إرتواء نبض
01-18-2020, 08:20 PM
بِسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَوَكَّلتُ عَلى الله
الجُزء التَّاسع و الأَرْبعون
الفَصْل الأَوَّل
يَحْمِلَهُ الماء بَيْن ذِراعيه الدَّافِئتين..يُطَبْطِبُ عَلَيْهِ بِقَطَراته..يُهَدْهِد جَسَدهُ المُتَكالِبة عَلَيه مَواضيع شَتَّى..تُرْهقه و لا يَجِد لَها جَواب..كَما نار تَزيدُ اهْتياجاً و لا سَبيل لإطْفائِها..فَتُمْسي تَحْرقه و تَأكِلَهُ أَكْلاً بَطيئاً وَ مُوْجِعاً..إلى أَن تُحيله رَماداً يَتوه بين أَتْرِبة الأَرْض..،يُحَرّك ذِراعيه بِرتم مُتَّزِن..لا هُو بالهادئ،و لا هُو بالمُتَسَرّع..حيناً يَقْصِد اليَمين..وَ حيناً يَقْصد اليسار..حَتَّى قَطَع في سِباحته خَمْسَةَ أَشواطٍ خِلال دَقيقَتَيْن..،يَسْبَحُ و عَقْله يُقَلِّب تِلْك المَواضيع..يَلْتَقِط الأَوَّل..يَتَأَمَّل شَخْصِيَّته الرَّئيسية..يَقْرَأ اسْمها فَيُغْمِض عَيْنَيه من شُعاعٍ حاد هاجَمَ ذاته على غَفْلة من حُب..شُعاعٌ اسْمهُ نُـــــور...،نُور التي بُلِيَت قِصَّتها المَصْفوفة على رَفِّ عَقْله..تآكَل غُلافها و شَحُبَ لَوْن أَوْراقها حَتَّى اصْفَرَّت..فَهْي اسْتَفْرَغت البَياض الذي كان يُجَمِّلها..كَما لَو أَنَّها اسْتَفْرغَت الأَيَّام التي قَضَياها مَعاً و هُم زَوْجان..،مُنْذُ فَتْرة لَيْسَت بِالطَّويلة لَم يَعُد يَلْتَفِت لها..تَناسى وُجودها على الرَّف..و سَمَح للغُبار بِأن يَغْفو فَوْقَها بِحُرِّية..لِيَحْجب عَنْه السُّطور المُبْهَمة و الكَلِمات المُتَوَّشِّحة بِرِداءٍ من غُموض..لِيَكُون صَريحاً مَعَ ذاته..فَهْو هَجَرَها مُذ زارت الزُّمُرَّدَتان مَكْتَبة عَقْله..و بِأَنَفة و خَيْلاء حَشَرت نَفْسها بَيْن البَقِيَّة..لِتُثْبِت لَهُ أَنَّها لَيْست سحابة صَيْف..أَو نَسيمٌ دافئ جاء لِيُسَلّم على لَيْلة شتويَّة مُلْتَحِفة بالثَّلْج ثُمَّ يَذْهب..،و ها هي فِعلاً قَد أَحالتهُ تائِهاً يَتَخَبَّط بِلا وَعْي باحِثاً عَن خَلاص..فالحُب باتَ وَحْشاً يُرْعبه..و قَلْبهُ قَطَع عَهْداً على نَفْسِه بأن لا يَنحت اسْم أَي أُنْثى بَيْن نَبَضاتِه..لِذا فالهُروب أَسْلم الخِيارات و أَقَلَّها خَسارة..،فَقَد ذابَت الرُّوح من الخَسارات..فَنُور اقْتَلَعت معها ضَوْءاً أَحْيَتهُ في ذاته ذات لَيْل،فَباتَ خاسِراً يُعايِن كَسْره في الظُّلْمة..و ذاك الذي غابَ..فَرَّ كَما سارِق،دُون أن يَتْرك خَلْفهُ أَثَراً يَكون ذِكْرى تُعانِقها الرُّوح كُلَّما طَرَق بابها الشَّوْق..ها هُو عاد..بِغَرابة تُوازي غَرابة غِيابه عاد..و عَوْده أَجْبَرَ عَقْله على تَقْليب صَفَحاته..لَعَلَّهُ يَجِد جَواباً للسِّر المُحيط بهِ كَما رِياح ضَبابِيَّة..،بَدَأت حَرَكة ذِراعيه تَتَباطَأ..خَفَّفَ من سُرْعَته شَيْئاً فَشيء إلى أن سَكَنَت حَرَكته بَعْدَ أن تَمَسَّكَ بإحْدى جَوانب المَسْبَح..كَتِفاه و جُزء من صَدْره ما كان يَكْشِفهُ الماء.. أَمَّا باقي جَسَده فَقَد أَخْفاهُ عَمْداً بَيْن طَيَّاته..كَأنَّما يُخْفي خَرائط التَّيه المَوْسومة عَليه..ظَلَّ مُطْرِقاً..يَنْظُر للقَطرات التي نَزَفَت من ذراعيه فَوْق السَّطح..يَتَأَمَّل شَفافِيَّتها..يُسْبِر أَغْوارَ نَقائِها،لِيَظْفَر بِجواب يَقْطَع مَسير القيْح المُسْتَفْرَغ من شِرْخٍ مَجْهول وَسَط رُوحه..قَيْحٌ ما هُو إلا شُعورٌ غَريب..شُعورٌ يُوَجِّه إصْبَع إتّهامه إلى السُّوء..فالسُّوء هُو الذي يَتَذَيَّل كُل الإلْتباسات المُحيطة به..بِدايةً من نُور..طَلال..و نِهايةً بِمَرْوة..،
هَمْسٌ قَد تَوَسَّد القَلَق و تَدَثَّر بالاسْتنكار..،:عَبْدالله...سِباحة هالوقت !
رَمَشَ بِخِفَّة سامِحاً لِعَقْله من الإلْتفات إلَيها..رَفَع جِفْناه المُتَرَطِّبان بالمَاء..و بِضْع قَطَراتٍ كانت قَد اتّكأَت على أَهْدابه و أَلانتها..مالت شَفَتاه بابْتسامة خَفيفة بها شَيءٌ من شُحوبٍ أَو تَعَب..عَقَّبَ بِسُؤالٍ هامِس و هُو يشبك أَصابع يَدَيه المُتَجَعِّدة،:ليش الساعة جَم ؟
أَجابتهُ بِحاجب أَرْفَعهُ الشَّك..،:وحدة و أربعين دَقيقة "اسْتَدْرَكَت بسؤال يَثِق من الإجابة" إنت فيك شي صح؟
عادَ و حَرَّكَ أَهْدابه..كَأوْتارٍ تُشاغِبها أَنامِلٌ أَضْناها المَلَل..أَبْعَدَ حَدَقَتَيْه عنها لِيُجيب بِوَجْسٍ بالكاد الْتَقَطَاه مَسْمَعَيْها،:لا ما فيني شي " و أَضافَ بِسُخْرِيَة دَثَّرَت مَلامحه و أَغْشَت صَوْته" شفيني يعني! عـــــادي
تَساءَلت من جَديد بِلَحْنِ الثّقة ذاته،:من شنو متضايق ؟
أَطْبَقَ شَفَتيه و أَشاح وَجْهه عَنْها دَلالة على عَدَم رَغْبَته في الحَدَيث..اسْتَعانَت بِلسانها الذي اسْتَعَدَّ للنُّطق،لَكِنَّهُ ثَبَّطَ عَزْمه حينما دَفَع بِنَفْسه للخَلْف مُبْتَدِئاً السِّباحة على ظَهْره...تَرَاجعَت للخَلْف قاصِدة المَقاعد الجانِبِيَّة..حَرَكته هَذه بَصَمَت على ضِيقه..تَساءَلت في جَوْفِها..أَهِي نُور من جَديد؟ جَلَسَت و الوَجَلُ يَلْتَبِسُها..على حافَّة المَقْعَد كانَ جُلوسها..تتَتَبَّعهُ و الشُّرود حادي بَصَرها..تَتَأَمَّل سِباحته الماهِرة و الرَّشيقة..كان بِسِباحتهِ يَرْسُم عَلى الماء أَشْجانَ قَلْبه..و يَخْلِطُ أَلْواناً رَمادِيَّة به..لِتَنْتِج لَوْحة غارِقة بالبُكاء الذي يَرْفض العُبور من باب رُجولته..،مَضَت دَقائق فاتها حِسابها قَبْلَ أن يُغادِر جَسَدهُ المَسْبَح..خَطَى و أَوْصاله سَحابة تُفْرِغ أَمْطارها..تَناول رِداء الاسْتحمام لِيتَشَرَّب بِه هذا الفَيْض المُحَمَّل ببعض اعْترافات ذاته..،جَلَسَ على المَقْعد القابِع على يِسارها..جُلوسٌ كان اسْتنساخ لِجُلوسها الوَجِل..إلا أَنَّ مِرْفَقيه كانا مُتَّكِئان على فَخْذَيه..أَمَّا هي فَقَد كانت ذِراعاها تَسْتَريحان فَوْقَ صَدْرِها..،الْتَفَتَت إليه بوَجْهها..مَرَّغت عَيْنَيها بِسُمْرَة وَجْهه..مَرَّت على المُقْلَتَان و أَلْقَت نَظْرة على التَّيْه المُنْزَوي بينهما لِتَنْطُق،:نُور ؟
بَصَرَهُ كان مُتَشَبِّثاً بالأرَض..كَما لَو أَنَّه مَدْفونٌ في بَطْنِها كَنْزٌ لَه..يُناظِرها مُطْبَق الشَّفَتَين و السُّكون يَعْتَريه قَريناً يَرْفض الانْفصال عَنْه..،اسْتَمَرَّ الصَّمْتُ لِوَقْتٍ لَم يَكُن قَصيراً..كان طَويلاً و يَزيدهُ طُولاً ثِقْل القَلَق الجاثِم فَوْق صَدْر شَقيقته.. وهي التي اسْتَسْلَمَت و غادَرَت أَرْضَ وَجْهه قَاصِدَةً سَطْحَ الماءِ المُتَنَعِّم بِنَوْمٍ راكِد..،
،:مَرْوة
عُقْدة تَجانَسَ فيها عَدَمَ الفَهْم..التَّعَجُّب..الاسْتنكار..و شَيءٌ خَفي آخر لَم يَتَسَنَّ لَها التَّحْقيق في أمْره..اسْتَدَارت إليه بانْتباهٍ شَديد و ذراعاها بتلْقائِيَّة حُلَّت عُقْدَتَهما..اتَّكَأت بباطن يَدَيها على جانِبَي المَقْعَد..وَجَّهَت جَسَدَها للأمام قَليلاً قَبْل أن تُطْلِق سَراح لِسانها لِتَرْجَمة ما اجْتَمَع داخلها..،:مَرْوة! أَي مَرْوة هذي اللي شاغلة بالك؟!
نَظَرَ لها و هُو على وَضْعه..و بَعْضاً من خُصْلاته المُلْتَحِفة بالماء كانت تَسْتَريح على جَبينه مُنْصِتة بدِقَّة لِحَديثهما..أَجابها بسؤال،:نسيتيها ؟ "أضافَ و هُو يُفَرْقِع أَصابع يُسْراه" مَرْوة اللي قبل فترة قلت لش إنها كانت تسأل عني..دكتورة في المستشفى هي
ارْتَفَع ذِقْنها قَليلاً مع تَبَدُّد العُقْدة عن مَلامحها و هي تَقول مُسْتَذْكِرة،:أهـــا أوووكي "أَرْدَفَت و شَفَتاها تَكْشُفان عن ابْتسامة يُلاطفها شَكٌ أَبْيَض بانَ في عَيْنيها" و شنو نوع الإنشغال اللي مسببته مَرْوة لعقلك؟
نَفَذَت من صَدْره تَنْهيدة ساخِنة لَسَعَت حَواسَ أُخُوَّتها المُتَيَقِّظَة..أَجابَ و هُو يَعْصِر أَصابعه بِيَده،كَما لَو أَنَّهُ يَسْتَدِر منها نَدَمه..هَمَسَ و عَيْناه تَهْرُبان حَرَجاً من عَيْنَي شَقَيقته..،:غَلطت عليها جم مرة..و ورفعت صوتي عليها..آخرها الليلة "أَكْمَلَ و جِفْناه يَنْطَبِقَان لِمَنْع ذِكْرى تِلْك السَّاعات الدَّميمة من الإنْعكاس فَوْقَ عَدَسَتيه"رَميت عليها كُوب قَهْوة زين إنّه ما صادها وحرقها
فَغَرَت فَاهَها و عَدَمُ الفَهْمِ يُحَلِّق فَوْقَ رَأسها..أَغْمَضَت لِلحظات مُحاوِلَةً أن تَمْتَص فِهْماً بِوَعْيِها..نَظَرَت لَهُ مُتَسَائِلَةً بِحَذَر..،:هذا إنت اللي سويت كل هذا؟ أو قاعد تخبرني عن دكتور وياك؟
أَجابها بهَمْسٍ أَوْهَنَهُ النَّدَم،:أنــا غَيْداء..هذا أنا
أَطْبَقَت الصَّدْمَة شَفَتَيها..و نالَ من عَيْنَيها تَوَسُّعٌ ضَعَّفَ من نَدَمِهِ..بَدَأ بِتَوْبِيخ نَفْسه و هُو يَرَى كَيْف تَبَدَّلَت مَلامح غَيْداء..خامَرهُ شُعورٌ كَريه قَذَفَ ذاته إلى زاوية حَقيرة..لِيَراها صَغيرة و فَقيرة من أَدب..،اسْتَمَعَ إلي حَديثها المُشَيَّع بِلَحْنٍ مُسْتَنْكِر،:من متى إنت قَليل ذوق بهالطريقة! "تَرَاجعت للخَلْف غير مُصَدِّقة" لا مُستحيــل..عَبّود أخوي ما يهين الناس حتى لو غلطوا عليه..شلون لو كانت بنية! ولاا بعد..زَميلة عمل! "كَرَّرَت و هي تُطالب بجواب قَد يُرَقّع ما نَقَفَهُ بأفعاله المُتناقِضة مع شَخْصيته المُسالِمة" ليـش سويت جذي عبدالله!
أَجابها و الضَّياع يُوَجّه رَأسه الذي بَدأ يَتَلَفَّت ذات اليَمين،و ذات الشّمال،:لأنّي ما بيها
مالَ رَأسها بِخِفَّة و كَأَنَّها لَم تَسْتَمِع جَيّداً للذي نَطَقه..أعادت جُمْلَته بِخَواء فَهْم،:ما تبيها! شلون يعني ماتبيها؟
رَفَعَ كَتِفيه و عَدَسَتاه تَتَراكَضان في المَكان باحِثَتان عن جَوابٍ ينقذه..،:يعنــي... .. يعني مابيها في حياتي..وجودها مو مريح..مابيها وبس
انْفَلَتت منها ضِحْكة قَصيرة كِناية على اسْتحواذ عُقَد التَّيه على عَقْلها..فكلماته المُتقاطِعة هَذه مَسَحت كُل الذي كانت تَظِن إنها تَوَصَّلَت إليه عندما نَطَق باسم هذه الأنثى..أَفْصَحَت،:عَبْدالله، ترى أنا مو فاهمة شي..يعني شنو ماتبيها في حياتك! هي زميلة في المستشفى لا أكثر "و بِشَك أَرْدَفَت" صَح كلامي لو في شي ما أعرفه؟
الْتَزَمَ الصَّمْت للحظات و مِن ثُمَّ تَعَكَّزَ على تَرَدُّده لِيُزيح السِّتار عَمَّا تَرَاكمَ لِأكثر مِن شَهْر فَوْقَ قَلْبه..و دُون أَن يُأَطِّر وَجْهها بِأجْفانه هَمَسَ و السَّماءُ مُشَرِّعة أَبْوابها لاسْتقبال سِرّه..،:وُجودها يحيي النَّبض اللي ذابحه غصب....مابي أغرق في فشل جَديد
الْتَوَى عِرْق وَسَط جَواها المُثْقَل بِهَمّه...إذاً أَنْتَ خائفٌ أَخي؟ ذِكْراكَ السَّيئة تُحارب يَنَع مَشاعرك صَغيري؟ أَمال الحَنْو رَأسها..و ذابَ فَوْقَ جِفْنَيْها حُبٌّ صافي وُلِد في رُوحها مُذ تَكَوَّر بَطْن والدتها المُحْتَضِنَهُ جَنيناً..هَمَسَت مُخْتَزِلَة عاطِفة الدُّنيا في كَلِمة،:حَبيـــبي
وَقَفَت و خَطَت إليه..تُسَيِّرها مَحَبَّة عَظيمة أَسرَعَ القَمَر لِيُسابق النُّجوم في الفَوْز بِبَريق سِحْرها الفَريد..جَلَسَت على رُكْبَتَيها أَمامه..رَفَع رَأسه إليها مُسْتَجيباً لقُرْبِها الدَّافئ..تَقَابَلَت مَلامحهُ المُثْخَنة بالحيرة..مع مَلامحها المُتَسَرْبِلة بزُهورٍ عَذْبة..يَراها تَطُل من مُقْلَتيها و قَد اصْطَبَغَت بالأَمَل..،هي رَفَعَت يَدَها و بِنعومة أَبْعَدت خُصلاته عن جَبينه لِتَهْمِس بِنَبْرة يُداعبها عِتابٌ وِدّي،:بعد عُمْري ليش متعّب قلبك؟ "قَرَصَت خَدّه بخِفَّة لِتُكْمِل باسِمة" تَرى ما أرضى عليه
شَدَّ شَفَتَيه راسِماً تَجاعيد الخَيْبة..،:لأن ما يصلح يتعلق غَيْداء..تدرين فيني..أنا رجال ما بلعب على البنية..إذا ارتحت لها بخليها تصير حلالي
اسْتَفْسَرَت بجديَّة،:و ليش ما تخليها تصير حلالك ؟
ببساطة أَجاب و الأَلَمُ انْبَجَسَ من عَيْنَيه حَتَّى طَالَ قَلْبَها فَأَسْقَمَه،:لأنّي زُوج سَيء
أَصابتها جُمْلَته بِسَهْمٍ مَسْموم..شَعَرت بسُمومه و هي تُجَلّط قَلْبَها بِوَجَعٍ مَرير..تَصَدَّعَت مَلامحها بضيقٍ نَبَت من جُذور كَلِماته الآسنة..و بِصَوْتٍ حَجَّرتهُ الغَصَّة،:عَبّـ ـوود..ليش تقول عن نفسك هالحجي!
أَجابها و خَيْبَة الأَمل تُشاكس أَهْدابه،:لأني فعلاً زوج سيء..لو ما كنت سيء ما كرهتني بنت عمش و طلبت الطَلاق "اسْتَطْرَد مُواصِلاً تَقْويض نَبضات أُخْته" أخاف ارتبط فيها و أعيش و أنا متخيل نفسي أحسن زوج في الدنيا..و بعدين انصدم إنــ ـها
"و البُكاء قَد اجْتَرَع صَوْتَها حَتَّى بَصَقهُ مَبْحوحاً تُرافقه آه أَوْجَعَت قَلْبه التَّائه..،:عَبـ ـدالله مو قادرة.. ... مو قادرة أعيـ ـش وياك "أَخْفَت وَجْهها بِيَدَيها،كأنَّما تَسْتِر سِرَّاً مُخْجِلاً عانَدها وانْفَجَر لِيُشَوّه فؤاده" تعبت و أنا أضغط على نفسي عشـ ـان تعتادك"
سُؤال غَيْداء انْتَشَلَهُ من دَوَّامة الذّكْرى المُدَجَّجَة بالجِراح و الأَوْجاع الصَّادِمة..،:إنها شنو؟
أَكْمَل و هُو يَخْفض رَأسه حَتَّى لا تَلْمح انْكساره المَزْروع من بَذْرة تِلْك الليْلة السَّابِحة في بَحْرٍ من اعْترافات نَتِنة..،:أخاف انصدم إنها مو طايقتني..و غاصبة نفسها علي "تَمْتَمَ" مثلها مثل غيرها
عَقَّبَت غَيْداء بِحِدَّة نَثَرَت شَذَرات تَعَجُّب على عَقْله مما جَعَله يُعاود النَّظر إليها،:و من قال إنَّ غيرها ما كانت طايقتك و غاصبة نفسها عليك ؟
أَجاب بانشداه لِملامح أُخْته الغَريبة،:هــي
نَطَقَت صافِعة تَيْهه،:نُور كانت مجبورة
تَرَاجع جَسَدهُ للخَلْف نافِراً من الجُمْلة التي نَطَقَها لِسانها بثِقة..اسْتَنْكَرَ و الضَّياع المَسْفوك على وَجْهه خالَطَهُ اشْمئزاز و هُو يُرَدّد،:مَجْبورة! و من إن شاء الله اللي يجبر زوجة إنها تقول هالحجي لزوجها! "اعْتَلَت نَبْرته من فِرْط التَّوَتُّر الذي بَدَأ يَبْسط جَناحيه السَّوْداوين على حواسه" أصلاً من اللي يحمل لنا الضغينة عشان يجبرها و يفرقنا!
بهُدوء حازم،:هذا كل اللي اقدر أقوله لك..مو من حقي أقول أكثر..أساساً ما اعرف إلا الشي القليل..تبي تفهم الموضوع عدل كلّم نُور..أعتقد إن عندها حجي واجد
أَنْهَت حَديثها ثُمَّ وَقَفَت لِتَرْتَفع حَدَقَتيه تُلاحِقانها و شَرارة من غَضَب أَخَذَت تَسْتَقِر وَسَطَهما..تَسَاءَل و هُو يَراها تَسْتَدير مُبْتَعِدة،:وين رايحة؟
أَجابت و هي تُدير لهُ رَأسها،:بروح أنام..الساعة ثنتين إلا
وَقَف يُواجهها قائِلاً باعْتراض،:تنامين عقب ما وترتيني بحجيش!
ابْتَسَمَت لهُ ابْتسامة مُشاكَسة حاولت بها إخْماد ما بَدأ بالإهْتياج داخله،:عقاب لك على اللي سويته في مَرْوة..و عشان مرة ثانية ما تذم نفسك
,،
الغُيوم مُتَّكِئة وَسَط السَّماءِ بازْدِحامٍ أَحْجَبَ عَنْها الرُّؤية..و القَمَرُ انْطَوى خَلْفَ تَكَدُّساتِها مُكْتَفِياً بالنَّظَرِ إلى أَشْلاءٍ من قُلوبٍ و مَشاعِر..أَمَّا الفَجْر..فَهْو قَد الْتَقَطَ صَفْحةٌ جَديدة من بَيْن صَفَحات غَسَقِه المُحْتَفِظة بِأَسْرارٍ تَنْطَفئ كُلَّما أَشْرَقَت شَمْسُ يَوْمٍ جَديد..الْتَقَطَها لِيَحْكي لَها عن اثْنَيْن..أَضاعا طَريق اللقاء..و لا زالا يَتَخَبَّطان بَيْن أَزِقَّة الغِياب و العَمى قَد سَكَبَ ماءَهُ الأبْيض على قَلْبيهما..،يَجْلُس فَوْق مَقْعَد سَيَّارته..فاتِحاً الباب سامِحاً لِساقَيه من الخُروج و اسْتنشاق بِضْع أَنْفاسٍ فَجْرِيَّة..قَدَماه مُسْتَقِرَّتان على أَرْضٍ مَسيكة..ضَعَّفَت من الْتصاق جُزيئاتها حَتَّى لا تَخْتَنِق من فَيضان مَشاعره المَحْمومة..،صَمْتٌ مُوْحِش يُحيطُ بِه ما خَلا هَمْسُ الليْل..و هَمْسُ.. ..حَبيبته،
،:فيــصل!
أَغْمضَ و الأَلَمُ يَجْري بهِ مَجْرى الدَّم في الوَريد..كَزَّ على أَسْنانه لِيَسْجُن آه نَشَبَت بِحَلْقه،مانِعاً إيَّاها من الوُلوجِ و فَضْح وَجَعه..عادَ هَمْسها مُواصِلاً تَحْفيز مَساماته على اسْتفراغ العَرَق..الحَرارة تَشْتاط كُلَّما مَضَت ثانِية و صَوْت أَنْفاسها الواضِحة يَتَلاعب بِنَبْضه..و هَمْسُها يَعْبر أُذنيه لِيُذيب بَقايا نُدْف الثَّلَج التي صَمَدَت أَمام طَيْش عشقٍ مَشْروخ..،
،:فيصل...شفيك؟
أَحْنى ظَهْره،بالتَّوالي مع ارْتفاع يَده لِتَقْبض على خُصلاته التي بَلَّدَها العَرَق الرَّاسم خَرائطه على كُل جُزَيء من جَسَده...أَتاهُ نِداؤها من جَديد تَتَذَيَّلهُ أَلْحانُ قَلَق..،:فيــصل!!
فَتَحَ فَمه كَبَوَّابَة سِجْنٍ فُتِحَت لِمَن حُرِموا من الشَّمْسِ لِأعْوام..حُروفه كانَت كَسَجين زَفَّوا لَهُ خَبَرَ حُرِّيَته..تَراَشَقت بِسُرْعة دُون أن يَحْكُمَها تَفْكير و البَحَّةُ مَهْدُها..،:اشْــــتقت للندن..و للشتا و للدفايَّة اللي في زاوية صالة شقتنا..و لذاك الشال الصوف... ..المختلطة فيه ريحة عطورنا "فَرَّت من جَواهُ ضِحْكة قَصيرة بَلَّلُها مَطَرُ ذاته و هُو يُرْدِف" تدريــن...للحين عندي الشال..بس ما صار يدفي.. ..صار أبرد من ليالي لندن اللي يغطيها الثلج "أَزاحَ جِفْنيه لِيُبصِر سَماء لُنْدُن و هَي تَسْتَحيل بَحْراً يَتَساقَط على هَيْأةِ دُموع تَنْعى رُوحه" حَتَّى ريحته غابت..و كأنَّ الحاضر طلَّقها..من يوم ما طلقتش
حَرارة مُلْهِبة..لاسِعة..و قاتِلة،امْتَلَكَتها رُوحاً..قَلْباً وَ جَسَدا..و كَأنَّها هي النَّار التي تَسْتَفْرِغ سَعيرا..كَأنَّها هي النَّار التي تَسْتَقْبِل رَجُلاً مَكْسوراً..وَ كَأنَّها هِي النَّار التي تُرْمد ذِكْريات انْتَشَت سُرورا..قَشْعَريرة صاعِقة نالَت من أَوْصالها و هي تُصْغي لِهَمْسه المُجْتَرِع كَأساً من هَذَيان..كَلِماته..أَم..أم تُسَمِّيها اعْترافاته؟ أَحالوها سَحابة رَمادِيَّة أَثْقَلَتها الدُّموع،لا هي التي أَمْطَرَت على جِرْحه فَأنْهَت نزيفه..و لاهي التي قَصَدت أَرْضاً غَيْر أَرْضِ رُجولته لِتُهْديهِ شَمْساً..،اخْتَلَجَت شِفاهُها، و انْتابَ ذِقْنها اهْتزازتٍ مَريرة أَشْبَه باهْتزازاتِ وَتَرٍ أَضاعَ لَحْنَ مَعْزوفته..،أَغْمَضَت بِأسَى،و مِن بَيْن الهُدب سَطَعَت لؤلؤة شَفَّافة..قَبَّلَت خَدَّها و عَزَّت فَقْده لِقُبلات شَفَتَيه..،احْتَضَنَت الهاتف بِكِلْتا يَدَيها مُصْغِيَةً بِجُل حَواسها..بَل بِسِنينها التي مَضَت و سَتَمْضي يَتيمة مِنه..،هُو أَكْمَل هَمْسُه الغَبَشي..قاصِداً مُنْحَنَى آخر..،:ابــي اشوفها..ابي اشوف جَنى..وحشتني
اجْتَرَعَت غَصَّتها الثَّقيلة ثُمَّ أَجابتهُ بِعَبْرة واضِحة و هي تَمْس أَنْفها بِظاهر كَفَّها،وَ كأنَّها تُحادث طِفْل،:باجـ ـر إن شاء الله بجيبها لك
عَقَّبَ بنَبْرة أَعْلى من الهَمس و كَأنَّهُ اسْتَرَدَّ القَليل من وَعْيه،:لاا..اللحين.. .."خَبَى صَوْته من جَديد" اللحين ابي بشوفها
فَتَحَت عَيْنَيها لِيَنْساب فَيْضُها المالِح بِحُرِّيَّة على وَجْنَتيها..تَساءَلَت بِعُقْدة حاجِبَين،:شلون اللحين!
أَفْصَحَ ساكِباً عَلَيَها صِهْريجاً من ماءٍ يَرْتَعِشُ بَرْداً..،:أنا اهني..عند بيتكم
وَثَبَت واقِفة لِتَخْطو عَلَى عَجَلَ ناحِية النَّافِذة..أَبْعَدَت السَّتائِر لِيَصْطدم نَبْضُها بِمَرْكَبته..كان جُزْءَها الخَلْفي جَلي..إلا أَنَّ مُقَدِّمتها لَم تَكُن واضِحة..لِذا لَم تَسْتَطِع أَن تَراه..هَمَسَت و مَلامحها تَتَصَدَّع حيرة،:فيصل الوقت متأخر
كَرَّرَ بإصْرار عَجَباً أَنَّ هَوانه كان يُقَوِّيه،:بَلى..ابي اشوفها جِنان..أرجوش
اخْتَبَأ بَصَرُها خَلْفَ إغْماضٍ يُتَرْجِم قِلَّة حيلتها..هي غير قادِرة على التَّحديق بِسَواد مَرْكَبته الذي يَدْعم إصْراره على طَلَبه الصَّعْب..الوَقْت مُتَأَخّر جِدَّاً..فالسَّاعة تَكاد تُعانق عَقاربها الثَّانية صَباحاً..فَكَيْف تُلَبِّي طَلَبه تَحْتَ أَجْنِحة الليْل المُدْلَهِمَّة أَرْكانه؟ قَلْبُها غير قادِر على رَدّه خائباً..خاصَّة وَ هُو قادِمٌ إليها حُرَّاً من كِبْرياء..إلا أَنَّها لا تَسْتَطيع أن تُلَبّي طَلَبهُ وَحْدها..لا تَستطيع..،
نِداءٌ يُرَفْرفُ بِجِنْحَي رَجاء،:جِنــان
نَطَقَت و هي تَقْبض يَدَها فَوْق النَّافِذة..،:انتظر شوي
,،
وَطَأ الدِّماء بِقَدَمَيه..تَجَاهَل لُزوجتها و أَشاح بَصَرَهُ عن احْمرارها العَبيط..فالذي كان يُسَيّره تِلْك المُقْلَتَان..المُنْتَصِب فيهما بَحْرٌ ارْتَوَى من سُحُبٍ سَوْداء ساقَتها إليه رِياح رَجُلٍ شَيْطاني..وُلِدَت رُوحه من رَحْمِ مَرَض نَفْسي..،وَصَل خِلال وَقْت قِياسي لِلمَبْنى المَمْلوك لَه..قَصَدَ شِقَّتها التي احْتَوَتها بَعْدَ أن عادَت من غُرْبَتها الطَّويلة..أَخْرَجَ المَفاتيح بِيَد تَرْتَجِفُ حَماساً..حَشَر المَقْصود في القِفل لِيَصْدُر صَوْت انْفتاحه بَعْد لَحَظات..دَلَفَ وَ رَأساً مَشى نَحْو غُرْفة نَوْمها بخطوات واسِعة..فهي كَعادتها لا تُرافق السَّهر إلا إذا حَرَّضها الحُزْن لِعَقْد صَداقة مَعه..،حاوَلَ أن يَدْخل دُون أن يَفْزَعها..لَكِن بِمُجَرَّد أَن فَتَح الباب فَزَّت هي بِوَجْهٍ مَخْطوف..و عَيْنان أَوْسَعهما الحَذَر..تَلَفَّتَت بِنِصْف وَعْي قَبْل أَن تَطَأ عَيْناها وَجْهه..تَقَدَّم منها و هي تَنْظُر لهُ من خَلْف غِشاء الخَدَر الذي لا زال يُغَلِّف حَواسها..جَلَسَ على السَّرير أَمامها..رَفَع يَديه قابِضاً على كَتِفَيها العاريين إلا من حِبال ضَعيــفة..ضَغَطَ و مَشاعره المُخْتَلِطة عَبَرَت خُطوط كَفَّيه حَتَّى امْتَصَّها جِلْدَها المُلْتَحِف بِبَياضٍ ثَلْجي..تَقَلْقَلَت حَدَقَتيها على وَجْهه القَريب جِدَّاً..بِمَلامح نَشَرت أعْلام الزيغ كانت تَنظْر لَه..وَ وَسَط شَفَتيها المُتَحَرِّرَتين من زينة بانت ثَغْرة صَغيرة..كانت حَواسها تُناشد من خِلالها الصَّحْوة..،هَمَسَ ببطئ كَأَنَّما يَمْضَغ الكَلِمة بِتَرَوِّ لِيَسْتَمْتِع بِطَعْمها..و عَيْناه تُلاحِقان تَيه عَيْنَيْها،:فاتن ماتت..اختارت إنها ترمي نفسها من فوق مبنى مهجور و صارت جثَّة بملامح مشوهة..محد يقدر يتعرف عليها..بس التحليلات تقول إنها فاتن..الدكتورة اللي كانت عايشة بين برلين و لُنْدن
أَطْبَقَت شَفَتَيها و هي لا تزال تُحَدّق بِوَجْهه و الصَّمْتُ سَيِّدها..كَلِماته غُرِسَت في عَقْلها و لَكِنَّها لَم تَتَذَوَّق مَقْصَدَها..قَلَبَتها لِدَقيقة مُنَبِّشة عن تَرْجمة لها..لَكن يَداه كانتا أَسْرع..فَهُما احْتَضَنَتا وَجْهها المَنْحوتة فَوْق قَسَماته آثار نَوْم تَعُود لأكثر من ساعَتان..،عَلا صَوْته قَليلاً،:وَعَد انتبهي معاي "أَرْدَفَ بِأسْلوب تَلْقين" فاتن انتحرت..رَمت نفسها من فوق مبنى مهجور..تشوهت ملامحها..محد قدر يتعرف على وجهها..التحليلات تقول إن اللي انتحرت هي فاتن..الدكتورة اللي كانت عايشة بين بَرْلين ولُنْدن
فَزَّت واقِفة و هي تَبْتَعِد خُطْوة عن السَّرير..نَظَرَت إليه و الشَّكُ مَعْقوداً بأهْدابها..طالَبَتهُ بِصَوْتٍ كانَ يَباباً فَقيرٌ من شُعور..،:عطني كَف
اسْتَقام جَسَده بِوُقوفٍ واثِق..شَطَبَ الخُطْوة الفاصِلة جَسَديها..مالَ بِخِفَّة ناحِتَها..و بِمُنْتَهَى الرِّقَّة لَثَمَ خَدَّها..رَفَع رَأسه لِيُقابلهُ وَجْهها الذي بَدَأت تُزْهِر بَيْنَ جَنَباته سَعادة مَحْشوَّة بِسُكَّرِ الحُلْم..نَعَم إنَّهُ حُلْم..حُلْمٌ كان شَجَرة رَبيعها التي اسْتَظَلَّت بِها لِسِتَّة و عُشْرون عاماً..لَها أَغْصانٌ تَتَسَرْبَل بأوْراقٍ تَزْهو اخْضراراً يانع..خُطَّ فَوْقَها حِكاية انتقامها المُتَخَفِّية تَحْتَ ثَوْبٍ أَخاطتهُ أَنامل امْرَأة اقْتات على الكَيْد..،ابْتَسَمت بَعْدَ أن رَتَّبَت قُبْلته الكَلِمات فَوْق أَسْطُر عَقْلها..تَساءَلت لِتَطْمَئن،:يعني خَلاص
رَدَّدَ بِهَمْسٍ باسِم،:خـلاص
عَبَرَت صَدْرَها تَنْهيدة أَحْنى اليَأسُ ظَهْرَها..فهي لَطالما وَصَلَ بِها الأَمْر لِفُقْدان الأَمَل من الإنْتقام..و لِوَهْلة اعْتَقَدَت أَنَّها سَتُموت دُون أَن تَثْأر لِدمائهم..لَكن الآن..فُتِحَت لها أَبْواب الخَلاصِ من كَوابيس ماضيٍ وَحْشي..،مَسَحت غُبار الإنتظار الذي شاب على وَجْهها و هي تَهْمِس بِصِدْق،و رَجْفة لَذيذة مَسَّتها مُعيدة بَثَّ الحَياة بَيْن أَوْصالها،:الحمدلله..الحمدلله يارب
هُو اقْتَطَع هذه اللحَظات الدَّافِئة بِحَزْم،:لازم نطلع من اهني قبل ما تشرق الشمس..غيري ملابسش و اخذي من الشقة اللي تبينه..لازم نطلع من غير ما يشوفنا أحد
عَقَّبَت و أَطْياف مَوْجٍ تُناغي ذاكرتها..،:ما باخذ من الشقة غير شي واحد
,،
يَتْبَع
تَوَكَّلتُ عَلى الله
الجُزء التَّاسع و الأَرْبعون
الفَصْل الأَوَّل
يَحْمِلَهُ الماء بَيْن ذِراعيه الدَّافِئتين..يُطَبْطِبُ عَلَيْهِ بِقَطَراته..يُهَدْهِد جَسَدهُ المُتَكالِبة عَلَيه مَواضيع شَتَّى..تُرْهقه و لا يَجِد لَها جَواب..كَما نار تَزيدُ اهْتياجاً و لا سَبيل لإطْفائِها..فَتُمْسي تَحْرقه و تَأكِلَهُ أَكْلاً بَطيئاً وَ مُوْجِعاً..إلى أَن تُحيله رَماداً يَتوه بين أَتْرِبة الأَرْض..،يُحَرّك ذِراعيه بِرتم مُتَّزِن..لا هُو بالهادئ،و لا هُو بالمُتَسَرّع..حيناً يَقْصِد اليَمين..وَ حيناً يَقْصد اليسار..حَتَّى قَطَع في سِباحته خَمْسَةَ أَشواطٍ خِلال دَقيقَتَيْن..،يَسْبَحُ و عَقْله يُقَلِّب تِلْك المَواضيع..يَلْتَقِط الأَوَّل..يَتَأَمَّل شَخْصِيَّته الرَّئيسية..يَقْرَأ اسْمها فَيُغْمِض عَيْنَيه من شُعاعٍ حاد هاجَمَ ذاته على غَفْلة من حُب..شُعاعٌ اسْمهُ نُـــــور...،نُور التي بُلِيَت قِصَّتها المَصْفوفة على رَفِّ عَقْله..تآكَل غُلافها و شَحُبَ لَوْن أَوْراقها حَتَّى اصْفَرَّت..فَهْي اسْتَفْرَغت البَياض الذي كان يُجَمِّلها..كَما لَو أَنَّها اسْتَفْرغَت الأَيَّام التي قَضَياها مَعاً و هُم زَوْجان..،مُنْذُ فَتْرة لَيْسَت بِالطَّويلة لَم يَعُد يَلْتَفِت لها..تَناسى وُجودها على الرَّف..و سَمَح للغُبار بِأن يَغْفو فَوْقَها بِحُرِّية..لِيَحْجب عَنْه السُّطور المُبْهَمة و الكَلِمات المُتَوَّشِّحة بِرِداءٍ من غُموض..لِيَكُون صَريحاً مَعَ ذاته..فَهْو هَجَرَها مُذ زارت الزُّمُرَّدَتان مَكْتَبة عَقْله..و بِأَنَفة و خَيْلاء حَشَرت نَفْسها بَيْن البَقِيَّة..لِتُثْبِت لَهُ أَنَّها لَيْست سحابة صَيْف..أَو نَسيمٌ دافئ جاء لِيُسَلّم على لَيْلة شتويَّة مُلْتَحِفة بالثَّلْج ثُمَّ يَذْهب..،و ها هي فِعلاً قَد أَحالتهُ تائِهاً يَتَخَبَّط بِلا وَعْي باحِثاً عَن خَلاص..فالحُب باتَ وَحْشاً يُرْعبه..و قَلْبهُ قَطَع عَهْداً على نَفْسِه بأن لا يَنحت اسْم أَي أُنْثى بَيْن نَبَضاتِه..لِذا فالهُروب أَسْلم الخِيارات و أَقَلَّها خَسارة..،فَقَد ذابَت الرُّوح من الخَسارات..فَنُور اقْتَلَعت معها ضَوْءاً أَحْيَتهُ في ذاته ذات لَيْل،فَباتَ خاسِراً يُعايِن كَسْره في الظُّلْمة..و ذاك الذي غابَ..فَرَّ كَما سارِق،دُون أن يَتْرك خَلْفهُ أَثَراً يَكون ذِكْرى تُعانِقها الرُّوح كُلَّما طَرَق بابها الشَّوْق..ها هُو عاد..بِغَرابة تُوازي غَرابة غِيابه عاد..و عَوْده أَجْبَرَ عَقْله على تَقْليب صَفَحاته..لَعَلَّهُ يَجِد جَواباً للسِّر المُحيط بهِ كَما رِياح ضَبابِيَّة..،بَدَأت حَرَكة ذِراعيه تَتَباطَأ..خَفَّفَ من سُرْعَته شَيْئاً فَشيء إلى أن سَكَنَت حَرَكته بَعْدَ أن تَمَسَّكَ بإحْدى جَوانب المَسْبَح..كَتِفاه و جُزء من صَدْره ما كان يَكْشِفهُ الماء.. أَمَّا باقي جَسَده فَقَد أَخْفاهُ عَمْداً بَيْن طَيَّاته..كَأنَّما يُخْفي خَرائط التَّيه المَوْسومة عَليه..ظَلَّ مُطْرِقاً..يَنْظُر للقَطرات التي نَزَفَت من ذراعيه فَوْق السَّطح..يَتَأَمَّل شَفافِيَّتها..يُسْبِر أَغْوارَ نَقائِها،لِيَظْفَر بِجواب يَقْطَع مَسير القيْح المُسْتَفْرَغ من شِرْخٍ مَجْهول وَسَط رُوحه..قَيْحٌ ما هُو إلا شُعورٌ غَريب..شُعورٌ يُوَجِّه إصْبَع إتّهامه إلى السُّوء..فالسُّوء هُو الذي يَتَذَيَّل كُل الإلْتباسات المُحيطة به..بِدايةً من نُور..طَلال..و نِهايةً بِمَرْوة..،
هَمْسٌ قَد تَوَسَّد القَلَق و تَدَثَّر بالاسْتنكار..،:عَبْدالله...سِباحة هالوقت !
رَمَشَ بِخِفَّة سامِحاً لِعَقْله من الإلْتفات إلَيها..رَفَع جِفْناه المُتَرَطِّبان بالمَاء..و بِضْع قَطَراتٍ كانت قَد اتّكأَت على أَهْدابه و أَلانتها..مالت شَفَتاه بابْتسامة خَفيفة بها شَيءٌ من شُحوبٍ أَو تَعَب..عَقَّبَ بِسُؤالٍ هامِس و هُو يشبك أَصابع يَدَيه المُتَجَعِّدة،:ليش الساعة جَم ؟
أَجابتهُ بِحاجب أَرْفَعهُ الشَّك..،:وحدة و أربعين دَقيقة "اسْتَدْرَكَت بسؤال يَثِق من الإجابة" إنت فيك شي صح؟
عادَ و حَرَّكَ أَهْدابه..كَأوْتارٍ تُشاغِبها أَنامِلٌ أَضْناها المَلَل..أَبْعَدَ حَدَقَتَيْه عنها لِيُجيب بِوَجْسٍ بالكاد الْتَقَطَاه مَسْمَعَيْها،:لا ما فيني شي " و أَضافَ بِسُخْرِيَة دَثَّرَت مَلامحه و أَغْشَت صَوْته" شفيني يعني! عـــــادي
تَساءَلت من جَديد بِلَحْنِ الثّقة ذاته،:من شنو متضايق ؟
أَطْبَقَ شَفَتيه و أَشاح وَجْهه عَنْها دَلالة على عَدَم رَغْبَته في الحَدَيث..اسْتَعانَت بِلسانها الذي اسْتَعَدَّ للنُّطق،لَكِنَّهُ ثَبَّطَ عَزْمه حينما دَفَع بِنَفْسه للخَلْف مُبْتَدِئاً السِّباحة على ظَهْره...تَرَاجعَت للخَلْف قاصِدة المَقاعد الجانِبِيَّة..حَرَكته هَذه بَصَمَت على ضِيقه..تَساءَلت في جَوْفِها..أَهِي نُور من جَديد؟ جَلَسَت و الوَجَلُ يَلْتَبِسُها..على حافَّة المَقْعَد كانَ جُلوسها..تتَتَبَّعهُ و الشُّرود حادي بَصَرها..تَتَأَمَّل سِباحته الماهِرة و الرَّشيقة..كان بِسِباحتهِ يَرْسُم عَلى الماء أَشْجانَ قَلْبه..و يَخْلِطُ أَلْواناً رَمادِيَّة به..لِتَنْتِج لَوْحة غارِقة بالبُكاء الذي يَرْفض العُبور من باب رُجولته..،مَضَت دَقائق فاتها حِسابها قَبْلَ أن يُغادِر جَسَدهُ المَسْبَح..خَطَى و أَوْصاله سَحابة تُفْرِغ أَمْطارها..تَناول رِداء الاسْتحمام لِيتَشَرَّب بِه هذا الفَيْض المُحَمَّل ببعض اعْترافات ذاته..،جَلَسَ على المَقْعد القابِع على يِسارها..جُلوسٌ كان اسْتنساخ لِجُلوسها الوَجِل..إلا أَنَّ مِرْفَقيه كانا مُتَّكِئان على فَخْذَيه..أَمَّا هي فَقَد كانت ذِراعاها تَسْتَريحان فَوْقَ صَدْرِها..،الْتَفَتَت إليه بوَجْهها..مَرَّغت عَيْنَيها بِسُمْرَة وَجْهه..مَرَّت على المُقْلَتَان و أَلْقَت نَظْرة على التَّيْه المُنْزَوي بينهما لِتَنْطُق،:نُور ؟
بَصَرَهُ كان مُتَشَبِّثاً بالأرَض..كَما لَو أَنَّه مَدْفونٌ في بَطْنِها كَنْزٌ لَه..يُناظِرها مُطْبَق الشَّفَتَين و السُّكون يَعْتَريه قَريناً يَرْفض الانْفصال عَنْه..،اسْتَمَرَّ الصَّمْتُ لِوَقْتٍ لَم يَكُن قَصيراً..كان طَويلاً و يَزيدهُ طُولاً ثِقْل القَلَق الجاثِم فَوْق صَدْر شَقيقته.. وهي التي اسْتَسْلَمَت و غادَرَت أَرْضَ وَجْهه قَاصِدَةً سَطْحَ الماءِ المُتَنَعِّم بِنَوْمٍ راكِد..،
،:مَرْوة
عُقْدة تَجانَسَ فيها عَدَمَ الفَهْم..التَّعَجُّب..الاسْتنكار..و شَيءٌ خَفي آخر لَم يَتَسَنَّ لَها التَّحْقيق في أمْره..اسْتَدَارت إليه بانْتباهٍ شَديد و ذراعاها بتلْقائِيَّة حُلَّت عُقْدَتَهما..اتَّكَأت بباطن يَدَيها على جانِبَي المَقْعَد..وَجَّهَت جَسَدَها للأمام قَليلاً قَبْل أن تُطْلِق سَراح لِسانها لِتَرْجَمة ما اجْتَمَع داخلها..،:مَرْوة! أَي مَرْوة هذي اللي شاغلة بالك؟!
نَظَرَ لها و هُو على وَضْعه..و بَعْضاً من خُصْلاته المُلْتَحِفة بالماء كانت تَسْتَريح على جَبينه مُنْصِتة بدِقَّة لِحَديثهما..أَجابها بسؤال،:نسيتيها ؟ "أضافَ و هُو يُفَرْقِع أَصابع يُسْراه" مَرْوة اللي قبل فترة قلت لش إنها كانت تسأل عني..دكتورة في المستشفى هي
ارْتَفَع ذِقْنها قَليلاً مع تَبَدُّد العُقْدة عن مَلامحها و هي تَقول مُسْتَذْكِرة،:أهـــا أوووكي "أَرْدَفَت و شَفَتاها تَكْشُفان عن ابْتسامة يُلاطفها شَكٌ أَبْيَض بانَ في عَيْنيها" و شنو نوع الإنشغال اللي مسببته مَرْوة لعقلك؟
نَفَذَت من صَدْره تَنْهيدة ساخِنة لَسَعَت حَواسَ أُخُوَّتها المُتَيَقِّظَة..أَجابَ و هُو يَعْصِر أَصابعه بِيَده،كَما لَو أَنَّهُ يَسْتَدِر منها نَدَمه..هَمَسَ و عَيْناه تَهْرُبان حَرَجاً من عَيْنَي شَقَيقته..،:غَلطت عليها جم مرة..و ورفعت صوتي عليها..آخرها الليلة "أَكْمَلَ و جِفْناه يَنْطَبِقَان لِمَنْع ذِكْرى تِلْك السَّاعات الدَّميمة من الإنْعكاس فَوْقَ عَدَسَتيه"رَميت عليها كُوب قَهْوة زين إنّه ما صادها وحرقها
فَغَرَت فَاهَها و عَدَمُ الفَهْمِ يُحَلِّق فَوْقَ رَأسها..أَغْمَضَت لِلحظات مُحاوِلَةً أن تَمْتَص فِهْماً بِوَعْيِها..نَظَرَت لَهُ مُتَسَائِلَةً بِحَذَر..،:هذا إنت اللي سويت كل هذا؟ أو قاعد تخبرني عن دكتور وياك؟
أَجابها بهَمْسٍ أَوْهَنَهُ النَّدَم،:أنــا غَيْداء..هذا أنا
أَطْبَقَت الصَّدْمَة شَفَتَيها..و نالَ من عَيْنَيها تَوَسُّعٌ ضَعَّفَ من نَدَمِهِ..بَدَأ بِتَوْبِيخ نَفْسه و هُو يَرَى كَيْف تَبَدَّلَت مَلامح غَيْداء..خامَرهُ شُعورٌ كَريه قَذَفَ ذاته إلى زاوية حَقيرة..لِيَراها صَغيرة و فَقيرة من أَدب..،اسْتَمَعَ إلي حَديثها المُشَيَّع بِلَحْنٍ مُسْتَنْكِر،:من متى إنت قَليل ذوق بهالطريقة! "تَرَاجعت للخَلْف غير مُصَدِّقة" لا مُستحيــل..عَبّود أخوي ما يهين الناس حتى لو غلطوا عليه..شلون لو كانت بنية! ولاا بعد..زَميلة عمل! "كَرَّرَت و هي تُطالب بجواب قَد يُرَقّع ما نَقَفَهُ بأفعاله المُتناقِضة مع شَخْصيته المُسالِمة" ليـش سويت جذي عبدالله!
أَجابها و الضَّياع يُوَجّه رَأسه الذي بَدأ يَتَلَفَّت ذات اليَمين،و ذات الشّمال،:لأنّي ما بيها
مالَ رَأسها بِخِفَّة و كَأَنَّها لَم تَسْتَمِع جَيّداً للذي نَطَقه..أعادت جُمْلَته بِخَواء فَهْم،:ما تبيها! شلون يعني ماتبيها؟
رَفَعَ كَتِفيه و عَدَسَتاه تَتَراكَضان في المَكان باحِثَتان عن جَوابٍ ينقذه..،:يعنــي... .. يعني مابيها في حياتي..وجودها مو مريح..مابيها وبس
انْفَلَتت منها ضِحْكة قَصيرة كِناية على اسْتحواذ عُقَد التَّيه على عَقْلها..فكلماته المُتقاطِعة هَذه مَسَحت كُل الذي كانت تَظِن إنها تَوَصَّلَت إليه عندما نَطَق باسم هذه الأنثى..أَفْصَحَت،:عَبْدالله، ترى أنا مو فاهمة شي..يعني شنو ماتبيها في حياتك! هي زميلة في المستشفى لا أكثر "و بِشَك أَرْدَفَت" صَح كلامي لو في شي ما أعرفه؟
الْتَزَمَ الصَّمْت للحظات و مِن ثُمَّ تَعَكَّزَ على تَرَدُّده لِيُزيح السِّتار عَمَّا تَرَاكمَ لِأكثر مِن شَهْر فَوْقَ قَلْبه..و دُون أَن يُأَطِّر وَجْهها بِأجْفانه هَمَسَ و السَّماءُ مُشَرِّعة أَبْوابها لاسْتقبال سِرّه..،:وُجودها يحيي النَّبض اللي ذابحه غصب....مابي أغرق في فشل جَديد
الْتَوَى عِرْق وَسَط جَواها المُثْقَل بِهَمّه...إذاً أَنْتَ خائفٌ أَخي؟ ذِكْراكَ السَّيئة تُحارب يَنَع مَشاعرك صَغيري؟ أَمال الحَنْو رَأسها..و ذابَ فَوْقَ جِفْنَيْها حُبٌّ صافي وُلِد في رُوحها مُذ تَكَوَّر بَطْن والدتها المُحْتَضِنَهُ جَنيناً..هَمَسَت مُخْتَزِلَة عاطِفة الدُّنيا في كَلِمة،:حَبيـــبي
وَقَفَت و خَطَت إليه..تُسَيِّرها مَحَبَّة عَظيمة أَسرَعَ القَمَر لِيُسابق النُّجوم في الفَوْز بِبَريق سِحْرها الفَريد..جَلَسَت على رُكْبَتَيها أَمامه..رَفَع رَأسه إليها مُسْتَجيباً لقُرْبِها الدَّافئ..تَقَابَلَت مَلامحهُ المُثْخَنة بالحيرة..مع مَلامحها المُتَسَرْبِلة بزُهورٍ عَذْبة..يَراها تَطُل من مُقْلَتيها و قَد اصْطَبَغَت بالأَمَل..،هي رَفَعَت يَدَها و بِنعومة أَبْعَدت خُصلاته عن جَبينه لِتَهْمِس بِنَبْرة يُداعبها عِتابٌ وِدّي،:بعد عُمْري ليش متعّب قلبك؟ "قَرَصَت خَدّه بخِفَّة لِتُكْمِل باسِمة" تَرى ما أرضى عليه
شَدَّ شَفَتَيه راسِماً تَجاعيد الخَيْبة..،:لأن ما يصلح يتعلق غَيْداء..تدرين فيني..أنا رجال ما بلعب على البنية..إذا ارتحت لها بخليها تصير حلالي
اسْتَفْسَرَت بجديَّة،:و ليش ما تخليها تصير حلالك ؟
ببساطة أَجاب و الأَلَمُ انْبَجَسَ من عَيْنَيه حَتَّى طَالَ قَلْبَها فَأَسْقَمَه،:لأنّي زُوج سَيء
أَصابتها جُمْلَته بِسَهْمٍ مَسْموم..شَعَرت بسُمومه و هي تُجَلّط قَلْبَها بِوَجَعٍ مَرير..تَصَدَّعَت مَلامحها بضيقٍ نَبَت من جُذور كَلِماته الآسنة..و بِصَوْتٍ حَجَّرتهُ الغَصَّة،:عَبّـ ـوود..ليش تقول عن نفسك هالحجي!
أَجابها و خَيْبَة الأَمل تُشاكس أَهْدابه،:لأني فعلاً زوج سيء..لو ما كنت سيء ما كرهتني بنت عمش و طلبت الطَلاق "اسْتَطْرَد مُواصِلاً تَقْويض نَبضات أُخْته" أخاف ارتبط فيها و أعيش و أنا متخيل نفسي أحسن زوج في الدنيا..و بعدين انصدم إنــ ـها
"و البُكاء قَد اجْتَرَع صَوْتَها حَتَّى بَصَقهُ مَبْحوحاً تُرافقه آه أَوْجَعَت قَلْبه التَّائه..،:عَبـ ـدالله مو قادرة.. ... مو قادرة أعيـ ـش وياك "أَخْفَت وَجْهها بِيَدَيها،كأنَّما تَسْتِر سِرَّاً مُخْجِلاً عانَدها وانْفَجَر لِيُشَوّه فؤاده" تعبت و أنا أضغط على نفسي عشـ ـان تعتادك"
سُؤال غَيْداء انْتَشَلَهُ من دَوَّامة الذّكْرى المُدَجَّجَة بالجِراح و الأَوْجاع الصَّادِمة..،:إنها شنو؟
أَكْمَل و هُو يَخْفض رَأسه حَتَّى لا تَلْمح انْكساره المَزْروع من بَذْرة تِلْك الليْلة السَّابِحة في بَحْرٍ من اعْترافات نَتِنة..،:أخاف انصدم إنها مو طايقتني..و غاصبة نفسها علي "تَمْتَمَ" مثلها مثل غيرها
عَقَّبَت غَيْداء بِحِدَّة نَثَرَت شَذَرات تَعَجُّب على عَقْله مما جَعَله يُعاود النَّظر إليها،:و من قال إنَّ غيرها ما كانت طايقتك و غاصبة نفسها عليك ؟
أَجاب بانشداه لِملامح أُخْته الغَريبة،:هــي
نَطَقَت صافِعة تَيْهه،:نُور كانت مجبورة
تَرَاجع جَسَدهُ للخَلْف نافِراً من الجُمْلة التي نَطَقَها لِسانها بثِقة..اسْتَنْكَرَ و الضَّياع المَسْفوك على وَجْهه خالَطَهُ اشْمئزاز و هُو يُرَدّد،:مَجْبورة! و من إن شاء الله اللي يجبر زوجة إنها تقول هالحجي لزوجها! "اعْتَلَت نَبْرته من فِرْط التَّوَتُّر الذي بَدَأ يَبْسط جَناحيه السَّوْداوين على حواسه" أصلاً من اللي يحمل لنا الضغينة عشان يجبرها و يفرقنا!
بهُدوء حازم،:هذا كل اللي اقدر أقوله لك..مو من حقي أقول أكثر..أساساً ما اعرف إلا الشي القليل..تبي تفهم الموضوع عدل كلّم نُور..أعتقد إن عندها حجي واجد
أَنْهَت حَديثها ثُمَّ وَقَفَت لِتَرْتَفع حَدَقَتيه تُلاحِقانها و شَرارة من غَضَب أَخَذَت تَسْتَقِر وَسَطَهما..تَسَاءَل و هُو يَراها تَسْتَدير مُبْتَعِدة،:وين رايحة؟
أَجابت و هي تُدير لهُ رَأسها،:بروح أنام..الساعة ثنتين إلا
وَقَف يُواجهها قائِلاً باعْتراض،:تنامين عقب ما وترتيني بحجيش!
ابْتَسَمَت لهُ ابْتسامة مُشاكَسة حاولت بها إخْماد ما بَدأ بالإهْتياج داخله،:عقاب لك على اللي سويته في مَرْوة..و عشان مرة ثانية ما تذم نفسك
,،
الغُيوم مُتَّكِئة وَسَط السَّماءِ بازْدِحامٍ أَحْجَبَ عَنْها الرُّؤية..و القَمَرُ انْطَوى خَلْفَ تَكَدُّساتِها مُكْتَفِياً بالنَّظَرِ إلى أَشْلاءٍ من قُلوبٍ و مَشاعِر..أَمَّا الفَجْر..فَهْو قَد الْتَقَطَ صَفْحةٌ جَديدة من بَيْن صَفَحات غَسَقِه المُحْتَفِظة بِأَسْرارٍ تَنْطَفئ كُلَّما أَشْرَقَت شَمْسُ يَوْمٍ جَديد..الْتَقَطَها لِيَحْكي لَها عن اثْنَيْن..أَضاعا طَريق اللقاء..و لا زالا يَتَخَبَّطان بَيْن أَزِقَّة الغِياب و العَمى قَد سَكَبَ ماءَهُ الأبْيض على قَلْبيهما..،يَجْلُس فَوْق مَقْعَد سَيَّارته..فاتِحاً الباب سامِحاً لِساقَيه من الخُروج و اسْتنشاق بِضْع أَنْفاسٍ فَجْرِيَّة..قَدَماه مُسْتَقِرَّتان على أَرْضٍ مَسيكة..ضَعَّفَت من الْتصاق جُزيئاتها حَتَّى لا تَخْتَنِق من فَيضان مَشاعره المَحْمومة..،صَمْتٌ مُوْحِش يُحيطُ بِه ما خَلا هَمْسُ الليْل..و هَمْسُ.. ..حَبيبته،
،:فيــصل!
أَغْمضَ و الأَلَمُ يَجْري بهِ مَجْرى الدَّم في الوَريد..كَزَّ على أَسْنانه لِيَسْجُن آه نَشَبَت بِحَلْقه،مانِعاً إيَّاها من الوُلوجِ و فَضْح وَجَعه..عادَ هَمْسها مُواصِلاً تَحْفيز مَساماته على اسْتفراغ العَرَق..الحَرارة تَشْتاط كُلَّما مَضَت ثانِية و صَوْت أَنْفاسها الواضِحة يَتَلاعب بِنَبْضه..و هَمْسُها يَعْبر أُذنيه لِيُذيب بَقايا نُدْف الثَّلَج التي صَمَدَت أَمام طَيْش عشقٍ مَشْروخ..،
،:فيصل...شفيك؟
أَحْنى ظَهْره،بالتَّوالي مع ارْتفاع يَده لِتَقْبض على خُصلاته التي بَلَّدَها العَرَق الرَّاسم خَرائطه على كُل جُزَيء من جَسَده...أَتاهُ نِداؤها من جَديد تَتَذَيَّلهُ أَلْحانُ قَلَق..،:فيــصل!!
فَتَحَ فَمه كَبَوَّابَة سِجْنٍ فُتِحَت لِمَن حُرِموا من الشَّمْسِ لِأعْوام..حُروفه كانَت كَسَجين زَفَّوا لَهُ خَبَرَ حُرِّيَته..تَراَشَقت بِسُرْعة دُون أن يَحْكُمَها تَفْكير و البَحَّةُ مَهْدُها..،:اشْــــتقت للندن..و للشتا و للدفايَّة اللي في زاوية صالة شقتنا..و لذاك الشال الصوف... ..المختلطة فيه ريحة عطورنا "فَرَّت من جَواهُ ضِحْكة قَصيرة بَلَّلُها مَطَرُ ذاته و هُو يُرْدِف" تدريــن...للحين عندي الشال..بس ما صار يدفي.. ..صار أبرد من ليالي لندن اللي يغطيها الثلج "أَزاحَ جِفْنيه لِيُبصِر سَماء لُنْدُن و هَي تَسْتَحيل بَحْراً يَتَساقَط على هَيْأةِ دُموع تَنْعى رُوحه" حَتَّى ريحته غابت..و كأنَّ الحاضر طلَّقها..من يوم ما طلقتش
حَرارة مُلْهِبة..لاسِعة..و قاتِلة،امْتَلَكَتها رُوحاً..قَلْباً وَ جَسَدا..و كَأنَّها هي النَّار التي تَسْتَفْرِغ سَعيرا..كَأنَّها هي النَّار التي تَسْتَقْبِل رَجُلاً مَكْسوراً..وَ كَأنَّها هِي النَّار التي تُرْمد ذِكْريات انْتَشَت سُرورا..قَشْعَريرة صاعِقة نالَت من أَوْصالها و هي تُصْغي لِهَمْسه المُجْتَرِع كَأساً من هَذَيان..كَلِماته..أَم..أم تُسَمِّيها اعْترافاته؟ أَحالوها سَحابة رَمادِيَّة أَثْقَلَتها الدُّموع،لا هي التي أَمْطَرَت على جِرْحه فَأنْهَت نزيفه..و لاهي التي قَصَدت أَرْضاً غَيْر أَرْضِ رُجولته لِتُهْديهِ شَمْساً..،اخْتَلَجَت شِفاهُها، و انْتابَ ذِقْنها اهْتزازتٍ مَريرة أَشْبَه باهْتزازاتِ وَتَرٍ أَضاعَ لَحْنَ مَعْزوفته..،أَغْمَضَت بِأسَى،و مِن بَيْن الهُدب سَطَعَت لؤلؤة شَفَّافة..قَبَّلَت خَدَّها و عَزَّت فَقْده لِقُبلات شَفَتَيه..،احْتَضَنَت الهاتف بِكِلْتا يَدَيها مُصْغِيَةً بِجُل حَواسها..بَل بِسِنينها التي مَضَت و سَتَمْضي يَتيمة مِنه..،هُو أَكْمَل هَمْسُه الغَبَشي..قاصِداً مُنْحَنَى آخر..،:ابــي اشوفها..ابي اشوف جَنى..وحشتني
اجْتَرَعَت غَصَّتها الثَّقيلة ثُمَّ أَجابتهُ بِعَبْرة واضِحة و هي تَمْس أَنْفها بِظاهر كَفَّها،وَ كأنَّها تُحادث طِفْل،:باجـ ـر إن شاء الله بجيبها لك
عَقَّبَ بنَبْرة أَعْلى من الهَمس و كَأنَّهُ اسْتَرَدَّ القَليل من وَعْيه،:لاا..اللحين.. .."خَبَى صَوْته من جَديد" اللحين ابي بشوفها
فَتَحَت عَيْنَيها لِيَنْساب فَيْضُها المالِح بِحُرِّيَّة على وَجْنَتيها..تَساءَلَت بِعُقْدة حاجِبَين،:شلون اللحين!
أَفْصَحَ ساكِباً عَلَيَها صِهْريجاً من ماءٍ يَرْتَعِشُ بَرْداً..،:أنا اهني..عند بيتكم
وَثَبَت واقِفة لِتَخْطو عَلَى عَجَلَ ناحِية النَّافِذة..أَبْعَدَت السَّتائِر لِيَصْطدم نَبْضُها بِمَرْكَبته..كان جُزْءَها الخَلْفي جَلي..إلا أَنَّ مُقَدِّمتها لَم تَكُن واضِحة..لِذا لَم تَسْتَطِع أَن تَراه..هَمَسَت و مَلامحها تَتَصَدَّع حيرة،:فيصل الوقت متأخر
كَرَّرَ بإصْرار عَجَباً أَنَّ هَوانه كان يُقَوِّيه،:بَلى..ابي اشوفها جِنان..أرجوش
اخْتَبَأ بَصَرُها خَلْفَ إغْماضٍ يُتَرْجِم قِلَّة حيلتها..هي غير قادِرة على التَّحديق بِسَواد مَرْكَبته الذي يَدْعم إصْراره على طَلَبه الصَّعْب..الوَقْت مُتَأَخّر جِدَّاً..فالسَّاعة تَكاد تُعانق عَقاربها الثَّانية صَباحاً..فَكَيْف تُلَبِّي طَلَبه تَحْتَ أَجْنِحة الليْل المُدْلَهِمَّة أَرْكانه؟ قَلْبُها غير قادِر على رَدّه خائباً..خاصَّة وَ هُو قادِمٌ إليها حُرَّاً من كِبْرياء..إلا أَنَّها لا تَسْتَطيع أن تُلَبّي طَلَبهُ وَحْدها..لا تَستطيع..،
نِداءٌ يُرَفْرفُ بِجِنْحَي رَجاء،:جِنــان
نَطَقَت و هي تَقْبض يَدَها فَوْق النَّافِذة..،:انتظر شوي
,،
وَطَأ الدِّماء بِقَدَمَيه..تَجَاهَل لُزوجتها و أَشاح بَصَرَهُ عن احْمرارها العَبيط..فالذي كان يُسَيّره تِلْك المُقْلَتَان..المُنْتَصِب فيهما بَحْرٌ ارْتَوَى من سُحُبٍ سَوْداء ساقَتها إليه رِياح رَجُلٍ شَيْطاني..وُلِدَت رُوحه من رَحْمِ مَرَض نَفْسي..،وَصَل خِلال وَقْت قِياسي لِلمَبْنى المَمْلوك لَه..قَصَدَ شِقَّتها التي احْتَوَتها بَعْدَ أن عادَت من غُرْبَتها الطَّويلة..أَخْرَجَ المَفاتيح بِيَد تَرْتَجِفُ حَماساً..حَشَر المَقْصود في القِفل لِيَصْدُر صَوْت انْفتاحه بَعْد لَحَظات..دَلَفَ وَ رَأساً مَشى نَحْو غُرْفة نَوْمها بخطوات واسِعة..فهي كَعادتها لا تُرافق السَّهر إلا إذا حَرَّضها الحُزْن لِعَقْد صَداقة مَعه..،حاوَلَ أن يَدْخل دُون أن يَفْزَعها..لَكِن بِمُجَرَّد أَن فَتَح الباب فَزَّت هي بِوَجْهٍ مَخْطوف..و عَيْنان أَوْسَعهما الحَذَر..تَلَفَّتَت بِنِصْف وَعْي قَبْل أَن تَطَأ عَيْناها وَجْهه..تَقَدَّم منها و هي تَنْظُر لهُ من خَلْف غِشاء الخَدَر الذي لا زال يُغَلِّف حَواسها..جَلَسَ على السَّرير أَمامها..رَفَع يَديه قابِضاً على كَتِفَيها العاريين إلا من حِبال ضَعيــفة..ضَغَطَ و مَشاعره المُخْتَلِطة عَبَرَت خُطوط كَفَّيه حَتَّى امْتَصَّها جِلْدَها المُلْتَحِف بِبَياضٍ ثَلْجي..تَقَلْقَلَت حَدَقَتيها على وَجْهه القَريب جِدَّاً..بِمَلامح نَشَرت أعْلام الزيغ كانت تَنظْر لَه..وَ وَسَط شَفَتيها المُتَحَرِّرَتين من زينة بانت ثَغْرة صَغيرة..كانت حَواسها تُناشد من خِلالها الصَّحْوة..،هَمَسَ ببطئ كَأَنَّما يَمْضَغ الكَلِمة بِتَرَوِّ لِيَسْتَمْتِع بِطَعْمها..و عَيْناه تُلاحِقان تَيه عَيْنَيْها،:فاتن ماتت..اختارت إنها ترمي نفسها من فوق مبنى مهجور و صارت جثَّة بملامح مشوهة..محد يقدر يتعرف عليها..بس التحليلات تقول إنها فاتن..الدكتورة اللي كانت عايشة بين برلين و لُنْدن
أَطْبَقَت شَفَتَيها و هي لا تزال تُحَدّق بِوَجْهه و الصَّمْتُ سَيِّدها..كَلِماته غُرِسَت في عَقْلها و لَكِنَّها لَم تَتَذَوَّق مَقْصَدَها..قَلَبَتها لِدَقيقة مُنَبِّشة عن تَرْجمة لها..لَكن يَداه كانتا أَسْرع..فَهُما احْتَضَنَتا وَجْهها المَنْحوتة فَوْق قَسَماته آثار نَوْم تَعُود لأكثر من ساعَتان..،عَلا صَوْته قَليلاً،:وَعَد انتبهي معاي "أَرْدَفَ بِأسْلوب تَلْقين" فاتن انتحرت..رَمت نفسها من فوق مبنى مهجور..تشوهت ملامحها..محد قدر يتعرف على وجهها..التحليلات تقول إن اللي انتحرت هي فاتن..الدكتورة اللي كانت عايشة بين بَرْلين ولُنْدن
فَزَّت واقِفة و هي تَبْتَعِد خُطْوة عن السَّرير..نَظَرَت إليه و الشَّكُ مَعْقوداً بأهْدابها..طالَبَتهُ بِصَوْتٍ كانَ يَباباً فَقيرٌ من شُعور..،:عطني كَف
اسْتَقام جَسَده بِوُقوفٍ واثِق..شَطَبَ الخُطْوة الفاصِلة جَسَديها..مالَ بِخِفَّة ناحِتَها..و بِمُنْتَهَى الرِّقَّة لَثَمَ خَدَّها..رَفَع رَأسه لِيُقابلهُ وَجْهها الذي بَدَأت تُزْهِر بَيْنَ جَنَباته سَعادة مَحْشوَّة بِسُكَّرِ الحُلْم..نَعَم إنَّهُ حُلْم..حُلْمٌ كان شَجَرة رَبيعها التي اسْتَظَلَّت بِها لِسِتَّة و عُشْرون عاماً..لَها أَغْصانٌ تَتَسَرْبَل بأوْراقٍ تَزْهو اخْضراراً يانع..خُطَّ فَوْقَها حِكاية انتقامها المُتَخَفِّية تَحْتَ ثَوْبٍ أَخاطتهُ أَنامل امْرَأة اقْتات على الكَيْد..،ابْتَسَمت بَعْدَ أن رَتَّبَت قُبْلته الكَلِمات فَوْق أَسْطُر عَقْلها..تَساءَلت لِتَطْمَئن،:يعني خَلاص
رَدَّدَ بِهَمْسٍ باسِم،:خـلاص
عَبَرَت صَدْرَها تَنْهيدة أَحْنى اليَأسُ ظَهْرَها..فهي لَطالما وَصَلَ بِها الأَمْر لِفُقْدان الأَمَل من الإنْتقام..و لِوَهْلة اعْتَقَدَت أَنَّها سَتُموت دُون أَن تَثْأر لِدمائهم..لَكن الآن..فُتِحَت لها أَبْواب الخَلاصِ من كَوابيس ماضيٍ وَحْشي..،مَسَحت غُبار الإنتظار الذي شاب على وَجْهها و هي تَهْمِس بِصِدْق،و رَجْفة لَذيذة مَسَّتها مُعيدة بَثَّ الحَياة بَيْن أَوْصالها،:الحمدلله..الحمدلله يارب
هُو اقْتَطَع هذه اللحَظات الدَّافِئة بِحَزْم،:لازم نطلع من اهني قبل ما تشرق الشمس..غيري ملابسش و اخذي من الشقة اللي تبينه..لازم نطلع من غير ما يشوفنا أحد
عَقَّبَت و أَطْياف مَوْجٍ تُناغي ذاكرتها..،:ما باخذ من الشقة غير شي واحد
,،
يَتْبَع