روح الندى
07-21-2020, 02:52 PM
الرسول صل الله عليه وسلم يدعو على قريش
http://forum.tawwat.com/images-topics/images/fa/0120.gif
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif https://images/icons/icon1.gif الرسول يدعو على قريش
كان رسول الله صل الله عليه وسلم ينتهج منهج الحِلْم والرفق والصبر إلى آخر مدى، وكان يُوَسِّع صدره إلى درجة لا نستوعبها في كثير من الأحيان، ولم نرَ منه دعاءً على قريش وبعض أهلها إلَّا عندما ألقوا فوق ظهره سلا الجزور، وقد حدَّد أسماء سبعة دعا عليهم، وقد وَضَّحْتُ قبل ذلك أن هذا كان بوحي من الله سبحانه وتعالى؛ حيث إن هؤلاء السبعة ماتوا على الكفر جميعًا، أمَّا الآن فرسول الله صل الله عليه وسلم يشعر أن قريشًا قد تجبَّرت أكثر من الحدِّ المقبول، وصارت تفتن الناس عن دينهم، وقد تطوَّر الأمر إلى محاولة وأد الدعوة في داخل مكة، فلا يسمحون لأحد من خارجها أن يسمع عنها شيئًا، وقد رأينا موقف قريش مع الطفيل رضي الله عنه؛ حيث أمروه ألَّا يسمع محمدًا صل الله عليه وسلم ، ورأينا موقف قريش مع أبي ذرٍّ رضي الله عنه حيث ضربوه ضربًا كاد يُفضي إلى موته لولا أن العباس منعهم من ذلك خوفًا على تجارتهم إلى الشام.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif لقد غيَّر رسول الله صل الله عليه وسلم استراتيجيته بناءً على ذلك، ورفع يده إلى السماء يستعين بربِّ العباد على قريش الظالمة!
ماذا فعل رسول الله صل الله عليه وسلم ؟!
فلنقرأ هذه القصة التي تُوَضِّح ذلك، وقد جاءت بألفاظ مختلفة، وهذا لفظ الإمام مسلم:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ -ابن مسعود- رَجُلٌ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: 10]، قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ، فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فقال عبد الله: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا، أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم «دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم اسْتَغْفِرِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ: «لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ». قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان: 15] قَالَ: فَمُطِرُوا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الدخان: 10، 11] {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}[الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ[1].
وفي لفظ البخاري تفصيلات أخرى:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: 10] إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}[الدخان: 15، 16]، «فَالْبَطْشَةُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ»[2].
وعَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ»[3].
والدخان هو ما نحن بصدد الحديث عنه، واللِّزام فسَّره ابن مسعود رضي الله عنه في حديث آخر بقوله: «وَقَدْ مَضَى {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}[الفرقان: 77] وَاللِّزَامُ: الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ»[4]. لذلك قال أيضًا: «مَضَى اللِّزَامُ وَالْبَطْشُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَضَى الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ»[5]. أمَّا الروم فهي آية الإخبار بنصر الروم بعد هزيمتهم من الفرس، والبطشة هي -كما في الحديث- يوم بدر، وأخيرًا القمر يعني انشقاق القمر الذي حدث قبل ذلك بسنوات في مكة.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif ولنأتِ إلى قصة الدخان:
لقد رأينا في هذه القصة أن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يَدْعُ على فرد بعينه؛ بل دعا على قريش كقبيلة، وقد استجاب الله لدعائه، وبلغ الجهد منهم كلَّ مبلغ، وقد تكرَّر منه صل الله عليه وسلم الدعاء عليهم بعد ذلك عندما هاجر إلى المدينة؛ لكني أُرَجِّح أن هذا الدعاء السابق وقصة الدخان قد حدثت أثناء المرحلة المكية؛ لأن أبا سفيان بن حرب هو الذي جاء لرسول الله صل الله عليه وسلم يطلب منه أن يسأل ربَّه أن يرفع هذا البلاء عنهم، ومن المعلوم أن أبا سفيان لم يذهب إلى المدينة قبل إسلامه إلَّا مرَّة واحدة قُبيل فتح مكة؛ لكي يحاول مدَّ أجل صلح الحديبية بعد خيانة بني بكر وقريش للعهد، كما سيأتي عندما تصل بنا الأحداث إلى هذه الفترة، أمَّا قبل ذلك فلم يأتِ أبو سفيان إلَّا محارِبًا في أُحُد والأحزاب؛ وعليه فإن أبا سفيان قد أتى رسول الله صل الله عليه وسلم ليسأله ذلك أثناء مرحلة مكة، ولم يكن ذلك في أوائل الفترة المكية؛ لأن الرواية تذكر إبطاء قريش وإدبارهم، ولم يكن هذا في المرحلة المبكرة؛ حيث كان رسول الله صل الله عليه وسلم يعذرهم ويدعو لهم لا عليهم، أمَّا الآن فقد تأزَّم الموقف جدًّا حتى صار الرسول صل الله عليه وسلم مضطرًّا إلى فعل شيء لا يحبُّه في المعتاد، وهو التضييق عليهم في معاشهم ومطرهم.
وأتوقَّع أن تكون السَّنَة المقصودة في وصف ابن مسعود رضي الله عنه هي السنة الحادية عشر من البعثة، التي نحن مقبلون عليها الآن؛ حيث إن الحالة الصعبة التي مرَّ بها رسول الله صل الله عليه وسلموالمسلمون في أواخر العام العاشر تُناسب إقدام رسول الله صل الله عليه وسلم على الدعاء بهذه الصورة على قريش بكاملها.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif ويلفت النظر بالطبع في هذه القصة مدى قناعة المشركين بصدق محمد صل الله عليه وسلم؛ فهم لم يُفَسِّروا القحط الذي أصابهم بأيٍّ من الأسباب المادية المعتادة، التي يمكن أن تحدث لقوم يعيشون في الصحراء؛ بل ربطوها مباشرة بدعاء الرسول صل الله عليه وسلم عليهم ، ومع ذلك لم تتحرَّك قلوبهم للإيمان.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif كان هذا الدعاء هو القرار الأول الذي أخذه رسول الله صل الله عليه وسلم في هذه المرحلة.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif أمَّا القرار الثاني فكان الهجرة الجماعية الكبيرة لعدد ضخم من الصحابة من مكة إلى الحبشة؛ وذلك لتجنُّب صدام قريب متوقَّع قد يعصف بالفئة المؤمنة، ويُوقِف مدَّ الدعوة في مكة وخارجها، فجاء الأمر واضحًا دون تردُّد، ونفَّذ هذه العملية قرابة المائة من الرجال والنساء، ولعلَّ هذا الرقم كان يُمَثِّل نصف القوَّة الإسلامية في هذا الوقت.
http://forum.tawwat.com/images-topics/images/fa/0103.gif
http://forum.tawwat.com/images-topics/images/fa/0120.gif
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif https://images/icons/icon1.gif الرسول يدعو على قريش
كان رسول الله صل الله عليه وسلم ينتهج منهج الحِلْم والرفق والصبر إلى آخر مدى، وكان يُوَسِّع صدره إلى درجة لا نستوعبها في كثير من الأحيان، ولم نرَ منه دعاءً على قريش وبعض أهلها إلَّا عندما ألقوا فوق ظهره سلا الجزور، وقد حدَّد أسماء سبعة دعا عليهم، وقد وَضَّحْتُ قبل ذلك أن هذا كان بوحي من الله سبحانه وتعالى؛ حيث إن هؤلاء السبعة ماتوا على الكفر جميعًا، أمَّا الآن فرسول الله صل الله عليه وسلم يشعر أن قريشًا قد تجبَّرت أكثر من الحدِّ المقبول، وصارت تفتن الناس عن دينهم، وقد تطوَّر الأمر إلى محاولة وأد الدعوة في داخل مكة، فلا يسمحون لأحد من خارجها أن يسمع عنها شيئًا، وقد رأينا موقف قريش مع الطفيل رضي الله عنه؛ حيث أمروه ألَّا يسمع محمدًا صل الله عليه وسلم ، ورأينا موقف قريش مع أبي ذرٍّ رضي الله عنه حيث ضربوه ضربًا كاد يُفضي إلى موته لولا أن العباس منعهم من ذلك خوفًا على تجارتهم إلى الشام.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif لقد غيَّر رسول الله صل الله عليه وسلم استراتيجيته بناءً على ذلك، ورفع يده إلى السماء يستعين بربِّ العباد على قريش الظالمة!
ماذا فعل رسول الله صل الله عليه وسلم ؟!
فلنقرأ هذه القصة التي تُوَضِّح ذلك، وقد جاءت بألفاظ مختلفة، وهذا لفظ الإمام مسلم:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ -ابن مسعود- رَجُلٌ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: 10]، قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ، فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فقال عبد الله: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا، أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم «دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم اسْتَغْفِرِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ: «لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ». قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان: 15] قَالَ: فَمُطِرُوا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الدخان: 10، 11] {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}[الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ[1].
وفي لفظ البخاري تفصيلات أخرى:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: 10] إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}[الدخان: 15، 16]، «فَالْبَطْشَةُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ»[2].
وعَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ»[3].
والدخان هو ما نحن بصدد الحديث عنه، واللِّزام فسَّره ابن مسعود رضي الله عنه في حديث آخر بقوله: «وَقَدْ مَضَى {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}[الفرقان: 77] وَاللِّزَامُ: الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ»[4]. لذلك قال أيضًا: «مَضَى اللِّزَامُ وَالْبَطْشُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَضَى الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ»[5]. أمَّا الروم فهي آية الإخبار بنصر الروم بعد هزيمتهم من الفرس، والبطشة هي -كما في الحديث- يوم بدر، وأخيرًا القمر يعني انشقاق القمر الذي حدث قبل ذلك بسنوات في مكة.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif ولنأتِ إلى قصة الدخان:
لقد رأينا في هذه القصة أن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يَدْعُ على فرد بعينه؛ بل دعا على قريش كقبيلة، وقد استجاب الله لدعائه، وبلغ الجهد منهم كلَّ مبلغ، وقد تكرَّر منه صل الله عليه وسلم الدعاء عليهم بعد ذلك عندما هاجر إلى المدينة؛ لكني أُرَجِّح أن هذا الدعاء السابق وقصة الدخان قد حدثت أثناء المرحلة المكية؛ لأن أبا سفيان بن حرب هو الذي جاء لرسول الله صل الله عليه وسلم يطلب منه أن يسأل ربَّه أن يرفع هذا البلاء عنهم، ومن المعلوم أن أبا سفيان لم يذهب إلى المدينة قبل إسلامه إلَّا مرَّة واحدة قُبيل فتح مكة؛ لكي يحاول مدَّ أجل صلح الحديبية بعد خيانة بني بكر وقريش للعهد، كما سيأتي عندما تصل بنا الأحداث إلى هذه الفترة، أمَّا قبل ذلك فلم يأتِ أبو سفيان إلَّا محارِبًا في أُحُد والأحزاب؛ وعليه فإن أبا سفيان قد أتى رسول الله صل الله عليه وسلم ليسأله ذلك أثناء مرحلة مكة، ولم يكن ذلك في أوائل الفترة المكية؛ لأن الرواية تذكر إبطاء قريش وإدبارهم، ولم يكن هذا في المرحلة المبكرة؛ حيث كان رسول الله صل الله عليه وسلم يعذرهم ويدعو لهم لا عليهم، أمَّا الآن فقد تأزَّم الموقف جدًّا حتى صار الرسول صل الله عليه وسلم مضطرًّا إلى فعل شيء لا يحبُّه في المعتاد، وهو التضييق عليهم في معاشهم ومطرهم.
وأتوقَّع أن تكون السَّنَة المقصودة في وصف ابن مسعود رضي الله عنه هي السنة الحادية عشر من البعثة، التي نحن مقبلون عليها الآن؛ حيث إن الحالة الصعبة التي مرَّ بها رسول الله صل الله عليه وسلموالمسلمون في أواخر العام العاشر تُناسب إقدام رسول الله صل الله عليه وسلم على الدعاء بهذه الصورة على قريش بكاملها.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif ويلفت النظر بالطبع في هذه القصة مدى قناعة المشركين بصدق محمد صل الله عليه وسلم؛ فهم لم يُفَسِّروا القحط الذي أصابهم بأيٍّ من الأسباب المادية المعتادة، التي يمكن أن تحدث لقوم يعيشون في الصحراء؛ بل ربطوها مباشرة بدعاء الرسول صل الله عليه وسلم عليهم ، ومع ذلك لم تتحرَّك قلوبهم للإيمان.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif كان هذا الدعاء هو القرار الأول الذي أخذه رسول الله صل الله عليه وسلم في هذه المرحلة.
✨ https://www.rewity.com/forum/images/reputation/reputation_highpos.gif أمَّا القرار الثاني فكان الهجرة الجماعية الكبيرة لعدد ضخم من الصحابة من مكة إلى الحبشة؛ وذلك لتجنُّب صدام قريب متوقَّع قد يعصف بالفئة المؤمنة، ويُوقِف مدَّ الدعوة في مكة وخارجها، فجاء الأمر واضحًا دون تردُّد، ونفَّذ هذه العملية قرابة المائة من الرجال والنساء، ولعلَّ هذا الرقم كان يُمَثِّل نصف القوَّة الإسلامية في هذا الوقت.
http://forum.tawwat.com/images-topics/images/fa/0103.gif