مشاهدة النسخة كاملة : صنع الله


لا أشبه احد ّ!
06-19-2023, 09:21 PM
تتكامَل الفطرة عند الإنسان بتكوُّن الأوليَّات البرهانية الموصِّلة للمعرفة عبر مراحل متتابعة، فحين يُولد الطفل فلا ذِكر له ولا تمييز، ولا معرفة له بشيء، وإنَّما يتصرَّف كتصرُّف الحيوان في التألُّم والطَّرب، والحركة وأَخْذ الثديين؛ ودليل ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [النحل: 78].

وفي معنى قوله تعالى: ﴿ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾يقول محمد الطاهر ابن عاشور: "وجملة: ﴿ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ حال من الضمير في ﴿ أَخْرَجَكُمْ ﴾؛ وذلك أنَّ الطفل حين يولَد لَم يكن له علمٌ بشيءٍ، ثم تأخذ حواسُّه تَنقل الأشياء تدريجًا، فجعَل الله في الطفل آلات الإدراك، وأصول التفكير"؛ "التحرير والتنوير".
ثم إذا كبر الطفل وعَقَل، بدَأَت نفسه بالتذكُّر والتمييز؛ بما أحدَثه الله له من قوَّة على التفكير والفَهم، واستعمال الحواس الخمس في الإدراك؛ كالتفريق بين الحار والبارد ونحو ذلك، وهذه المرحلة الثانية تعتمد على الحسِّ في التعرُّف على الأشياء.

ثم يتلو هذه المرحلة مرحلة ثالثة هي مرحلة البدَهيَّات، أو أوائل العقل التي لا اختلافَ فيها بين العقلاء؛ كمعرفة أنَّ الجزء أقلُّ من الكل، والضدين لا يَجتمعان، والجسم الواحد لا يكون في مكانين، ولا يكون الجسمان في مكان واحدٍ، وأنَّ الطويل زائد على القصير، ولا يكون شيء إلاَّ في زمان، وأنَّ للأشياء طبائعَ وماهيَّات، وخصائصَ لا تتعدَّاها، وأنه لا يكون فِعْل إلا لفاعل؛ الفصل، 1 / 12.
وهذه المرحلة المعرفية (مرحلة البديهيات) يقضي لسان حال الطفل بتيقُّنه لها؛ وإْن لَم يعبِّر عن ذلك تعبيرًا حسنًا، وهذه هي المعرفة الفطريَّة.
فالمعرفة الفطرية تُعد برهانًا ضروريًّا أوليًّا بديهيًّا، هو أُسُّ المعارف، وحجة لا تَغيب عن حس الإنسان ونفسه، ودليل من الدلائل المؤدِّية إلى الحق.

والله تعالى لَم يَترك الإنسان هَمَلاً في المعرفة، بل أرسل له الرُّسل، وأنزل له الكتب؛ ليؤكِّد اتفاق الخَلْق والأمر في تقرير هذه المعرفة الفطرية بنصِّ قوله تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54].
وفي نفس المعنى السابق يقول تعالى: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]، فتتضافر الأدلة الشرعيَّة في تأييد الخلقة التي خُلِق الإنسان عليها.
وبالتالي يُعْلَم أنَّ: الفطرة ما فطَر الله الإنسان عليه من المعرفة به؛ بناءً على الخصائص الخلقيَّة المُودَعة فيه، فيكون متهيِّئًا لقَبول الحق: طبعًا، وطوعًا؛ النهاية في غريب الأثر، 1/ 705.
يسند هذا قول الجرجاني في الفطرة: أنها الجِبِلَّة المتهيئة لقَبول الدين؛ التعريفات، باب: الفاء.
وكذلك هو نفس قول الراغب: "وفطرة الله: هي ما رَكَز فيه من قوَّته على معرفة الإيمان"؛ المفردات في غريب القرآن؛ الأصفهاني، دار العلم، 1412هـ؛ تحقيق: صفوان عدنان داودي، 1 / 640.

وفي مثل هذا المعنى يقول ابن عاشور في ثنايا تأصيله لمقاصد الشريعة الإسلامية؛ إذ يرى أنَّ مقاصدها مبنيَّة على وصْف الشريعة الإسلامية الأعظم: الفطرة، يقول: "الفطرة: الخِلقة؛ أي: النظام الذي أوجَده الله في كلِّ مخلوق، ففطرة الإنسان هي ما فُطِر؛ أي: خُلِق عليه الإنسان ظاهرًا وباطنًا؛ أي: جسدًا وعقلاً، واستنتاج المسبَّبات من أسبابها، والنتائج من مقدِّماتها: فطرة عقلية، والجزم بأنَّ ما نُشاهده من الأشياء هو حقائق ثابتة في نفس الأمر: فطرة عقلية، فوصْفُ الإسلام بأنه الفطرة، معناه: أنَّه فطرة عقليَّة؛ لأن الإسلام عقائد وتشريعات، وكلها أمور عقليَّة أو جارية على وَفْق ما يُدركه العقل ويشهد به"؛ مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر ابن عاشور، دار السلام، ودار سحنون، ط4، ص62، وانظر بمثله: التحرير والتنوير، 21/ 48.

وبناءً على ما سبَق فلك أن تَلحظ أنَّ فطرة الإنسان قد خُلِقت على هيئة وصفة ذاتية غريزية، تقتضي إقراره ومعرفته بالله خالقًا ومدبِّرًا، وأنَّ هذه الخلقة كامنة تنمو وتَكبُر، وتَعقل وتعرف اضطرارًا وتنتج اكتسابًا، ولكنَّ هذه المعرفة الفطرية لا تبلغ الغاية العظمى في تحقيق عبودية الإنسان لربِّه؛ ولذلك أرسَل الله الرسل ﴿ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].

وفي هذا المعنى يقول ابن عاشور: "ولكنَّ الله يرْأَف بعباده إذا طالت السنون وانقَرَضت القرون، وصار الناس مَظِنة الغفلة، فيتعهَّدهم ببعثة الرُّسل؛ للتذكير بما في الفطرة، وليُشرِّعوا لهم ما به صلاح الأمة"؛ التحرير والتنوير، 20/ 71.

ضامية الشوق
06-20-2023, 12:36 AM
جزاك الله خيرا

شموخ
06-20-2023, 03:28 AM
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

المهرة
06-20-2023, 04:17 AM
https://v.3bir.net/3bir/2016/10/0_7724f_351f336d_L-1.jpg




بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير




https://v.3bir.net/3bir/2016/10/0_7724f_351f336d_L-1.jpg

لا أشبه احد ّ!
06-21-2023, 11:19 PM
جزاك الله خيرا

شكراً من القلب على جمال حضورك
اسعدني تواجدك الرائع بمتصفحي
لا حرمني الله روعة وصالك
كل الود وباقة ورد’

لا أشبه احد ّ!
06-21-2023, 11:19 PM
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

شكراً من القلب على جمال حضورك
اسعدني تواجدك الرائع بمتصفحي
لا حرمني الله روعة وصالك
كل الود وباقة ورد’

لا أشبه احد ّ!
06-21-2023, 11:19 PM
https://v.3bir.net/3bir/2016/10/0_7724f_351f336d_l-1.jpg




بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير




https://v.3bir.net/3bir/2016/10/0_7724f_351f336d_l-1.jpg




















































































شكراً من القلب على جمال حضورك
اسعدني تواجدك الرائع بمتصفحي
لا حرمني الله روعة وصالك
كل الود وباقة ورد’

ملكة الجوري
06-25-2023, 06:06 PM
جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

إرتواء نبض
07-06-2023, 01:50 AM
يعطيك العآفيـه
على الموضوع الروعـه
شكراً لك من القلب على هذآ المجهُود ,
ماأنحرم من عطـآءك المميز يَارب !
حفظك الله ورعآيته .
لِـ روحك باقات الورد

جنــــون
07-06-2023, 06:31 AM
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ
https://upload.3dlat.com/uploads/3dlat.com_17_19_ba83_fb0eb66adb0a14.gif

مجنون قصايد
07-06-2023, 10:54 AM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

نجم الجدي
07-06-2023, 03:27 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي