جنــــون
11-01-2020, 07:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله سيدنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، و أشهد ان لا إله الا الله محمد رسول الله، أما بعد
قال الله تعالى في سورة النساء «*وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا*» (النساء:86).
جاء في تفسير ابن كثير، أنه إذا سَلَّم المسلم فرُدُّوا عليه بأفضل من ما سلَّم أو بمثل ما سلًّم فالزيادة مندوبة و المماثلة مفروضة1 ، عملا بما جاء في الحديث الشريف عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي ، سَلَّمَ عَلَيْكَ فُلانٌ وَفُلانٌ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : إِنَّكَ لَمْ تَدَعْ لَنَا شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : «*وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا*» فَرَدَدْنَاهَا*»2
وإذا تدبرنا الآية غاية التدبر، نستخلص منها عدة نقاط:
أن الله عزًّوجل يأمرنا ظاهرا بالتَفَضُّل في رد السلام فأمرنا بالاحسان أولا و بالايفاء واجبا، وما جاء هذا الأمر إلا تعظيما لهذا الفعل وإن كان يسيرا لما فيه من عِظَمِ الأجر وتوطيد أواصر الأخوة و المحبة التي هي من أسمى ما يدعو إليه دينُنا الحنيف. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم*»3.
إن عِظَمَ الأعمال لا يكْمُن في صعوبتها ولا مشقَّتها و إنما بعموم خيرها و بركتها، و خَيْر الأعمال ما فيه صلاح البلاد و العباد فعن*عائشة (رضي الله عنها)*قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:*«*إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم*»4 و من حُسْنِ الخُلُق رَدُّ السلام و الابتدارُ بالسلام. وعن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) قال: قال النبي ﷺ :*«*اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة*»5 و السلامُ مِن طِيبِ الكلامِ.
إن الآية تؤكد و تضع ركيزة من ركائز خُلُقِ المؤمن ألا وهي الإحسان تَفَضُّلًا و الإيفاءُ واجبا. وإن كانت هاته الدعوة و هذا الأمر في يسير الفِعَال فما بالك بعظامها، فإن وجب الإيفاء و حق الإحسان في ردِّ السَّلام فهو أولى في ردِّ الأمانة و حُسْنِ العشرة و طِيبِ الكلامِ و معاملة الغير… فالايفاء خُلُقُ عزيزِ النفس، و حَقَّ على المؤمن أن يكون عزيزا لا تَأْنَفُ نفسه إلا أن يقابل الإحسان إحسانا ويَرُد الحسنة حسنةً ويكافِئَ بما كُوفِئَ به. أما الإحسان فهو من مكارم الاخلاق، وَجَبَ على المؤمن أن يتحراه، فهو زيادة الإحسان للمحسن ودَرْءُ السيئة للمسيء كما قال الله عز وجل «*وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*»(الرعد:22) و قال «*ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ*»(المؤمنون:96). فمن كان يَدْرَأُ بالحسنة السيئة كان لِزَامًا عليه أن يزيد المحسن إحسانا. وهذا تمام خُلُقِ المؤمنين، إذا حُرموا أَعطوا، وإذا ظُلموا عَفوا، وإذا قُطعوا وَصلوا، يَدفعون سَفَهَ الجاهل بالحِلْمِ و بَغْيَ الظالم بالعفو وأذى العدو بالإحسان كما قال الله عز وجل «*ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*»(فصلت:34) و كما قال النَّبِيِّ ﷺ:*«**لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا*»6.
إذا فالإحسان تفضلا و الإيفاء واجبا وجب أن يكون شعارا لكل مؤمن، فإن أراد شيئا وجب أن يُعْطِي بالمثل إيفاءا و يزيد إحسانا فإن أحب الطاعه أطاع و إن طلب المودة تودد و إن التمس المحبة أَحَب وإن أراد الاحترام احْتَرَم و إن رامَ الإكرام أَكرَم و إن ابتغى الإجلال أجَلَّ و إن نصح بشيء ابتَدَرَه و إن نهى عن شيء ناَوَأَه، بل من الواجب المبادرة تفضلا. فالمؤمن ليس بشحيح على الناس طمَّاع لما في أيدي الناس، بل هو كريم على الناس مستغن لما عند الناس٫ لا تأنف نَفْسُه إلا أن يكون عفيفا موفيا مكافئا كريما محسنا، ولا ينال ما يريد إلا ان أعطى بالمثل أدناه، كما كان الرسول ﷺ يثيب الهديه بالمثل و يزيد عليها و يكافئ المعطي كما قال ﷺ: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه …*»7*. والإيفاء أيضا يوطد أواصر المحبة فإن عدم رد الحسنة قد يَدْرَأُ الحسنة ويمنع المحسن من الإحسان مجددا ويولد سوء الظن فإن الشيطان يجري في الانسان مجرى الدم كما قا الحبيب ﷺ وإن كان المؤمن يعطي لله ولا ينتظر ولا يَبْتَغِ ردًّا. لكن وجب رَدُّها لما فيه من إدخال للفرح على قلب المحسن و دَفْعٍ له للإحسان مجددا مما ينتج دائرةَ إحسان متجددة بلا زوال ولا انقطاع٫ كما قال ﷺ «*تَهَادُوا تَحَابُّوا*»8.
إن الله عز وجل هو رحمان الدنيا و الأخرة و رحيمهما و ما الآية إلا تأكيدًا على عِظَمِ رحمته عزَّ وجل، فلوكان سياق الآية أمرا بالسلام لكان واجبا و فريضةً الإبتدار بالسلام على كل مسلم وهو ما لا طاقة للعبد به، و لكن سياق الآية ما جاء إلا في رد السلام تخفيفا و تيسيرا على المؤمنين وعطفا ورأفةَ بهم من خالقهم و بارِئِهِم٫ مصداقا لقوله عز وجل «*يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ*»(البقرة:185) و قوله عز وجل «*إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ*» (الحج:65). وإن كانت رحمة الله قد تغمدت هذا الجانب البسيط فبشرى للمؤمننين برب رحيم و سبحان الذي شملت رحمته كل شيء فهو القائل «*نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*» (الحجر:49). و إن كان اللبيب لا يقتصد في دينه فإن أُمِر برد السلام بادر هو بالسلام و إن أُمِرَ بالفرائض بادر بالنوافل سابقا بالخيرات و ابتغاءا لمرضاة الله عز وجل لنيل الدرجات العُلا، عملا و مصداقا لقوله عز وجل«*ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» (فاطر:32) و قوله «*أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ*» (المؤمنون:61).
أما فضل السلام فلا يُرَام، فالإسلام سلام والله هو المَلِكُ القُدُّوس السَّلَام، ولكن نكتفي بذكر بعض الأحاديث و الآيات في هذا الصدد، فقد قال عز وجل « تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا*» (الأحزاب:44) و قال «*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*» (الحشر:23) وعن أنسٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*إن السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى، وضَعه الله في الأرض؛ فأفشوا السلامَ بينكم*»9 وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم*»10. وسأل رجلٌ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير؟ فقال رسول الله ﷺ: «*تُطعِم الطعام، وتقرَأ السلام على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرفْ*» 11. وعن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «* إن أولى الناس بالله , من بدأهم بالسلام*»12 وعن هانئ بن يزيد (رضي الله عنه) أَنَّهُ قَالَ :*«*يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْكَلامِ ، وَبَذْلِ السَّلامِ*»13 وعن عِمران بن حصين (رضي الله عنهما) قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرون، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: ثَلاثُونَ*»14
وما هذا إلا وقفة و محاولة استيعاب هاته الآية العظيمة إن أصبنا فمن الله وإن أخطانا فمن أنفسنا اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا علما وصلِّ اللهم و سلم على سيدنا محمد و آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان الى يوم الدين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قال الله تعالى في سورة النساء «*وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا*» (النساء:86).
جاء في تفسير ابن كثير، أنه إذا سَلَّم المسلم فرُدُّوا عليه بأفضل من ما سلَّم أو بمثل ما سلًّم فالزيادة مندوبة و المماثلة مفروضة1 ، عملا بما جاء في الحديث الشريف عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي ، سَلَّمَ عَلَيْكَ فُلانٌ وَفُلانٌ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : إِنَّكَ لَمْ تَدَعْ لَنَا شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : «*وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا*» فَرَدَدْنَاهَا*»2
وإذا تدبرنا الآية غاية التدبر، نستخلص منها عدة نقاط:
أن الله عزًّوجل يأمرنا ظاهرا بالتَفَضُّل في رد السلام فأمرنا بالاحسان أولا و بالايفاء واجبا، وما جاء هذا الأمر إلا تعظيما لهذا الفعل وإن كان يسيرا لما فيه من عِظَمِ الأجر وتوطيد أواصر الأخوة و المحبة التي هي من أسمى ما يدعو إليه دينُنا الحنيف. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم*»3.
إن عِظَمَ الأعمال لا يكْمُن في صعوبتها ولا مشقَّتها و إنما بعموم خيرها و بركتها، و خَيْر الأعمال ما فيه صلاح البلاد و العباد فعن*عائشة (رضي الله عنها)*قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:*«*إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم*»4 و من حُسْنِ الخُلُق رَدُّ السلام و الابتدارُ بالسلام. وعن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) قال: قال النبي ﷺ :*«*اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة*»5 و السلامُ مِن طِيبِ الكلامِ.
إن الآية تؤكد و تضع ركيزة من ركائز خُلُقِ المؤمن ألا وهي الإحسان تَفَضُّلًا و الإيفاءُ واجبا. وإن كانت هاته الدعوة و هذا الأمر في يسير الفِعَال فما بالك بعظامها، فإن وجب الإيفاء و حق الإحسان في ردِّ السَّلام فهو أولى في ردِّ الأمانة و حُسْنِ العشرة و طِيبِ الكلامِ و معاملة الغير… فالايفاء خُلُقُ عزيزِ النفس، و حَقَّ على المؤمن أن يكون عزيزا لا تَأْنَفُ نفسه إلا أن يقابل الإحسان إحسانا ويَرُد الحسنة حسنةً ويكافِئَ بما كُوفِئَ به. أما الإحسان فهو من مكارم الاخلاق، وَجَبَ على المؤمن أن يتحراه، فهو زيادة الإحسان للمحسن ودَرْءُ السيئة للمسيء كما قال الله عز وجل «*وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*»(الرعد:22) و قال «*ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ*»(المؤمنون:96). فمن كان يَدْرَأُ بالحسنة السيئة كان لِزَامًا عليه أن يزيد المحسن إحسانا. وهذا تمام خُلُقِ المؤمنين، إذا حُرموا أَعطوا، وإذا ظُلموا عَفوا، وإذا قُطعوا وَصلوا، يَدفعون سَفَهَ الجاهل بالحِلْمِ و بَغْيَ الظالم بالعفو وأذى العدو بالإحسان كما قال الله عز وجل «*ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*»(فصلت:34) و كما قال النَّبِيِّ ﷺ:*«**لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا*»6.
إذا فالإحسان تفضلا و الإيفاء واجبا وجب أن يكون شعارا لكل مؤمن، فإن أراد شيئا وجب أن يُعْطِي بالمثل إيفاءا و يزيد إحسانا فإن أحب الطاعه أطاع و إن طلب المودة تودد و إن التمس المحبة أَحَب وإن أراد الاحترام احْتَرَم و إن رامَ الإكرام أَكرَم و إن ابتغى الإجلال أجَلَّ و إن نصح بشيء ابتَدَرَه و إن نهى عن شيء ناَوَأَه، بل من الواجب المبادرة تفضلا. فالمؤمن ليس بشحيح على الناس طمَّاع لما في أيدي الناس، بل هو كريم على الناس مستغن لما عند الناس٫ لا تأنف نَفْسُه إلا أن يكون عفيفا موفيا مكافئا كريما محسنا، ولا ينال ما يريد إلا ان أعطى بالمثل أدناه، كما كان الرسول ﷺ يثيب الهديه بالمثل و يزيد عليها و يكافئ المعطي كما قال ﷺ: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه …*»7*. والإيفاء أيضا يوطد أواصر المحبة فإن عدم رد الحسنة قد يَدْرَأُ الحسنة ويمنع المحسن من الإحسان مجددا ويولد سوء الظن فإن الشيطان يجري في الانسان مجرى الدم كما قا الحبيب ﷺ وإن كان المؤمن يعطي لله ولا ينتظر ولا يَبْتَغِ ردًّا. لكن وجب رَدُّها لما فيه من إدخال للفرح على قلب المحسن و دَفْعٍ له للإحسان مجددا مما ينتج دائرةَ إحسان متجددة بلا زوال ولا انقطاع٫ كما قال ﷺ «*تَهَادُوا تَحَابُّوا*»8.
إن الله عز وجل هو رحمان الدنيا و الأخرة و رحيمهما و ما الآية إلا تأكيدًا على عِظَمِ رحمته عزَّ وجل، فلوكان سياق الآية أمرا بالسلام لكان واجبا و فريضةً الإبتدار بالسلام على كل مسلم وهو ما لا طاقة للعبد به، و لكن سياق الآية ما جاء إلا في رد السلام تخفيفا و تيسيرا على المؤمنين وعطفا ورأفةَ بهم من خالقهم و بارِئِهِم٫ مصداقا لقوله عز وجل «*يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ*»(البقرة:185) و قوله عز وجل «*إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ*» (الحج:65). وإن كانت رحمة الله قد تغمدت هذا الجانب البسيط فبشرى للمؤمننين برب رحيم و سبحان الذي شملت رحمته كل شيء فهو القائل «*نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*» (الحجر:49). و إن كان اللبيب لا يقتصد في دينه فإن أُمِر برد السلام بادر هو بالسلام و إن أُمِرَ بالفرائض بادر بالنوافل سابقا بالخيرات و ابتغاءا لمرضاة الله عز وجل لنيل الدرجات العُلا، عملا و مصداقا لقوله عز وجل«*ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» (فاطر:32) و قوله «*أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ*» (المؤمنون:61).
أما فضل السلام فلا يُرَام، فالإسلام سلام والله هو المَلِكُ القُدُّوس السَّلَام، ولكن نكتفي بذكر بعض الأحاديث و الآيات في هذا الصدد، فقد قال عز وجل « تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا*» (الأحزاب:44) و قال «*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*» (الحشر:23) وعن أنسٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*إن السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى، وضَعه الله في الأرض؛ فأفشوا السلامَ بينكم*»9 وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «*لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم*»10. وسأل رجلٌ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير؟ فقال رسول الله ﷺ: «*تُطعِم الطعام، وتقرَأ السلام على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرفْ*» 11. وعن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «* إن أولى الناس بالله , من بدأهم بالسلام*»12 وعن هانئ بن يزيد (رضي الله عنه) أَنَّهُ قَالَ :*«*يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْكَلامِ ، وَبَذْلِ السَّلامِ*»13 وعن عِمران بن حصين (رضي الله عنهما) قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النَّبيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم، فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرون، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عليهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: ثَلاثُونَ*»14
وما هذا إلا وقفة و محاولة استيعاب هاته الآية العظيمة إن أصبنا فمن الله وإن أخطانا فمن أنفسنا اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا علما وصلِّ اللهم و سلم على سيدنا محمد و آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان الى يوم الدين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.