مشاهدة النسخة كاملة : عدة المرأة (2)


روح الندى
08-23-2020, 02:05 AM
أمَّا بعدُ:


فحيَّاكم الله أيُّها المستمعون والمستمعات في برنامجكم فقه الأسرة، وفي هذه الحلقة نُواصِلُ الحديث في مسائل العدَّة، وسبَق التذكير بأنَّ مسائل العدَّة مسائل مهمَّة ينبني عليها أحكامٌ كثيرةٌ في المواريث والأنساب وصحَّة النكاح وغير ذلك، كما يبرُز فيها تعظيم الشريعة الإسلاميَّة لعقد النكاح وحمايته وتربية الزوجين على رعايته.






وسبقت الإشارة إلى أنَّ العدَّة في اللغة مأخوذةٌ من العدِّ والحساب، وسميت بذلك لاشتِمالها على العدد من الأقراء أو الأشهُر غالبًا، فعدَّة المرأة المطلقة والمتوفَّى عنها زوجها هي ما تَعُدُّه من أيَّام أقرائها، أو أيَّام حملها، أو أربعة أشهر وعشر ليال، وأنَّ العِدة في الشرع: تَربُّصٌ محدود شرعًا بسبب فُرقةِ نكاحٍ، وما أُلحِقَ به.






والعدَّة واجبةٌ بدلالة الكتاب والسُّنَّة والإجماع، حسَب حال كلِّ معتدَّة.
وأمَّا أنواع المعتدَّات: فهُنَّ على سبيل الإجمال ستَّة أصناف:
أولها: الحامل.
وثانيها: المتوفَّى عنها زوجُها من غير حملٍ منه.
وثالثها: الحائل - أي: غير الحامل - التي تحيضُ وقد فُورقت في الحياة.
ورابعها: الحائل التي لا تحيضُ لصِغَرٍ أو إِياسٍ، وهي مُفارقة في الحياة.
وخامسها: مَن ارتفع حيضها ولم تدرِ ما رفعه.
وسادسها: امرأة المفقود.
هذا الحصر مأخوذٌ من التتبُّع والاستِقراء؛ فالعلماء تتبَّعوا الكتاب والسُّنَّة فوجدوا أنَّ أصناف المعتدَّات ستٌّ.



وفي هذه الحلقة



أعرضُ لكم مستمعيَّ الأفاضل صِنفين من المعتدَّات، وهما: الحامل والمُفارَقة بالموت وهي غيرُ حاملٍ.







فأمَّا المرأة الحامل التي فارَقتْ زوجها في الحياة بطلاقٍ أو فسخٍ، أو بالموت، بأنْ تُوفِّي عنها زوجُها وهي في ذمَّته وهي حامل - فإنها تعتدُّ مُدَّةَ حملها، وتنتهي عدَّتها بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]؛ فدلَّت الآية الكريمة على أنَّ عدَّة الحامل تنتَهِي بوضع حملِها، سواء كانت مُتوفًّى عنها أو مُفارَقة في الحياة، قلّت المدة أو كثرت، حتى ولو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها، فإنَّ العدة تنقضي، ويُباح لها النكاح حينئذٍ، ولذا تُسمَّى عدَّة الحامل "أم العدات"؛ لأنها تقضي على كل عدَّة.






ودليلُ ذلك ما في الصحيحين "أنَّ سُبَيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممَّن شَهِدَ بدرًا فتُوفِّي عنها في حجَّة الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشبْ أنْ وضعت حملَها بعد وفاته - وفي روايةٍ أنها وضعت حملها بعد أربعين ليلة - فلمَّا تعلَّت من نفاسها تجمَّلت للخِطاب فدخَل عليها أبو السنابل بن بعكك رجلٌ من بني عبدالدار فقال لها: ما لي أراك تجمَّلت للخُطَّاب ترجين النكاح، فإنَّك والله ما أنت بناكحٍ حتى تمرَّ عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلمَّا قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت، وأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك فأفتاني بأنِّي قد حللت حِين وضعت حملي وأمرني بالتزوُّج إنْ بدا لي".






فنأخُذ من ذلك أنَّ المرأة الحامل تنتهي عدَّتها بوضع حملها، طالت مدَّة حملها أو قصرت، وهذا من لُطف الله تعالى ورحمته بالمرأة.






لكن ليس كلُّ حمل تنقضي بوضْعه العدَّة، وإنما المراد الحمل الذي تبيَّن فيه خلقُ إنسان، فأمَّا لو ألقت مُضغة لم تتبيَّن فيها الخلقة؛ فإنها لا تنقَضِي بها العدَّة، فيلزمها أن تعتدَّ بحسَب حالها ممَّا سيأتي بيانه - بإذن الله تعالى.






وأقل مدَّة الحمل ستة أشهر بإجماع العُلَماء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]، مع قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، فإذا أسقطنا مدَّة الرضاع وهي: حولان؛ أي: أربعة وعِشرون شهرًا من ثلاثين شهرًا، يبقى ستة أشهر، وهي أقلُّ مدَّة الحمل، وما دُونها لم يوجد مَن يعيش لدونها.






وأمَّا أكثر مدَّة الحمل فموضعُ خلافٍ بين أهل العلم، وفي تحديد ذلك خِلافٌ وتفصيل لا يسعُ المقام لذِكره، قال ابن رشد في "بداية المجتهد": "واختلَفُوا في أطول مدَّة الحمل الذي يلحق به الوالدَ الولدُ، وهذه المسألة مرجوعٌ فيها إلى العادة والتجربة".






وقال الموفق ابن قُدامة: "ما لا نصَّ فيه، يرجع فيه إلى الوجود"، انتهى كلامه.
ولعلَّ التقدُّم الطبي الحاصل الآن كفيلٌ ببيان أقصى مدَّة الحمل.
وغالب مدَّة الحمل تسعة أشهر؛ لأنَّ غالب النساء يَلِدْنَ فيها.

وأمَّا الصِّنف الثاني من المعتدَّات: فهي المتوفَّى عنها زوجُها من غير حملٍ منه، وعدَّتها أربعة أشهر وعشرة أيَّام، سواء كانت وفاته قبلَ الدُّخول والخلوة بها أو بعد ذلك؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: 234].







ومن السُّنَّة ما رواه عَلقَمةُ عن ابن مسعود - رضِي الله عنه - أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ تزوَّج امرأةً ولم يفرضْ لها صداقًا ولم يدخُل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها مِثل صَداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدَّة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بروع بنت واشق امرأة منَّا مثل الذي قضيت، ففرح بها ابن مسعودٍ"؛ أخرجه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن صحيح.
بها قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في "زاد المعاد":
الوفاة، فتجبُ بالموت، سواءٌ دخل بِها أو لم يدخُل اتِّفاقًا، كما دَلَّ عليه عمومُ القُرآن والسُّنَّة، واتَّفقوا على أنهما يتَوارثان قبلَ الدُّخول، وعلى أنَّ الصَّداقَ يستقِرُّ إذا كان مسمَّى؛ لأنَّ الموتَ لما كان انتهاءَ العقدِ استقَّرت به الأحكام فتوارَثا، واستقرَّ المَهر، ووجبت العِدة"، انتهى.
ولعدَّة الوفاة أحكام تختصُّ بها، فمن أحكامها: أنَّه يجبُ أنْ تعتدَّ المتوفَّى عنها في المنزل الذي مات زوجُها وهي فيه؛ فلا يجوز لها أنْ تتحوَّل عنه إلا لعُذرٍ.
ومن أحكام عدَّة المتوفَّى عنها:



لُزوم بيتها، ووُجوب الإحداد عليها، والإحداد: اجتنابُ المرأة ما يرغَبُ في النظَر إليها ويدعو إلى طلب نِكاحها، وسيردُ الحديث عن الإحداد وأحكامه في حلقةٍ قادمة - بإذن الله تعالى.
مستمعيَّ الأفاضل:
موعدُنا في الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - لاستِكمال الحديث عن بقيَّة أصْناف المعتدَّات ومُدَّة العِدَّة لهن، وفَّقنا الله وإيَّاكم للعِلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمد.





•••





أهم المراجع:


• "الملخص الفقهي".


• "الشرح الممتع"


• "المغني".


• "بداية المجتهد".


• "زاد المعاد".


• "الموسوعة الفقهية".

http://uploads.sedty.com/imagehosting/432171_1367920970.gif

البرنسيسه فاتنة
08-23-2020, 03:45 AM
جعله الله في ميزان أعمالك يوم القيامه
بارك الله فيك

نجم الجدي
08-23-2020, 09:50 AM
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

نظرة الحب
08-23-2020, 10:09 AM
يعطيك العافية
ويسلمو على الطرح الروعة

جنــــون
08-23-2020, 10:14 AM
جزاك الله خير

مجنون قصايد
08-23-2020, 12:25 PM
عافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد

ملكة الجوري
08-24-2020, 12:27 AM
الله يجزاك الجنه
و
ينورقلبك
بارك الله فيك
و
فقك الله لمايحبه
و
يرضاه

عـــودالليل
08-24-2020, 12:46 PM
‏جمال الاختيار
خلفه ذآئقة جميله جدا

تعرف ماذا تقدم

‏محتوى الطرح اكثر من راقي

من الاعماق
اقدم لك شكري واحترامي



‏ليل المواجع
محمد الحريري

نبضها حربي
08-24-2020, 06:34 PM
سلمت يدآك على روعة الطرح
وسلم لنآ ذوقك الراقي على جمال الاختيار ..
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير ..
اسأل البآري لك سعآدة دائمة

لا أشبه احد ّ!
08-25-2020, 06:02 AM





آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

طاهرة القلب
08-26-2020, 01:18 AM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
دمتِم بسعاده لاتغادر روحكم

طهر الغيم
08-26-2020, 06:08 AM
سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنه
مودتي

الغنــــــد
08-26-2020, 12:16 PM
جزااك الله خير

زمرد
08-29-2020, 12:24 AM
سلمت اناملك على
ماجادت به من روعة بالطرح
دام لنا ابداعك بأرقى حالاته
بأنتظار عطائك القادم

المهرة
08-29-2020, 06:28 AM
http://francheska45.f.r.pic.centerblog.net/836d03bd.png



باااارك الله فيك وفي جلبك الطيب
وجزاك الله عنا كل خير وكتب لك اجر
جهودك القيمه
اشكرك سلمت الايااادي لجماال جلبك وطرحك الطيب
تحرمينا عطااائك الجميل تقديري لك
وبنتظااار جديدك القااادم وكوني بخير



http://francheska45.f.r.pic.centerblog.net/836d03bd.png

سمارا
08-30-2020, 12:03 PM
بارك الله فيك على الطرح القيم
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن

سمأأأأأرا