نظرة الحب
04-30-2010, 04:10 AM
عِنْدَما نَسْبُرُ أَغْوَارَ هَذِهِ النَّفْس ، وَنَتَعَمَّق في فَهمِ طَبَائِعِ النَّفسِ البشَريةِ ؛ ونترفعَ عنْ تلكَ النظرياتِ النَّفسيةِ التي تنطلقُ من تصوراتٍ شَاذةٍ للإنسان ، كَما فعلَ فُرويد ، وفلوتير وغيرهما .
النَّفسُ لها مقوماتٌ وقيمٌ ؛ لا ثباتَ لها ، ولا نجاحَ ، إلا بِتَوفُرِها ، ثمَّ فَهْمِها ، وبعدَ ذلكَ جَعْلها مُتوازنةً ، كَما يَفْعلُ البحارةُ بأشرعتهم ، ولو ظهر لعينك أن بَعضها أرفعُ مِن بعضٍ !! فهذا هوَ الاعتدَالُ.
الهدوءُ ، والوفاءُ ، والحبُ ، وحسنُ العِشرةِ ، غَالبا ما يكونُ ثمرةً لتربيةٍ حَسنةٍ ، وطَبعٍ فِطْريٍ سَويٍ، يمتزجُ بروحِ الإنسانِ مُحقِقاً أعلا دَرجاتِ السُّموِ الرَّوحي ، والعَقْلي .
لقدْ كانَ عليهِ السَّلام عَلى درايةٍ نَفْسِيةٍ بطباعِ مَنْ حولهُ ؛ واكتسبها منهُ مَنْ كانَ قريباً منهُ ، فكانَ التَعاملُ الحسنُ ثقافةً متبادلةً .
وعندما وصفتْ عائشةُ رضي الله عنها - كما في البُخاري - صلاةَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالليل قالت « فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ ».
نعمْ يتحدثُ معها ، حديثَ الزَّوجِ مع زوجه في هدأةِ الليل ، وسكونِ الكَون ، وقلةِ الحركة.
فالعبادةُ مع العلمِ مَظْهَرٌ من مظاهرَ الهدوءُ النَّفسي لا تستقرُ البُيوتُ والنُّفوسُ إلا بتوفرها ، ورِعَايتها .
كما أنَّ فَهْمَ كلٍ منَ الزوجين لنفسِ شريكهِ وصاحبهِ ، يمنحهما قَدْراً كَبيراً من حُسْنِ التَعاملِ ، والتَّفوقِ على كثيرٍ من المتاعبِ بجدارةٍ ، لا سيَّما عندما تكونُ مما يتغافلُ عنهُ الشَّهمُ العاقِل !!.
إنَّ عَشْرَ سَنواتٍ قضتها عائشةُ مع زوجها النَّبي عليه السَّلام عَرَفَ كلاهما مَلامحَ الآخر ، وخصائصَ نفسهِ وطبعهِ وسلوكه ، وهذا يَشي بأنَّ تلكَ الحال تتكررُ كلما تكررَ الفَهم ، وتجددَ العقلُ والعطاء.
جَاءَ في الصحيحينِ عَن عائشةَ قالتْ : لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ « انْهَهُنَّ » فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ » فَقُلْتُ : « أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ ».
لقدْ كانتْ ترقبُ زوجها النَّبي ، وترى ما ألمَّ به من حُزْنٍ ، وتشاهدُ توجعَ قلبهِ على أصحابهِ، ثمَّ زفرتْ بهذه الكلمات التي يرى فيها الاهتمامُ العاطفيُ لحال زوجها ، وما يخففُ من تعبِ قلبهِ الطَاهِر.
إنَّ المرءَ - وخاصةً الزَّوجين والأصدقاء - بحاجةٍ إلى إندماجٍ نفسيٍ ومعرفيٍ بزوجهِ وصاحبه ؛ حتى في أدقِ الملامحِ النَّفسية، ولا يعني ذلك الاتفاق على كلِ شيئٍ ، لأنَّ اختلاف الطباع والأمزجة يرسم لوحةً فنيةً بديعةً ، إنْ كانت الريشةُ بيدِ رسامٍ نطاسي .
وإنَّ من الحُمْقِ ، وقلةِ العقل ، والدناءةِ ، ألا يشاركَ أحدُنا صاحبهَ في مشاعرهِ ، أو يتغافلَ عنهُ .
وتزدادُ الحقارةُ عندما تمرُ لحظاتٌ جميلةٌ ، وأيامٌ سعيدةٌ ، فيذكرُ أحدهما الآخرُ بما يكدرُ خاطره !!.
ولما كانتْ عائشةُ – وهي ابنة سبعة عشر عاماً - ترجو أنْ تعتمرَ معَ حجتها لكنها نَفِسَتْ ، فعاشَ معها زوجها النَّبي مشاعرها حتى طابَ خاطرها كما في الصحيحين حيثُ قَالَتْ : فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ « مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ » قُلْتُ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ « وَمَا شَأْنُكِ » قُلْتُ : لَا أُصَلِّي !! ؛ قَالَ: « فَلَا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا » قَالَتْ : فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ؛ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الْآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ؛ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ « اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي» قَالَتْ : فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: « هَلْ فَرَغْتُمْ » فَقُلْتُ: نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ؛ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
لقدْ حَبَسَ نفسهُ وأصحابهُ من أجْلِها ، وأهتمَّ بشأنها حيثُ أرسلَ معهَا أخَاها ، وأخبرهما أنَّهُ ينتظرهما بعدَ فراغهما !! ، إنَّهُ الاهتمامُ والمراعاةُ إلى درجةٍ جعلتهُ عليهِ السَّلام - لما فقدتْ عقداً لها – فأوقفَ الجيشَ من أجلها ، ونامَ على فخذِها ، فجاءَ أبوها وعاتَبها ، وَالنَّاسَ لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ؛ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي؛ فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي؛ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ : فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ !!.
إنَّها النَّفسُ بكَاملِ مشاعِرها ، ووجوهها ، وسِرُ ذلك : العلمُ ، والعبادةُ ، والاهتمامُ ، والنَّظرةُ الإنسانية ، وتبادلُ الأدوار بتفوقٍ يجلبُ المودةَ والرَّحمة.
وَما نراهُ في واقعنا من قلة اهتمامِ الأزواج ببعضهما حتى إنَّ الرجلَ ما أنْ يبلغَ ابنهُ مبلغاً من العمرِ يجعلهُ يقود السَيارة ، حتى لا يكاد يقضي لزوجته حاجةً ، و عندما تكون في مناسبةٍ ، أو في السوق؛ فلا مانع لديه أن تأتي إلى البيت مع فلانٍ وعلان ، وتصبح مثل الحقيبة التي فقدت في مطار دولي !! .
إنَّ الاهتمامَ ، وإظهار الرَّغبةِ في الخدمةِ مظهرٌ من مظاهرِ السُّلوك الإنساني السَّوي ، فإنْ قلَّ أو خفي أولا تلاشى أصبحَ المرءُ صاحبَ مصلحةٍ يدورُ معها ، ثم يَعْقُبُ ذلكَ تناقضٌ عصبيٌ في أفعالهِ وسلوكهِ ، فيغضبُ بسرعةٍ ، بل ربما يكونُ عدوانياً ، وتنشأُ لديه طبائعُ ، وأفكارٌ سيئةٌ تنمو كلما أهملَ نفسه ، كحالِ الطعامِ المكتومِ ، يسري فيه العفنُ .
منقولأخواتي الغاليات
النَّفسُ لها مقوماتٌ وقيمٌ ؛ لا ثباتَ لها ، ولا نجاحَ ، إلا بِتَوفُرِها ، ثمَّ فَهْمِها ، وبعدَ ذلكَ جَعْلها مُتوازنةً ، كَما يَفْعلُ البحارةُ بأشرعتهم ، ولو ظهر لعينك أن بَعضها أرفعُ مِن بعضٍ !! فهذا هوَ الاعتدَالُ.
الهدوءُ ، والوفاءُ ، والحبُ ، وحسنُ العِشرةِ ، غَالبا ما يكونُ ثمرةً لتربيةٍ حَسنةٍ ، وطَبعٍ فِطْريٍ سَويٍ، يمتزجُ بروحِ الإنسانِ مُحقِقاً أعلا دَرجاتِ السُّموِ الرَّوحي ، والعَقْلي .
لقدْ كانَ عليهِ السَّلام عَلى درايةٍ نَفْسِيةٍ بطباعِ مَنْ حولهُ ؛ واكتسبها منهُ مَنْ كانَ قريباً منهُ ، فكانَ التَعاملُ الحسنُ ثقافةً متبادلةً .
وعندما وصفتْ عائشةُ رضي الله عنها - كما في البُخاري - صلاةَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالليل قالت « فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ ».
نعمْ يتحدثُ معها ، حديثَ الزَّوجِ مع زوجه في هدأةِ الليل ، وسكونِ الكَون ، وقلةِ الحركة.
فالعبادةُ مع العلمِ مَظْهَرٌ من مظاهرَ الهدوءُ النَّفسي لا تستقرُ البُيوتُ والنُّفوسُ إلا بتوفرها ، ورِعَايتها .
كما أنَّ فَهْمَ كلٍ منَ الزوجين لنفسِ شريكهِ وصاحبهِ ، يمنحهما قَدْراً كَبيراً من حُسْنِ التَعاملِ ، والتَّفوقِ على كثيرٍ من المتاعبِ بجدارةٍ ، لا سيَّما عندما تكونُ مما يتغافلُ عنهُ الشَّهمُ العاقِل !!.
إنَّ عَشْرَ سَنواتٍ قضتها عائشةُ مع زوجها النَّبي عليه السَّلام عَرَفَ كلاهما مَلامحَ الآخر ، وخصائصَ نفسهِ وطبعهِ وسلوكه ، وهذا يَشي بأنَّ تلكَ الحال تتكررُ كلما تكررَ الفَهم ، وتجددَ العقلُ والعطاء.
جَاءَ في الصحيحينِ عَن عائشةَ قالتْ : لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ « انْهَهُنَّ » فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ » فَقُلْتُ : « أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ ».
لقدْ كانتْ ترقبُ زوجها النَّبي ، وترى ما ألمَّ به من حُزْنٍ ، وتشاهدُ توجعَ قلبهِ على أصحابهِ، ثمَّ زفرتْ بهذه الكلمات التي يرى فيها الاهتمامُ العاطفيُ لحال زوجها ، وما يخففُ من تعبِ قلبهِ الطَاهِر.
إنَّ المرءَ - وخاصةً الزَّوجين والأصدقاء - بحاجةٍ إلى إندماجٍ نفسيٍ ومعرفيٍ بزوجهِ وصاحبه ؛ حتى في أدقِ الملامحِ النَّفسية، ولا يعني ذلك الاتفاق على كلِ شيئٍ ، لأنَّ اختلاف الطباع والأمزجة يرسم لوحةً فنيةً بديعةً ، إنْ كانت الريشةُ بيدِ رسامٍ نطاسي .
وإنَّ من الحُمْقِ ، وقلةِ العقل ، والدناءةِ ، ألا يشاركَ أحدُنا صاحبهَ في مشاعرهِ ، أو يتغافلَ عنهُ .
وتزدادُ الحقارةُ عندما تمرُ لحظاتٌ جميلةٌ ، وأيامٌ سعيدةٌ ، فيذكرُ أحدهما الآخرُ بما يكدرُ خاطره !!.
ولما كانتْ عائشةُ – وهي ابنة سبعة عشر عاماً - ترجو أنْ تعتمرَ معَ حجتها لكنها نَفِسَتْ ، فعاشَ معها زوجها النَّبي مشاعرها حتى طابَ خاطرها كما في الصحيحين حيثُ قَالَتْ : فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ « مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ » قُلْتُ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ « وَمَا شَأْنُكِ » قُلْتُ : لَا أُصَلِّي !! ؛ قَالَ: « فَلَا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا » قَالَتْ : فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ؛ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الْآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ؛ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ « اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي» قَالَتْ : فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: « هَلْ فَرَغْتُمْ » فَقُلْتُ: نَعَمْ فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ؛ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
لقدْ حَبَسَ نفسهُ وأصحابهُ من أجْلِها ، وأهتمَّ بشأنها حيثُ أرسلَ معهَا أخَاها ، وأخبرهما أنَّهُ ينتظرهما بعدَ فراغهما !! ، إنَّهُ الاهتمامُ والمراعاةُ إلى درجةٍ جعلتهُ عليهِ السَّلام - لما فقدتْ عقداً لها – فأوقفَ الجيشَ من أجلها ، ونامَ على فخذِها ، فجاءَ أبوها وعاتَبها ، وَالنَّاسَ لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ؛ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي؛ فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي؛ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ : فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ !!.
إنَّها النَّفسُ بكَاملِ مشاعِرها ، ووجوهها ، وسِرُ ذلك : العلمُ ، والعبادةُ ، والاهتمامُ ، والنَّظرةُ الإنسانية ، وتبادلُ الأدوار بتفوقٍ يجلبُ المودةَ والرَّحمة.
وَما نراهُ في واقعنا من قلة اهتمامِ الأزواج ببعضهما حتى إنَّ الرجلَ ما أنْ يبلغَ ابنهُ مبلغاً من العمرِ يجعلهُ يقود السَيارة ، حتى لا يكاد يقضي لزوجته حاجةً ، و عندما تكون في مناسبةٍ ، أو في السوق؛ فلا مانع لديه أن تأتي إلى البيت مع فلانٍ وعلان ، وتصبح مثل الحقيبة التي فقدت في مطار دولي !! .
إنَّ الاهتمامَ ، وإظهار الرَّغبةِ في الخدمةِ مظهرٌ من مظاهرِ السُّلوك الإنساني السَّوي ، فإنْ قلَّ أو خفي أولا تلاشى أصبحَ المرءُ صاحبَ مصلحةٍ يدورُ معها ، ثم يَعْقُبُ ذلكَ تناقضٌ عصبيٌ في أفعالهِ وسلوكهِ ، فيغضبُ بسرعةٍ ، بل ربما يكونُ عدوانياً ، وتنشأُ لديه طبائعُ ، وأفكارٌ سيئةٌ تنمو كلما أهملَ نفسه ، كحالِ الطعامِ المكتومِ ، يسري فيه العفنُ .
منقولأخواتي الغاليات