مشاهدة النسخة كاملة : جبر الله للقلــــوب


جنــــون
08-14-2022, 02:32 AM
الحمد لله أعطانا بسخاء، ونعمهُ علينا لا حدَّ لها ولا انتهاء، وأشهدُ أن لا إله إلَّا هو العالمُ بالسِّرِّ والخفاء، جبَّار الخواطرِ بلا قيدٍ ولا استثناء، لا يَردُّ لعبده حاجةً ولا دعاء، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله، خاتم الأنبياء صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الشرفاء، وبعد:

: هل تشعر بانكسار يعتري نفسك، وضعف يُغلفها؟ هل تحاوطك الهموم ولا تدري كيف الخلاص منها؟

هل تودُّ أنْ تبكي وتبكي ولكنك لا تجد من تستطيع أنْ تبثه شكواك، وتحكي له عن خباياك؟
هل عانيت من ظلم البشر حتى ضاقت عليك الأرضُ بما رحبت، وعمَّتْ ظلمات ذاك الظلم حتى حجبت عنك أنوار البهجة والراحة والأمان؟

فإلى كل نفس مُتعبة، وإلى كل قلب انكسر، لا تحزن ولا تتألم أيها المنكسر الضعيف، ولا تيئس أيها الوحيد الغريب، ولا تبكِ أيها الفقير المعوز، ولا تهتم أيها العائل المحزون، ولا تبتئس أيها المظلوم المحروم؛ فإن ربَّك هو الجبار سبحانه... سيذهب حزنك، ويجبر كسرك، ويزيل يأسك، ويؤنس غربتك، ويطمئن وحدتك، سيغنيك بعد فقر، ويسترك بعد عري، ويسعدك بعد همٍّ، ويقويك بعد ضعف، وينصرك بعد ظلم.
ويا أيتها الأمة المنكسرة المستضعَفة، سيجبرك جبار السموات والأرض، إنه هو الجبار سبحانه، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ ﴾ [الحشر: 23].
وقد يتخيل البعض أن أسماء مثل الجبار والمنتقم والقهار هي أسماء لقصم الظالمين والانتقام من الجبابرة فقط! المشكلة هي أنك قد تكون عشت عمرًا طويلًا ولكنك لم تشعر أبدًا بأسماء الله الحسنى!
فالجبار يجمع ثلاثة معانٍ، هي: الملك الذي يجبر كسر عبيده، والقهر فوق العباد، والعلو على الخلق، يقول الطبري: "الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم"، ويقول الخطابي: "الجبار هو الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق".
ويقول السعدي: "هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه".
فهو سبحانه جبار جبر قوة؛ يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروتِه، وفي يده وقبضته.
وهو سبحانه جبار جبر رحمة؛ يصلح حال عباده فيجبر الضعيف والكسير والحزين والفقير وغيرهم.
وهو سبحانه جبار جبر علو؛ فإنه سبحانه عالٍ فوق خلقه وهو قريب منهم، يعلم ما يسرُّون وما يعلنون... لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه مسبحًا: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة))؛ أخرجه أبو داود والنسائي.

وكان يدعو بين السجدتين فيقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني وارزقني))؛ أخرجه أحمد وأبو داود.
فالجبار اسم يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس؛ فالله يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِّحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنانِ، هُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ. "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج.
فالله للقلوب جابر: ألا ترى الله قد جبر بخاطر الخليل إبراهيم حين كسر بخاطره فلم يؤمِن معه إلا القليلُ حتى أبوه لم يؤمن به، ظلَّ يدعوه: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ﴾ [مريم: 44] ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 45]، فكان الرد ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم: 46]، فانظر كيف جبر الله بخاطر إبراهيم بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 49]، وفي موضع آخر يقول الله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [الأنبياء: 72، 73]، ألم أقل لك: إن الله للقلوب جابر؟
♦ وهذا يوسف عليه السلام، ومَن منَّا لا يعرفُ قصته وكيف أنَّ إخوته آذوه وأرادوا قتله؟ يخرج مع إخوته يلعب معهم فرحًا مسرورًا، فإذا بهم بالحبال ربطوه، وبالجب أنزلوه، ويوسف يظن أنهم يلعبون معه ويمازحوه، إلا أنهم تركوه؛ ليبقى في الجب وحده لا يسمع إلا أصوات الذئاب فكُسر خاطره بما فعلوه، فجبَرَ الله خاطره بوحيٍ يُثبِّت قلبه: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15].
ثم مرة أخرى لما اتهمتْه امرأة العزيز زورًا وبهتانًا، فيدخل السجن فيكسر بخاطره، فانظر كيف جبر الله بخاطر يوسف فيخرج من السجن وبراءته ناصعة أمام الجميع وصفحته بيضاء، ثم يزداد الله في جبر خاطره فيجعله على خزائن الأرض، ثم يأتي إليه إخوته قائلين: ﴿ يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ [يوسف: 88]، ثم يبالغ الله في إكرامه وجبر خاطره بأن يأتي بأبيه إليه وقد ردَّ الله عليه بصره.
♦ ثم انظر إلى نبيِّ الله أيوب عليه السلام كيف جبر الله بخاطره لما مسَّه الضر وفقد صحته وماله، وكسر بخاطره حين لَبِثَ في بلائِه ثمانيَ عشرةَ سنةً، فرفضه القريبُ والبعيدُ إلَّا رجلَيْن من إخوانِه كانا يغدُوان إليه ويروحان، فقال أحدُهما لصاحبِه: تعلمُ واللهِ لقد أذنب أيُّوبُ ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، فقال له صاحبُه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرةَ سنةً لم يرحَمْه اللهُ فيكشِفْ ما به، فلمَّا راح إليه لم يصبِرِ الرَّجلُ حتَّى ذكر ذلك لأيوب، فازداد حزنًا.

صار حتى هؤلاء الاثنان أقرب الناس واحدًا منهما يظن أيوب هذا عمل معصية شنيعة جدًّا، ولولا ذلك ما جاءه هذا البلاء، فحزن ودعا الله حينئذٍ ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فانظر كيف جبر الله بخاطره ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84] (السلسلة الصحيحة).

أخي، هل تعلم أن الله أنزل سورة في القرآن يجبر بها خاطر رجل؟ ألم يُعاتب الله تعالى حبيبه المصطفى من أجل عبدٍ ضعيفٍ أعمى، كما وصفه القرآن؟ جاء ابن أم مكتوم يطلب الهداية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد انشغل بدعوة غيره طمعًا في هداية كبار قريش، فجاء القرآن معاتبًا المصطفى وجابرًا لخاطر ذلك العبدِ الضعيف، قال الله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [عبس: 1 - 4]، قال القرطبي في التفسير: (فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوبُ أهل الإيمان)، فكان رسول الله يقول له حين يراه: ((مرحبًا بمن عاتَبَني فيه ربي!))...

هذيان قلب
08-14-2022, 03:59 AM
سلمتي

يعطيك الف عافيه

المهرة
08-14-2022, 05:40 AM
https://img-fotki.yandex.ru/get/5908/39663434.924/0_ae1d1_88be101d_XL.png


بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
وجزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي ويعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير


https://img-fotki.yandex.ru/get/5908/39663434.924/0_ae1d1_88be101d_XL.png

غزلان
08-14-2022, 06:11 AM
الله يعطيك العافية

نجم الجدي
08-14-2022, 11:01 AM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

عـــودالليل
08-14-2022, 02:33 PM
امتناني وشكري لك على هذا الطرح
محتواه جميل
ونال الاستحسان

وهذا دليل ذائقه راقيه جدا أدت
لظهوره بهذا الشكل

لك كل احترامي وتقديري



اخوك
محمد الحريري

شموخ
08-14-2022, 03:24 PM
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

كـــآدي
08-14-2022, 05:54 PM
أنرتم سَمانا بـ جَمال العَطاء
سَلمت الأنامل وَدام وهج التَألق
كل الود والإحترام

مجنون قصايد
08-15-2022, 12:13 AM
بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

‏http://i18.servimg.com/u/f18/12/38/24/05/4afakk10.jpg

لا أشبه احد ّ!
08-16-2022, 06:02 AM
:





















أطّروَحُة غّآمُرةَ
سَلمْتمَ وِدٌمتْم كَماَ تّحبُوٍن وَتُرضّوٌنّ

ضامية الشوق
08-16-2022, 05:02 PM
جزاك الله خيرا

طاهرة القلب
08-19-2022, 10:02 PM
جَزآكـم الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـم وَفِي مِيزآنَ حَسنَآتكـم

عازفة القيثار
08-23-2022, 03:02 AM
جزاك الله خيرا
ونفع بك ع الطرح القيم والمفيد
وعلى طيب ماقدمت
اسعد الله قلبك بالأيمان
وسدد خطاك لكل خير وصلاح
وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
دمت بطاعة الرحمن

نظرة الحب
08-23-2022, 05:08 AM
سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك

إرتواء نبض
08-27-2022, 01:39 AM
قلائد أمتنان لهذة
الذائقة العذبة في الانتقاء
لروحك الجوري

ملكة الجوري
08-27-2022, 08:12 PM
جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

جنــــون
09-04-2022, 08:53 PM
يسلمو ع المرور