مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الحلال!


جنــــون
05-04-2023, 03:45 AM
مفهوم الحلال!


لقد أطلق القرآنُ الكريمُ مفهومَ الحلال، وجعله في مقابل مصطلح الحرام؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]، والله تعالى جعل الحلال في الطيبات ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، فالحلالُ مصطلحٌ قرآنيٌّ أصيلٌ، وإن حياة المسلم كلها تدور في إطار ما هو حلال أو مباح أو معفوٌّ عنه[1] وكلها تدخل إجمالًا في دائرة الإباحة بتفصيل، وبيَّن ما هو حرامٌ أو مكروهٌ وهي دائرة المنهي عنه بتفصيل[2].



إن نطاق الحلال يشمل كل أنشطة حياتنا اليومية والدائمة، ففي قواعد أحوالنا الشخصية من خطبة وزواج وطلاق ونفقة ومعاملة الأزواج ورعاية الأسرة وتنشئة الأبناء هناك حلال وحرام ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23]، ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 24].



الطعام والشراب وكل ما يدخل جوف الإنسان خاضع لمفهوم الحلال والحرام: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5].



المال كسبُه وإنفاقُه وتنميتُه واستثمارُه وتداولُه وتوريثُه خاضعٌ لمفهوم الحلال والحرام بما يشمل من ضوابط النظام الاقتصادي كله؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ﴾ [النساء: 10].



العلاقات الاجتماعية والمعاملات بين الناس كلها ضمن مفهوم الحلال والحرام ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11-12].



الزينة والمباهج والسمر والترويح يدخل في دائرة مفهوم الحلال ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32].



فكُلُّ نشاط بشري على وجه الأرض يدخل ضمن مفهوم الحلال بدرجاته، أو هو منهيٌّ عنه يدخل في دائرة الحرام.



والمسلم مطالب بتحرِّي الحلال في كل خطوة يخطوها، وكل كسب يكسبه، وكل كلمة يلفظ بها، وكل تفاعُل مع مجتمعه، ويتجنَّب الحرام استبراءً لدينه وعرضه.



قضية الحلال في حياة المسلم قضيةٌ حاكمةٌ لا يمكنه الفِكَاك منها، وهي مُوجَّهة لفكره وسلوكه وتصرُّفاته، وليس تحرِّيها بمنتهى الدقَّة سوى تطبيق لازم لأوامر الإسلام، ليس في هذا التحرِّي الدقيق تزيُّدًا في الدين ولا غلوًّا فيه؛ بل هذا التحرِّي الدقيق هو قِمَّة الوسطية والاعتدال في طلب التدين بين الغلوِّ والتفريط.



طلب الحلال إذن هو مطلب كل مسلم على وجه الأرض، غير أنه نشأ نحو الثلث الأخير من القرن العشرين مصطلح بديل لمصطلح الحلال، وهو مصطلح الإسلامي؛ ومِن ثَمَّ أصبحت صفة ملتصقة لكل نشاط حلال، فيُقال: الاقتصاد الإسلامي، والبنك الإسلامي، والحزب الإسلامي، والأدب الإسلامي والفن الإسلامي، والعرس الإسلامي؛ بل امتدَّ الأمر إلى وَصْف الزواج الشرعي نفسه بأنه الزواج الإسلامي السعيد!



إزاء هذا التصنيف الجديد أصبح المجتمع أمام نموذجين: نموذج إسلامي، ونموذج غير إسلامي شرقي أو غربي، أو ربَّما تاريخي ما قبل الإسلام! وهذا في الحقيقة تصنيف به الكثير من التزيُّد والقولبة، ومسحة كبيرة من الأيديولوجيا السياسية والحزبية؛ بل والمذهبية الضيقة التي هبَّتْ على الأُمَّة المسلمة! ثم أخذت تتوطَّن في مختلف بيئاتنا المسلمة مع تكييف جزئي لأوضاعها لتنتشر في ربوعنا.



إن اختلاط مصطلح الأسلمة (إسلامي وإسلامية) بالأيديولوجيا الحركية –في تقديري- أخرج فئات كثيرة من المسلمين من دائرة تبني وطلب هذا النموذج، فعامة المسلمين ليسوا مُؤدْلَجين، وليسوا بالضرورة نشطاء حركيِّين أو سياسيين، وحسب المسلم أن يكون سليم العقيدة، صحيح العبادة، مستقيم الخلق، نظيف السلوك، مؤمنًا بالمبادئ والقِيَم العُلْيا للإسلام، بغير خوض في تفاصيل علمية وفقهية دقيقة لا يحسنها إلا أهل التخصُّص من أولي الذكر، أمَّا أن يتحوَّل عوامُّ المسلمين من البسطاء إلى إسلاميين تقوم على أكتافهم تلك المشاريع الأيديولجية المطالبة بأسلمة الحياة، فهذا تزيُّد لا يُطيقه العامَّة؛ بل لا تُطيقه الأُمَّة، وهو أصلًا تزيُّد في الطلب وغلوٌّ فيه، فالأصل أن يتحرَّى كل مسلم الحلال وأن يعض عليه بالنواجز، وأن يجتنب الحرام، وكلاهما بيِّن –بفضل الله- لا لَبْس فيه ولا غموض.



إن العودة إلى مفهوم الحلال في مقابل مفهوم الأسلمة، هو أسلَمُ الطُّرُق وأقصرُها أن تتبنى الأُمَّة المسلمة كلها مشروع الحلال دون الحاجة إلى أيديولوجيا أو حركة أو تنظيم.



نريد أن تعود أنشطتنا الحياتية كلها إلى مفهوم الحلال فنعمل بالحلال، ونكسب بالحلال، ونتاجر بالحلال، ونستثمر بالحلال، وننفق بالحلال، ونأكل ونشرب بالحلال، ونصاهر بالحلال، ونتفاعل اجتماعيًّا بالحلال، ونحتفل بمناسباتنا العامة والخاصة بالحلال، ونسمر ونُروِّح عن أنفسنا بالحلال.



إنَّ الحلال كمصطلح ومفهوم قرآني أصيل يصلح أن يجتمع عليه المسلمون جميعًا دون تفرُّق أو تحزُّب أو تمذهُب أو تأدْلُج؛ لأن الأُمَّة يسعها أن تختلف في رؤاها واجتهادها على كل ما دون الثوابت، والحلال المتفق عليه ثابتٌ من ثوابتِ الإسلام.

المهرة
05-04-2023, 04:04 AM
https://2.bp.blogspot.com/-Iki1A4jaJsM/Ub8UzpcoYsI/AAAAAAAASKQ/ZviqJjunLn8/s320/77761884_4097418_Image3yi.png




بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير




https://2.bp.blogspot.com/-Iki1A4jaJsM/Ub8UzpcoYsI/AAAAAAAASKQ/ZviqJjunLn8/s320/77761884_4097418_Image3yi.png

كـــآدي
05-04-2023, 10:13 AM
طرح جميل
يعطيك العافية

مجنون قصايد
05-04-2023, 10:18 AM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

نجم الجدي
05-04-2023, 02:58 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

ضامية الشوق
05-04-2023, 03:55 PM
جزاك الله خيرا

شموخ
05-04-2023, 10:38 PM
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

لا أشبه احد ّ!
05-08-2023, 12:27 AM
:





















أطّروَحُة غّآمُرةَ
سَلمْتمَ وِدٌمتْم كَماَ تّحبُوٍن وَتُرضّوٌنّ

إرتواء نبض
05-08-2023, 05:22 AM
يعطيك العآفيـه
على الموضوع الروعـه
شكراً لك من القلب على هذآ المجهُود ,
ماأنحرم من عطـآءك المميز يَارب !
حفظك الله ورعآيته .
لِـ روحك باقات الورد

جنــــون
05-12-2023, 12:34 AM
يسلمو ع المرور