مشاهدة النسخة كاملة : الأسباب الجالبة لمحبة الله


طاهرة القلب
11-17-2020, 10:41 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن محبة الله سبحانه هي أصل دين الإسلام، فبكمالها يكمل، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ} [البقرة: 165]، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (¬1).
وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن الأسباب الجالبة لمحبة الله عشرة:
الأول: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، وما أُريد به، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وقال عبد الله بن مسعود: «لاَ تَنثُرُوهُ كَنَثرِ الدَّقلِ، وَلاَ تَهُذُّوهُ كَهَذِّ الشِّعرِ، قِفُوا عِندَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ القُلُوبَ، وَلاَ يَكُن هَمُّ أَحَدِكُم آخِرَ السُّورَةِ» (¬2).
الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» (¬3).
الثالث: دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر هذا قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد28]، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تعالى: «أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذكُرُنِي، إِن ذَكَرَنِي فِي نَفسِهِ ذَكَرتُهُ فِي نَفسِي، وَإِن ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرتُهُ فِي مَلإٍ هُم خَيرٌ مِنهُم» (¬4).
الرابع: إيثار محابه على محابك، عند غلبة الهوى، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. فلا بد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه الله، ويوالي فيه، ويعادي فيه، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (¬5)، وفي صحيح البخاري أن عمر - رضي الله عنه - قال: يَا رَسُولَ اللهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الآنَ يَا عُمَرُ» (¬6).
الخامس: مطالعة القلب لأسماء الله الحسنى وصفاته، ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها، قال تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
السادس: مشاهدة بره، وإحسانه، ونعمه الظاهرة، والباطنة، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، وقال سبحانه: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].
ومن أعظم هذه النعم: نعمة الهداية لهذا الدين، قال تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3].
السابع - وهو أعجبها -: انكسار القلب بين يديه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل»، روى البخاري في صحيحه من حديث شداد بن أوس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَيِّدُ الاِستِغفَارِ أَن يَقُولَ العَبدُ ... فَذَكَرَ الحَدِيثَ» فجمع في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنبِي» بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل، فمشاهدة المنة توجب له المحبة والشكر لولي النعمة والإحسان، ومطالعة عيب النفس، والعمل، توجب الذل والانكسار والافتقار في كل وقت، وألا يرى نفسه إلا مفلسًا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً، ولا مقامًا، ولا سببًا يتعلق به، ولا وسيلة يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه، ويرى في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك، وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود إلى الله ويتداركه برحمته (¬7). اهـ.
الثامن: الخلوة وقت النزول الإلهي، وتلاوة كتابه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17 - 18]، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» (¬8).
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، وعدم الكلام إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «لَوْلاَ ثَلاَثٌ مَا أَحْبَبْتُ العَيشَ فِي الدُّنْيَا: الغَزوُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمُكَابَدَةُ السَّاعَاتِ مِنَ اللَّيلِ، وَمُجَالَسَةُ أَقوَامٍ يَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الْكَلاَمَ كَمَا يُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ» (¬9). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (¬10).
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب سبحانه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) صحيح البخاري برقم (16)، وصحيح مسلم برقم (43).
(¬2) مصنف ابن أبي شيبة (2/ 256) برقم (8733).
(¬3) برقم (6502).
(¬4) صحيح البخاري برقم (7405)، وصحيح مسلم برقم (2675) واللفظ له.
(¬5) صحيح البخاري برقم (15)، وصحيح مسلم برقم (44).
(¬6) برقم (6632).
(¬7) انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص7 - 8).
(¬8) البخاري برقم (1145)، ومسلم برقم (758).
(¬9) مختصر قيام الليل للمروزي (ص62) بمعناه.
(¬10) جزء من حديث في صحيح البخاري برقم (6136)، وصحيح مسلم برقم (47).

شموخ
11-17-2020, 11:18 PM
سلمت أناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك
https://g.top4top.io/p_1746ufyuz0.gif (https://top4top.io/)

عـــودالليل
11-17-2020, 11:20 PM
قيمه جيده لمحتها من خلال هذا
الجلب المميز في
محتواه
ونال الاستحسان
والاعجاب التام والرضى

وكل هذا دليل ذائقه راقيه جدا أدت
لظهور هذا الطرح بهذا الشكل

اتمنى تقديم المزيد والاستمرار عل
نفس المنوال


ولك كل احترامي وتقديري
واسعدك المولى

طهر الغيم
11-18-2020, 01:06 AM
قلائد أمتنان لهذة
الذائقة العذبة في الانتقاء
لروحك الجوري

المهرة
11-18-2020, 03:32 AM
https://i.imgur.com/um1hvTa.png



اسلمي غلااااتي
وبااارك الله فيك وفي جلبك وطرحك
جزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
اشكرك وسلمت الايااادي
بنتظااار جديدك تقديري وتحيتي
دمتي وكوني بخير



https://i.imgur.com/um1hvTa.png

نجم الجدي
11-18-2020, 07:44 PM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

مجنون قصايد
11-18-2020, 08:14 PM
بيض الله وجهك على الاختيار
نقل في غاية الفائدة

احترامي

ملكة الجوري
11-18-2020, 10:25 PM
الله يجزاك الجنه
و
ينورقلبك
بارك الله فيك
و
فقك الله لمايحبه
و
يرضاه

البرنسيسه فاتنة
11-19-2020, 01:49 PM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات

لا أشبه احد ّ!
11-20-2020, 03:17 PM





آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

جنــــون
11-23-2020, 01:25 AM
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ

نظرة الحب
11-23-2020, 03:29 AM
سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك