إرتواء نبض
01-22-2020, 10:18 PM
بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجُزء الخَمْسون
انْتَبَذَت لها مَخْبَأً تُلْقي فيه مَشاعِرَها المُتَذَبْذِبة..مَشاعِرُها التي خانَتْها مَرَّة وَ عَشْرة..مَشاعِرُها الحَمْقاء..المُوَجِّهة بُوْصلتها ناحِية ذَاكَ البَحْر الغَدَّار..البَحْر ذو الأمْواجِ السَّارِقة..سَرَق هَناءَ عَيْشِها..ضِحْكاتَها..وَميض عَيْنيها..و فَلذة كَبِدَها..هي سَلَخت رُوحها من تِلْكَ المَشاعِر لِيَرْتَفِع صَوْت بُوق الفَضيحة..صَامَّاً مَسْمَعي صَديقتها..،هَمَسَت وَ يَدَاها تُقَلِّبان قَميصاً ضَئيلاً..خُيُوطه تَسْتَطيع فَقَط أَن تَحْتَضِن جَسَدَ طِفْل في الثَّانِية..،:ثيابها اللي جَهَّزتها لها..ما قَدَرت أَشوفهم عليها..مادري كانوا مقاسها..أكبر شوي..أو أصغر "شَخَرَت ساخِرة مُواصِلَةً وَ في سُخْرِيَتِها أَنَّت غَصَّة" مادري جَم كان وزنها..طولها و فصيلة دَمها..و أنا اللي حَمَلتها في بَطني تسع شهور!
تَنْهيدة صامِتة يَغْشَاها عَطْفٌ حَزين غادَرت قَلْبَ نَدى المُسْتَمِعة..تِلْك الثَّكْلى واصَلت و هي لا تَزال مَشْغُولة بالقَميص..وَ كَأَنَّها تُطَبْطِب عَلى فَقْدِ حُضْنَها الذي عاشَ أَقْسَى أَنْواع الحِرْمان وَأَوْجَعها..،:حرمني من حَقّي و عَيَّشني في جذبة بدون ما يندم وَ لَو للحظة..وَحْدة غيري بتحقد عليه و بتكره طاريه..بتتمنى موته و بتحاول تسوي أي شي..أَي شــــي عشان ترد له الوَجَع..تذوقه المُر مثل ما ذوَّقها و تغَرْقه في الظَّلام اللي نَساها فيه و غاب..بكل بساطة..و غرور..غــاب! "اضطَّرَبَت حَرَكَة يَدَيها مع اسْتِعار أَنْفاسها و اشْتعال القَهَر في صَوْتها" لكن جِنان غيـر عن أي وحدة ثانية..جِنان ما عندها كَرامة..جِنان غَبِيَّة وَ ضَعيفة و بيجيها المُوت و هي للحين عند باب حبَّه واقفة..تنتظر أي أمَل مَجْنون ممكن يفتح لها لو شرخ صَغير في هالباب..باب قَلْبه القاسي
بِعِتابٍ حَنُون عَقَّبَت نَدى،:حَرام عليش..ليش تقولين عن نفسش جذي!
تَرَكت القَميص المسكين مع ارْتِفاع بَصَرها لها كاشِفَةً عن مُقْلَتان خُلِقَتا مِن رَحْمِ غُيومٍ لا يَنْضَب ماؤها..نَطَقَت تُتَرْجِم الحَرور المُحْتَدِمة في الجَوى وَ الرّوح،:لأنَّ هَـ ـذا الصدق نَدى..بَمُوت...بَمُـــ ـووت من غيرتي عليه "تَنَشَّقَت هَواءً تَهَشَّمَ من حَوافِر الغَصَّات المُتَكَدِّسة بَيْن أَضْلُعها" بَعد كل اللي سَوَّاه فيني ما كرهته..و لا حَتَّى نسيته..أَو..أو عالأقَل يقل قَدْره في قلبي! بــس...بــس ما تغَيَّر شي،وَ لا شي نَدَى" وَ بِوَجْسٍ أَنْهَكَهُ حُبٌّ أَعْمَى" وَ لا شي..
تَراجعت عَن خِزانة مَلابس طِفْلها لِتَخْطو لِلسَّرير الصَّغير الذي احْتَضَن أَثْقالَ رُوح جِنان و بَوَاحها التَّائِه..جَلَسَت أَمامها مع الْتقاء عَيْنَيها بِبَحْر الجِنان الهائِج عَلى الدَّوْم..تَساءَلت بِهَمْسٍ أَرْجَف دَواخل جِنان رُعْباً،فهي فَقيرة من جِواب..بل و الضَّياع هُو حادي قَوافِل بَحْثَها،:لين مَتى هالحال؟ يوم تقولين إنّش صرتين قويَّة و عطيتين الحُب و صاحب الحُب ظهرش..و ما بتهتمين إلا في بنتش و نفسش..و عشرة تنوحين وتسترجعين خساراتش و تجلدين ذاتش..لين متى جِنان؟ لين متى بتظلين ساجنة روحش في هالدَّوَّامة! تَرى في إيدش خَلاصش..محد يقدر ينقذش من هالغَرَق غيرش..بدل ما تلومين نفسش و تعاتبين قلبش ابتدي تشتغلين على نسيانه..اتجَلّدي و تجاهلي أي شي يخصّه سواء كان في الماضي أو اللحين..ما يفيد هاللي قاعدة تسوينه..وضعش هذا تعتقدين إنّه يقدمش خطوة..لَكنّه في الواقع يرجعش عشر خطوات ورا
أَطْبَقَت اليَدان وَ رَفَعَتهما لِشَفَتيها اليَتيِمَتان من البَسْمة..أَسْنَدَت سَبَّابتيها بهما مانِعة شَهْقة من الفِرار..فانْتَحَرت تِلْك الشَّهْقة في عُقْرِ رُوحها..وَ ارْتَجَفَ صَدْرها نائِحاً عَلى مَن شارَكتهُ في عَزْفِ سمفونية العَزاء..،
،:جِنان..فيصل خَلاص صار مُلْك لأنثى غيرش..مُلك ياسمين..مو جِنان..أوعي
انْخَفَضَت يَداها بِسُرْعة لِتَقْبِضان عَلى ساعِد نَدى تُطالِبان بالصَّمت..نَهَرَتها و اللَّوْن الأحْمَر بَدَأ بابْتلاع خَمْر وَجْنَتيها،:بس نَـدى بَـــس
تَجَاهَلتها مُواصِلة بِحِدَّة هي سَكاكين مَسْمومة تَطْعن جَوىً لا زال مُقَيَّداً،:صارت خطيبته..فترة بسيطة و بيتزوجون و عقبها بتصير أم عياله..إنتِ فَصْل و انْتــهى من حياته..إنت مــ
قاطَعَتها و الرَّجاءُ يَنُوح عَلى أَسْقُفِ مَدينَتِها اليَتيمة من قُرْبِه،:نَدى ما أقدر اسمـ ـع..داخلي قاعد يجذّب امْتلاك غيـ ــري له..رُوحي تنفر من هالواقع..وَ لا شي فيني يبي يصدّق..حَتــ ـى..حَتــى عقلي..رافض فِكْرة اقْترانه ويا أي أنثى "هَزَّت رَأسَها بِحِدَّة تُريد بِها أَن تَقْتَطِع رِداء الحَقيقة الجاثِم عَلى حُبِّها" ما بيكملون مع بعض..ما بيكملون
ارْتَفَع حاجِب نَدى وَ التَّعَجُّب قَدَ تَعَلَّقَ بِجِفْنَيها،:و ليش إن شاء الله "اسْتَدْرَكَت بِشَكٍ اسْتَعَدَّ لِمُشاكَسَة أَفْكارها" إنتِ مخطّطة لشي؟
غَشَى مَلامحها عَدَم فَهْم تَجَلَّى لِعَيْني نَدى المُحَدِّقَتين بِتَفَحُّص..هَمَسَت بِبَحَّة تَرَطَّبَت بِنَغْمَة البُكاء،:شنو؟..مخططة شنو..مافهمت!
زَفَرَت بِراحَة أَسَرَّتها في جَوْفِها وَ هي تَرى البَراءة تُخالِط البَحْر السَّاكِن وَسَط مُقْلَتَيها،قَبْلَ أن تُجيب وَ هي تَتَدارك،:لا بس يعني استغربت من ثقتش في إنهم ما راح يكملون مع بعض!
تَعَلَّقَ بَصَرُها بشيءٍ خَفِي..لاحَظَت نَدى انْغماسَها التَّام فيه..شَيْءٌ يَتَجَمَّدُ الهَواء مِن سَطْوته..وَ يَتَشَنَّجُ الزَّمَنُ من سُرْعة انْقضائه..كالسِّحْر بل أعْظَمُ وَ أَكْثَر غُموض..شَيْءُ لا تَعْرِفَهُ إلا زاوِية مُوارِبة في القَلْب..ظَلْماء وَ مُصْمَتة من أي جَواب..بِوَجْسٍ هي نَفْسَها لا تَدْري مِن أَين اقْتَلَع كَلِماته،:إحساس..إحساس يراودني إن هالإرتباط ما بيستمر للأبد "تَحَرَّكَت حَدَقَتيها المُغَيَّمَتان بِبَقايا الدَّمْع لها وَ هي تُفْصِح عَمَّا يَعْتريها"نَدى..فيصل محد يعرف له إلا أنا " بِثِقة تَعْتَريها الحَسْرة" محد يعرف له إلا جِنان..ياسمين أعرفها من أيَّام لندن..قدرت أفهمها..ما بتتلاءم مع فيصل
اعْتلاء مُتَعَجِّب نالَ من حاجِبَيها و هي تَتساءل:و ليش! مو هي تحبه؟
أَجابَت بِتَنْهيدة وَ الإرْهاق يُجْبِرها على الاسْتسلام للاسْتلقاء فَوْق السَّرير خَلْفها،:ايـــه..تحبه "أَكْمَلت مُسْتَشْعِرة اعْتِصار قَلْبَها" و هو بعد يحبها... ..يمكن!
تَمْتَمَت نَدَى بِعَدَم فِهْم،:يمكن!
بادَلت رَفيقَتها نَظَرات الحِيرة من مَكانها..كانت مُسْتَلْقِية على سَرير ابْنة نَدى بِساقين مَرْفوعَتين بانْطواء..خصلات شَعرها قَد حَرَّرتها مُنذ ساعة من عُقْدَتها التي باتت تسْكن مِعْصَمها الأيْمَن..كانت تَغْفو على السَّرير وَ كَأنَّها تَرْسم بِأمْواجَها بَحْراً ساكِناً..نَطَقَت بَعْدَ أن اسْتَمَرَّ السُّؤال يَنط من عَيْني رَفيقتها..سَمَحت لِأحاسيسها بالوُلوج وَ هي مُتَوَشِّحة بِعَباءة التَّرَدُّد و التَّيه..،:اليوم الفَجر..هــو..فيــ ـصل..الكلام اللي قاله "تَأَفْأفَت بإغْماض مَعَ ارْتفاع يَدَيها لِجَبينها كَأنَّما بِزَفَراتِها تَنْهَر أَحاسيسها العَوْجاء..هَمَسَت وَ هي تُبْصِر مُجَدَّداً وَ يَداها تَزْحَفان لِخَدِّيَها..وَ العَيْنان تُرْسِلان زاجَلاً من ضَياع" مادري نَدى..مادري
حَفَّزَتها نَدى و هي تَقْتَرِب منها أَكْثَر،بَعْدَ أن رَأت البَعْثَرة العاصِفة بِمَلامحها،:شنو جِنان..قولي..التَّفريغ يساعدش
مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها..ازْدَرَدَت ريقها مُسْتَعِدَّة للبَوْح..خَرَجَ صَوْتَها مَبْحوحاً..مَدْهوشاً من رَبْطٍ بَيْن حاضِرٍ و ماضٍ كان لَذيذ..أيُمكن أن تَتَجانس لِذَّة الماضي الأثيريَّة مع عَلْقم الواقع الدَّميم الطَّلْعة؟..،:فيصل إذا يمرض..أو بالأخص..إذا ترتفع حَرارته..يبدا يهلوس..وو عرفت..قبل يوم كنت زوجته...بالتَّحديد هو قال لي هالشي..إنَّ هلوسته تكون الكَلام..الكَلام اللي يرفض كبرياءه بكامل وعيه إنَّه يعتقه
تَساءَلت و هي التي لَم تَسْتَطِع استيعاب هذه الألغاز..،:يعني شلون جِنان..مو فاهمة؟
رَمَشَت مَرَّة وَ ثانِية مُسْتَرِقَةً النَّظَرَ على إحْدى الليالي التي نُحِتَت فَوْق صُخور كَهْفَها النَّابض....
،
انْتَهَت من الجَلي سَريعاً حَتَّى تَعود إليه..جَفَّفَت يَدَيها ثُمَّ أَغْلَقَت مَصابيح المَطْبَخ لِتَتجه لِغُرْفة نَوْمهما..دَلَفَت بهُدوء وَ بَصَرُها مُعَلَّقاً بالسَّرير الذي يَحْتوي جَسَدَه المُسْتَسْلِمة قواه للمَرض..تَوَقَّفَت في المُنْتَصَف..مالت جِهَته حَتَّى تَرى وَجْهه..كان مُغْمَضاً..إذن قَد نام...اسْتَدارت يسارًا وَ قَصَدت دَوْرة المياه..تَغَسَّلت في دقائق بَسيطة بماءٍ دافئ غَلَّفَ عَضلاتها بِرَخاءٍ لَذيذ ذاب مَع دِمائها..طَبْطَبَت عَلى جَسَدها تُجَفِّفه و طُيور النَّوْم تَحوم حَوْل عَيْنيها..تُريد أَن تَنام..أن تَنام فَقط..بَعْد يَوْمٍ طَويل ابْتَدَأتهُ منذ السَّادِسة صَباحاً..جامعة،مُحاضرات و امتحانات..وَ تواصل دُون راحة إلى المَشْفى..فَزَوْجها كان مَريضاً..بالكاد اسْتَطاعت أن تُقْنعه بالذَّهاب لرؤية الطَّبيب..وَ بالكادِ أَيْضاً أَرْغَمَتهُ أَن يَرْتَشِف ثَلاث مَلعَقات من الحَساء الذي أَعَدَّته له..و أن يَشْرَب رُبع كُوب الحَليب السَّاخِن حَتَّى تَكون مَعِدَته مُهَيَّأة لاستقبال الدَّواء..،ارْتَدَت مَلابس نَوْم من قطْعَتان..كَشَفَتا الكَثير من سَاقَيها و الجُزْء العلوي من جَسَدها..ذراعيها و كَتفها و ما جاوَرهما...كان الجَو مُعْتَدِلاً في لُنْدن..لَكن الغُرْفَة كانت تَنْصَهِر من حَرارة المَدْفَأة..عَضَّت على شَفَتيها تُكْبِح ضِحْكتها وَ هي تُبْصِره مُنْكَمِشاً أَسْفَل غِطاء ثَقيل يَقْبَع أَسْفله غطاء آخر أيضاً..لَكِنَّه أَخف منه..بالإضافة إلى أَنَّهُ قَد حَمى جَسَده بملابس صوفية لا تُرْتَدى إلا في ليالي الشّتاء..اسْتَقَرَّت بِرُكْبَتيها عَلى السَّرير..رَفعت غطاءه العَجيب و هي تَزْحف إليه..الْتَقَطت أصابعها الغطاء الأخف عندما أَصْبَحت مُلاصقة لِحَبيبها..اتَّكَأت على وركها و ذراعها اليُمْنى بَعد أن الْتَحَفت حَتَّى خِصْرها به..تَراقَصت حَدَقَتاها على وَجْهه الغارق في السّكون..أَناملها النَّحيلة قَصَدت جَبينه المُقَرْفِصة فَوْقه بضع زَخَّات عَرَق كانت تَلْتَمع أَسْفَل الأضْواء الصَّفراء المُغْمَضة بِخُفوت..مَسَحَتها بِرِقَّة قَبْلَ أن تبسط باطن كَفَّها مَكانها مُطْمَئِنة على حَرارته..تَنْهيدة تَعَب غادَرت قَلْبها وَ اخْتَلَطَت مع أَنْفاسه السَّاخِنة..انْتَقَلت كَفُّها لِخَدّه، عُنِقه..وَ انحشرت تَتَحَسَّس صَدْره..لا زالت حَرارته كَما هي..نَظَرَت للسَّاعة..مَضَت عُشْرون دَقيقة منذُ أَن شَرِبَ الدَّواء..ستنتظر ساعة ثُمَّ سَتَسْتَعين بمقياس الحرارة..فإن تَبَيَّن أَنَّها لَم تَنْخفض..ستبْدأ مَرْحَلة اقناع جَديدة للعَوْدة إلى الطَّبيب..عادَت إليه..لِتُكْمِل صَبَّ الغَدير في بَحْرِ مُقْلَتيها..بانَت إلى عَيْن الليْل المُسْتَرِقة ابتسامة اخْتَلَطَت فيها مَشاعر شَتَّى..حُــب..حَنان..شَوْق..وَ عَطْف..أَرْهَقه هذا المَرَض..مُنذ البارِحة وَ هَو طَريح الفراش..حَتَّى أَنَّها اعْتَذَرت نِيابةً عنه عن مُحاضراته لليوم..فهو لم يكن في اسْتِطاعته التَّحدث حَتَّى...،انْحَنَت عليه وَ بِخِفَّة قَبَّلت جَبينه..تَراجعت للخلف قَليلاً ثُمَّ أَرْخَت جَسَدها باسْتلقاءٍ يُواجهه..ما إن اسْتَشْعَر جَسَدها المُنْقبض الرَّاحة..حَتَّى أَسْبَلت جَميع أجهزتها..عظامها..عَضلاتها و خَلاياها نَفْسَها..ثَوانٍ وَ وَجعٌ خَفيف بَدأ بِشَدِّ رَحْله بَين ثَناياها..كانَ وَجَعٌ طَبيعياً يَزور الإنسان بَعْد أن ينتهي من يَوْمٍ مُقَيَّد بالتَّعب..أَسْكَنَت يُمْناها خَدَّها وَ اليُسْرى أَبَت أن يَسْرق النَّوْم صَحْوة هذين الزَّوْجين دون تَلاحم و اقْتراب..فهي اخْتارت أن تَغْفو بَيْن خُطوط كَفّه الواسعة..فذراعه اليُسْرى كانت مُمْتَدَّة ناحِيتها وَ هي حُرَّة من ذلك الغِطاء..ضَغَطَت على يَده وَ عَيْناها مُتَعَلِّقَتان به..النَّوم يُشاغِب أَهْدابها..تغمض ثُمَّ تُبْصِر مِثْل أَمْواجٍ تَمْتَدُ و تجزر..كانت تُعاند النَّوْم تُريد أن تَحْرِس مَريضها..لَكِنَّهُ في ثَوانٍ كَسَرَ عِنادها وَ جَثَم فَوْق جِفْنَيها وَ اسْتَولى على وَعْيِها..،لا تَدْري كم من دَقائق باغَتتها قَبْل أن تَسْتَيْقِظ فَزِعة من صَوْت سُعاله..عَيْناها باتّساع تائه تَنْظران إليه وَ هُو يَزيد في انْكماشه و السُّعال الجاف يجْرح حَلْقه بِحِدَّة..لَحَظات وَ بَدأت تَرْمِش باستيعاب..اقْتَربت منه هامِسَةً بِقَلق،:فيــصل!
ضَغَطَت على كَتِفه وَ هي تَسْمَع تَأوّهه الذي أَرْبَكَ نَبْضَها..تَساءَلت عندما رَفَع رَأسه و تَجَلَّى لِعَينيها وَجْهه المُحْمَر،:حَبيبي في شي يعورك؟
أَشار إلى جوانب بَطْنه و هو يَسْتَلقي على ظَهْره دون أن ينطق،وَ الحاجِبَين قَد قَيَّدتهما عُقْدة الألم..لِتُجيب هي بِحَنو و َيَدها تَحْتَضِن وَجْنته،:عُمري ضلوعك تعورك من الكحَّة..بتاخذ وقتها و بعدين بترتاح منها إن شاء الله
زَفْرة وَهِنة فَرَّت من بَيْن شَفَتيه..الإرْهاق قَد عَرْبَد بَين طَيَّات مَلامحه حَتَّى نَحَت أَثَره..وَ كَأنَّما الذُّبول قَد ابْتَلَع يَنع وَجْهه..،هي كانت مائِلة عليه و تنظر له من عُلو بَسيط..يَد اسْتَقَرَّت على كَتفه..و الأخرى كانت حُضْناً دافئِاً لِوَجْهه..خصلاتها المُلْتَبِسة تَمَوّجات ناعِمة كانت تَتَدَلَّى ماسَّة أَعْلى صَدْره و عُنُقه..فَتَح بَوَّابة عَيْنيه سامِحاً لِجنانه أن تَمْضي وَ تَتَكئ على بَصره..حَتَّى لا يَرى سِواها...،بَدَأت العُقْدة تَزْحف بَعيداً عَن وَجْهه شَيئاً فَشيء..مُفْسِحة المَجال لابْتسامة مائِلة أن تُلاعب شَفَتيه..بادَلته البَسْمة وَ هي تُلاحق مَسير حَدَقَتيه..كان وَ بوُضوح يَتَأمَّلها..يَتَأمَّل كُل مافيها..وَ مَعَ كُل نَظْرة تُرْسلها عَيناه النَّاعِسَتان،يَزْرَع وَسَط رُوحها جِنان جَديدة تُنْسَب إلى رَحْمِ عَيْنيه...،رَعْشة خَفيفة تَقافَزَت بَيْن أوْصالها عندما اسْتَشْعَرت مَلْمَس كَفّه المُتَّقِدة..مَرَّرَها على ذراعها المَكْشوفة و نَحْرها قَبْلَ أن تَسْتَقِر عَلى جَانب عُنُقِها..اقْتَلَع صَوْته من بَيْن حَشْرَجات المَرَض لِيَقول مُؤنّباً بِبَحَّة مُرَكَّزة،:جِنان ليش مو لابسة عدل! برد حَبيبتي
دَغْدَغَت مَسْمَعيه ضِحْكة خافِتة تَبَسَّمَ لها و هي تُجيبه هامِسة وَ أَناملها تَتراقص على خَدّه،:عُمري فيصل الجو عادي..مو برد..بس لأنك إنت مريض..فَتحس بالبرد
مَرَّرَ لِسانه على شَفَتيه دُون أَن يُعَقِّب مُواصِلاً رِحْلة تَأمّله التي اسْتَمَرَّت لِدَقائق ضاع حِسابها عن عَقْلَيهما الهائِمان..فالبِنَّظَرِ يَسْكر العاشِقون..،رَمَشَت بِخِفَّة مُنْتَبِهة لِهْمسه..وَ حواسها مُتَيَقِّظة لِلمسات يَده..،:وَحشتيني..كأنّي من زمان ما شفتش "تَخَلَّلت أصابعه مَوْجَها المُتَأرْجِح" ابي أقرّب أكثر،بس أخاف تنعدين
اتَّسَعت ابْتسامتها وَ اقْتَرَبت..اقْتَرَبت حَتَّى مَسَّ أَنْفَها أنفه..ضحكة مَبْحوحة يُخامرها نُعاس شَهي داعَبت أُذنها ثُمَّ تَبِعها تَحذيره،:حَبيبي تَرى بتمرضين
قَبَّلَت قِمَّة أَنْفه المُتَوَرِّدة ثُمَّ هَمَسَت بِوَلَه،:حَيَّاه المَرَض إذا كان منّك
هَمْهَمَ بالرَّفض وَ هُو يَسْتَقِر بِكَفّه على كَتِفها،وذراعه الأخرى تُحيط بخصرها..رَفَع كتفه الأيْمَن وَ بهدوء اسْتَدار يساراً لِيُرْخي جَسَدها على السَّرير..أَنَّبته و هي تَرى انْكماش مَلامحه إثْر زيارة الألم مُجَدَّداً،:فيصل ليش جذي! الحركة غلط،تعوّر نفسك زيادة
جَذبها إلى صَدْره هامِساً بِجفْنان مُسْبَلان،:أُششش..ماعليه...نامي إنتِ اللحين..من الصبح قاعدة "أبْصَر وَ هُو يُخْفِض رَأسه لها..و النَّوْم يَعْزف بأوْتار عَيْنيه لَحْنَهُ النَّاعِس..هامِساً بِبَحَّة لِعيْنَيها المُتَّخِمَتَيْن شَوْقاً" خل أصير زين بس..ما بيكون في خَلاص من فيصل
ضَحَكَت بِخِفَّة و الابْتسامة تُوْمض نُجوماً وَسَط المُقْلَتين..هَمَسَت مُعَقِّبة و كَفَّيها تَتَمَسَّكان بهِ بشِدَّة رَقيقة،:إن شاء الله بتصير زين بعد عُمري
أَغْمَضَت باسْتِكان و هي تُرْخي رَأسها أُكْثَر فَوْق صَدْره..هُناك..بالقُرْبِ من جَواه المُتَيّم بها..مُنذُ ماضٍ هي تَجْهله!...ارْتَبَكَت أَهدابها إثْر تَماسٍ مَلِق..كَقَطْرَةِ نَدى..كرَفْرَفة جِنحان حَمامة مُتَسَرْبِلَة بِبَياضٍ نَقي..و كَخُطوات أصابع عازفٍ مَاهِر..يُداعب مَفاتيح آلته الثَّمينة..كانت شَفَتاه اللتان حَيَّتا جَبينها النَّاعِم..عَطَّرهُ بِثَلاث قُبْلات..مع كُل قُبْلَة يَرْتشف عَبَقاً من جِنانه..يُعَلِّقه زَهْراً على جُدْران رُوحه..دُون أن يَعْلَمَ أَنَّه يَجْمَعُ الزَّهْرَ ذِكْرى لِمُسْتَقْبَلٍ سَيُمْسي بَلْقعاً من جِنان..،قَرَّبها منهُ أَكْثَر و في الجَوى أُمْنِية..أَن أيالَيْتَ الحَبيبُ يَلْتَحِم بأَضْلاعي فَيَقَرُّ نَبْضُ قَلْبي بِشَهْدِ مَبْسَمه..،
كانَ الخَدَرُ قَدْ خَيَّمَ على حَواسها عندما اسْتعانت بِصَوْتها الذي خَرَجَ وَجْساً يَغْفو فَوْقَ سَحابة الحُلْم،:حَبيــبي...جسمك حــار
هي كانت تَرْسِم مَلامحها على عُنِقه..وَ جَسَدها قَد تَكَوَّرَ جَنيناً بَيْن ذراعيه..أَسْكَن شَفَتيه شُرْفَة مَسْمَعِها وَ هَمَس..،:ماعليه جِناني..ماعليه..
خَبَى صَوْتَيهما..الْتَحَفا بِرداء الفَجْرِ السَّاحِر..و القَمَرُ يُمَتِّع ناظريه بِلَوْحة يَبْتَسِمُ لها فِراقٌ خَبيث...هي لا تَدْري..هل وُلِدَ الصَّوْتُ من رَحْمِ أَحْلامها..أَم أَنَّهُ كان وَليدَ رُوحه المُطَعَّمة بالأسْرار...بَحَّته الغافِية عَزَفَت لَحْناً لَذيذاً طَرُبَت منهُ أُنوثتها..،:تدرين جِناني..كنت برفض لندن..كنت برفض بعثتي..قلت...ما بيها...ما أتحمل أبتعد عن سر قَلْبي..بس..سلمان،قال لي..روح عشانها..عشان ترفع راسها..و تكون كَفو لها..و سافرت..بدون أي لِقاء..انتظرت أقرب إجازة..كان كريسماس..و الدنيا ثلج و البرد يزيد من شوقي..رجعت و من المَطار..قلت لأبوي ابي أروح...ابي أروح بيت عمتي..و ما رد لي طلب "ضِحْكة خافِتة تَعَلَّقَت قِرْطاً بأذنها" شكّيت إنّي كنت مفضوح قدامه..سلمت على عمتي و تركت أبوي منشغل معاها..و طلعت برا..التيلفون على أذوني.. يعني..إنّي مشغول..و بريء..كان ظهر..و الشمس كانت متخبية..تعاضدت ويا الشتا و رحموني..انتظرت..مادري جم انتظرت..لين التقت العيون..ابْتَسَمت..و كنت أظن عيونش مرايا بتعكس لي الابتسامة و بترتوي روحي..بس ما لقيت غير الجُمود..لكن القَلْب صَبَّرني و همس لي..المهم سَلَّم النَّبض...سَلَّم على بَحْر عيونها...
,
رَنين هاتفها انْتَشَلها من غَرَقٍ يَقْتات على صَبْر الرُّوح..الماضي مُرْهِق و يَرِثُ وَجَعاً لا يُطاق إذا هُو تَمَسَّكَ بالحاضِر بَيَدٍ مَبْتورة الأصابع...كان عَليًا..أَجابت و هي تُصَفّي صَوْتها من أَتْرِبة الغَصَّة،:ألو علاوي "انْتَبَهَت لِنَدى التي دَلَفت..عُقْدة اسْتغراب تَوَسَّطت حاجِبَيها قابَلتها سُخْرِية من رَفيقتها..مَتَى خَرَجَت!..انْتَبَهت لنِداء عَلي..مَرَّرت لسانها على شَفتيها و هي تَقول بِحَرَج" سوري علاوي..عيد اللي قلته ما سمعت "أنصَتت إليه جَيَّداً قَبْلَ أن تنطق باهْتمام" ايــه..خلهم دُول قريبين من بعض..عشان ما تتعبون في التنقّل "صَمَتت تَسْتَمِع له قَبْل أن تَقْتَرِح" شوف بعد النمسا و سويسرا..تمام مع فرنسا "تَبَسَّمت برحابة لِحَديثه ثُمَّ عَقَّبَت مع وُقوف نَدى أَمامها" حاضرين لك حَبيبي..إنت شوف و عطني خَبر... .. انتظرك
أَخْفَضَت الهاتف و هي تُفْصِح عن تَساؤلها،:متى تركتين الغرفة!
مالَ جَسَدها و هي تَتَخصَّر ساخِرة،:وقت ما كنتِ هايمة في ذكرى الحَبيب..صمٌ بكمٌ بس العيون زايغة..ملّيت وقمت عنش
زَفَرَت تَخَبَّطها و هي تَمْسح وَجْهها الباهت..وَقَفت مع اسْتفسار نَدى،:شنو كنتِ بتقولين؟
مالت شَفَتاها بِعبوس لِتُجيب و هي تَسْتدير مُبْتَعِدة ويَدها تقبض على هاتفها،:مالي خلق اللحين..خليها لوقت ثاني
هَزَّت رَأسها بتفهم مُتَمْتِمة،:على راحتش "الْتَقَطت قَميص طِفْلها الذي تَرَكت جِنان تُجَعّده بِثِقْل أَحْزانها و هي تقول" بتتعشين معاي ها..منصور معزوم
وافَقَت هي التي كانت تَقِف أمام المرآة،يد ممسكة بخصلاتها أعلى رأسها و الأخرى تستعد لِعَقدها،:أوكي ماعليه "رَنين الهاتف عاد مُفْصِحاً عن اتصال ظَنَّته من علي الذي كانت تنتظره..لذلك رَفعت الهاتف لأذنها و عَيْناها مُتَعَلّقِتان بشعرها" هَلا حَبيبي..
,،
مَضَت السَّاعات سَريعاً..كَقِطار اسَتَقَلّاه عائدان للماضي البَهي..فَتَحا الأبواب،وَ مَسَحا عن الصَّناديق غُبار الإهمال..أَطْلَقا سَراح الكَلِمات..و أَلْبَسا الضِّحكات جِنحان..لِتَعْلو بِهما إلى سَماء الفَرَح و الحَنين للذكريات..تَحَدَّثا كَما لَو أَنَّهما في الحُقْبة التي جَمَعتهما وَ هُما صَديقين فَقط..نَسِيا الرّباط المُقَدّس الذي نَثَر غَرابة خانِقة بينهما..كان طَلال فَقط..الرَّجُل الصَّغير..صَديق الطُّفولة..وَ كانت هي صَغيرته أو "نتفته" التي يُبْصِر من خِلال وُجودها..وُجوده..،قالت بِعِتاب و هي تُخْفِض لِمُسْتوى حضنها كَأس الماء المُتَمَسِّكة به يَديها،وَرَأسها يَميل بِخِفَّة،:للحين طَلال ما عقلت! حَرام عليك خَسّرت روحك أشغال ممتازة بسبب تصرفاتك
عَقَّبَ بابْتسامة واسِعة وَهُو يَمُد ذراعيه على ظَهْرِ الأريكة باسْترخاء،:بعد ما أحب أحد يتأمَّر عَلي!
نَطَقَت مُوَضِّحة بِهُدوء،:طَلال كل شخص يتوظف لازم بيكون في من هم أعلى منه يعطونه أوامر.. و هالأوامر مو استنقاص..بالعكس هذي دروس..مثل المُدَرّس اللي يأمر طلابه ينتبهون و يدرسون و يحلون الواجب..يعني اللي بيشتغل لا يفكر بتنتهي فترة تعليمه..بل بيبدأ مرحلة التعليم الحَقيقية..التطبيق شي مُختلف تَماماً عن الكلام اللي على الورق..
صَمَت للحظات مع تَعَلُّق حَدَقَتيه بالفَراغ..أَخْفَضَ إحْدى ذِراعيه باسِطاً كَفَّه فَوْقَ فَخْذه..وَالأخرى اتَّجهت لظهره لِيَدْعَكَهُ بِأصابعه..قال وَهُو يَعُود بِبَصره إليها،:يمكن مو متعوّد على هالوَضع لأنّي ما كملت دراسة
اسْتَقَرَّت بالكَأس عَلى الطَّاولة الفاصِلة بَيْنهما..تَقَدَّمَت للأمام مُتسائِلة بِجِدّية،:وَلا مَرَّة فَكَّرت تكمل دراستك؟
هَزَّ رَأسه بالنفي،:لا "وَبِصَراحة" يمكن مرة أو مرتين فكرت في الشي..بس بسرعة أشيله من بالي..لأن ما أحس أقدر "شَخَر ساخِراً" وَاللحين صرت شكبري..فما في أَمل
ارْتَفَعَ حاجِبها وَمِن عَيْنَيها فَرَّ الْتِماع واثِق أَجَّجَ من انْتباهه،:في اللي أكبر منك كملوا دراستهم وعلى مستويات عالية بعد..بس أهم شي تثق بنفسك و تكون عندك رغبة حقيقية
نَظَرَ لَها لِثَوانٍ..أَو..نَاظَر ثِقَتها وَتَأَمَّلها..ثِقَة تُخامرها رَغْبة جُموحها جَلي وَإن سَعَت في إخْفائه..ابْتِسامة مائِلة شَدَّت شَفَتَيه وَعَقَدت حاجِبَيها لِغَرابتها..هُو الذي كان يَجْلُس مُقابِلاً لها،تَقَدَّمَ بِجذعه للأمام..أَرْخَى ساعِدَيه عَلى فَخْذَيه..شَبَكَ أَصابعه ثُمَّ قال بِخُفوت،:أَدري إنّ الدراسة شي مُهم عندش..و إن يكون زوجش متعلم
الحِدَّة سَيْطَرَت عَلى مَلامحها وَهي تَقول بِتَحْذير،:طَلال لا تفتح الموضوع..ترى يضايقني..واجد مو شوي بعد "زَفَرَت وَأصابعها تُبْعِد خُصلات غُرَّتها عَن عَيْنيها وَهي تُكْمِل بِنَبْرة أَنْدَتها بالحَنان" طَلال العلم شي جدّاً جَميل..و إنّك تدرس و تغذّي فكرك و روحك هذا شي يحبه رَبّي و يحث عليه في كتابه..و إنّك تكمل دراستك فهذا الشي لك و لذاتك قبل لا يكون لأي أحد ثاني..أنا ما أغصبك..بس حابَّة إنّك تشوف هالموضوع من الجهة اللي أنا أشوفها..لمصلحتك "أَخْفَضَت رَأسها وَهي تُدير معصمها تَسْتَفْسِر الوَقت..اسْتَطْرَدَت" تأخرت على البيت
قال باعْتراض عندما رَآها تَقِف لِتَرْتَدي عَباءَتها،:ليــش!اقعدي بعد..تعشي وبعدين روحي
أَغْلَقَت أَزْرار العَباءَة ثُمَّ شَرَعت في ارْتداء حِجابها مُجيبة بِخَجَل،:لا طَلال..من زمان أنا اهني..و الحمدلله تغديت "تَبَسَّمَت وَهي تَسْتَقِر بالحَقيبة عَلى كَتِفَها" مَشْكور على السّمچ اللذيذ..تسلم إيدك "أَكْمَلَت مَع تَحَرُّكها إلى الباب" ذكرتني بأيَّام أَوَّل إذا تشوي لنا إنت وعبدالله
وَقَف لِيَتَّجه إليها ناطِقاً بابْتسامة عَذْبة،:عليش بالعافية..وأي وقت تشتهين قولي لي بصيد لش فرِش و بشويه
بادَلَته العُذوبة ذاتها وَ عَيْناها تَسْتَرِقان النَّظَر لِرَماد عَيْنيه،:تِسْلم..ماتقصّر
الْتَفَت يُلْقِي نَظْرة على الوَرْد الذي زَرَعته بِرِقَّتها وَسَط مَسْكَنه،:إنت بَعد مشكورة على الورد الحلو "عادَ لها وَهُو يُكْمِل" ما كان له داعي تكلفين على روحش
ارْتَفَع كَتِفُها بِخِفَّة..بالتَّوالي مَع مَيَلان رَأسها له..لِتَرْتَسِم أَمام قَلْبه حُلَّة خَجَل جَذَّابة..هَمَسَت بابْتسامة مائِلة و أَهْدابها المُلْتَوِية فِطْرَةً دَاعَبَها ذلك الخَجَل،:عــادي..اعتبرها هدية زيارتي الأولى لشقتك
أَوْمَأ بِرَأسه ثُمَّ هَمَسَ بِرِقَّة،:تُشْكَرين على الهدية اللي تيَنّــن..مثل صاحبتها
حَرارة لاسِعة ها هي تَشْعر بها تَدْنو من جَسِدها..اسْتَنْفَرَت حَواسها من تِلْك اللَّمْعة التي رَأتها تبزغ من عَيْنيه..كَشُعاع شَمْس..أَو أَنَّها قَفَزَت بِتَحْلِيقٍ عَذْب..كَقَطْرة ماء تَحَرَّرَت من هَدير شَلَّال مُهيب! وَكَلِماته..كَلِماته التي أَتْقَن اختيارها طَوال جُلوسهما حَتَّى يَطْرد الغَرابة من بَينهما..ها هُو يَعُود وَيُطْلِق سَراح بَعْضِها...وَالغَرابة..هاهِي تَبْدو أَمَامها مُتَقَلِّصة..لَيس كَثيراً..وَلَكِن للحَد الذي يَسْمَح لِنَبْضَها بأن يَرْتَبِك...،تَنَحْنَحَت مع الْتِفات رَأسها للباب..أَمْسَكَت بالمِقْبَض لِتَقُول بِبحَّة واضِحة،: مع السَّلامة
عَقَّبَ وُ هُو يَسْتَقيم في وُقوفه،:بنزل معاش..بوصلش للسيارة
حَرَّكَت رَأسها بالنفي،:لا طَلال ما يحتاج..كلها خطوتين
تَساءَل،:أَكيد؟
هَزَّت رَأسها وَهي تفتح البَاب،:ايــه أَكيد
هَمَسَ بَعْدَ أن انْفَصَلَ جَسَدها عن المَوْضِع الذي احْتَضَن تَمازج أَنفَاسهما،:انتبهي لنفسش وطمنيني من توصلين
هَزَّت رَأسها وَ ابْتسامتها الأخيرة تَعَلَّقَت بِحُجْرات قَلْبه،:إن شاء الله
لَوَّحَت له وَكَأَنَّها تَهْدي وَعْيه لِلواقع..فقربها منه قَد قاطَعه ابْتعاد لا يدري مَتى سَيُفْنَى..مَتى سَتُشْفِق عَلَيْنا المَسافات وَتَنْتَحِر؟ وَمَتى سَيكْتَفي الفِراق من الإقْتيات على صَبْرِ الجَوْى؟ مَتى!...اسْتَدارت..خَطَت..ثُمَّ غابَ طَيْفها وَ انْطَفَأَت تِلْك اللَّمعة..وَ سَكَنت الشِّفاة من ارْتعاشة ابْتسامات أَسْقَمها النَّدَم..،أَغْلَقَ الباب الذي اسْتَوى سَنَداً لِظَهْره المُثْقَل،رَأسه ارْتَفَع عالِياً بإغْماض،وَمن الصَّدْرِ ارْتَفَعَ شَهيقٌ عَميــق..كَأنَّما كان يَبْحَثُ عن شآبيب تُغْدِق عليه بِعَذْبٍ يَرْوي القَحَط الذي أَهْرَم ذاته..أَنْهَكَهُ ذَنْبُ الماضي..فالسَّاعات التي جَمَعتهُ مَعها كانت تُنَغِّصها رِياح التَّأنيب التي تَجوس بَيْن الحين و الآخر في طُرقات ضَميره..هُو قَضَى أَكثر من نِصف الوَقت في الحَديث..تَحَدَّث عن طُفولتها..لَعِبها..تَعَلُّقها به..دراستها..عَملها وَ كُل شَيء وَ أي شيء..حَتَّى زَواجها و انفصالها كان له نَصيب من الحَديث..أَراد فقط أن يَحْبِس زَعيق رُوحه المُذْنِبة لِبَعض الوَقت..وَلِيَجْعَل رُوحها مُسْتَوْطَناً للرَّاحة و الأمان إذا هي معه..بَعيداً عن ذلك الكابوس الأَسْوَد..أَخْفَضَ رَأسه وَمن قَلْبه فَرَّ زَفيرٌ مُرْهَق..أَبْصَر لِتَلوح إلى عَيْنيه تِلْك التي حاكَت جَمالها و رِقَّتها..الشُّحوب شَدَّ شَفَتيه كاشِفاً عن ابْتسامة لَيْست بالابْتسامة..غَفَى حَنانٌ مَكْسور على جِفْنيه..وَنَبْضُه المَهْموم هَمس،:ما استاهل طُهْرش نُور..ما استاهل
,،
أَغْلَقَ باب الشِّقة بالتَّوالي مَع ارْتفاع يَدَهُ اليُسْرى لِتُطْلِق سَراح صَدْره بِفَك أَزْرار قَميصه..الجُزْء العلوي من جَسده تَجَلَّى مَع تَوَسّطه غُرْفة النَّوْم..أَلْقى القَميص عَلى السَّرير وَعَيْناه تَتَفَحَّصان الأرْجاء..لَيْسَت في غُرْفة الجَلوس وَلا هُنا...ابْتسامة تَتَصاعَد منها لَذَّة مُسْتَمْتِعة بانَت عَلى شَفَتيه..إذن هي هُناك..تُحَلِّق كَفراشة تُراقِص السَّماء حيناً..وَتُقَبِّل زَهْوَ الأرْضِ أَحيان..،خَطَى قاصِداً الرَّبْوة التي تُداعبها خُطواتها الهامِسة..تَوَقَّفَ أَمام الباب..صَوْتُ المُوسيقى حَيَّا مَسْمَعَيه باسْتيحاء..فَتَحه لِتَغْمِر المَعْزوفة حَواسِه بِهُدوء..للحَظات كانت الابْتسامة تُلازم شَفَتيه،قَبْلَ أن يَنْسِفُها تَكَوُّم حَمامة لا يَدْري أَيُّ ريح نَهَبَت جَناحَيْها..تَحَرَّكَ نَحْوَها بِمَلامح هَدَّلها القَلَق..جَثى عَلى رُكْبَتيه خَلْفها تَماماً،حَيْثُ اسْتَوى صَدْره مَخْدَعاً لِجَسَدها الضَّئيل..كانت مائلة إلى الحائط و الإعْياء سَحابة سَوْداء تَصَفَّدَ جَبينها من اسْتفراغها..يَد كانت أْصابعها تَرْتَعِش وْهناً وْهي مُتَشَبِّثة بالعمود الخَشَبي..و اليَد الأُخرى قَد أُسْبِلَت على فَخْذها..كان جُلوسها مائلاً كَغُصْنٍ لاعَبَتهُ رياح الرَّبيع دُون أَن تَعْلم أَنَّهُ من جِذْع الرِّقة قَد تَفَرَّعَ..أَحاطَ حَنينه بِذراعيه المُتَشَبِّعَتان دِفْئاً..قَرَّبَ وَجْهه من جانب وَجْهها،كانَ رَأسها مُستنداً عَلى يَدها،تَعَلَّقَ قَلْبه بِجفْنيها المُرْتَعِشَيْن وَحواسه مُنصتة لِسَكَنات جَسَدها المُلْتَجِىء إلى حُضنه..طَمْأنه هذا الإرتعاش..إذن هي واعية،هَمَس وَهُو يَمس أَهدابها بِنَبْرة حَنان طَغى عَليها خَوْفٌ جَمَّد حَرَكة عَدَسَتيه،:حَنين عُمري شنو فيش؟
أَزاحت الجِفْنان كاشِفة عَن عَسَلٍ عَكَّرَ صَفْوه دَمْعٌ مُتَخَثِّر..كانت عَيْناها مُتَكَحِّلتان باحْمرار طَفيف يَحْكي عَن التَّعب..تَساءَل من جَديد عندما رَأى كَيف اسْتجابت شَفتاها لِأمر الدُّموع وَتَقَوّسَتا بِبُكاء..،:حَبيبتي! خوفتيني..ليش جذي وضعش!..بشنو تحسين؟
احْتَضَن وَجْهها بِكلتا يَديه مُكَفْكِفاً دُموعها التي تَطافَرت بإسهاب،وَكأنَّها كانت تنتظر قُدومه أو سُؤاله..ارْتَخَت مَلامحه عَطْفاً كَسَرَهُ قَلَقٌ شَديد،:حَنين واللي يرحم والديش قولي شنو فيش..متعورة؟ سامعة شي؟ أَحد رامي عليش كلمة ضايقتش؟ مريضة أو شنو!...حَنين!
فَرَّت من صَدْرها شَهْقة خافِتة تَبِعها صَوْتٌ أَخنَقتهُ الدّموع،:مادرري..."رفعت يَدها بِرجفة تشير إلى صَدرها مُحاولة أن تشرح له عن خَفقان قَلبها الغَريب" قَلبـ ـي...يدق..قَلبـ ـي..واجد يددق..بسـرعة قاعـ ـد يدق...."تَنَشَّقت قَبْل أَن تُكْمل بِتَيه"مادري شلون حسيـ ـت..حسيت بدوخة،فجأة..غمامة على عيوني..و ماقدرت...قعدت لأني حسيت بطيـ ـح..
احْتَضنَها سَريعاً مُحْتَوِياً فَزَعها..أَرْخى رَأسها على كَتِفه قَبْل أَن يترك قُبْلة بَيْن كَتِفها وَ عُنِقها..داعبَ خصلاتها المُتَمَرِّدة قائلاً،:حَنيني لا تخافين..عُمري يمكن هبوط..خنروح المستشفى نتطمن بعد
رَفَعَت رَأسها لِتَتَضّح مَلامحها المُمَرَّغة بالأحمر،الْتَقَطَت بضع أُكسجينات بِثقل ثُمَّ قالت،:لا ما له داعي
هَمَسَ لها وَذراعه تُحيط خِصْرها،:زين قومي معاي "تساءل عندما تَحَرَّكت"تقدرين تمشين أو تبين أحملش؟
بِصَوْت مُنْخَفِض وَهي تَمسح بَقايا دُموعها بظاهر كَفَّيها،:لا أقدر أمشي
أَوْقفها معه بِحركة رَشيقة ثَمَ مَشى معها بهدوء وَحذر لِغرفة الجُلوس دون أن تِفارق ذراعه خِصرها..أَجلَسها على إحْدى الأرائك ثُمَّ اسْتَكانَ عَلى الأَرض أَمامها..عِند قَدَميها المِتَدَلِّيَتين..ابْتسامة حَنان سارَعت إلى شَفَتيه عندما أَبْصرت عَيْناه حَرَكاتها..هي أَسْنَدَت ظَهْرها للأريكة بإرهاقٍ أمال رَأسها وَأَجْبَر عَيْنيها على مُعاودة الإغماض..انْخَفَضَت حَدَقَتاه الفائض منهما عَطْفٍ وَاهتمام لِقَدَمَيها..تَحَرَّكَت يَداه وَبخفّة راحت أَصابعها تفك شرائط حذاء الباليه السَّوْداء،المُلْتَفَّة حَوْل كاحِليها النَّحيلين بِعناق أُنثوي ناعِم..تَرَك الحذاء جانباً..ثُمَّ أَخذ يُمَسِّد قَدَميها بضغطات خَفيفة وَطبيبة تبعث الإسترخاء..رفع رأسه يُريد أَن يُتابع تطورات ملامحها..تَبَسَّم بِسِعة لِقلبه الذي اضطَّربَ عندما لاحَ لِنَبْضه الْتماع عَسلها..بادَلته الإبتسامة بِتَعَب وَهي تهمس،:شُكْراً بسَّام
شَدَ بِمَلَق عَلى قَدميها قَبْل أَن ترتفع يَداه لركبتيها بأصابع مُتشابكة..اتّكأ ذقنه فوقهما وَهو يَهمس لها وَعيناه تسترقان النظر إلى مَلامحها التي أخذ البهوت ينحسر عنها شيئاً فشيء..،:بعد قلب بَسَّام..ما بينا شُكر"غمز لها بابتسامة مائلة ثُم وَقف قائلاً"بروح اسوي شي خفيف تاكلينه
تغضنت ملامحها،:لا بسام ما يحتاج..مو مشتهية
وَهو يتحرك،:بلى يحتاج
رفعت رأسها تتابعه،:بسام ترى ما باكل
هو الذي دلف للمطبخ قال بصوت بعيد قليلاً،:شي خفيف لا تخافين مو مچبوس
عادت وأرخت رأسها باسْتسلام..لا حيلة لها لِمُجادلته..أغمضت عينيها..تنهدت بعمق،ثُمَّ خَرج زَفيرها مُذيلَّاً ببعض تعبها..أحداث الدقائق الماضية عادت وَجثمت على صدرها..أثقلت قلبها خَوْفًا..ماذا لو فقدت الوعي وسقطت؟ربما انجرح رأسها..أو تضررت ذراعيها،أو ساقها..لكن شيء من هذا لم يحدث..زَفْرة راحة وامْتنان..الحمدلله..الحمدلله..،
,،
يتبع
تَوَكَّلتُ على الله
الجُزء الخَمْسون
انْتَبَذَت لها مَخْبَأً تُلْقي فيه مَشاعِرَها المُتَذَبْذِبة..مَشاعِرُها التي خانَتْها مَرَّة وَ عَشْرة..مَشاعِرُها الحَمْقاء..المُوَجِّهة بُوْصلتها ناحِية ذَاكَ البَحْر الغَدَّار..البَحْر ذو الأمْواجِ السَّارِقة..سَرَق هَناءَ عَيْشِها..ضِحْكاتَها..وَميض عَيْنيها..و فَلذة كَبِدَها..هي سَلَخت رُوحها من تِلْكَ المَشاعِر لِيَرْتَفِع صَوْت بُوق الفَضيحة..صَامَّاً مَسْمَعي صَديقتها..،هَمَسَت وَ يَدَاها تُقَلِّبان قَميصاً ضَئيلاً..خُيُوطه تَسْتَطيع فَقَط أَن تَحْتَضِن جَسَدَ طِفْل في الثَّانِية..،:ثيابها اللي جَهَّزتها لها..ما قَدَرت أَشوفهم عليها..مادري كانوا مقاسها..أكبر شوي..أو أصغر "شَخَرَت ساخِرة مُواصِلَةً وَ في سُخْرِيَتِها أَنَّت غَصَّة" مادري جَم كان وزنها..طولها و فصيلة دَمها..و أنا اللي حَمَلتها في بَطني تسع شهور!
تَنْهيدة صامِتة يَغْشَاها عَطْفٌ حَزين غادَرت قَلْبَ نَدى المُسْتَمِعة..تِلْك الثَّكْلى واصَلت و هي لا تَزال مَشْغُولة بالقَميص..وَ كَأَنَّها تُطَبْطِب عَلى فَقْدِ حُضْنَها الذي عاشَ أَقْسَى أَنْواع الحِرْمان وَأَوْجَعها..،:حرمني من حَقّي و عَيَّشني في جذبة بدون ما يندم وَ لَو للحظة..وَحْدة غيري بتحقد عليه و بتكره طاريه..بتتمنى موته و بتحاول تسوي أي شي..أَي شــــي عشان ترد له الوَجَع..تذوقه المُر مثل ما ذوَّقها و تغَرْقه في الظَّلام اللي نَساها فيه و غاب..بكل بساطة..و غرور..غــاب! "اضطَّرَبَت حَرَكَة يَدَيها مع اسْتِعار أَنْفاسها و اشْتعال القَهَر في صَوْتها" لكن جِنان غيـر عن أي وحدة ثانية..جِنان ما عندها كَرامة..جِنان غَبِيَّة وَ ضَعيفة و بيجيها المُوت و هي للحين عند باب حبَّه واقفة..تنتظر أي أمَل مَجْنون ممكن يفتح لها لو شرخ صَغير في هالباب..باب قَلْبه القاسي
بِعِتابٍ حَنُون عَقَّبَت نَدى،:حَرام عليش..ليش تقولين عن نفسش جذي!
تَرَكت القَميص المسكين مع ارْتِفاع بَصَرها لها كاشِفَةً عن مُقْلَتان خُلِقَتا مِن رَحْمِ غُيومٍ لا يَنْضَب ماؤها..نَطَقَت تُتَرْجِم الحَرور المُحْتَدِمة في الجَوى وَ الرّوح،:لأنَّ هَـ ـذا الصدق نَدى..بَمُوت...بَمُـــ ـووت من غيرتي عليه "تَنَشَّقَت هَواءً تَهَشَّمَ من حَوافِر الغَصَّات المُتَكَدِّسة بَيْن أَضْلُعها" بَعد كل اللي سَوَّاه فيني ما كرهته..و لا حَتَّى نسيته..أَو..أو عالأقَل يقل قَدْره في قلبي! بــس...بــس ما تغَيَّر شي،وَ لا شي نَدَى" وَ بِوَجْسٍ أَنْهَكَهُ حُبٌّ أَعْمَى" وَ لا شي..
تَراجعت عَن خِزانة مَلابس طِفْلها لِتَخْطو لِلسَّرير الصَّغير الذي احْتَضَن أَثْقالَ رُوح جِنان و بَوَاحها التَّائِه..جَلَسَت أَمامها مع الْتقاء عَيْنَيها بِبَحْر الجِنان الهائِج عَلى الدَّوْم..تَساءَلت بِهَمْسٍ أَرْجَف دَواخل جِنان رُعْباً،فهي فَقيرة من جِواب..بل و الضَّياع هُو حادي قَوافِل بَحْثَها،:لين مَتى هالحال؟ يوم تقولين إنّش صرتين قويَّة و عطيتين الحُب و صاحب الحُب ظهرش..و ما بتهتمين إلا في بنتش و نفسش..و عشرة تنوحين وتسترجعين خساراتش و تجلدين ذاتش..لين متى جِنان؟ لين متى بتظلين ساجنة روحش في هالدَّوَّامة! تَرى في إيدش خَلاصش..محد يقدر ينقذش من هالغَرَق غيرش..بدل ما تلومين نفسش و تعاتبين قلبش ابتدي تشتغلين على نسيانه..اتجَلّدي و تجاهلي أي شي يخصّه سواء كان في الماضي أو اللحين..ما يفيد هاللي قاعدة تسوينه..وضعش هذا تعتقدين إنّه يقدمش خطوة..لَكنّه في الواقع يرجعش عشر خطوات ورا
أَطْبَقَت اليَدان وَ رَفَعَتهما لِشَفَتيها اليَتيِمَتان من البَسْمة..أَسْنَدَت سَبَّابتيها بهما مانِعة شَهْقة من الفِرار..فانْتَحَرت تِلْك الشَّهْقة في عُقْرِ رُوحها..وَ ارْتَجَفَ صَدْرها نائِحاً عَلى مَن شارَكتهُ في عَزْفِ سمفونية العَزاء..،
،:جِنان..فيصل خَلاص صار مُلْك لأنثى غيرش..مُلك ياسمين..مو جِنان..أوعي
انْخَفَضَت يَداها بِسُرْعة لِتَقْبِضان عَلى ساعِد نَدى تُطالِبان بالصَّمت..نَهَرَتها و اللَّوْن الأحْمَر بَدَأ بابْتلاع خَمْر وَجْنَتيها،:بس نَـدى بَـــس
تَجَاهَلتها مُواصِلة بِحِدَّة هي سَكاكين مَسْمومة تَطْعن جَوىً لا زال مُقَيَّداً،:صارت خطيبته..فترة بسيطة و بيتزوجون و عقبها بتصير أم عياله..إنتِ فَصْل و انْتــهى من حياته..إنت مــ
قاطَعَتها و الرَّجاءُ يَنُوح عَلى أَسْقُفِ مَدينَتِها اليَتيمة من قُرْبِه،:نَدى ما أقدر اسمـ ـع..داخلي قاعد يجذّب امْتلاك غيـ ــري له..رُوحي تنفر من هالواقع..وَ لا شي فيني يبي يصدّق..حَتــ ـى..حَتــى عقلي..رافض فِكْرة اقْترانه ويا أي أنثى "هَزَّت رَأسَها بِحِدَّة تُريد بِها أَن تَقْتَطِع رِداء الحَقيقة الجاثِم عَلى حُبِّها" ما بيكملون مع بعض..ما بيكملون
ارْتَفَع حاجِب نَدى وَ التَّعَجُّب قَدَ تَعَلَّقَ بِجِفْنَيها،:و ليش إن شاء الله "اسْتَدْرَكَت بِشَكٍ اسْتَعَدَّ لِمُشاكَسَة أَفْكارها" إنتِ مخطّطة لشي؟
غَشَى مَلامحها عَدَم فَهْم تَجَلَّى لِعَيْني نَدى المُحَدِّقَتين بِتَفَحُّص..هَمَسَت بِبَحَّة تَرَطَّبَت بِنَغْمَة البُكاء،:شنو؟..مخططة شنو..مافهمت!
زَفَرَت بِراحَة أَسَرَّتها في جَوْفِها وَ هي تَرى البَراءة تُخالِط البَحْر السَّاكِن وَسَط مُقْلَتَيها،قَبْلَ أن تُجيب وَ هي تَتَدارك،:لا بس يعني استغربت من ثقتش في إنهم ما راح يكملون مع بعض!
تَعَلَّقَ بَصَرُها بشيءٍ خَفِي..لاحَظَت نَدى انْغماسَها التَّام فيه..شَيْءٌ يَتَجَمَّدُ الهَواء مِن سَطْوته..وَ يَتَشَنَّجُ الزَّمَنُ من سُرْعة انْقضائه..كالسِّحْر بل أعْظَمُ وَ أَكْثَر غُموض..شَيْءُ لا تَعْرِفَهُ إلا زاوِية مُوارِبة في القَلْب..ظَلْماء وَ مُصْمَتة من أي جَواب..بِوَجْسٍ هي نَفْسَها لا تَدْري مِن أَين اقْتَلَع كَلِماته،:إحساس..إحساس يراودني إن هالإرتباط ما بيستمر للأبد "تَحَرَّكَت حَدَقَتيها المُغَيَّمَتان بِبَقايا الدَّمْع لها وَ هي تُفْصِح عَمَّا يَعْتريها"نَدى..فيصل محد يعرف له إلا أنا " بِثِقة تَعْتَريها الحَسْرة" محد يعرف له إلا جِنان..ياسمين أعرفها من أيَّام لندن..قدرت أفهمها..ما بتتلاءم مع فيصل
اعْتلاء مُتَعَجِّب نالَ من حاجِبَيها و هي تَتساءل:و ليش! مو هي تحبه؟
أَجابَت بِتَنْهيدة وَ الإرْهاق يُجْبِرها على الاسْتسلام للاسْتلقاء فَوْق السَّرير خَلْفها،:ايـــه..تحبه "أَكْمَلت مُسْتَشْعِرة اعْتِصار قَلْبَها" و هو بعد يحبها... ..يمكن!
تَمْتَمَت نَدَى بِعَدَم فِهْم،:يمكن!
بادَلت رَفيقَتها نَظَرات الحِيرة من مَكانها..كانت مُسْتَلْقِية على سَرير ابْنة نَدى بِساقين مَرْفوعَتين بانْطواء..خصلات شَعرها قَد حَرَّرتها مُنذ ساعة من عُقْدَتها التي باتت تسْكن مِعْصَمها الأيْمَن..كانت تَغْفو على السَّرير وَ كَأنَّها تَرْسم بِأمْواجَها بَحْراً ساكِناً..نَطَقَت بَعْدَ أن اسْتَمَرَّ السُّؤال يَنط من عَيْني رَفيقتها..سَمَحت لِأحاسيسها بالوُلوج وَ هي مُتَوَشِّحة بِعَباءة التَّرَدُّد و التَّيه..،:اليوم الفَجر..هــو..فيــ ـصل..الكلام اللي قاله "تَأَفْأفَت بإغْماض مَعَ ارْتفاع يَدَيها لِجَبينها كَأنَّما بِزَفَراتِها تَنْهَر أَحاسيسها العَوْجاء..هَمَسَت وَ هي تُبْصِر مُجَدَّداً وَ يَداها تَزْحَفان لِخَدِّيَها..وَ العَيْنان تُرْسِلان زاجَلاً من ضَياع" مادري نَدى..مادري
حَفَّزَتها نَدى و هي تَقْتَرِب منها أَكْثَر،بَعْدَ أن رَأت البَعْثَرة العاصِفة بِمَلامحها،:شنو جِنان..قولي..التَّفريغ يساعدش
مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها..ازْدَرَدَت ريقها مُسْتَعِدَّة للبَوْح..خَرَجَ صَوْتَها مَبْحوحاً..مَدْهوشاً من رَبْطٍ بَيْن حاضِرٍ و ماضٍ كان لَذيذ..أيُمكن أن تَتَجانس لِذَّة الماضي الأثيريَّة مع عَلْقم الواقع الدَّميم الطَّلْعة؟..،:فيصل إذا يمرض..أو بالأخص..إذا ترتفع حَرارته..يبدا يهلوس..وو عرفت..قبل يوم كنت زوجته...بالتَّحديد هو قال لي هالشي..إنَّ هلوسته تكون الكَلام..الكَلام اللي يرفض كبرياءه بكامل وعيه إنَّه يعتقه
تَساءَلت و هي التي لَم تَسْتَطِع استيعاب هذه الألغاز..،:يعني شلون جِنان..مو فاهمة؟
رَمَشَت مَرَّة وَ ثانِية مُسْتَرِقَةً النَّظَرَ على إحْدى الليالي التي نُحِتَت فَوْق صُخور كَهْفَها النَّابض....
،
انْتَهَت من الجَلي سَريعاً حَتَّى تَعود إليه..جَفَّفَت يَدَيها ثُمَّ أَغْلَقَت مَصابيح المَطْبَخ لِتَتجه لِغُرْفة نَوْمهما..دَلَفَت بهُدوء وَ بَصَرُها مُعَلَّقاً بالسَّرير الذي يَحْتوي جَسَدَه المُسْتَسْلِمة قواه للمَرض..تَوَقَّفَت في المُنْتَصَف..مالت جِهَته حَتَّى تَرى وَجْهه..كان مُغْمَضاً..إذن قَد نام...اسْتَدارت يسارًا وَ قَصَدت دَوْرة المياه..تَغَسَّلت في دقائق بَسيطة بماءٍ دافئ غَلَّفَ عَضلاتها بِرَخاءٍ لَذيذ ذاب مَع دِمائها..طَبْطَبَت عَلى جَسَدها تُجَفِّفه و طُيور النَّوْم تَحوم حَوْل عَيْنيها..تُريد أَن تَنام..أن تَنام فَقط..بَعْد يَوْمٍ طَويل ابْتَدَأتهُ منذ السَّادِسة صَباحاً..جامعة،مُحاضرات و امتحانات..وَ تواصل دُون راحة إلى المَشْفى..فَزَوْجها كان مَريضاً..بالكاد اسْتَطاعت أن تُقْنعه بالذَّهاب لرؤية الطَّبيب..وَ بالكادِ أَيْضاً أَرْغَمَتهُ أَن يَرْتَشِف ثَلاث مَلعَقات من الحَساء الذي أَعَدَّته له..و أن يَشْرَب رُبع كُوب الحَليب السَّاخِن حَتَّى تَكون مَعِدَته مُهَيَّأة لاستقبال الدَّواء..،ارْتَدَت مَلابس نَوْم من قطْعَتان..كَشَفَتا الكَثير من سَاقَيها و الجُزْء العلوي من جَسَدها..ذراعيها و كَتفها و ما جاوَرهما...كان الجَو مُعْتَدِلاً في لُنْدن..لَكن الغُرْفَة كانت تَنْصَهِر من حَرارة المَدْفَأة..عَضَّت على شَفَتيها تُكْبِح ضِحْكتها وَ هي تُبْصِره مُنْكَمِشاً أَسْفَل غِطاء ثَقيل يَقْبَع أَسْفله غطاء آخر أيضاً..لَكِنَّه أَخف منه..بالإضافة إلى أَنَّهُ قَد حَمى جَسَده بملابس صوفية لا تُرْتَدى إلا في ليالي الشّتاء..اسْتَقَرَّت بِرُكْبَتيها عَلى السَّرير..رَفعت غطاءه العَجيب و هي تَزْحف إليه..الْتَقَطت أصابعها الغطاء الأخف عندما أَصْبَحت مُلاصقة لِحَبيبها..اتَّكَأت على وركها و ذراعها اليُمْنى بَعد أن الْتَحَفت حَتَّى خِصْرها به..تَراقَصت حَدَقَتاها على وَجْهه الغارق في السّكون..أَناملها النَّحيلة قَصَدت جَبينه المُقَرْفِصة فَوْقه بضع زَخَّات عَرَق كانت تَلْتَمع أَسْفَل الأضْواء الصَّفراء المُغْمَضة بِخُفوت..مَسَحَتها بِرِقَّة قَبْلَ أن تبسط باطن كَفَّها مَكانها مُطْمَئِنة على حَرارته..تَنْهيدة تَعَب غادَرت قَلْبها وَ اخْتَلَطَت مع أَنْفاسه السَّاخِنة..انْتَقَلت كَفُّها لِخَدّه، عُنِقه..وَ انحشرت تَتَحَسَّس صَدْره..لا زالت حَرارته كَما هي..نَظَرَت للسَّاعة..مَضَت عُشْرون دَقيقة منذُ أَن شَرِبَ الدَّواء..ستنتظر ساعة ثُمَّ سَتَسْتَعين بمقياس الحرارة..فإن تَبَيَّن أَنَّها لَم تَنْخفض..ستبْدأ مَرْحَلة اقناع جَديدة للعَوْدة إلى الطَّبيب..عادَت إليه..لِتُكْمِل صَبَّ الغَدير في بَحْرِ مُقْلَتيها..بانَت إلى عَيْن الليْل المُسْتَرِقة ابتسامة اخْتَلَطَت فيها مَشاعر شَتَّى..حُــب..حَنان..شَوْق..وَ عَطْف..أَرْهَقه هذا المَرَض..مُنذ البارِحة وَ هَو طَريح الفراش..حَتَّى أَنَّها اعْتَذَرت نِيابةً عنه عن مُحاضراته لليوم..فهو لم يكن في اسْتِطاعته التَّحدث حَتَّى...،انْحَنَت عليه وَ بِخِفَّة قَبَّلت جَبينه..تَراجعت للخلف قَليلاً ثُمَّ أَرْخَت جَسَدها باسْتلقاءٍ يُواجهه..ما إن اسْتَشْعَر جَسَدها المُنْقبض الرَّاحة..حَتَّى أَسْبَلت جَميع أجهزتها..عظامها..عَضلاتها و خَلاياها نَفْسَها..ثَوانٍ وَ وَجعٌ خَفيف بَدأ بِشَدِّ رَحْله بَين ثَناياها..كانَ وَجَعٌ طَبيعياً يَزور الإنسان بَعْد أن ينتهي من يَوْمٍ مُقَيَّد بالتَّعب..أَسْكَنَت يُمْناها خَدَّها وَ اليُسْرى أَبَت أن يَسْرق النَّوْم صَحْوة هذين الزَّوْجين دون تَلاحم و اقْتراب..فهي اخْتارت أن تَغْفو بَيْن خُطوط كَفّه الواسعة..فذراعه اليُسْرى كانت مُمْتَدَّة ناحِيتها وَ هي حُرَّة من ذلك الغِطاء..ضَغَطَت على يَده وَ عَيْناها مُتَعَلِّقَتان به..النَّوم يُشاغِب أَهْدابها..تغمض ثُمَّ تُبْصِر مِثْل أَمْواجٍ تَمْتَدُ و تجزر..كانت تُعاند النَّوْم تُريد أن تَحْرِس مَريضها..لَكِنَّهُ في ثَوانٍ كَسَرَ عِنادها وَ جَثَم فَوْق جِفْنَيها وَ اسْتَولى على وَعْيِها..،لا تَدْري كم من دَقائق باغَتتها قَبْل أن تَسْتَيْقِظ فَزِعة من صَوْت سُعاله..عَيْناها باتّساع تائه تَنْظران إليه وَ هُو يَزيد في انْكماشه و السُّعال الجاف يجْرح حَلْقه بِحِدَّة..لَحَظات وَ بَدأت تَرْمِش باستيعاب..اقْتَربت منه هامِسَةً بِقَلق،:فيــصل!
ضَغَطَت على كَتِفه وَ هي تَسْمَع تَأوّهه الذي أَرْبَكَ نَبْضَها..تَساءَلت عندما رَفَع رَأسه و تَجَلَّى لِعَينيها وَجْهه المُحْمَر،:حَبيبي في شي يعورك؟
أَشار إلى جوانب بَطْنه و هو يَسْتَلقي على ظَهْره دون أن ينطق،وَ الحاجِبَين قَد قَيَّدتهما عُقْدة الألم..لِتُجيب هي بِحَنو و َيَدها تَحْتَضِن وَجْنته،:عُمري ضلوعك تعورك من الكحَّة..بتاخذ وقتها و بعدين بترتاح منها إن شاء الله
زَفْرة وَهِنة فَرَّت من بَيْن شَفَتيه..الإرْهاق قَد عَرْبَد بَين طَيَّات مَلامحه حَتَّى نَحَت أَثَره..وَ كَأنَّما الذُّبول قَد ابْتَلَع يَنع وَجْهه..،هي كانت مائِلة عليه و تنظر له من عُلو بَسيط..يَد اسْتَقَرَّت على كَتفه..و الأخرى كانت حُضْناً دافئِاً لِوَجْهه..خصلاتها المُلْتَبِسة تَمَوّجات ناعِمة كانت تَتَدَلَّى ماسَّة أَعْلى صَدْره و عُنُقه..فَتَح بَوَّابة عَيْنيه سامِحاً لِجنانه أن تَمْضي وَ تَتَكئ على بَصره..حَتَّى لا يَرى سِواها...،بَدَأت العُقْدة تَزْحف بَعيداً عَن وَجْهه شَيئاً فَشيء..مُفْسِحة المَجال لابْتسامة مائِلة أن تُلاعب شَفَتيه..بادَلته البَسْمة وَ هي تُلاحق مَسير حَدَقَتيه..كان وَ بوُضوح يَتَأمَّلها..يَتَأمَّل كُل مافيها..وَ مَعَ كُل نَظْرة تُرْسلها عَيناه النَّاعِسَتان،يَزْرَع وَسَط رُوحها جِنان جَديدة تُنْسَب إلى رَحْمِ عَيْنيه...،رَعْشة خَفيفة تَقافَزَت بَيْن أوْصالها عندما اسْتَشْعَرت مَلْمَس كَفّه المُتَّقِدة..مَرَّرَها على ذراعها المَكْشوفة و نَحْرها قَبْلَ أن تَسْتَقِر عَلى جَانب عُنُقِها..اقْتَلَع صَوْته من بَيْن حَشْرَجات المَرَض لِيَقول مُؤنّباً بِبَحَّة مُرَكَّزة،:جِنان ليش مو لابسة عدل! برد حَبيبتي
دَغْدَغَت مَسْمَعيه ضِحْكة خافِتة تَبَسَّمَ لها و هي تُجيبه هامِسة وَ أَناملها تَتراقص على خَدّه،:عُمري فيصل الجو عادي..مو برد..بس لأنك إنت مريض..فَتحس بالبرد
مَرَّرَ لِسانه على شَفَتيه دُون أَن يُعَقِّب مُواصِلاً رِحْلة تَأمّله التي اسْتَمَرَّت لِدَقائق ضاع حِسابها عن عَقْلَيهما الهائِمان..فالبِنَّظَرِ يَسْكر العاشِقون..،رَمَشَت بِخِفَّة مُنْتَبِهة لِهْمسه..وَ حواسها مُتَيَقِّظة لِلمسات يَده..،:وَحشتيني..كأنّي من زمان ما شفتش "تَخَلَّلت أصابعه مَوْجَها المُتَأرْجِح" ابي أقرّب أكثر،بس أخاف تنعدين
اتَّسَعت ابْتسامتها وَ اقْتَرَبت..اقْتَرَبت حَتَّى مَسَّ أَنْفَها أنفه..ضحكة مَبْحوحة يُخامرها نُعاس شَهي داعَبت أُذنها ثُمَّ تَبِعها تَحذيره،:حَبيبي تَرى بتمرضين
قَبَّلَت قِمَّة أَنْفه المُتَوَرِّدة ثُمَّ هَمَسَت بِوَلَه،:حَيَّاه المَرَض إذا كان منّك
هَمْهَمَ بالرَّفض وَ هُو يَسْتَقِر بِكَفّه على كَتِفها،وذراعه الأخرى تُحيط بخصرها..رَفَع كتفه الأيْمَن وَ بهدوء اسْتَدار يساراً لِيُرْخي جَسَدها على السَّرير..أَنَّبته و هي تَرى انْكماش مَلامحه إثْر زيارة الألم مُجَدَّداً،:فيصل ليش جذي! الحركة غلط،تعوّر نفسك زيادة
جَذبها إلى صَدْره هامِساً بِجفْنان مُسْبَلان،:أُششش..ماعليه...نامي إنتِ اللحين..من الصبح قاعدة "أبْصَر وَ هُو يُخْفِض رَأسه لها..و النَّوْم يَعْزف بأوْتار عَيْنيه لَحْنَهُ النَّاعِس..هامِساً بِبَحَّة لِعيْنَيها المُتَّخِمَتَيْن شَوْقاً" خل أصير زين بس..ما بيكون في خَلاص من فيصل
ضَحَكَت بِخِفَّة و الابْتسامة تُوْمض نُجوماً وَسَط المُقْلَتين..هَمَسَت مُعَقِّبة و كَفَّيها تَتَمَسَّكان بهِ بشِدَّة رَقيقة،:إن شاء الله بتصير زين بعد عُمري
أَغْمَضَت باسْتِكان و هي تُرْخي رَأسها أُكْثَر فَوْق صَدْره..هُناك..بالقُرْبِ من جَواه المُتَيّم بها..مُنذُ ماضٍ هي تَجْهله!...ارْتَبَكَت أَهدابها إثْر تَماسٍ مَلِق..كَقَطْرَةِ نَدى..كرَفْرَفة جِنحان حَمامة مُتَسَرْبِلَة بِبَياضٍ نَقي..و كَخُطوات أصابع عازفٍ مَاهِر..يُداعب مَفاتيح آلته الثَّمينة..كانت شَفَتاه اللتان حَيَّتا جَبينها النَّاعِم..عَطَّرهُ بِثَلاث قُبْلات..مع كُل قُبْلَة يَرْتشف عَبَقاً من جِنانه..يُعَلِّقه زَهْراً على جُدْران رُوحه..دُون أن يَعْلَمَ أَنَّه يَجْمَعُ الزَّهْرَ ذِكْرى لِمُسْتَقْبَلٍ سَيُمْسي بَلْقعاً من جِنان..،قَرَّبها منهُ أَكْثَر و في الجَوى أُمْنِية..أَن أيالَيْتَ الحَبيبُ يَلْتَحِم بأَضْلاعي فَيَقَرُّ نَبْضُ قَلْبي بِشَهْدِ مَبْسَمه..،
كانَ الخَدَرُ قَدْ خَيَّمَ على حَواسها عندما اسْتعانت بِصَوْتها الذي خَرَجَ وَجْساً يَغْفو فَوْقَ سَحابة الحُلْم،:حَبيــبي...جسمك حــار
هي كانت تَرْسِم مَلامحها على عُنِقه..وَ جَسَدها قَد تَكَوَّرَ جَنيناً بَيْن ذراعيه..أَسْكَن شَفَتيه شُرْفَة مَسْمَعِها وَ هَمَس..،:ماعليه جِناني..ماعليه..
خَبَى صَوْتَيهما..الْتَحَفا بِرداء الفَجْرِ السَّاحِر..و القَمَرُ يُمَتِّع ناظريه بِلَوْحة يَبْتَسِمُ لها فِراقٌ خَبيث...هي لا تَدْري..هل وُلِدَ الصَّوْتُ من رَحْمِ أَحْلامها..أَم أَنَّهُ كان وَليدَ رُوحه المُطَعَّمة بالأسْرار...بَحَّته الغافِية عَزَفَت لَحْناً لَذيذاً طَرُبَت منهُ أُنوثتها..،:تدرين جِناني..كنت برفض لندن..كنت برفض بعثتي..قلت...ما بيها...ما أتحمل أبتعد عن سر قَلْبي..بس..سلمان،قال لي..روح عشانها..عشان ترفع راسها..و تكون كَفو لها..و سافرت..بدون أي لِقاء..انتظرت أقرب إجازة..كان كريسماس..و الدنيا ثلج و البرد يزيد من شوقي..رجعت و من المَطار..قلت لأبوي ابي أروح...ابي أروح بيت عمتي..و ما رد لي طلب "ضِحْكة خافِتة تَعَلَّقَت قِرْطاً بأذنها" شكّيت إنّي كنت مفضوح قدامه..سلمت على عمتي و تركت أبوي منشغل معاها..و طلعت برا..التيلفون على أذوني.. يعني..إنّي مشغول..و بريء..كان ظهر..و الشمس كانت متخبية..تعاضدت ويا الشتا و رحموني..انتظرت..مادري جم انتظرت..لين التقت العيون..ابْتَسَمت..و كنت أظن عيونش مرايا بتعكس لي الابتسامة و بترتوي روحي..بس ما لقيت غير الجُمود..لكن القَلْب صَبَّرني و همس لي..المهم سَلَّم النَّبض...سَلَّم على بَحْر عيونها...
,
رَنين هاتفها انْتَشَلها من غَرَقٍ يَقْتات على صَبْر الرُّوح..الماضي مُرْهِق و يَرِثُ وَجَعاً لا يُطاق إذا هُو تَمَسَّكَ بالحاضِر بَيَدٍ مَبْتورة الأصابع...كان عَليًا..أَجابت و هي تُصَفّي صَوْتها من أَتْرِبة الغَصَّة،:ألو علاوي "انْتَبَهَت لِنَدى التي دَلَفت..عُقْدة اسْتغراب تَوَسَّطت حاجِبَيها قابَلتها سُخْرِية من رَفيقتها..مَتَى خَرَجَت!..انْتَبَهت لنِداء عَلي..مَرَّرت لسانها على شَفتيها و هي تَقول بِحَرَج" سوري علاوي..عيد اللي قلته ما سمعت "أنصَتت إليه جَيَّداً قَبْلَ أن تنطق باهْتمام" ايــه..خلهم دُول قريبين من بعض..عشان ما تتعبون في التنقّل "صَمَتت تَسْتَمِع له قَبْل أن تَقْتَرِح" شوف بعد النمسا و سويسرا..تمام مع فرنسا "تَبَسَّمت برحابة لِحَديثه ثُمَّ عَقَّبَت مع وُقوف نَدى أَمامها" حاضرين لك حَبيبي..إنت شوف و عطني خَبر... .. انتظرك
أَخْفَضَت الهاتف و هي تُفْصِح عن تَساؤلها،:متى تركتين الغرفة!
مالَ جَسَدها و هي تَتَخصَّر ساخِرة،:وقت ما كنتِ هايمة في ذكرى الحَبيب..صمٌ بكمٌ بس العيون زايغة..ملّيت وقمت عنش
زَفَرَت تَخَبَّطها و هي تَمْسح وَجْهها الباهت..وَقَفت مع اسْتفسار نَدى،:شنو كنتِ بتقولين؟
مالت شَفَتاها بِعبوس لِتُجيب و هي تَسْتدير مُبْتَعِدة ويَدها تقبض على هاتفها،:مالي خلق اللحين..خليها لوقت ثاني
هَزَّت رَأسها بتفهم مُتَمْتِمة،:على راحتش "الْتَقَطت قَميص طِفْلها الذي تَرَكت جِنان تُجَعّده بِثِقْل أَحْزانها و هي تقول" بتتعشين معاي ها..منصور معزوم
وافَقَت هي التي كانت تَقِف أمام المرآة،يد ممسكة بخصلاتها أعلى رأسها و الأخرى تستعد لِعَقدها،:أوكي ماعليه "رَنين الهاتف عاد مُفْصِحاً عن اتصال ظَنَّته من علي الذي كانت تنتظره..لذلك رَفعت الهاتف لأذنها و عَيْناها مُتَعَلّقِتان بشعرها" هَلا حَبيبي..
,،
مَضَت السَّاعات سَريعاً..كَقِطار اسَتَقَلّاه عائدان للماضي البَهي..فَتَحا الأبواب،وَ مَسَحا عن الصَّناديق غُبار الإهمال..أَطْلَقا سَراح الكَلِمات..و أَلْبَسا الضِّحكات جِنحان..لِتَعْلو بِهما إلى سَماء الفَرَح و الحَنين للذكريات..تَحَدَّثا كَما لَو أَنَّهما في الحُقْبة التي جَمَعتهما وَ هُما صَديقين فَقط..نَسِيا الرّباط المُقَدّس الذي نَثَر غَرابة خانِقة بينهما..كان طَلال فَقط..الرَّجُل الصَّغير..صَديق الطُّفولة..وَ كانت هي صَغيرته أو "نتفته" التي يُبْصِر من خِلال وُجودها..وُجوده..،قالت بِعِتاب و هي تُخْفِض لِمُسْتوى حضنها كَأس الماء المُتَمَسِّكة به يَديها،وَرَأسها يَميل بِخِفَّة،:للحين طَلال ما عقلت! حَرام عليك خَسّرت روحك أشغال ممتازة بسبب تصرفاتك
عَقَّبَ بابْتسامة واسِعة وَهُو يَمُد ذراعيه على ظَهْرِ الأريكة باسْترخاء،:بعد ما أحب أحد يتأمَّر عَلي!
نَطَقَت مُوَضِّحة بِهُدوء،:طَلال كل شخص يتوظف لازم بيكون في من هم أعلى منه يعطونه أوامر.. و هالأوامر مو استنقاص..بالعكس هذي دروس..مثل المُدَرّس اللي يأمر طلابه ينتبهون و يدرسون و يحلون الواجب..يعني اللي بيشتغل لا يفكر بتنتهي فترة تعليمه..بل بيبدأ مرحلة التعليم الحَقيقية..التطبيق شي مُختلف تَماماً عن الكلام اللي على الورق..
صَمَت للحظات مع تَعَلُّق حَدَقَتيه بالفَراغ..أَخْفَضَ إحْدى ذِراعيه باسِطاً كَفَّه فَوْقَ فَخْذه..وَالأخرى اتَّجهت لظهره لِيَدْعَكَهُ بِأصابعه..قال وَهُو يَعُود بِبَصره إليها،:يمكن مو متعوّد على هالوَضع لأنّي ما كملت دراسة
اسْتَقَرَّت بالكَأس عَلى الطَّاولة الفاصِلة بَيْنهما..تَقَدَّمَت للأمام مُتسائِلة بِجِدّية،:وَلا مَرَّة فَكَّرت تكمل دراستك؟
هَزَّ رَأسه بالنفي،:لا "وَبِصَراحة" يمكن مرة أو مرتين فكرت في الشي..بس بسرعة أشيله من بالي..لأن ما أحس أقدر "شَخَر ساخِراً" وَاللحين صرت شكبري..فما في أَمل
ارْتَفَعَ حاجِبها وَمِن عَيْنَيها فَرَّ الْتِماع واثِق أَجَّجَ من انْتباهه،:في اللي أكبر منك كملوا دراستهم وعلى مستويات عالية بعد..بس أهم شي تثق بنفسك و تكون عندك رغبة حقيقية
نَظَرَ لَها لِثَوانٍ..أَو..نَاظَر ثِقَتها وَتَأَمَّلها..ثِقَة تُخامرها رَغْبة جُموحها جَلي وَإن سَعَت في إخْفائه..ابْتِسامة مائِلة شَدَّت شَفَتَيه وَعَقَدت حاجِبَيها لِغَرابتها..هُو الذي كان يَجْلُس مُقابِلاً لها،تَقَدَّمَ بِجذعه للأمام..أَرْخَى ساعِدَيه عَلى فَخْذَيه..شَبَكَ أَصابعه ثُمَّ قال بِخُفوت،:أَدري إنّ الدراسة شي مُهم عندش..و إن يكون زوجش متعلم
الحِدَّة سَيْطَرَت عَلى مَلامحها وَهي تَقول بِتَحْذير،:طَلال لا تفتح الموضوع..ترى يضايقني..واجد مو شوي بعد "زَفَرَت وَأصابعها تُبْعِد خُصلات غُرَّتها عَن عَيْنيها وَهي تُكْمِل بِنَبْرة أَنْدَتها بالحَنان" طَلال العلم شي جدّاً جَميل..و إنّك تدرس و تغذّي فكرك و روحك هذا شي يحبه رَبّي و يحث عليه في كتابه..و إنّك تكمل دراستك فهذا الشي لك و لذاتك قبل لا يكون لأي أحد ثاني..أنا ما أغصبك..بس حابَّة إنّك تشوف هالموضوع من الجهة اللي أنا أشوفها..لمصلحتك "أَخْفَضَت رَأسها وَهي تُدير معصمها تَسْتَفْسِر الوَقت..اسْتَطْرَدَت" تأخرت على البيت
قال باعْتراض عندما رَآها تَقِف لِتَرْتَدي عَباءَتها،:ليــش!اقعدي بعد..تعشي وبعدين روحي
أَغْلَقَت أَزْرار العَباءَة ثُمَّ شَرَعت في ارْتداء حِجابها مُجيبة بِخَجَل،:لا طَلال..من زمان أنا اهني..و الحمدلله تغديت "تَبَسَّمَت وَهي تَسْتَقِر بالحَقيبة عَلى كَتِفَها" مَشْكور على السّمچ اللذيذ..تسلم إيدك "أَكْمَلَت مَع تَحَرُّكها إلى الباب" ذكرتني بأيَّام أَوَّل إذا تشوي لنا إنت وعبدالله
وَقَف لِيَتَّجه إليها ناطِقاً بابْتسامة عَذْبة،:عليش بالعافية..وأي وقت تشتهين قولي لي بصيد لش فرِش و بشويه
بادَلَته العُذوبة ذاتها وَ عَيْناها تَسْتَرِقان النَّظَر لِرَماد عَيْنيه،:تِسْلم..ماتقصّر
الْتَفَت يُلْقِي نَظْرة على الوَرْد الذي زَرَعته بِرِقَّتها وَسَط مَسْكَنه،:إنت بَعد مشكورة على الورد الحلو "عادَ لها وَهُو يُكْمِل" ما كان له داعي تكلفين على روحش
ارْتَفَع كَتِفُها بِخِفَّة..بالتَّوالي مَع مَيَلان رَأسها له..لِتَرْتَسِم أَمام قَلْبه حُلَّة خَجَل جَذَّابة..هَمَسَت بابْتسامة مائِلة و أَهْدابها المُلْتَوِية فِطْرَةً دَاعَبَها ذلك الخَجَل،:عــادي..اعتبرها هدية زيارتي الأولى لشقتك
أَوْمَأ بِرَأسه ثُمَّ هَمَسَ بِرِقَّة،:تُشْكَرين على الهدية اللي تيَنّــن..مثل صاحبتها
حَرارة لاسِعة ها هي تَشْعر بها تَدْنو من جَسِدها..اسْتَنْفَرَت حَواسها من تِلْك اللَّمْعة التي رَأتها تبزغ من عَيْنيه..كَشُعاع شَمْس..أَو أَنَّها قَفَزَت بِتَحْلِيقٍ عَذْب..كَقَطْرة ماء تَحَرَّرَت من هَدير شَلَّال مُهيب! وَكَلِماته..كَلِماته التي أَتْقَن اختيارها طَوال جُلوسهما حَتَّى يَطْرد الغَرابة من بَينهما..ها هُو يَعُود وَيُطْلِق سَراح بَعْضِها...وَالغَرابة..هاهِي تَبْدو أَمَامها مُتَقَلِّصة..لَيس كَثيراً..وَلَكِن للحَد الذي يَسْمَح لِنَبْضَها بأن يَرْتَبِك...،تَنَحْنَحَت مع الْتِفات رَأسها للباب..أَمْسَكَت بالمِقْبَض لِتَقُول بِبحَّة واضِحة،: مع السَّلامة
عَقَّبَ وُ هُو يَسْتَقيم في وُقوفه،:بنزل معاش..بوصلش للسيارة
حَرَّكَت رَأسها بالنفي،:لا طَلال ما يحتاج..كلها خطوتين
تَساءَل،:أَكيد؟
هَزَّت رَأسها وَهي تفتح البَاب،:ايــه أَكيد
هَمَسَ بَعْدَ أن انْفَصَلَ جَسَدها عن المَوْضِع الذي احْتَضَن تَمازج أَنفَاسهما،:انتبهي لنفسش وطمنيني من توصلين
هَزَّت رَأسها وَ ابْتسامتها الأخيرة تَعَلَّقَت بِحُجْرات قَلْبه،:إن شاء الله
لَوَّحَت له وَكَأَنَّها تَهْدي وَعْيه لِلواقع..فقربها منه قَد قاطَعه ابْتعاد لا يدري مَتى سَيُفْنَى..مَتى سَتُشْفِق عَلَيْنا المَسافات وَتَنْتَحِر؟ وَمَتى سَيكْتَفي الفِراق من الإقْتيات على صَبْرِ الجَوْى؟ مَتى!...اسْتَدارت..خَطَت..ثُمَّ غابَ طَيْفها وَ انْطَفَأَت تِلْك اللَّمعة..وَ سَكَنت الشِّفاة من ارْتعاشة ابْتسامات أَسْقَمها النَّدَم..،أَغْلَقَ الباب الذي اسْتَوى سَنَداً لِظَهْره المُثْقَل،رَأسه ارْتَفَع عالِياً بإغْماض،وَمن الصَّدْرِ ارْتَفَعَ شَهيقٌ عَميــق..كَأنَّما كان يَبْحَثُ عن شآبيب تُغْدِق عليه بِعَذْبٍ يَرْوي القَحَط الذي أَهْرَم ذاته..أَنْهَكَهُ ذَنْبُ الماضي..فالسَّاعات التي جَمَعتهُ مَعها كانت تُنَغِّصها رِياح التَّأنيب التي تَجوس بَيْن الحين و الآخر في طُرقات ضَميره..هُو قَضَى أَكثر من نِصف الوَقت في الحَديث..تَحَدَّث عن طُفولتها..لَعِبها..تَعَلُّقها به..دراستها..عَملها وَ كُل شَيء وَ أي شيء..حَتَّى زَواجها و انفصالها كان له نَصيب من الحَديث..أَراد فقط أن يَحْبِس زَعيق رُوحه المُذْنِبة لِبَعض الوَقت..وَلِيَجْعَل رُوحها مُسْتَوْطَناً للرَّاحة و الأمان إذا هي معه..بَعيداً عن ذلك الكابوس الأَسْوَد..أَخْفَضَ رَأسه وَمن قَلْبه فَرَّ زَفيرٌ مُرْهَق..أَبْصَر لِتَلوح إلى عَيْنيه تِلْك التي حاكَت جَمالها و رِقَّتها..الشُّحوب شَدَّ شَفَتيه كاشِفاً عن ابْتسامة لَيْست بالابْتسامة..غَفَى حَنانٌ مَكْسور على جِفْنيه..وَنَبْضُه المَهْموم هَمس،:ما استاهل طُهْرش نُور..ما استاهل
,،
أَغْلَقَ باب الشِّقة بالتَّوالي مَع ارْتفاع يَدَهُ اليُسْرى لِتُطْلِق سَراح صَدْره بِفَك أَزْرار قَميصه..الجُزْء العلوي من جَسده تَجَلَّى مَع تَوَسّطه غُرْفة النَّوْم..أَلْقى القَميص عَلى السَّرير وَعَيْناه تَتَفَحَّصان الأرْجاء..لَيْسَت في غُرْفة الجَلوس وَلا هُنا...ابْتسامة تَتَصاعَد منها لَذَّة مُسْتَمْتِعة بانَت عَلى شَفَتيه..إذن هي هُناك..تُحَلِّق كَفراشة تُراقِص السَّماء حيناً..وَتُقَبِّل زَهْوَ الأرْضِ أَحيان..،خَطَى قاصِداً الرَّبْوة التي تُداعبها خُطواتها الهامِسة..تَوَقَّفَ أَمام الباب..صَوْتُ المُوسيقى حَيَّا مَسْمَعَيه باسْتيحاء..فَتَحه لِتَغْمِر المَعْزوفة حَواسِه بِهُدوء..للحَظات كانت الابْتسامة تُلازم شَفَتيه،قَبْلَ أن يَنْسِفُها تَكَوُّم حَمامة لا يَدْري أَيُّ ريح نَهَبَت جَناحَيْها..تَحَرَّكَ نَحْوَها بِمَلامح هَدَّلها القَلَق..جَثى عَلى رُكْبَتيه خَلْفها تَماماً،حَيْثُ اسْتَوى صَدْره مَخْدَعاً لِجَسَدها الضَّئيل..كانت مائلة إلى الحائط و الإعْياء سَحابة سَوْداء تَصَفَّدَ جَبينها من اسْتفراغها..يَد كانت أْصابعها تَرْتَعِش وْهناً وْهي مُتَشَبِّثة بالعمود الخَشَبي..و اليَد الأُخرى قَد أُسْبِلَت على فَخْذها..كان جُلوسها مائلاً كَغُصْنٍ لاعَبَتهُ رياح الرَّبيع دُون أَن تَعْلم أَنَّهُ من جِذْع الرِّقة قَد تَفَرَّعَ..أَحاطَ حَنينه بِذراعيه المُتَشَبِّعَتان دِفْئاً..قَرَّبَ وَجْهه من جانب وَجْهها،كانَ رَأسها مُستنداً عَلى يَدها،تَعَلَّقَ قَلْبه بِجفْنيها المُرْتَعِشَيْن وَحواسه مُنصتة لِسَكَنات جَسَدها المُلْتَجِىء إلى حُضنه..طَمْأنه هذا الإرتعاش..إذن هي واعية،هَمَس وَهُو يَمس أَهدابها بِنَبْرة حَنان طَغى عَليها خَوْفٌ جَمَّد حَرَكة عَدَسَتيه،:حَنين عُمري شنو فيش؟
أَزاحت الجِفْنان كاشِفة عَن عَسَلٍ عَكَّرَ صَفْوه دَمْعٌ مُتَخَثِّر..كانت عَيْناها مُتَكَحِّلتان باحْمرار طَفيف يَحْكي عَن التَّعب..تَساءَل من جَديد عندما رَأى كَيف اسْتجابت شَفتاها لِأمر الدُّموع وَتَقَوّسَتا بِبُكاء..،:حَبيبتي! خوفتيني..ليش جذي وضعش!..بشنو تحسين؟
احْتَضَن وَجْهها بِكلتا يَديه مُكَفْكِفاً دُموعها التي تَطافَرت بإسهاب،وَكأنَّها كانت تنتظر قُدومه أو سُؤاله..ارْتَخَت مَلامحه عَطْفاً كَسَرَهُ قَلَقٌ شَديد،:حَنين واللي يرحم والديش قولي شنو فيش..متعورة؟ سامعة شي؟ أَحد رامي عليش كلمة ضايقتش؟ مريضة أو شنو!...حَنين!
فَرَّت من صَدْرها شَهْقة خافِتة تَبِعها صَوْتٌ أَخنَقتهُ الدّموع،:مادرري..."رفعت يَدها بِرجفة تشير إلى صَدرها مُحاولة أن تشرح له عن خَفقان قَلبها الغَريب" قَلبـ ـي...يدق..قَلبـ ـي..واجد يددق..بسـرعة قاعـ ـد يدق...."تَنَشَّقت قَبْل أَن تُكْمل بِتَيه"مادري شلون حسيـ ـت..حسيت بدوخة،فجأة..غمامة على عيوني..و ماقدرت...قعدت لأني حسيت بطيـ ـح..
احْتَضنَها سَريعاً مُحْتَوِياً فَزَعها..أَرْخى رَأسها على كَتِفه قَبْل أَن يترك قُبْلة بَيْن كَتِفها وَ عُنِقها..داعبَ خصلاتها المُتَمَرِّدة قائلاً،:حَنيني لا تخافين..عُمري يمكن هبوط..خنروح المستشفى نتطمن بعد
رَفَعَت رَأسها لِتَتَضّح مَلامحها المُمَرَّغة بالأحمر،الْتَقَطَت بضع أُكسجينات بِثقل ثُمَّ قالت،:لا ما له داعي
هَمَسَ لها وَذراعه تُحيط خِصْرها،:زين قومي معاي "تساءل عندما تَحَرَّكت"تقدرين تمشين أو تبين أحملش؟
بِصَوْت مُنْخَفِض وَهي تَمسح بَقايا دُموعها بظاهر كَفَّيها،:لا أقدر أمشي
أَوْقفها معه بِحركة رَشيقة ثَمَ مَشى معها بهدوء وَحذر لِغرفة الجُلوس دون أن تِفارق ذراعه خِصرها..أَجلَسها على إحْدى الأرائك ثُمَّ اسْتَكانَ عَلى الأَرض أَمامها..عِند قَدَميها المِتَدَلِّيَتين..ابْتسامة حَنان سارَعت إلى شَفَتيه عندما أَبْصرت عَيْناه حَرَكاتها..هي أَسْنَدَت ظَهْرها للأريكة بإرهاقٍ أمال رَأسها وَأَجْبَر عَيْنيها على مُعاودة الإغماض..انْخَفَضَت حَدَقَتاه الفائض منهما عَطْفٍ وَاهتمام لِقَدَمَيها..تَحَرَّكَت يَداه وَبخفّة راحت أَصابعها تفك شرائط حذاء الباليه السَّوْداء،المُلْتَفَّة حَوْل كاحِليها النَّحيلين بِعناق أُنثوي ناعِم..تَرَك الحذاء جانباً..ثُمَّ أَخذ يُمَسِّد قَدَميها بضغطات خَفيفة وَطبيبة تبعث الإسترخاء..رفع رأسه يُريد أَن يُتابع تطورات ملامحها..تَبَسَّم بِسِعة لِقلبه الذي اضطَّربَ عندما لاحَ لِنَبْضه الْتماع عَسلها..بادَلته الإبتسامة بِتَعَب وَهي تهمس،:شُكْراً بسَّام
شَدَ بِمَلَق عَلى قَدميها قَبْل أَن ترتفع يَداه لركبتيها بأصابع مُتشابكة..اتّكأ ذقنه فوقهما وَهو يَهمس لها وَعيناه تسترقان النظر إلى مَلامحها التي أخذ البهوت ينحسر عنها شيئاً فشيء..،:بعد قلب بَسَّام..ما بينا شُكر"غمز لها بابتسامة مائلة ثُم وَقف قائلاً"بروح اسوي شي خفيف تاكلينه
تغضنت ملامحها،:لا بسام ما يحتاج..مو مشتهية
وَهو يتحرك،:بلى يحتاج
رفعت رأسها تتابعه،:بسام ترى ما باكل
هو الذي دلف للمطبخ قال بصوت بعيد قليلاً،:شي خفيف لا تخافين مو مچبوس
عادت وأرخت رأسها باسْتسلام..لا حيلة لها لِمُجادلته..أغمضت عينيها..تنهدت بعمق،ثُمَّ خَرج زَفيرها مُذيلَّاً ببعض تعبها..أحداث الدقائق الماضية عادت وَجثمت على صدرها..أثقلت قلبها خَوْفًا..ماذا لو فقدت الوعي وسقطت؟ربما انجرح رأسها..أو تضررت ذراعيها،أو ساقها..لكن شيء من هذا لم يحدث..زَفْرة راحة وامْتنان..الحمدلله..الحمدلله..،
,،
يتبع