/9) وأحمد (7442، 10251) والترمذي (2513) وابن ماجه (4142) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي البخاري (6125) ومسلم (2963/8) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه).
[16] انظر: البخاري (89، 2336، 4629، 4630، 4631، 4895، 4920، 5505، 6829، 6835)، ومسلم (1479) عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما.
[17] انظر في قصة هؤلاء في: مسلم (1905) وأحمد (8260) والنسائي (3137) والترمذي (2382) وابن خزيمة (2482) وابن حبان (408) والحاكم (1527) وصحيح الجامع (1713) وصحيح الترغيب (22، 1335) وفي غيرها.
[18] متفق عليه: البخاري (45، 4145، 4330، 6840) ومسلم (3017) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[19] صحيح: رواه أحمد (17184، 17185)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43،42) والحاكم (332)، وابن حبان (5) والدارمي (95) والبيهقي في الكبرى (20125) والشعب (7515) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (2549) والصحيحة (2735) والإرواء (2455) والمشكاة (165)، وقال الشيخ مقبل الوادعي: في الدلائل (ص476): الحديث حسن لغيره وله طرق يرتقي بها إلى الصحة.
[20] صحيح: وهي زيادة في خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه عند النسائي (1578) وابن خزيمة (1785) وانظر: صحيح الجامع (1353) وخطبة الحاجة ص (25) وإصلاح المساجد ص (11).
[21] متفق عليه: لبخاري (67، 105، 1654، 3025، 4144، 4385، 5230، 6667، 7009) ومسلم (1679)عن أبي بكرة وهو عند البخاري (1655، ومواضع) ومسلم (66) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
"