مشاهدة النسخة كاملة : حق الجار


جنــــون
10-09-2023, 03:30 AM
حق الجار


الحمد لله الذي جعل القيام بحق الجار من أكمل الإيمان، وإكرامه من أرفع مراتب البر والإحسان، وأذيَّته من أسباب العقوبة والخِذلان، والصلاة والسلام على من قرَّر حقوق الجار أكمل تقرير، وحذَّر من أذيته أبلغ تحذير، صلى الله عليه وعلى آله أكرم الناس جوارًا، وصحابته أمنع الخلق ذمة وذمارًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



الوصية بالتقوى:

أما بعد عباد الله:

فقد سبق أن تحدثت في عدد من الحقوق في إطار الأسرة: حق الزوجين، حق الوالدين، واليوم آتي إلى حق آخر مهمٍّ جدًّا؛ ألا وهو حق الجوار، ذلك الإنسان الذي جمعك معه موطن الإقامة، وربط بينك وبينه التصاق وقرب المنازل، لا بد لك منه ولا بد له منك؛ فوجبت عليك له حقوق ولك مثل ذلك، ومُنِعتَ من تصرفات تؤذيه، ومعاملات تكدر عليه، وكلام يجرح خاطره ويضيق صدره، فلا تكن مثل جار السوء الذي تعوَّذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة))[1].



وسيكون الحديث من منطلقات:

المنطلق الأول: قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]، فانظر كيف قرن الله هذه الحقوق بحقه ومنها حق الجار، وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد هذا الحق؛ منها حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه))[2].



وانظر كيف جمع بين الجيران؛ فالجار ذي القربى؛ أي من له قرابة نسب، والجار الجنب الذي لا يربطك به نسب، وقد قال العلماء: الجيران ثلاثة: جار مسلم ذو رحم، جار مسلم غير ذي رحم، وجار غير مسلم.



وحق الجار هنا هو الإحسان إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]؛ أي: أن نحسن إلى الوالدين إحسانًا، ثم عطف بقية أصحاب الحقوق على ذلك، وكأنه قال: وأحسن إلى ذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى... وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان إلى ذي القربى من مكملات الإيمان؛ حيث قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلْيُحسن إلى جاره))[3]، بل جعل الإحسان إليه وإكرامه شرطًا لكمال الإيمان؛ فقال: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره - أو قال لأخيه - ما يحب لنفسه))[4].



وهذا الإحسان شاملٌ لكل شيء؛ ومنه الإهداء إليه مما تحب، وإطعامه من الطعام الغريب أو الذي لا يُعمَل إلا نادرًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرٍّ: ((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكْثِرْ ماءها وتعاهد جيرانك))[5]، ولتشارك في القليل والكثير، ولا تحتقر شيئًا أن تعطيه، كما أنه لا يحتقر شيئًا أن يقبله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فِرْسِنَ شاة))[6]، وهذا على أقل المراتب، وإلا فكلما جلَّ وكبر العطاء، كان أفضل وأجمل:



على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارمُ



ويتأكد ذلك عند شدة حاجته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن الذي يبيت شبعانَ، وجاره جائع إلى جنبه))[7].



وقد فصَّل العلماء الحقوق ووجوه الإحسان إلى الجار؛ فقال الإمام الغزالي رحمه الله: "وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويَعُوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلَّاته، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلامًا، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه"[8].



المنطلق الثاني: كف الأذى عنه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره))[9]، وأذية الجار أعظم من أذية غيره؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، قال: فقال: ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرَّمها الله ورسوله، فهي حرام، قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره))[10].



وقال صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه؛ أي شروره))[11]، وعن أبي هريرة قال: ((قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذكَر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكَر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثْوارِ من الأقِط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة))[12].

شغف
10-09-2023, 01:53 PM
موضوع راقي
كل الشكر للانتقاء المميز
تقديري

عـــودالليل
10-09-2023, 01:58 PM
‏اختيار جميل جدا
يدل على ثقافه عاليه

‏شكرا من القب
على هكذا طرح




احترامي
‏محمد الحريري

شموخ
10-09-2023, 02:13 PM
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

ضامية الشوق
10-09-2023, 06:53 PM
جزاك الله خيرا

نظرة الحب
10-09-2023, 09:50 PM
اختيار روعه للموضوع اشكرك واقدرك عليه
مودتي

نجم الجدي
10-09-2023, 10:28 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

مجنون قصايد
10-10-2023, 11:29 PM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

المهرة
10-13-2023, 05:45 AM
https://www.afnanwedding.com/wp-content/uploads/2013/11/Gold-PNG-500px.png



بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير



https://www.afnanwedding.com/wp-content/uploads/2013/11/Gold-PNG-500px.png

لا أشبه احد ّ!
10-13-2023, 11:01 PM
:





















أطّروَحُة غّآمُرةَ
سَلمْتمَ وِدٌمتْم كَماَ تّحبُوٍن وَتُرضّوٌنّ

إرتواء نبض
10-19-2023, 10:02 PM
ع ــناقيد من الجمال
تحيط بروعة الحروف
سلم حسك وبيانكـ
دمت بتميز

القبطان
12-07-2023, 05:58 PM
جزاك الله خيرا
وبارك فيـك علام الغيوب
ونفـــس عنــك كـل مكــروب
وثبـت قلبـك علـى دينـه
إنــه مقلـب القلـوب
دمت بحفظ الله ورعايته

مديونه
12-08-2023, 10:13 PM
لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/images/a3zz-7891e79eef.gifلجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح


https://a3zz.net/upload/uploads/images/a3zz-7891e79eef.gif

روح الندى
12-30-2023, 05:25 PM
جزاك الله خير