مشاهدة النسخة كاملة : الْغِنَى الْمُطْلَقُ للهِ تَعَالَى


روح الندى
01-15-2024, 05:59 PM






الْغِنَى الْمُطْلَقُ للهِ تَعَالَى:
قَالَ الْإِمَامُ اِبْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله تَعَالَى:
«قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15]، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فَقْرَ الْعِبَادِ إِلَيْهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لِهُمْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمْ، كَمَا أَنَّ كَوْنَهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ذَاتِيٌّ لَهُ، فِغِنَاهُ وَحَمْدُهُ ثَابِتٌ لَهُ لِذَاتِهِ لَا لِأَمْرٍ أَوْجَبَهُ، وَفَقْرُ مَنْ سِوَاهُ إِلَيْهِ ثَابِتٌ لِذَاتِهِ لَا لِأَمْرٍ أَوْجَبَهُ، فَلَا يُعَلَّلُ هَذَا الْفَقْرُ بِحُدُوثٍ وَلَا إِمْكَانٍ، بَلْ هُوَ ذَاتِيٌّ لِلْفَقِيرِ، فَحَاجَةُ الْعَبْدِ إِلَى رَبِهِ لِذَاتِهِ لَا لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْ تِلْكَ الْحَاجَةَ، كَمَا أَنَّ غِنَى الرَّبِ سُبْحَانَهُ لِذَاتِهِ لَا لِأَمْرٍ أَوْجَبَ غِنَاهُ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَةَ:
وَالْفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لَازِمٌ أَبَدًا
كَمَا الْغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي


فَالْخَلْقُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ إِلَى رَبِّهِ بِالذَّاتِ لَا بِعِلَّةٍ، وَكُلُّ مَا يُذْكَرُ وَيُقَرَّرُ مِنْ أَسْبَابِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ فَهِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ لَا عِلَلَ لِذَلِكَ؛ إِذْ مَا بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ، فَالْفَقِيرُ بِذَاتِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى الْغَنِيِّ بِذَاتِهِ، فَمَا يُذْكَرُ مِنْ إِمْكَانٍ وَحُدُوثٍ وَاحْتِيَاجٍ فَهِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى الْفَقْرِ لَا أَسْبَابٌ لَهُ.

وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ عِلَّةِ احْتِيَاجِ الْعَالَمِ إِلَى الرَّبِ سُبْحَانَهُ غَيْرَ الْقَوْلَينِ اللَّذَيْنِ يَذْكُرُهُمَا الْفَلَاسِفَةُ وَالمُتَكَلِّمُونَ، فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ قَالُوا: عِلَّةُ الْحَاجَةِ الْإِمْكَانُ، وَالمُتَكَلِّمُونَ قَالُوا: عِلَّةُ الْحَاجَةِ الْحُدُوثُ.

وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْحُدُوثَ مُتَلَازِمَانِ، وَكِلَاهُمَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَالْافْتِقَارِ، وَفَقْرُ الْعَالَمِ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُعَلَّلُ، فَهُوَ فَقِيرٌ بِذَاتِهِ إِلَى رَبِّهِ الْغَنِيِّ بِذَاتِهِ، ثُمَّ يُسْتَدَلُّ بإِمْكَانِهِ وَحُدُوثِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْفَقْرِ.

وَالمَقْصُودُ أَنَّه سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِبَادِ وَذَوَاتِهِم بِأَنَّهَا فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ وَحَقِيقَتِهِ أَنَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، فَالْفَقْرُ المُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثَابِتٌ لِذَوَاتِهِم وَحَقَائِقِهِم مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْغِنَى المُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثَابِتٌ لِذَاتِهِ تَعَالَى وَحَقِيقَتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إِلَّا فَقِيرًا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ إِلَّا غَنِيًّا، كَمَا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إِلَّا عَبْدًا وَالرَّبُّ إِلَّا رَبًّا.


‏ ..




الفارس عبدالله
01-15-2024, 06:07 PM
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك

جنــــون
01-15-2024, 09:48 PM
جزاك الله خير

ضامية الشوق
01-15-2024, 10:30 PM
جزاك الله خيرا

المهرة
01-16-2024, 02:56 AM
https://img-fotki.yandex.ru/get/56406/39663434.b15/0_c5e8a_b6e077c1_L.png


بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير


https://img-fotki.yandex.ru/get/56406/39663434.b15/0_c5e8a_b6e077c1_L.png

إرتواء نبض
01-16-2024, 07:24 AM
ع ــناقيد من الجمال
تحيط بروعة الحروف
سلم حسك وبيانكـ
دمت بتميز

مديونه
01-16-2024, 12:23 PM
لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/images/a3zz-7891e79eef.gif

مجنون قصايد
01-17-2024, 12:57 AM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد