ضامية الشوق
08-05-2021, 07:20 PM
المعلم والكرسي الخشبي
ماجد محمد الوبيران
في أول سنة من عملي في ميدان التربية والتعليم كنتُ مهتمًّا بمُطالَعة كل عدد مِن أعداد مجلَّة المعرفة التي كانت تَصدر من وزارة المعارف في ذلك الوقت؛ طالبًا المعرفة، والإفادة من التجربة، وأثناء مُطالعتي ذات مرَّة وقعَت عيني على صورة لشابٍّ يقف عند الغروب في مياه شاطئ البحر، وقد غطَّت المياه ساقَيه إلى منتصفهما، وقد عُنونَت تلك الصورة بسؤال، هو: "متى تُشرق شمس المعلِّم؟"، فما كان منِّي إلا أن قمت بقصِّها، وجعلها داخل إطار؛ لأعلِّقها فيما بعد في مجلس منزلي منذ عشرين عامًا!
أكتبُ هذا الكلام بعد أن شاهدت في أحد الفصول الدراسية كرسيًّا خشبيًّا مهترئًا خُصص للمعلم؛ ليجلس عليه حين يرغب في أخذ قسط مِن الراحة، أو حين القيام بعملية تصحيح كراسات الطلاب وكتبهم!
فرُحْتُ أتأمل حالي وحاله حول أهمية كل مِنَّا، وقد عرفتُ أنني سأصطدم بآراء تربوية متعددة متباينة كما هي عادة كثير من التربويِّين الذين يُبحرون في آرائهم هنا وهناك دون أن يتجهوا إلى الحقيقة مُباشرة، فمِن قائل: بأن المعلم جدير بالاحترام، ومن حقِّه علينا تخصيص كرسي جديد مريح يليق بمكانته، لكن صوتًا مخالفًا ذكر بأن المعلِّم ما جاء إلى المدرسة ليستريح، بل هو مطالَب بتنفيذ الدروس من خلال الشرح والمناقشة، ومتابَعة الطلاب، وإدارة الصفِّ!
وصوت بالَغَ في المثاليَّة، فذكر أنه يجب ألا نُبالغ في النقاش، فلا العِبرة في الكرسي القديم في ظلِّ وجود المعلِّم المتميز، ولا بوجود كرسي جديد جميل مريح مع معلم متهاون لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب!
وصوت لازَمَ الحياد السلبي، فذكر أن الناس في العالم قد ذهَبوا إلى الفضاء، وناقشوا الذَّرة، وابتكروا كل جديد باهر في عالم التقنية، ونحن ما زلنا نناقش موضوع كرسي في فصل من آلاف الفصول في مدارسنا!
والكل ظلَّ متمسِّكًا برأيه المدعوم بالنظرية والفكرة التي يَتبناها؛ ليظل الكرسي على حالته السيئة في انتظار تَحطُّمه، أو استبداله بأحد الكراسي الزائدة في حُجرة الصفِّ، وليظل المعلم يُقنع نفسه بالغد الأفضل الذي ستُشرق فيه شمس المعلم، لكنه لن ينسى لحظاته وذكرياته الجميلة مع ذلك الكرسي القديم الذي ظل صابرًا ومقاومًا في عصر التشتُّت بين النظريات والأفكار، مع أن تغييره إلى الأفضل لا يحتاج إلى كثير من الكلام، الكلام الذي يكثر في وقت غابت فيه الأفعال كما غابت الشمس، وتلاشت خلف الأفق البعيد
ماجد محمد الوبيران
في أول سنة من عملي في ميدان التربية والتعليم كنتُ مهتمًّا بمُطالَعة كل عدد مِن أعداد مجلَّة المعرفة التي كانت تَصدر من وزارة المعارف في ذلك الوقت؛ طالبًا المعرفة، والإفادة من التجربة، وأثناء مُطالعتي ذات مرَّة وقعَت عيني على صورة لشابٍّ يقف عند الغروب في مياه شاطئ البحر، وقد غطَّت المياه ساقَيه إلى منتصفهما، وقد عُنونَت تلك الصورة بسؤال، هو: "متى تُشرق شمس المعلِّم؟"، فما كان منِّي إلا أن قمت بقصِّها، وجعلها داخل إطار؛ لأعلِّقها فيما بعد في مجلس منزلي منذ عشرين عامًا!
أكتبُ هذا الكلام بعد أن شاهدت في أحد الفصول الدراسية كرسيًّا خشبيًّا مهترئًا خُصص للمعلم؛ ليجلس عليه حين يرغب في أخذ قسط مِن الراحة، أو حين القيام بعملية تصحيح كراسات الطلاب وكتبهم!
فرُحْتُ أتأمل حالي وحاله حول أهمية كل مِنَّا، وقد عرفتُ أنني سأصطدم بآراء تربوية متعددة متباينة كما هي عادة كثير من التربويِّين الذين يُبحرون في آرائهم هنا وهناك دون أن يتجهوا إلى الحقيقة مُباشرة، فمِن قائل: بأن المعلم جدير بالاحترام، ومن حقِّه علينا تخصيص كرسي جديد مريح يليق بمكانته، لكن صوتًا مخالفًا ذكر بأن المعلِّم ما جاء إلى المدرسة ليستريح، بل هو مطالَب بتنفيذ الدروس من خلال الشرح والمناقشة، ومتابَعة الطلاب، وإدارة الصفِّ!
وصوت بالَغَ في المثاليَّة، فذكر أنه يجب ألا نُبالغ في النقاش، فلا العِبرة في الكرسي القديم في ظلِّ وجود المعلِّم المتميز، ولا بوجود كرسي جديد جميل مريح مع معلم متهاون لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب!
وصوت لازَمَ الحياد السلبي، فذكر أن الناس في العالم قد ذهَبوا إلى الفضاء، وناقشوا الذَّرة، وابتكروا كل جديد باهر في عالم التقنية، ونحن ما زلنا نناقش موضوع كرسي في فصل من آلاف الفصول في مدارسنا!
والكل ظلَّ متمسِّكًا برأيه المدعوم بالنظرية والفكرة التي يَتبناها؛ ليظل الكرسي على حالته السيئة في انتظار تَحطُّمه، أو استبداله بأحد الكراسي الزائدة في حُجرة الصفِّ، وليظل المعلم يُقنع نفسه بالغد الأفضل الذي ستُشرق فيه شمس المعلم، لكنه لن ينسى لحظاته وذكرياته الجميلة مع ذلك الكرسي القديم الذي ظل صابرًا ومقاومًا في عصر التشتُّت بين النظريات والأفكار، مع أن تغييره إلى الأفضل لا يحتاج إلى كثير من الكلام، الكلام الذي يكثر في وقت غابت فيه الأفعال كما غابت الشمس، وتلاشت خلف الأفق البعيد