مشاهدة النسخة كاملة : البـــــَـــــاب المُذَهّـــــــــــبْ


دلع
12-11-2021, 06:56 PM
1

وقفت أميرهـ بهيئتها الهزيلة و قامتها القصيرة أمام حاجز عملاق مُذَهّبة نقوشه و أطرافه مُخفياً ما خلفه , هو في الحقيقة ليس سِوى باب مُغلق لسور منزل ؛ أو كما قالت لها صديقتها جوهره أنه قصر أحد الأغنياء ممن يملكون الكثير من المال و الطعام اللذيذ و الملابس الجميلة . و هذا ما شجعها لأول مره على الخروج من عالم تعرفه حق المعرفة لعالم تجهله تماماً . هناك في عالمها حيث أبسط أمانيهم أن يبيتون لليلة بعد أن أشبعوا بطونهم , و أن يرتدوا ملابس جديدة لا شقوق بها تم رقعها . هناك حيث تَخرج والدتها تخدِم في المنازل لتكسب ما يُبقيها و ابنائها أحياء , تاركه لها عُهدة البيت و الاهتمام بالصغار . لكنها باتت تشعُر أن ذلك ليس كافياً بل عليها أن تقدم شيء ذو فائدة أكبر, خصوصاً وهي تلاحظ في الآونة الأخيرة تعب أمها الواضح الذي تفشل في إخفائه عنها على الأقل .

بالأمس إلتقت بجوهره تختال في فستان سَلب لُبّها , و تحمل في يديها قِطع من حلوى ملونه لطالما حَلِمت بتذوقها , في حين تُدرك عجز والدتها عن ابتياعها لها . حاولت أميرهـ أن تكبت حنقها منها طمعاً في إجابة للسؤال الذي لابد منه , من أين لها هذا ؟! , و هي التي تعلم جيداً حالها و أسرتها المشابه لحالهم . عندها اكتشفت الكثير مما تجهله , و لتسعَ من فورها لكسب ودّ الجوهرة لتحظى برفقتها و تبدأ رحلة الكفاح .
وها هي الآن تقف أمام هذا الشيء العملاق اللامع , بسنوات عمرها الأربعة عشر , حافية القدمين مشعثه الرأس , و بملبسها البسيط الذي يكفي أنه يستر جسدها , فقط ملامحها شكلتها كما علمتها جوهره لتبدو أكثر بؤساً و حاجه مما هي عليه . فهكذا منظر كما قالت ما سَيُرقق قلوب الأغنياء ليمنحوها المال و ربما طعام و ملابس , مثل ما يحصل معها .
في الحقيقة فآجأتها عندما أخبرتها هذا الصباح بأنهما ستتجهان لمكان آخر غير الذي حدثتها عنه بالأمس , طامعة بأن تلتقيان بمن سيعطيهما ما تأملان به , لكن أميرهـ أصرت على أن تذهبان لنفس بيت السيدة التي منحتها ذلك الفستان الجميل . اعترضت جوهره في البداية على طلبها , فمن خبرتها أنه يكفي أن يعطيها أحد الأثرياء مره حتى لا يعاود الكره مره أخرى في إعطائها المزيد . و تحت إلحاح أميرهـ رضخت جوهره لطلبها لتأتي بها إلى هنا , و لتعاود تركها وحيدة بعد أن تمللت في انتظار أحد يدخل أو يخرج من باب القصر , و على عكسها هي لم تفقد الأمل مع تزايد مدة الانتظار . تريد أن تُحقق حُلمها الوليد منذ البارحة . .
في أعماقها لم تستطع فهم شعورها و هي تلاحظ الفرق الشاسع بين الحي الفقير الذي تسكن به , و الحي الواسع الشوارع الذي تتواجد فيه حالياً , النظيف و الكثيف الاشجار , تتراص فيه التحف الفنية الضخمة المسماة بمنازل أو فلل أو قصور . حتى الهواء هنا يختلف , و الشمس تبدو أقوى حراره و أكثر سطوعاً .
لتذهل من إدراكها مدى بؤس عالمها الذي عاشت به , وفي ذات الوقت تسكنها رهبة إن فكرت أنه بإمكانها يوماً مشاهدة أحد هذه القصور من الداخل , فلن تكون النتيجة من مصلحة منزلها و غالب منازل حيها بالتأكيد ...

انتبهت مجفلة من هدير سيارة خلفها , ما إن أزاحت أنظارها عن الباب حتى تتوسع لآخرها لمرأى سيارة لامعة سوداء ضخمة لأول مره تشاهد مثلها .
و لتتبدل مفاهيمها سريعاً - ما إن نزل ذلك الشاب الذي ينافس هندامه سيارته سواداً و لمعاناً - حول جمال الأشياء و مدى جودتها و ملائمتها أو خلافه , مجرد رؤيتها لوجهه و شعره المصَفّف بعناية و ملبسه الأنيق و حذاءه الأملس الامع تستطيع بعد ذلك أن تميز الشخص الغني من الفقير ..

لكن !!! , عيناه أوقفت مسار أفكارها لاتجاه آخر تماماً .
النظرة التي وجهها لها ما إن انتبه لوقوفها بجانب الباب الضخم هي ما شلت حركتها عاجزة عن أي شيء من المفترض عليها أن تقوم به . النظرة و يالشدة أثرها الذي تركته في نفسها , لم تكن سوى نظرة احتقار و اشمئزاز . هناك خطأ ما حصل , أين رقة القلب و نظرة التعاطف و الابتسامة اللطيفة التي توقعتها من حديث جوهره . مجرد نظرة لثانية واحده ليتحرك متجاهلاً إياها و فاتحاً الباب الضخم بسهوله , ليدخل و يغلقه خلفه بسهوله أكبر .
و بصعوبة استعادت أميرهـ أنفاسها , و بصعوبة أكبر تماوجت أفكارها لتتصاعد وتيرتها متلاطمة متكاثفة تنتظر بر ترسو عليه .
انحدر بصرها أسفل في مهمة تقييم لملبسها , بينما إحدى يديها ارتفعت تلامس خصلات شعرها و الأخرى تتفقد ملامحها , و هي تبحث عن سبب نظرة الاحتقار و الاشمئزاز التي وُجِّهت لها .
متسائلة هل هي سيئة و قذرة إلى هذا الحد الذي لا تُدرك ماهيته ؟! . هل بالغت في تعبير البؤس الذي أظهرته أكثر مما هو عليه في الأصل ؟! , أم ربما لأنها لا تملك أب !! .
" لا لا " , نفت سريعاً متذكره حال صديقتها زينة الأسوأ من حالها رغم امتلاكها أب و أم كذلك على قيد الحياة .
لكن نظرة الاحتقار كانت واضحة و لابد لها من تبرير , و للأسف ستهدد ثقتها بذاتها إن أرغمت نفسها على تقبل و قوعها في دائرة الخطأ ..

" آآآهـ " صغيرة أطلقتها أميرهـ و هي تشعر بازدياد حرارة الجو , و رائحة العرق التي تكاد تزكُم أنفها , عليها أن ترحل قبل أن تصاب بضربة شمس , و تحرص لاحقاً على نظافتها جيداً .
" أوهوووو " ما إن استدارت و في نيتها الذهاب حتى أوقفتها صيحة استهجان أطلقها ذات الشاب أعقبت خروجه من الباب العملاق , لتتلقى أعظم صدمات حياتها . ...
إن كانت تأثرت بنظرة الاحتقار فلم تعد شيئاً يُذكر أمام كلماته التي ضربتها كلسعات كهربائية زلزلت أعماقها , و يرددها الصدى ببجاحه :
" لقد ذقنا ذرعاً بكم ايها المتشردين , أقللتم راحتنا و تنافسونا على اللقمة , نحن نتعب و نعمل و أنتم تتسولون بحثاً عن الجاهز . أليس لديكم كرامة ؟! ما هذا التذلل ؟! , بدل أن تمدوا أيديكم إلى أعناقنا اعملوا . أُفّ حتى عند منازلنا تلاحقونا , هل علينا أن نضع حواجز و نقاط دخول و خروج لأحيائنا التي نسكنهاااا ـ ـ ـ ـ ـ " .
لتتوقف حروفه السامة بتذمر مفسحة المجال لتنهيدته العميقة منهيةً الساحة من وجوده , و متجهاً بعدها صوب سيارته مغادراً المشهد الذي بدأته مفتتحه لينهيه بأبشع نهاية .
و لم تملك حينها أميرهـ سوى ملاحقة أشلاء كرامتها و هي تتعلم متأخرة معنى إهدار الكرامة و جلب الذل للنفس .
تساؤل صغير معترض تسلل هامساً من بين شفتيها : " هل كان عليه أن يقول ما قال ؟! , أنا لأول مره آتي إلى هنا , ظننت أنني أكافح لا أتسول !! , كان يكفي أن يقول أنه لن يُعطيني شيئاً و يطلب مني الرحيل و سأفهم , مؤكد سأفهم و أرحل بلا عوده " .

و المؤكد أيضاً أن هذا الشاب الغني غَفِلْ عن قوله تعالى : { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } ..
لتسير كذلك أميرهـ مبتعدة و متظاهرة كأنها آخر فرد يخرج من مسرح عرض مسرحية فاشلة متجنباً التدافع مع الوفود المغادرة .
على الأقل هكذا أفضل حتى لا تشعر بخيبة أمل لموت حُلمِها الوليد .


انتبهت لعدم عودة أمها بعد عند دخولها لمنزلهم , لتبدأ سريعاً بنفض دور لم يكن يلائمها و عائدة إلى دورها الذي تُتقنه منذ وعت لطبيعة حياتها التي تعيشها . تهتم بشؤون البيت و شؤون إخوتها الثلاث سيد و مهره و غاليه , الذين لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات ...

يوم جديد يبدأ مشابه لما قبله , نفس الروتين و الأحداث مع اختلاف محتوى الهامش بحدث أو حدثين . لكن يبدو أن ما سيكون على رأس جدولة أيامها القادمة , تلك الساعات التي تقضيها في وقوفها محدقة بهذا البَاب المُذَهّب الذي أتت إليه سابقاً .
أسبوع مرّ على ذات المنوال دون أن تأتي بأي حركه أخرى , لا تعلم لما ؟!! وحتى تجد تفسير مُقنع لنفسها ستعاود القدوم كل يوم . شيء واحد تعلمه أن قدومها إلى هنا ليس لطلب مال أو طعام أو ملابس كما أول مره .
وهذا تماماً التفسير الذي يظنه أصحاب هذا القصر , بدءاً بنفس الشاب الذي عرفت صدفةً أن اسمه أميـر , مروراً بأمه السيدة ثريا و أخته جميلة . سألتها ذات مره السيدة عندما لم ترفع يدها لاستلام بضعة نقود اخرجتها من حقيبتها : " هل تريدين شيئاً ما ؟! هل أستطيع مساعدتك ؟! " , دون إجابه تُذكر صادرة منها , التساؤل نفسه نطقت به أيضاً جميلة مضيفه : " ما اسمك ؟! أين تسكنين ؟! " , و حتى أميـر نفسه قدم عرضه لمساعدتها و تلبية طلباتها ما إن تطلبها .
و دون أن تكلف أميرهـ نفسها عناء النظر إليهم , أجادت دور ثانوي كصماء بكماء تنظر فقط لباب قصرهم .
بالأمس كادت تفسد أداء دورها الصامت عندما قدمت لها السيدة ثريا فستان جميل ؛ بل بالغ الجمال حبس أنفاسها ما إن لمحته يُخرج من الكيس الذي تحمله , كادت تقفز فرحاً مُنتشله إياه من بين يديها , كان كما حَلُمت يوماً أبيض رقيق تزينه ورود صغيره من أعلاه لأسفله , و لأنه حُلْم و هي تعلمت بالطريقة الصعبة أن الأحلام يستحيل تحققها , لذا أحجمت ردة فعلها بأعجوبة . خصوصاً مع إصرار السيدة عليها لقبوله و إغرائها بأنها ما اشترته إلا لها .
لكنها لم تَعُد تطمح لشيء سوى أن يكفوا عن استفساراتهم و عروضهم المغرية و يدعوها لشأنها . بعد أسبوع آخر أدركت نظراتهم المرتابة نحوها , فما تفعله كونها لا تكف عن القدوم و الوقوف كالبلهاء محدقة بالباب غير منطقي , و عوضاً عن إثارة ريبتهم بها أكثر , أصبحت تأتي دون الاقتراب من مدى نظر أهل القصر أو غيرهم , تقف بعيداً حيث يمكنها مشاهدة الباب دون أن تُشاهد ...

في إحدى الأمسيات الهادئة في منزل أميرهـ , باغتت نفسها و والدتها التي تخيط بعض الملابس بما أرَّقَ لياليها قائلة : " أمي . ذلك اليوم أخبرتني جوهره بكلام عجيب , عندما كانت تسأل شخص غني مال , نَهرها و وصفها بأنها متسولة و من المتشردين الذين لا يعملون و يطلبون حق غيرهم " .
في الحقيقة هي من هُزِّأت و لن تحتمل تهزيئ آخر قد يصدر من والدتها , التي ردت عليها : " آهـ . تلك المسكينة وهل باستطاعتها فِعل شيء آخر غير السؤآل ؟! إنه عديم ذوق كيف يُطلق عليها وصف المتسولة وهو لا يعلم ظروفها التي أجبرتها على القيام بشيء كهذا حتماً لا تريده ؟!! " .
قطبت أميرهـ جبينها لتردف : " هل السؤآل و طلب المال خطأ ام صواب " ,
ابتسمت والدتها ابتسامتها المتسامحة تجيبها : " نعم يا ابنتي خطأ , العمل أفضل وهذا ما أمرنا به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم , سؤآل الناس يُريق ماء الوجه إن امتهنه صاحبه دون أن يكلف نفسه بالبحث عن الرزق الطيب الحلال . لا بأس بطلب المساعدة بالمال عند العجز التام أو في لحظات ضيق ذات اليد التي قد يمر بها أي إنسان , أما طلب المساعدة التي تكفيه عن السؤآل كتوجيهه لعمل ما أو إقراضه ما يعينه على الكسب بيده لا أرى فيه ما يعيب . في ديننا يا أميرتي على الغني أن يبذل من ماله للفقير كحق فرضه الله عليه , و على الفقير أن لا يعتمد على الصدقات بل يسعى بما يستطيع ليعيش كريماً , و الإحسان و التعاون باستطاعة الغني و الفقير تقديمه بأي صورة كانت , حتى يتحقق مفهوم المجتمع الإسلامي مُتراص البناء " .
لتعيد بعد ذلك السيدة لُجين نظرها لسير الإبرة المجهدة على سترة سيد - مُصلحه تمزق عند الكوع - مكتفيه بما قالت بعد التألق الذي رأته بعيني ابنتها كدلاله لاستيعابها . في حين أن التألق مرجعه لقب أميرتي الذي مرّ في ثنايا حديث الأم , أما الاستيعاب فالأيام كفيله بتأكيده .
و تهمس أميرهـ بتأثر : " أتمنى ألا أخذلك أمي الحبيبة " ,
يكفيها أميرتي لترفعها للسماء ...

دلع
12-11-2021, 06:58 PM
2

يبدو أن هناك عادات أقوى من إرادتنا ومن أي تغيير قد يطالها بالرغم أحياناً من تفاهتها و كونها بلا معنى و افتقارها لأي فائدة قد تُرجى . هذا ما تكرر في فكر أميرهـ و على لوحة مفاتيحه ببطء , و هي تنظر بعد مرور اثني عشرة عاماً لنفس البَاب المُذّهب العملاق الذي لاحقها في منامها كل ليلة عند انقطاعها عن القدوم لمدة سبع سنوات اضطرت خلالها للمغادرة إلى المدينة القريبة لإكمال دراستها الجامعية . و ما إن عادت لم تملك السيطرة على قدميها التي سارت على نفس مسارها القديم لخمس سنوات كاملة من منزلها في حيها الفقير الذي غادرته أسرتها قبل ثلاثة أشهر من الآن إلى القصر في الحي الذي شَهِد مسرحيتها الفاشلة . لكن تحمد الله أن صداها لم يؤثر سلبياً على حياتها , فقد اقتنعت برأي والدتها عن ضرورة إكمال دراستها بعد توقفها عنها لعامان , و استطاعتها التوفيق بين الدراسة و مهام البيت .
لتنهي مسيرتها التعليمية في مجال التمريض , و تكسب عمل ذو دخل مُرضي في عيادة أطفال مرموقة بمستشفى خاص ذائع الصيت .

و هكذا بكفاح حقيقي تفوقت على فقرها و عائلتها المدقع إلى حال أيسر و يبشر بالأفضل بإذن الله و هي ترى أيضاً أخيها ينهي دراسته بتفوق لتزيد فرصته بالحصول على عمل طموح كما يأمل ..

فقط هذه العادة - التي لم تمت كما ظنت - لو تجد لها تفسير تُقنع به نفسها لتستطيع التخلص منها . فالأمر بات مُزعج إلى حدٍ كبير , و ها هي وتيرة الانزعاج تتزايد فور مشاهدتها لذاك المسمى أمير خارجاً من الباب الضخم , و هذه المرة الصورة ستكون جيده للعبة استخرج الفوارق العشرة التي تهواها أختها الصغرى , و اهم هذه الفروقات الطفلة التي قدرت عمرها بست سنوات و مع ذلك متعلقة برقبته حاملاً إياها مُتجهاً لسيارته , و كفرق آخر السيارة أصبحت صغيرة الحجم و لونها أبيض . خلاف أميـر نفسه ربما ستتجاوز بإحصاء الفروق فيه العدد عشرة , متسائلة كذلك عن الفروق بين صورتها الآن و قبل اثني عشر عاماً , فكرت أنها حالما تعود للمنزل ستترك المهمة لأختها ..
بعد أن اختفت السيارة عن مجال نظرها أدركت سبب انزعاجها , لأن بصرها حاد عن الباب إلى مُفسد المسرحية التي كانت يوماً على أعتابه .
زفرة أطلقتها أميرهـ لتسير أخيراً مغادرة الحي برمته صوب المستشفى الذي ليس ببعيد ..
ما إن دخلت العيادة التي تعمل بها حتى استقبلها حفيف أوراق تقلبها الدكتورة سمر على سطح مكتبها , ابتسمت مُلقية السلام تنبهها بحضورها , لترد الأخرى الابتسامة و التحية , و تستعدان لمباشرة عملهما في طب الأطفال .
ثالث الحالات و للمفاجأة - التي كانت دقيقة في تصويب هدفها - كانت ابنة أميـر بلقيس ذات الست سنوات و نصف زيادة على تقديرها السابق لها .
لتضع الصدمة أميرهـ في موضع سخرية من نفسها عندما تصلب جسدها و تسارعت أنفاسها , سخرية أفادتها لتتدارك انفعالاتها قبل أن يلاحظها أحد خاصةً المدعو أميـر , الذي يبدو أنه لم ينتبه لها أصلاً , فتركيزه كان منصب على الدكتورة سمر يشرح لها المشكلة الصحية , و بعد مُعاينة الفحوصات المخبرية لطفلته تبين أنها تُعاني من نقص فيتامين ’ د ’ كسبب أساسي لضعف العظام و الضعف العام الذي يظهر على الطفلة و بعض الأعراض الأخرى ..
بينما و في لحظات متفرقة غافلت عينا أميرهـ النظر ناحية أميـر , لتزيد قائمة الفروق التي سبق أن أحصتها , ومنها ذلك الحُزن المختبئ خلف المحبة الخالصة التي رسمتها ملامحه بوضوح كلما نظر لابنته .
هزت رأسها مباغتة أفكارها لتوقفها ما إن غادر مُسببها العيادة , خصوصاً الفكرة التي كانت على مقربة من تسللها راغبة في التشفي متمتمه : " لقد ذقنا ذرعاً بإهمال الآباء لأطفالهم , أين أنت من الاهتمام بصحة ابنتك ؟! , ألا تملك من المال ما يكفي لإطعامها !! " .
هزت رأسها مره أخرى , تعلم يقيناً انها أحسنت بلجم لسانها عن مثل هذا القول الذي ليس في محله , لا علاقة للغنى بالصحة , قد يكون المال مساعد و رئيسي ربما , لكن بالتأكيد لا يشتري العافية ..

في اليوم التالي انتبهت متأخرة لاتجاه سيرها , وكعادتها المتأزمة ها هي تدخل الحي الأنيق , و ليس أمامها سوى إكمال سيرها حتى أوشكت على الاقتراب من الباب الضخم , للحظة ترددت من التقدم أكثر , لتعزم أمرها حتى أصبحت على مقربة خطوات قليلة منه .
دقائق صامته من الـتأمل , لتجفل لمرأى الباب يُفتح , يتبعه خروج مفاجئ لأميـر - محققاً هدفاً آخر لليوم الثاني على التوالي - ليتصلب جسدها وهذه المرة ليس بسبب الصدمة بل الخوف الشديد من خروجه العاصف الغاضب و نهايتها الوشيكة على يديه تلوح لها في الأفق .
لكن الخوف ما لبث أن زال بعد أن تخطاها دون أن يراها , يلاحقه صراخ امرأة , لتنتبه لما يحصل أمامها , و منتظره دورها للمشاركة في المسرحية التي بدأ عرضها ..
... : " أميـر توقف , ألا تسمع توقف . أين تظن نفسك هارب " .
نجحت المرأة في استفزازه بدليل توقف خطواته و استدارته نحوها ساخراً :
" هارب !! بل قولي أنفذ بجلدي من جحيمك " ,
لتثور الشقراء : " ألآن أمثل جحيمك بعد أن تنعمت بجنتي " ,
تذمر قاطعاً حديثها : " أي جنة تتحدثين عنها فيروز , الحياة معك خانقة "
احتقن وجه الشقراء بشده نافية ما تفوه به : " لا تخدع نفسك أميـر , أنا من بت أقرف منك " ,
وكما عرفته ساخراً تهكم قائلاً : " هه تقرفين !! لماذا إذاً ما زلت تطبقين على عنقي و لا تغادري منزلي " .

... : " أُفَّ " , زفرة عالية هذه المرة من أميرهـ توقف بها المشهد الفاشل , متأسفة لنصيب عتبة هذا الباب من العروض السيئة .
و أمام النظرات المتفاجئة و المتعجبة و المعترضة و .... ,
حسمتها أميرهـ بنظرة احتقار منها قائلة : " ألا يكفي هذا الباب ليكون حاجزاً تختفون خلفه بمشاكلكم بعيداً عن أنظار المارة !! هل الأغنياء لا يجيدون سوى الصراخ و التذمر و الصوت العالي ؟! ؛ أم ألا تكفي أموالكم لشراء الكلمة الطيبة و التعامل بالحُسنى و المعروف ... " 0
لتستدير مباشره كأول الوفود المغادرة للمسرح , بعدما أنهت المشهد بألطف نهاية .

وهي تسير مبتعدة تبين لها التفسير للتعلق المرضي لنظرها بالبَاب , لقد كان الأمل و الحافز لهمتها بأن يوماً ما سيكون لها باب ذهبي , و لذا ما عليها سوى أن تبحث عن مفتاحه أولاً . حتى إذا ما وجدت بابها استطاعت فتحه و الدخول .
هذا البَاب المُذهّبْ العملاق هو الشيء الجميل الوحيد من العالم الغني بمقدور أفراد عالمها الفقير التمتع بمشاهدته دون سواه من القصور بحدائقها و أفنيتها المختبئة خلفه .
من الجيد أن الأغنياء لم يحتكروا كل شيء , كالسعادة و القناعة , باستطاعة الفقير أن يرضا بالبسيط القليل , و كذلك إن لم يملك تغيير قدره كونه فقير بإمكانه اختيار أسماء ابنائه التي تعجبه وإن كانت معانيها غنية و تليق بالأثرياء أكثر .
وكأبسط مثال هي توجاها والديها أميرهـ , و أخيها السيد و مهره و غاليه لهما من اسميهما نصيب .
... و أخيراً رست أفكار أميرهـ على مينائها و هي تخرج نهائياً من هذا الحي المترف , فقط البَاب المُذهّبْ كان يستحق منها وداع أفضل ...

بقلم / مدامـ ع عيــ ن

مجنون قصايد
12-11-2021, 07:51 PM
بيض الله وجهك على اختيارك
للطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

‏http://i18.servimg.com/u/f18/12/38/24/05/4afakk10.jpg

جنــــون
12-11-2021, 07:59 PM
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ
https://upload.3dlat.com/uploads/3dlat.com_17_19_ba83_fb0eb66adb0a14.gif

نجم الجدي
12-11-2021, 08:09 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

ملكة الجوري
12-12-2021, 12:30 AM
تسسلم يمينك على رووعه طرحك~
الله يعطيك الف عاآآآآآآفيه ...
ولاتحرمنا من جديدك وفيض ابداعاااك ..
دمت بخير..~

دلع
12-12-2021, 01:17 AM
يسلمو على المرور

عـــودالليل
12-12-2021, 02:50 AM
‏اختيار جميل جدا
يدل على ثقافه عاليه

‏شكرا من القب
على هكذا طرح




احترامي
‏محمد الحريري

طراد
12-12-2021, 12:27 PM
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//2487ed4cedc9351.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//aa16f519dd25040.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//9bf79bf0648bc26.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//f03b059c768f968.jpg


ذَائِقةٌ مُترَفَةٌ..بِـ كُلِ جَميلٍ..
متصفَح يقطرُ سحراً يُشدنا
فاتنٌ بِ الجمآل
لاَعَدمْ
وَقَوافِل الجُوريِ تَحتَفيِ بِكم


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//524b03d305d3158.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//bad7a78902891fe.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//4c01bfa7b867cff.jpg




http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//18abbd828f0cb46.jpg
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/05/30/jpg//213148d83125c05.jpg

ضامية الشوق
12-12-2021, 02:53 PM
سلمت يمناك
طرح جميل جدا

دلع
12-12-2021, 07:39 PM
يسلمو على المرور

زمرد
12-13-2021, 05:12 PM
يعطيك العافيه على ما جدت به
وتسلم الايادي على روعة الطرح
دمت متألق ودآم الإبداع منهجا لك

لاحرمنا روعة عطاك

دلع
12-13-2021, 06:10 PM
يسلمو على المرور

إرتواء نبض
12-14-2021, 03:13 AM
قلائد أمتنان لهذة
الذائقة العذبة في الانتقاء
لروحك الجوري

دلع
12-14-2021, 05:46 PM
يسلمو على المرور

عازفة القيثار
12-15-2021, 12:40 AM
الله يعطيك الف عافيـــــــــة
وآلف شكَـر لك
لآحرمنـآ الله من روعة طروحآتكـ
ولك مني أرق وأجمل التحايا

دلع
12-15-2021, 02:42 AM
يسلمو على المرور

نسايم ورد
12-15-2021, 07:24 PM
طرح في منتهى الروعة
لك مني اجمل تحية
انزار

دلع
12-16-2021, 01:45 AM
يسلمو على المرور

لا أشبه احد ّ!
12-17-2021, 05:50 AM





آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

دلع
12-18-2021, 02:27 AM
يسلمو على المرور

نظرة الحب
12-19-2021, 05:08 AM
سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك

دلع
12-19-2021, 07:49 PM
يسلمو على المرور