إرتواء نبض
01-16-2020, 09:52 PM
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء الثَّامن و الأَرْبعون
،
بِخَريرِ دَمْعٍ أَغْرَق رِمالَ الرُّجولةِ التي يُشَكِّلَها بِيَدَيه الصَّغيرَتين أَوْسِمة..يَتَقَلَّد بِها اتِّباعاً لِوالده،:يُمَّـــــــه ! طاح التــوت طـــاح..كلَّه مــات و طاح ! بيمــووت يُمَّـــه !
أَضاف مع احْتكار جُحوظ الفَزَع مَحْجَريه و العَبْرة تَفْتك بِصَوْته المَبْحوح خِلْقة،:بيمــ ـــوت التوت اللي يزرع في شَفايفهــ ــا !
،
عَيْنان أَوْسَعَتهما فَرْحة مازَجَها حَماسٌ بَدَأ يُرَفْرِف وَسَط رُوحها..و بتساؤُل مُتَلَهّف،:احْـــلف فيصل ! قول والله قول والله...من صدق تتكلم لو قاعد تمزح ؟
ضِحْكة قَصيرة غادَرت حَنْجرته وَ رَأسهُ يَميل بِخِفَّة لليَمين،بالتَّطارد مع مَيَلان شَفَتيه كاشِفَتان عن ابْتسامة عَجَبَاً أَنَّ الخَجَل قَبَضَ عليها مانِعاً إيَّاها من فَضْح دواخله..فكان وُلوجها للضَّوء نِصْفي..تَوَارى نِصْفها الآخر خَلْف حُصون قَلْبه المُتَكَتِّم و جِدَّاً..بِصَوْتٍ كان يَسْتَظِل بالخُفوت حَتَّى لا يُبَلّله حَدْس أَحَدٍ رُبَّما قَد يُشاغِب عَقْلهُ الشَّك..،:والله ما امزح "حَكَّ خَدَّه بِطَرف سَبَّابته مُرْدِفاً" من فترة كنت أفكر في الموضوع..و بعد ما حسيت إنّي جاهز قلت أكلمكم
تَساءَلت جُود بفضول و بذات الحَماس،:تحب وحده يعني ؟
انْقباضاتٍ و انْبساطات تَوالت عليه مُهاجِمة مَعِدَته..و بين حُجرات قَلْبه تَصَادمت النَّبَضات بِشَعْواء يَشُوبها التَّوَتُّر..و صِدْغاه نَشَطَت بين عُروقِهما بَراكين لها حُمم مُشْتَعِلة،لَظَاها أَيْقَظ عَرَقَه..إلهي ما هذا العَذاب ؟ فَيْصَل..ما هذا الكِبْرياء ؟ اكْشِف الخِمار عن ضِعْفك وَ لَو لِمَرَّة..مَرَّة فَقَط..لَيْسَت خَسارة..ولا انْكسار ! تَجاهَل نَصيحة عَقْله التي لم يَعْلم حِينها أَنَّهُ سيَنْحَرها بعد سِنينٍ أَشَدَّ نَحْر..شَبَك ذراعيه فَوْقَ صَدْره..كَما قُضْبان تُسْجَن من خَلْفها اعْترافات قَلْب حَرَّمَ عليه مُمارَسة أَعْظَم حُقوقه..نَطَق و هُو يُلْبِس عَيْناه الجِدّيَّة التي تُليق به دائماً و أَبداً..،:أكيد لا..ما عندي هالسوالف أنا
نُور بهُدوء تَساءَلَت لتتأكَّد،:يعني تبينا احنا نخطب لك ؟ على ذوقنا
بضِحْكة أَجاب،:لا طبعاً..مو على ذوقكم تماماً "حَرَّكَ كَتِفَيه مُوَضّحاً" يعني اقترحوا علي و بشوف إذا تناسبني ولا لا
والده شاركهم النِّقاش مُضيفاً نَصيحة لبِكْره،:أهم شي تكون مقتنع في البنية..يعني لو يكتبون فيها قَصايد مَدح و يزينونها في عيونك و إنت مو مرتاح لها..لا توافق..إنت اللي بتعيش معاها مو هم
جُود باعْتراض قالت،:لا يُبه ما يصير..إذا البنت كاملة في كل شي..ليش يرفضها !
ارتَفَع حاجِباه مُجيباً ببساطة،:بعد إذا ما دخلت قلبه ! يغصب روحه و ياخذها لأنها كاملة في نظركم ؟
نُور بتأييد،:صح كلام أبوي..مهما كانت عاجبتنا فهو اللي في النهاية بيعيش وياها..مو احنا..فاقتناعه أهم شي
رَفَع بَصَره لِوالدته الصَّامتة..بسُكونٍ سارِح تَتَأَمَّل نُقْطة مُعَيَّنة..يُبْدو أَنَّها قَد نَقَلَتها إلى زَمَنٍ و مَكانٍ مُبْهَمَيْن..بَعيداً عن حاضِرَهم..ناداها بهُدوء،:يُمَّه،ما سمعنا رايش !
صَوْته المُرْتَدي نَبْرة الإسْتنكار لم يَخْتَرِق الغِشاء الفاصل كَيَانها عنهم..أعاد المُناداة بِصَوت أَكْثَر ارْتِفاعاً و حَدَقَتيه مُتَعَلِّقَتان بِشَبَح الإبْتسامة الغَريبة و الغافِية فَوْقَ شَفَتَيها الصَّغيرَتَين..،:يُمَّـــه !
بَهُتَ الغِشاء و افْتَرَقَت جُزَيْآته لِتَفُر كَفِرار غازاتٍ ما هي إلا بَقايا فُقاعة شَفَّافة..رَمَشَت بِخِفَّة مُسْتَعيدة صَحْوَتها..نَظَرَت إليه بانْتباه و هي تُجيب بِمَلَق و الإبْتسامة لا زالت تَرْتَوي من شَهْدها،:نعم حَبيبي
جُود تَدَخَّلت بِلَحْنِ غيرة اعْتاد أَن يَحْتَكِر حِبالها الصَّوْتِيَّة كُلَّما اجْتَمَعت والدِتَها بِشَقَيقَها الأَكْبَر،:حَبيبش مستغرب ليش ما عطيتينا رايش في موضوع خطبته المُوَقَّرَة
أَرْخَت ساق على الأُخْرى و هي تُسْنِد ظَهْرَها للأَريكة مُعَقِّبَةً بِحاجِبٍ أَرْفَعهُ ثِقْل الإبْتسامة الواسِعة،:حَبيبي..أنا أقول نشوف لك أول شي من أهلنا..إذا و لا وحدة عجبتك..نبدي نشوف من بعيد "أَخْفَضَت رَأسَها قَليلاً جِداً،لِتَنْظُر إليه من الأَسْفَل و الإبْتسامة شاكَسها مَكْرٌ بدَأَ بِنَثْر بُذور الإرْتباك بين حَواسه..أَرْدَفَت بِلَحْن لَهُ مآرب" أو يمكن إنت حولك وحدة..أو في قلبك وحدة
رَنا بِعَيْنيه لِجُود التي نَطَقَت بتَمَلْمُل دُون أن تَعْرف أَنَّها أَنْقَذته من الجواب،:ماما ولدش هذا من كثر غروره قلبه مافيه قفل أَساساً..يعني ما في أمل وحدة يكون عندها مفتاحه و يحبها
نَطَقَت نُور و هي تَحْدو قافِلة التَّفْكير،:من أهلنا ؟ "مَسَّت ذِقْنها و جُزْء من شَفَتيها الزَّهْريتين بظاهر أَصابعها المَطْوِيَّة و هي تُكْمِل" غَيْداء مخطوبة..و حتى لو مو مخطوبة هي أكبر منه..و بنات خالاتي الأغلب صغار..بعدهم حتى ثانوي ما دخلوا..وو جِنــان
حَلَّقَت حَدَقَتاها لِجُود التي أكْمَلَت عَنها بثقة،:و جِنان بنت عمتي ماتبي تتزوج نهائِياً
والدها اسْتَنْكَر بعُقْدة حاجِبَين،:ماتبي تتزوج ! و ليش إن شاء الله !
أَجابتهُ زَوْجته و هي تُرْسِل لَهُ بِعَيْنَيها الواقع الذي أَفْرى بمخالبه حُلْم الزَّواج الذي يُرافق وَسَن أي أُنْثى،:إنت أدرى يا ناصر..أمها و أبوها ما قصَّروا
زَمَّ شَفَتَيه و هُو يَهز رَأسه إيجاباً بعَدم اقْتناع..و عُقْدة حاجِبيه مَدَّدَت سَيْطَرَتها حَتَّى اسْتَحْوَذَت على باقي ملامحه..يَبْدو أَنَّ الضَّياع الذي يَحْكُم حَياة تِلْك الشَّابَّة طالَ مُسْتَقْبَلَها..لَم يَكْتَفِ من تَشْويه أَحْلام مُراهقتها..شَطْب ابْتساماتها و كَتْم ضِحْكات سَعَاداتها..فَهْو تَعَدَّى على المِرْآة العاكِسة أَحْلام مُسْتَقْبَلها..فهَشَّمَها بالقَدْرِ الذي لا يَعْلمهُ أَحد..لِذا فَلَن يُجْبِرهُ أحد..،تَزَاحَمت التَّنْهيدات في صَدْره..اخْتَلَطَت و تَجانَسَت حَتَّى اسْتَوَت آه زَفَّتها قِلَّة الحيلة من بين أَضْلعهُ،لِتَذْوي بين جَنَبات هَواء مَبْتور اليَدَين..يُسْتحال أن يَلْتَقِطها فَيُصَيّر الآه قُدْرة تَنْفذ لِروح هذا الخال الأَعْزَل..بَذَل كُل مافي وِسْعه لإنْقاذ تِلْك الضَّحِيَّة و شَقيقها بَعْد مُخَلَّفات وَغى خَطيرة..تُدَمّر الطُّفولة و تُبَدّد الأحلام بَعْد أن تَخْرق سَفينة الأَمان،فَيَكون الحِرْمان من شاطئ الاسْتقرار..لكن هذا القَرار للتو يَسْمعه..و لَم تَسْتَسغه حَواسه..و هُنا لا بُد من خُطْوة جَديدة..يُواصِل من خلالها بَذْل طاقته..مَنْطقه..و عَواطفه..،
أَمَّا ذاك..المَحْكوم على قَلْبه بالسّجن المُؤبَّد..فقد أَصْدرَ حُكْماً آخر..كان من نَصيب لِسانه الذي انْطَوى على نَفْسه..لِيَشْنق كَلِماته حَتّى المَوْت..هُو مُذ أَنْهَت جُود جُمْلَتها فَتَحَ فَمَهُ لِيَسْتَنْكِر..لَكنَّ يَدا كِبْريائه كانَ القَضاء مُلْكَهما..فبَصَمَتا على حُكْمٍ جَديد يَمْنع حَواسه المُنْتَشِية حُبَّاً من تَقْويض حُصون الكِبْرياء العَتيد..ضَمَّ شَفَتيه بقوَّة و تَرَك صَوْته يَزْعق في جَوْفه..كما أَبْكَم يَصْرُخ مُنادِياً الكَلِمة لِتُجيبه بِصَفْعة مُدْوِية..ما هي إلا صَمْتٌ يُشْبِه الصَّمْتَ المُتَكَفِّنة بهِ خَسائِر الحَرب..،شَدَّد من عُقْدة ذراعيه لِيُضيق الخِناق على نَبْضه لَعَلَّه يَتنازل عن مَطالبه..ازْدَرَد ريقه مُحاولاً التَّمَلُّص من بين هِذْيان رُوحه التي أَصابها الخَبَر بسَهْمٍ قاتَل..لا تُريد الزَّواج نِهائِياً..نهائياً فَيْصل..إذاً هي مَحْذوفة من قائمة الإقْتراحات كُلِيَّاً..،
بِصَوْتٍ واحد اعْتَلى اعْتراضهما الحاد،:لاااا مُستحيـــــل
انْتَشَل ذاته من زَعْزَعة قَلْبه و رُوحه لِيَلْتَفِت بِحواس مَحْمومة لِشَقيقَتَيْه المُلَوّح ذُعْرٌ مُضْحِك على وَجْهيهما..أَدارَ رَأسه بِعَدم فهم لِوالده الذي عَلَّقَ بضِحْكة،:لا عاد..ردة الفعل جداً مبالغ فيها
جُود قالت و عَيْناها يُحاوطهما اتّساع يُوضّح جِدّية اهتمامها بالذي يُناقَش..،:لا بابا مو مبالغ فيها..مستحيل هالشي يصير "وَضَعت كَفَّيها على رَأسها كَمَن يَخْشى من وُقوع مُصيبة و هي تُكْمِل" حَنين و فيصل..يعني عيال ما عندهم أرض..بس سما..من كثر ما روسهم تطالع فوق
نُور بهدوء و حَديثٍ حاولت أن تُنَمّقه بالمَنْطِقِيَّة،:ماما يعني هو في النهاية الراي راي فيصل..بس من نظري حَنين ما تصلح له.. بالأحرى اثنينهم ما يصلحون لبعض..صراحة صراحة "نَظَرت لأخيها و هي تُرْدِف بِخَجَل طَفيف" سوري فيصل مو قصدي شي..بس صراحة إنت نفسها..ثقتكم بنفسكم زايدة و قد توصل للغرور
جُود أَكْمَلت عنها بمَلامح اعْتَلاها الاشْمئزاز،:الذي لا يُطاق..الواحد عادي يفكر يذبح نفسه من غروركم المُسْتَفِز
اسْتَأنَفَت نُور رَأيها و هي تُعاود تَوْجيه كلماتها لِوالديها،:فأنا اشوف إنهم ما بيقدرون يتفاهمون مع بعض بسبَّة طبعهم المتوافق
ابْتَسَم فيصل بِخِفَّة و هُو يَفُك عُقْدَة ذراعيه مُعَقّباً مع تَقَدُّم جَسَده للأمام لِيَتَّكئ بِمِرْفَقيه على فَخْذيه،:صح كلام نور..أنا عارف طبعي و عارف طبع حَنين..أدري لا أنا بتحملها و لا هي بتتحملني
جُود أضافت لِتُذَكّرهم،:و لاتنسون إنَّ اسمها مرتبط براشد ولد خالتي من يوم احنا صغار
وَقَفَ والده قائِلاً مُؤكّداً على الحقيقة التي تَوَصَّلَ إليها الجَميع..و تَوَصَّلَ إليها فَيْصَل بِغَصَّة مَكْتومة،:يعني ما لك نصيب في بناتنا..خل أمك و خواتك يشوفون لك إذا في وحدة من معارفنا "رَفَع يَده مُسَلِّماً و هُو يَخْطو" تصبحون على خير
تَبَعهُ رَدَّاً من الجالسين قَبْلَ أن يَتْرك جَسَد نُور الأريكة مع ارْتفاع يَدها لِفَمها المُتَثَآب نُعاساً حَطَّ على جِفْنيها،:و أنا بعد وصلت نومتي..تصبحون على خير
فَزَّت جُود من مكانها مُغادِرة أَيْضاً..لا لِنَوْم..وَ لَكن لِتَلْحق شَقيقتها..فَلَديها جُعْبة من الخيارات التي تُريد أن تُلْقي عليهن نُور نَظْرة،قَبْل أن تَضَعهن في القائِمة...،خلال أقل من دَقيقة فَرُغَت غُرْفَة الجُلوس..ما خلا نَفَسان،يَتَأَرْجَحان على وَتيرَتان مُتَنَاقِضَتان..فوَتيرة الوالِدة كانت مُتَّزِنة..تَحُفَّها ثِقة مُزَيَّنة بإكْليلٍ من زَهْر حَمَلَ عَبَقَ الماضي البَريء..أمَّا وَتيرة الإبْن..فَلَقَد شَابها التَّيْه حتى أَحْناها..فَبَدَت مُتَعَرِّجة..تَتعَثَّر بها الأَنْفاس المُضطَّرِبة من خَسارة تَلوح في الأفق على لَحْنِ نايٍ حَزين..يَزُف تابوت حُبّه المَدْفون أَصْلاً وَسَط لَحْد كِبْريائه السَّادي..،
وَ هُو على جُلوسه تَأَمَّل صَفْحة يَده..رآها مُطْمَسة من خُطوط..و كَأنَّها تَعاضَدَت مع مَبْدَأه لِيُعَذِّبا ذاك الفؤاد المَخْلوق من ضعفٍ يُهَدّد رُجولته..فهي رَفضَت أن تَصُف الحُروف فَوْقَها لِتَهْديه إلى طَريقٍ الفَوْز بأنوثتها..لَكِن يا فَيْصَل..ما دُمْتَ خادِماً لِهذا الكِبْرياء..فلن تَعْبُر قَدَماك خطَّ النهاية المُفْضي إلى تِلْك الجِنان المُحَرَّمة..،
كَفٌّ اخْتَزَلت حَنان العالم أَجْمع بَيْن ثَنْيات رَاحتها احْتضَنت شَتات رُوحه المُعْدَم فَوْقَ كَتِفَيه..رَفَع رَأسه كَمَهْزومٍ اشْرَأب عُنُقِه للذي أَتى كَما حُلْمٍ دافئ لِيَنْتَشله من وَحْل خُسْرانه..طَبْطَبَت على هَلَع قَلْبه مُقْلَتان انْعَكَسَ وَسَط بَيَاضَهما شَجَرة تُوت يانِعة..لا تَفْتئ تُناغي رُجُولته..هَمَسَت لهُ و تِلْك الإبْتسامة تُعَرّيه أَجْمَلَ عُري و تَفْضحه أَشْرَفَ فَضيحة..،:حَبيب أمّك لا تخاف..إن شاء الله ما بيقطف توت شَفَايفها إلا إنت
ضَوْءٌ خافِت ناغى لِسانه،فَطَفَق يَتَحَرَّر من انْطوائِهِ القِسْري..مَشْدوهاً للذي أَفصَحَت عنه بِثِقة تُعينها الابْتسامة..و عَيْناه حاصَرَهُما ذُهولٌ بَريء..كَبَراءة فِكْرته التي كان يَعْتَنِقَها في طُفولته..نَطَقَ بِلَحْنٍ يَعْزف عَدَم الإسْتيعاب و حَدَقَتاه تَتَراقَصان على وَجْهها القَريب..،:شلــوون!
صَعَدَت كَفُّها لِخَدّه لِتَحْتَضِنَهُ بِمَلَق و هي تُجيب،:إنت ولدي فيصل..إنت أغلى من نفسي اللي افهمها..ِشلون ما افهمك ؟
أَطْبَقَ شَفَتيه مع انْسِدال جِفْنيه و تَخَبُّط بَصَره على اللاشيء مُتَرْجِماً تَيْهه القابع داخله..و بِكَلِمات مَرَقَتها أسِنَّة الحَقيقة،:بس يُمَّه...يُمَّـــه هي ماتبي..سمعتين شنو قالوا نُور و جُود..ماتبي تتزوج نهائياً
تَرَكَت كَفُّها خَدّه لِتَنْتَقِل لِخصْرها مُتَسائِلةً بِمَلامح ماكِرة و هي تَميل في وُقوفها،:و إنت عشان هالحجي بتدور وجهك عنها و تتركها لرجال ثاني ياخذها ؟ "أَلْقَت عَليه رَعْداً اَفْزَع كَيانه المُبْتَلي بها" يعني عادي عندك تخسرها !
حَرارة لاسِعة شَنَّت هُجومها عَليه حتى اصْطَبَغت أَطْرافه و وجهه من آثارها..نَظَرَ لها و العَزْم على مَحْياهِ يَحْتك بالحِدَّة،لِيُشْعِلان وَميض أَمَل يُسْقي عتْمة ذاك المَسْجون..،:لا يُمَّه..ما ابي اخسرها "أكَّد و البَحَّة تتعاظَم من عُنْف مَشاعره" مُسْتَحيل اتركها تضيع مني
،
ضاعَت..و ضاعَت..و ها هي تَضيع..و سَتَضيعُ حَتْماً مَرَّاتٍ و مرَّات..ما دامَ البُعْدُ مَلِكاً جائِر..يَرْفض الخُضوع لِمَطالب شَعْبه ذو النَّفْس العَزيزة..،كابُوس..كابُوسٌ أَسْود..خانِق،يَقْبضُ على القَلْب و الرُّوح..لَهُ عَبيدٌ من أَقْفال حَديدية تَتَكاتف و تَتَقَيَّد بِبَعْضِها،و تُلْقي بِنَفْسِها على صَدْره..تضْغَط بِلا رَحْمة،و كَأَنَّها تُريد أن تُؤكّد لهُ أَنَّهُ واقِع..فلا تَرْسم يا فَيْصَل آمالاً لِذاتك و تُصَبّرها بِرَغيفٍ مَحْروق يُسَمَّى كابوس..قَد يَتَفَتّت و يُصْبِح بَقايا يَهْزمُها واقعٌ طازج..فَواقعك مُرّ..يَزْداد مَذاقهُ سوءاً بُعْداً يَتْلوه بُعْد..،هَمَسَ باحْتراقٍ يُذيب هُدوء الليْل..و بِبَحْرٍ هائِج من عَرَق أَرْداهُ هَزيلاً..ضَعيفاً و وَهِناً..بالكاد يَلْتَقِط أَنْفاساً ما هي إلا مُخَلَّفات قَلْب تَكَرَّرَ ذَبْحُه..،:ضاعت..ضـ ـاعت.. .. بعد ضاعت مني..ليش طلَّقها ! مو هي تحبه ؟ هو يحبها.. ..هو أخذها مني... ....كانت له من يومها مراهقة....قلبها له....ما كان خالي.. ...هي تحبه..راحت له و هي زوجتي..صارت حقه..ملكه..له بروحه..ليش طلَّقها ! ليش اللحين.....ليش توني دَريت ؟ "ضَرَب بفُتات قُوَّته المَهْزومة على جانب سَقف سَيَّارته و بَحَّته تُرْسِلُ للِيْل عَبْرَتَها" ليــــش بعد ما ملجت على غيرها دَريت...ليـ ــــش !
يَدان لَطالما أَسْنَدَتا خَسَاراته حَطَّتا على كَتِفيه من الخَلْف..لِيَتْبَعهُما هَمْسٌ قَريب مُتَشَبّع بِرائِحة الأُخُوَّة،:فيصل اهدا..لا تفقد سيطرتك على نفسك..و لا تخلي الشيطان ينسيك قَدَر رَبك..كل شي بيده و يجري حسب رغبته..هذا كفيل إنّه يخليك تواصل ليلتك و إنت متطمن..لأن قلبك مؤمن إنّ ما بيصر إلا اللي فيه خير لك
هَمَسَ و الصَّوْت يَضْعَف بين مَتاهات الضَّياع،:خيــر ؟ "كَرَّرَ بِنَبْرة أَشَدُّ يَأساً" خيــر ! إنّي أخسرها خير ! "أَخْفَضَ رَأسه سانِداً جَبينه على ظاهر كَفّه المُتَّكِئة على السَّقف و هُو يُرْدِف بضِحْكة مَبْحوحة قَصيرة،ما هي إلا تَرْجُمان لِلَوْعات جَواه" سَلْمان لا تجذب عَلي عشان تواسيني
ضَغَطَ على كَتِفه مُعَقِّباً بِحَزْم،:مو قاعد اجذب..فيصل اوعى خلاص..إنت مو لها و لا هي لك..ربي يبيك تبدا من جديد..مع بنت غيرها..عيش فيصل..عيش و إنت حُر منها "أَخْفضَ صَوْته مُسْتَقِلَّاً وَتَر الحِمْية لَعَلَّ فَيْصَل يَنْتَفِض فَينقذ بَقايا كِبْريائه" عيش مثل قبل..إنت فيصل اللي ما تضعفه مراة
رَفَع رَأسه ثُمَّ اسْتَدار لِتَتَّضِح مَعالم وَجْهه المَيّت..كان أَسْوَداً يَمُر بَيْن أَزِقَّاته بَعْض احْمرار ما هُو إلا دِماء انْتَحَرت بمُغادَرَتها أَرْض قَلْبه..لِتَنْجو من أَوْجاع حُب يَقْتات على الضَّياع و يَتَنَفَّس الفِراق..مالَت شَفَتاه بابْتسامة رَسَمَت خَطَّ زَمَنٍ مَضى..كان فيه رَجُلاً يَحْفُر الأَرْض بكُل اسْتسلام....و حُب..هَمَسَ و أَهْدابه تَتَصافق...كَجِنْحان طَيْر أَفْزَعهُ المَطَر..،:فيصل ذاك..اللي ما تضعفه مراة..دفنته من زمااان..دفنته من اللحظة اللي صارت فيها حَلالي "تَعَلَّقَ بَصَرُه بِفَرَاغٍ يَخْلو منها و يَفْتَقِر لوُجودها الأُنثوي مُسْتَدْرِكاً بِلَحْن يشْبه لَحْنَ النِّهايات" اللحين هي حُرَّة...يــ ـ.. ..يَعـ ـني..يَعني...
أَطْبَقَ شَفَتَيه بقُوَّة بالتَّوالي مع حَقْن قَلْبه بسائِلٍ من وَجَع ضَخَّمه حَتَّى باتَ يُكَسّر أَنْفاسه و يُخْنِقه..وَجَعٌ يَصْهر الفؤاد و يُهَشّمه..لِيُمْسي فُتَاتاً لا يُشْبِع جُوع ذاته المُتَلِهّفة إلى حُبٍّ مَضَى و لَم يَرْجع..فَحُرِّيَتها تَعْني احْتمالية أن تَكون مُلْكَاً لِرَجُلٍ غَيْره..من جَديد..أَي مَوْتٌ صامِت من جَديد..مَوْتٌ أَبْكَم كَما خَلايا سَرَطانية تُهاجِم و تَقْتل ثُمَّ تَسْتَقِر دُون أن تَترك وَقْع بَصَامتها أو آثارٍ لَها...ذاكَ هُو المَوْت الذي يُشْعِل جَحيماً داخله..بلا دُخانٍ يُلَوّح لأحِبّائه فَيْنقذوه...يَحْترق..يَخْتَنق..و يُقَطَّع إلى أَشْلاء لا تُجَمَّع..بِصَمْت...فقط بِصَمت..،سَلْمان كان يَتَأَمَّله بذُهول..يَتَأَمَّل حيرته المُشاغِبة أَهْداب عَيْنيه..يَتَأَمَّل جُيوش الأَلَم السَّافِكة هُدوء مَلامحه..يُصْغي مع اللَّيْل لِسَمْفونية أَنْفاسه المَوْلودة من مَقْطوعات حَزينة..أَلَّفَها رَجُل فَقَد ذاته..اسْتَنْكَرَ بِوَجْس و هُو يبْصر الماء اللَّامع في عَيْنيه،:بتصيح فيصل !
أَجَاب بِحَسْرة مُضَعِّفاً من إذْهاله،:يا ليـــت...يا ليت اقدر اصيح..بس ما اعرف "و بأَسَف" ما اعرف اصيح مثل ما إنّي ما اعرف انطق واطلّع اللي داخلي "هَزَّ رَأسه بأسى" أشفق على نفسي سلمان..أشفق على نفسي اللي العالم يظنها قوية..و هي في الأساس من أضعف مخلوقات ربي
ناداه و هُو يَقْتَرب أَكْثَر،:فيــصل اســ
قاطَعهُ صَوْته الذي بَدا مُسْتَسْلِماً و جِدَّاً للبَحَّة،:خَلاص سلمان "رَفع ذراعه يَنْظر لِساعة مِعْصمه و هُو يُكْمِل بِتَنْهيدة كانت بطُول سَنَوات الفِراق" لازم ارجع داخل..أكيد اللحين يبوني ادخل لها
أَشار لِهَيْئته مُعَلّقاً بِسُخْرِية أَراد بها أن ينفض غُبار الضّعف عن مَنْكَبَي رَفيق دَرْبه،:زيــن عَدّل شكلك لا تخوّف البنية..كأنّك طالع من حرب نَفْسيَّة
ابْتَسَم لَهُ بِخفَّة مُعَقِّباً على كَلماته الأخيرة،و يَداه تُعيدان تَرْتيب رَبْطة عُنُقِه التي ارْتَخَت على إثْر عِراكه مع ذاته،:والله و عرفت توصف حالي..حرب نفسيَّة
هَزَّ رَأسه رافِعاً حَاجِبيه و بابْتسامة ثِقة،:و بتنتصر عليها...صدقني
,،
عَلى أَريكة واحِدة كَان جُلوسَهما..يُرافِقْهُما حَديثٌ وِدّي كان قَد خَطَفَت شُكوكٌ مُرْتابَة بَعْضاً من أَلْوانه الضَّاحِكة..لَكِنَّ المَحَبَّة النَّابِتة زَهْراً نَقي وَسَط رُوحَيْهما..طَغَى شَذاها الأَذْفَر على كَلِماتٍ نُفِثَت من فَمِ أُمٍّ تَشَرَّبَت دِماءَها حِقْداً..و انْتقام..،تَساءَلت و هي تَجُول بِعَيْنيها على المَكان الضَّاج بالنِساء..و الموسيقى الهادِئة خَلْفِيَّة تَسْتَنِد عَلَيْها كَلِماتها،:وين جَنى ما شوفها ؟
ابْتَسَمت مُتَذَكِّرة ما حَدَث لِتُجيبها،:عقب محاولات و إغراءات اقتنعت إنها لازم تروح الملجة..جُود عشانها قالت بتروح صالون..تقول عقب ما سووا شعرها و صبغوا أظافرها قالت لها تبي ترجع لأمها
اعْتلاء مُتَعَجِّب نال من حاجِبَيها المَرْسُومين..و بِضِحْكة تَساءَلت،:شسوت وياها جُود ؟ عاد الأطفال محد يقدر عليهم إذا عاندوا
أَجابت و هي تُرْخِي ساق على الأُخْرى،و بِأصابعها النَّحيلة تُسْكِن خُصْلاتها خَلْف أُذْنها..مانِعةً أَرْض خَدِّها من مَسِّ حَريرها..،:استمرت في العناد..على قولة جُود نزلت للأرض تصيح مو راضية حتى تمشي..بالغصب اقتنعت يوم كلمت أمها في التيليفون
ضَحَكَت مُعَلِّقةً،:يعني استغلت جُود..تعدَّلت و تزينت بعدين قالت ابي أمي
شاركتها الضّحكة،:بالضَّبط
و هي تُشير لابْنتها المَشْغولة بالتاج الذَهبي ذو الأزْهار الصَّغيرة المُزَيّن شَعْرها،:بيان كانت متحمسة لها..تقول لي بروح أرقص في العرس ويا صديقتي الجديدة
مالت بابْتسامة ناعِمة شَفَتاها الصَّغيرَتان،المُرْتَشِفَتان نَبيذاً مُسْتَدَر من ثَمَرةِ كَرَزٍ شَهِيَّة..و الحَنانُ قَد تَفَرَّعَ أَغْصاناً يانِعة من عَيْنيها المُتَدَثِّرَتين بِخِمارٍ من كُحْل أَسْود..قَاصِداً وَجْه تِلك الطّفْلة البَريئة..و اليَتيمة..،:يا عُمْري..أكيد بتزعل إذا خلصت الملجة و ما شافتها
و حَواسَها قَد اسْتَشْعَرَت تِلك الأغْصان..،:ما عليه بخليها تزورها يوم ثاني.."اسْتَدْرَكَت بِهَمْسٍ رَقيق و ابْتسامة حُب تُناغي شَفَتَيها،مع غَفْو كَفّها فَوْق كَفّ نُور المُرْتاحة على فَخْذها" عندش حَنان منزوي في روحش..إن شاء الله اشوفش ماما تغمرين طفلش بهالحنان
ارْتبَاكٌ خَجِل شَاغَبَ أَهْدابها المُلْتَوِية بأنوثَة مُلْفِتة..ازْدَرَدت ريقها المُتَحَفّز اسْتِجابَةً لِرَنين نَبَضات قَلْبَها الحائِر مُنْذُ زَمَن..و جُمْلَتها هَذه سافَرَت بها للذي أَتاها فَجْراً..يَوْمَ كان صَديقاً..و يَوْمَ كان حُبَّاً..و حين أَصْبَحَ زَوْجاً...،حَنَّت على خَدّها فأعادَت إليه حَريرها لِيَنْعَم به..و حَقيقةً هي أرادت أن تُخْفي مَلامحها التي نالَت منها اخْتلاجات مُتناقِضة..خَشِيَت أن تُثير شُكوك ابْنة عَمِّها..عادَ صَوْتها مُواصِلاً بَثَّ كَلِمات ماهي إلا أُكْسِجينات مُنَقَّحة من شوائِب الماضي و قَذاراته..،:ما أخفي عليش نُور..كنت أتمنى اشوف عيال أخوي منش..بس ربي مو كتب..نصيبكم مو مع بعض "ضَغَطَت بِمَلَق و إبْهامها تُناغي ظاهر كَفَّ نُور الغارِقة في الصَّمْت..أَرْدَفَت و كَأنَّها تُريد أن تُسْكِب زُلالاً عَذْب يَرْوي قَحَط هذه الاُنْثى التي أَفْقَدها كابوسٌ أَسْود اتّزان عَيْشَها" صدقيني إنّي ادعي ربي يرزقش بالزوج اللي يستاهلش..تعيشين وياه العمر كله بحب و راحة..بكون أسعد وحده نُور..صدقيني
مَرَّرَت لِسانها على شَفَتَيها و هي تَنْتَزِع من بَيْن أَضْلاعها تَنْهيدة نَشَبَت بَيْن ضِلْعٍ و نَبْضة،كَما شَوْكة تَجْرحُ النَّفَس كُلَّما مَرَّ بِها..أَخْفَضَت ساقَها و هي تَتَحَرَّك مُحاوِلَةً طَرْدَ إشارات التَّوَتُّر عن حَواسِها..أَلْصَقَت ظَهْرَها بالأريكة مع ارْتفاع ذراعها ماسَّةً بباطن كَفَّها جانب عُنُقِها..الْتَفَتت لِغَيْداء و من خَلْف خُصْلاتها نَظَرت إليها مُعَقِّبة على حَديثها،:أدري حبيبتي غيداء..أدري إنش تحبيني و تتمنين لي الخير..من غير ما تقولين
أَغْمَضَت للحظات مع مُغادَرة يَدُها كَف نُور لِتَمَس بأصابعها صِدْغها و هي تُفْصِح بإمارات الحَرَج،:و الله للحين متفشلة من اللي سويته ذاك اليوم..من اشوفش اتذكر الغباء اللي قلته...اخاف إنتِ للحين زعــ
قاطَعتها بسؤال مُضاد،:من وين فستان بيان ؟ ناااعم..حبيــته "نَظَرَت للطّفِلة لِتُنادي" بَيونه تعالي حبيبتي اشوف فستانش
مالَ رَأسها بِخِفَّة بالتَّوالي مع مَيْل شَفَتيها المُتَعَلِّقة بِهما ابْتسامة خالَطها دِفءٌ تَسَرْبَل بالمَحَبَّةِ و الحَنان..هذه النُّور لا تُريد أي اعتذارات جَديدة..تُريد أن تُؤكّد لها أَنَّ تِلْك الليْلة و شَكَاسة حَديثها في مُنْعَزل لإحْدى زَوايا ذاكرتها المُظْلِمة..و لا تَنوي أن تُضيئها..كَما أَنَّها تَرْفض أن يَطَأها لِسان أَحَدهم..فالماضي المُشَوَّه بالسُّوء لا أَرْضَ لهُ بينهما لِيَزْرع فيها عَلْقَمه..تَأَمَّلَتها و هي تُحادِث بَيان..تُداعب خَدَّيها..تُعيد تَسْريح شَعْرها الذي عَبَثَت به يَديها الصَّغيرتَان..تَبْتَسِم لها برِقِّة و تَهْدي وَجْنتيها القُطْنِيَّتين قُبْلة عَطِرة..و في سِرِّها كَرَّرَت دُعاءَها بأن يُعَوّضها الله خَيْرا..،
,،
يَتْبَع
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء الثَّامن و الأَرْبعون
،
بِخَريرِ دَمْعٍ أَغْرَق رِمالَ الرُّجولةِ التي يُشَكِّلَها بِيَدَيه الصَّغيرَتين أَوْسِمة..يَتَقَلَّد بِها اتِّباعاً لِوالده،:يُمَّـــــــه ! طاح التــوت طـــاح..كلَّه مــات و طاح ! بيمــووت يُمَّـــه !
أَضاف مع احْتكار جُحوظ الفَزَع مَحْجَريه و العَبْرة تَفْتك بِصَوْته المَبْحوح خِلْقة،:بيمــ ـــوت التوت اللي يزرع في شَفايفهــ ــا !
،
عَيْنان أَوْسَعَتهما فَرْحة مازَجَها حَماسٌ بَدَأ يُرَفْرِف وَسَط رُوحها..و بتساؤُل مُتَلَهّف،:احْـــلف فيصل ! قول والله قول والله...من صدق تتكلم لو قاعد تمزح ؟
ضِحْكة قَصيرة غادَرت حَنْجرته وَ رَأسهُ يَميل بِخِفَّة لليَمين،بالتَّطارد مع مَيَلان شَفَتيه كاشِفَتان عن ابْتسامة عَجَبَاً أَنَّ الخَجَل قَبَضَ عليها مانِعاً إيَّاها من فَضْح دواخله..فكان وُلوجها للضَّوء نِصْفي..تَوَارى نِصْفها الآخر خَلْف حُصون قَلْبه المُتَكَتِّم و جِدَّاً..بِصَوْتٍ كان يَسْتَظِل بالخُفوت حَتَّى لا يُبَلّله حَدْس أَحَدٍ رُبَّما قَد يُشاغِب عَقْلهُ الشَّك..،:والله ما امزح "حَكَّ خَدَّه بِطَرف سَبَّابته مُرْدِفاً" من فترة كنت أفكر في الموضوع..و بعد ما حسيت إنّي جاهز قلت أكلمكم
تَساءَلت جُود بفضول و بذات الحَماس،:تحب وحده يعني ؟
انْقباضاتٍ و انْبساطات تَوالت عليه مُهاجِمة مَعِدَته..و بين حُجرات قَلْبه تَصَادمت النَّبَضات بِشَعْواء يَشُوبها التَّوَتُّر..و صِدْغاه نَشَطَت بين عُروقِهما بَراكين لها حُمم مُشْتَعِلة،لَظَاها أَيْقَظ عَرَقَه..إلهي ما هذا العَذاب ؟ فَيْصَل..ما هذا الكِبْرياء ؟ اكْشِف الخِمار عن ضِعْفك وَ لَو لِمَرَّة..مَرَّة فَقَط..لَيْسَت خَسارة..ولا انْكسار ! تَجاهَل نَصيحة عَقْله التي لم يَعْلم حِينها أَنَّهُ سيَنْحَرها بعد سِنينٍ أَشَدَّ نَحْر..شَبَك ذراعيه فَوْقَ صَدْره..كَما قُضْبان تُسْجَن من خَلْفها اعْترافات قَلْب حَرَّمَ عليه مُمارَسة أَعْظَم حُقوقه..نَطَق و هُو يُلْبِس عَيْناه الجِدّيَّة التي تُليق به دائماً و أَبداً..،:أكيد لا..ما عندي هالسوالف أنا
نُور بهُدوء تَساءَلَت لتتأكَّد،:يعني تبينا احنا نخطب لك ؟ على ذوقنا
بضِحْكة أَجاب،:لا طبعاً..مو على ذوقكم تماماً "حَرَّكَ كَتِفَيه مُوَضّحاً" يعني اقترحوا علي و بشوف إذا تناسبني ولا لا
والده شاركهم النِّقاش مُضيفاً نَصيحة لبِكْره،:أهم شي تكون مقتنع في البنية..يعني لو يكتبون فيها قَصايد مَدح و يزينونها في عيونك و إنت مو مرتاح لها..لا توافق..إنت اللي بتعيش معاها مو هم
جُود باعْتراض قالت،:لا يُبه ما يصير..إذا البنت كاملة في كل شي..ليش يرفضها !
ارتَفَع حاجِباه مُجيباً ببساطة،:بعد إذا ما دخلت قلبه ! يغصب روحه و ياخذها لأنها كاملة في نظركم ؟
نُور بتأييد،:صح كلام أبوي..مهما كانت عاجبتنا فهو اللي في النهاية بيعيش وياها..مو احنا..فاقتناعه أهم شي
رَفَع بَصَره لِوالدته الصَّامتة..بسُكونٍ سارِح تَتَأَمَّل نُقْطة مُعَيَّنة..يُبْدو أَنَّها قَد نَقَلَتها إلى زَمَنٍ و مَكانٍ مُبْهَمَيْن..بَعيداً عن حاضِرَهم..ناداها بهُدوء،:يُمَّه،ما سمعنا رايش !
صَوْته المُرْتَدي نَبْرة الإسْتنكار لم يَخْتَرِق الغِشاء الفاصل كَيَانها عنهم..أعاد المُناداة بِصَوت أَكْثَر ارْتِفاعاً و حَدَقَتيه مُتَعَلِّقَتان بِشَبَح الإبْتسامة الغَريبة و الغافِية فَوْقَ شَفَتَيها الصَّغيرَتَين..،:يُمَّـــه !
بَهُتَ الغِشاء و افْتَرَقَت جُزَيْآته لِتَفُر كَفِرار غازاتٍ ما هي إلا بَقايا فُقاعة شَفَّافة..رَمَشَت بِخِفَّة مُسْتَعيدة صَحْوَتها..نَظَرَت إليه بانْتباه و هي تُجيب بِمَلَق و الإبْتسامة لا زالت تَرْتَوي من شَهْدها،:نعم حَبيبي
جُود تَدَخَّلت بِلَحْنِ غيرة اعْتاد أَن يَحْتَكِر حِبالها الصَّوْتِيَّة كُلَّما اجْتَمَعت والدِتَها بِشَقَيقَها الأَكْبَر،:حَبيبش مستغرب ليش ما عطيتينا رايش في موضوع خطبته المُوَقَّرَة
أَرْخَت ساق على الأُخْرى و هي تُسْنِد ظَهْرَها للأَريكة مُعَقِّبَةً بِحاجِبٍ أَرْفَعهُ ثِقْل الإبْتسامة الواسِعة،:حَبيبي..أنا أقول نشوف لك أول شي من أهلنا..إذا و لا وحدة عجبتك..نبدي نشوف من بعيد "أَخْفَضَت رَأسَها قَليلاً جِداً،لِتَنْظُر إليه من الأَسْفَل و الإبْتسامة شاكَسها مَكْرٌ بدَأَ بِنَثْر بُذور الإرْتباك بين حَواسه..أَرْدَفَت بِلَحْن لَهُ مآرب" أو يمكن إنت حولك وحدة..أو في قلبك وحدة
رَنا بِعَيْنيه لِجُود التي نَطَقَت بتَمَلْمُل دُون أن تَعْرف أَنَّها أَنْقَذته من الجواب،:ماما ولدش هذا من كثر غروره قلبه مافيه قفل أَساساً..يعني ما في أمل وحدة يكون عندها مفتاحه و يحبها
نَطَقَت نُور و هي تَحْدو قافِلة التَّفْكير،:من أهلنا ؟ "مَسَّت ذِقْنها و جُزْء من شَفَتيها الزَّهْريتين بظاهر أَصابعها المَطْوِيَّة و هي تُكْمِل" غَيْداء مخطوبة..و حتى لو مو مخطوبة هي أكبر منه..و بنات خالاتي الأغلب صغار..بعدهم حتى ثانوي ما دخلوا..وو جِنــان
حَلَّقَت حَدَقَتاها لِجُود التي أكْمَلَت عَنها بثقة،:و جِنان بنت عمتي ماتبي تتزوج نهائِياً
والدها اسْتَنْكَر بعُقْدة حاجِبَين،:ماتبي تتزوج ! و ليش إن شاء الله !
أَجابتهُ زَوْجته و هي تُرْسِل لَهُ بِعَيْنَيها الواقع الذي أَفْرى بمخالبه حُلْم الزَّواج الذي يُرافق وَسَن أي أُنْثى،:إنت أدرى يا ناصر..أمها و أبوها ما قصَّروا
زَمَّ شَفَتَيه و هُو يَهز رَأسه إيجاباً بعَدم اقْتناع..و عُقْدة حاجِبيه مَدَّدَت سَيْطَرَتها حَتَّى اسْتَحْوَذَت على باقي ملامحه..يَبْدو أَنَّ الضَّياع الذي يَحْكُم حَياة تِلْك الشَّابَّة طالَ مُسْتَقْبَلَها..لَم يَكْتَفِ من تَشْويه أَحْلام مُراهقتها..شَطْب ابْتساماتها و كَتْم ضِحْكات سَعَاداتها..فَهْو تَعَدَّى على المِرْآة العاكِسة أَحْلام مُسْتَقْبَلها..فهَشَّمَها بالقَدْرِ الذي لا يَعْلمهُ أَحد..لِذا فَلَن يُجْبِرهُ أحد..،تَزَاحَمت التَّنْهيدات في صَدْره..اخْتَلَطَت و تَجانَسَت حَتَّى اسْتَوَت آه زَفَّتها قِلَّة الحيلة من بين أَضْلعهُ،لِتَذْوي بين جَنَبات هَواء مَبْتور اليَدَين..يُسْتحال أن يَلْتَقِطها فَيُصَيّر الآه قُدْرة تَنْفذ لِروح هذا الخال الأَعْزَل..بَذَل كُل مافي وِسْعه لإنْقاذ تِلْك الضَّحِيَّة و شَقيقها بَعْد مُخَلَّفات وَغى خَطيرة..تُدَمّر الطُّفولة و تُبَدّد الأحلام بَعْد أن تَخْرق سَفينة الأَمان،فَيَكون الحِرْمان من شاطئ الاسْتقرار..لكن هذا القَرار للتو يَسْمعه..و لَم تَسْتَسغه حَواسه..و هُنا لا بُد من خُطْوة جَديدة..يُواصِل من خلالها بَذْل طاقته..مَنْطقه..و عَواطفه..،
أَمَّا ذاك..المَحْكوم على قَلْبه بالسّجن المُؤبَّد..فقد أَصْدرَ حُكْماً آخر..كان من نَصيب لِسانه الذي انْطَوى على نَفْسه..لِيَشْنق كَلِماته حَتّى المَوْت..هُو مُذ أَنْهَت جُود جُمْلَتها فَتَحَ فَمَهُ لِيَسْتَنْكِر..لَكنَّ يَدا كِبْريائه كانَ القَضاء مُلْكَهما..فبَصَمَتا على حُكْمٍ جَديد يَمْنع حَواسه المُنْتَشِية حُبَّاً من تَقْويض حُصون الكِبْرياء العَتيد..ضَمَّ شَفَتيه بقوَّة و تَرَك صَوْته يَزْعق في جَوْفه..كما أَبْكَم يَصْرُخ مُنادِياً الكَلِمة لِتُجيبه بِصَفْعة مُدْوِية..ما هي إلا صَمْتٌ يُشْبِه الصَّمْتَ المُتَكَفِّنة بهِ خَسائِر الحَرب..،شَدَّد من عُقْدة ذراعيه لِيُضيق الخِناق على نَبْضه لَعَلَّه يَتنازل عن مَطالبه..ازْدَرَد ريقه مُحاولاً التَّمَلُّص من بين هِذْيان رُوحه التي أَصابها الخَبَر بسَهْمٍ قاتَل..لا تُريد الزَّواج نِهائِياً..نهائياً فَيْصل..إذاً هي مَحْذوفة من قائمة الإقْتراحات كُلِيَّاً..،
بِصَوْتٍ واحد اعْتَلى اعْتراضهما الحاد،:لاااا مُستحيـــــل
انْتَشَل ذاته من زَعْزَعة قَلْبه و رُوحه لِيَلْتَفِت بِحواس مَحْمومة لِشَقيقَتَيْه المُلَوّح ذُعْرٌ مُضْحِك على وَجْهيهما..أَدارَ رَأسه بِعَدم فهم لِوالده الذي عَلَّقَ بضِحْكة،:لا عاد..ردة الفعل جداً مبالغ فيها
جُود قالت و عَيْناها يُحاوطهما اتّساع يُوضّح جِدّية اهتمامها بالذي يُناقَش..،:لا بابا مو مبالغ فيها..مستحيل هالشي يصير "وَضَعت كَفَّيها على رَأسها كَمَن يَخْشى من وُقوع مُصيبة و هي تُكْمِل" حَنين و فيصل..يعني عيال ما عندهم أرض..بس سما..من كثر ما روسهم تطالع فوق
نُور بهدوء و حَديثٍ حاولت أن تُنَمّقه بالمَنْطِقِيَّة،:ماما يعني هو في النهاية الراي راي فيصل..بس من نظري حَنين ما تصلح له.. بالأحرى اثنينهم ما يصلحون لبعض..صراحة صراحة "نَظَرت لأخيها و هي تُرْدِف بِخَجَل طَفيف" سوري فيصل مو قصدي شي..بس صراحة إنت نفسها..ثقتكم بنفسكم زايدة و قد توصل للغرور
جُود أَكْمَلت عنها بمَلامح اعْتَلاها الاشْمئزاز،:الذي لا يُطاق..الواحد عادي يفكر يذبح نفسه من غروركم المُسْتَفِز
اسْتَأنَفَت نُور رَأيها و هي تُعاود تَوْجيه كلماتها لِوالديها،:فأنا اشوف إنهم ما بيقدرون يتفاهمون مع بعض بسبَّة طبعهم المتوافق
ابْتَسَم فيصل بِخِفَّة و هُو يَفُك عُقْدَة ذراعيه مُعَقّباً مع تَقَدُّم جَسَده للأمام لِيَتَّكئ بِمِرْفَقيه على فَخْذيه،:صح كلام نور..أنا عارف طبعي و عارف طبع حَنين..أدري لا أنا بتحملها و لا هي بتتحملني
جُود أضافت لِتُذَكّرهم،:و لاتنسون إنَّ اسمها مرتبط براشد ولد خالتي من يوم احنا صغار
وَقَفَ والده قائِلاً مُؤكّداً على الحقيقة التي تَوَصَّلَ إليها الجَميع..و تَوَصَّلَ إليها فَيْصَل بِغَصَّة مَكْتومة،:يعني ما لك نصيب في بناتنا..خل أمك و خواتك يشوفون لك إذا في وحدة من معارفنا "رَفَع يَده مُسَلِّماً و هُو يَخْطو" تصبحون على خير
تَبَعهُ رَدَّاً من الجالسين قَبْلَ أن يَتْرك جَسَد نُور الأريكة مع ارْتفاع يَدها لِفَمها المُتَثَآب نُعاساً حَطَّ على جِفْنيها،:و أنا بعد وصلت نومتي..تصبحون على خير
فَزَّت جُود من مكانها مُغادِرة أَيْضاً..لا لِنَوْم..وَ لَكن لِتَلْحق شَقيقتها..فَلَديها جُعْبة من الخيارات التي تُريد أن تُلْقي عليهن نُور نَظْرة،قَبْل أن تَضَعهن في القائِمة...،خلال أقل من دَقيقة فَرُغَت غُرْفَة الجُلوس..ما خلا نَفَسان،يَتَأَرْجَحان على وَتيرَتان مُتَنَاقِضَتان..فوَتيرة الوالِدة كانت مُتَّزِنة..تَحُفَّها ثِقة مُزَيَّنة بإكْليلٍ من زَهْر حَمَلَ عَبَقَ الماضي البَريء..أمَّا وَتيرة الإبْن..فَلَقَد شَابها التَّيْه حتى أَحْناها..فَبَدَت مُتَعَرِّجة..تَتعَثَّر بها الأَنْفاس المُضطَّرِبة من خَسارة تَلوح في الأفق على لَحْنِ نايٍ حَزين..يَزُف تابوت حُبّه المَدْفون أَصْلاً وَسَط لَحْد كِبْريائه السَّادي..،
وَ هُو على جُلوسه تَأَمَّل صَفْحة يَده..رآها مُطْمَسة من خُطوط..و كَأنَّها تَعاضَدَت مع مَبْدَأه لِيُعَذِّبا ذاك الفؤاد المَخْلوق من ضعفٍ يُهَدّد رُجولته..فهي رَفضَت أن تَصُف الحُروف فَوْقَها لِتَهْديه إلى طَريقٍ الفَوْز بأنوثتها..لَكِن يا فَيْصَل..ما دُمْتَ خادِماً لِهذا الكِبْرياء..فلن تَعْبُر قَدَماك خطَّ النهاية المُفْضي إلى تِلْك الجِنان المُحَرَّمة..،
كَفٌّ اخْتَزَلت حَنان العالم أَجْمع بَيْن ثَنْيات رَاحتها احْتضَنت شَتات رُوحه المُعْدَم فَوْقَ كَتِفَيه..رَفَع رَأسه كَمَهْزومٍ اشْرَأب عُنُقِه للذي أَتى كَما حُلْمٍ دافئ لِيَنْتَشله من وَحْل خُسْرانه..طَبْطَبَت على هَلَع قَلْبه مُقْلَتان انْعَكَسَ وَسَط بَيَاضَهما شَجَرة تُوت يانِعة..لا تَفْتئ تُناغي رُجُولته..هَمَسَت لهُ و تِلْك الإبْتسامة تُعَرّيه أَجْمَلَ عُري و تَفْضحه أَشْرَفَ فَضيحة..،:حَبيب أمّك لا تخاف..إن شاء الله ما بيقطف توت شَفَايفها إلا إنت
ضَوْءٌ خافِت ناغى لِسانه،فَطَفَق يَتَحَرَّر من انْطوائِهِ القِسْري..مَشْدوهاً للذي أَفصَحَت عنه بِثِقة تُعينها الابْتسامة..و عَيْناه حاصَرَهُما ذُهولٌ بَريء..كَبَراءة فِكْرته التي كان يَعْتَنِقَها في طُفولته..نَطَقَ بِلَحْنٍ يَعْزف عَدَم الإسْتيعاب و حَدَقَتاه تَتَراقَصان على وَجْهها القَريب..،:شلــوون!
صَعَدَت كَفُّها لِخَدّه لِتَحْتَضِنَهُ بِمَلَق و هي تُجيب،:إنت ولدي فيصل..إنت أغلى من نفسي اللي افهمها..ِشلون ما افهمك ؟
أَطْبَقَ شَفَتيه مع انْسِدال جِفْنيه و تَخَبُّط بَصَره على اللاشيء مُتَرْجِماً تَيْهه القابع داخله..و بِكَلِمات مَرَقَتها أسِنَّة الحَقيقة،:بس يُمَّه...يُمَّـــه هي ماتبي..سمعتين شنو قالوا نُور و جُود..ماتبي تتزوج نهائياً
تَرَكَت كَفُّها خَدّه لِتَنْتَقِل لِخصْرها مُتَسائِلةً بِمَلامح ماكِرة و هي تَميل في وُقوفها،:و إنت عشان هالحجي بتدور وجهك عنها و تتركها لرجال ثاني ياخذها ؟ "أَلْقَت عَليه رَعْداً اَفْزَع كَيانه المُبْتَلي بها" يعني عادي عندك تخسرها !
حَرارة لاسِعة شَنَّت هُجومها عَليه حتى اصْطَبَغت أَطْرافه و وجهه من آثارها..نَظَرَ لها و العَزْم على مَحْياهِ يَحْتك بالحِدَّة،لِيُشْعِلان وَميض أَمَل يُسْقي عتْمة ذاك المَسْجون..،:لا يُمَّه..ما ابي اخسرها "أكَّد و البَحَّة تتعاظَم من عُنْف مَشاعره" مُسْتَحيل اتركها تضيع مني
،
ضاعَت..و ضاعَت..و ها هي تَضيع..و سَتَضيعُ حَتْماً مَرَّاتٍ و مرَّات..ما دامَ البُعْدُ مَلِكاً جائِر..يَرْفض الخُضوع لِمَطالب شَعْبه ذو النَّفْس العَزيزة..،كابُوس..كابُوسٌ أَسْود..خانِق،يَقْبضُ على القَلْب و الرُّوح..لَهُ عَبيدٌ من أَقْفال حَديدية تَتَكاتف و تَتَقَيَّد بِبَعْضِها،و تُلْقي بِنَفْسِها على صَدْره..تضْغَط بِلا رَحْمة،و كَأَنَّها تُريد أن تُؤكّد لهُ أَنَّهُ واقِع..فلا تَرْسم يا فَيْصَل آمالاً لِذاتك و تُصَبّرها بِرَغيفٍ مَحْروق يُسَمَّى كابوس..قَد يَتَفَتّت و يُصْبِح بَقايا يَهْزمُها واقعٌ طازج..فَواقعك مُرّ..يَزْداد مَذاقهُ سوءاً بُعْداً يَتْلوه بُعْد..،هَمَسَ باحْتراقٍ يُذيب هُدوء الليْل..و بِبَحْرٍ هائِج من عَرَق أَرْداهُ هَزيلاً..ضَعيفاً و وَهِناً..بالكاد يَلْتَقِط أَنْفاساً ما هي إلا مُخَلَّفات قَلْب تَكَرَّرَ ذَبْحُه..،:ضاعت..ضـ ـاعت.. .. بعد ضاعت مني..ليش طلَّقها ! مو هي تحبه ؟ هو يحبها.. ..هو أخذها مني... ....كانت له من يومها مراهقة....قلبها له....ما كان خالي.. ...هي تحبه..راحت له و هي زوجتي..صارت حقه..ملكه..له بروحه..ليش طلَّقها ! ليش اللحين.....ليش توني دَريت ؟ "ضَرَب بفُتات قُوَّته المَهْزومة على جانب سَقف سَيَّارته و بَحَّته تُرْسِلُ للِيْل عَبْرَتَها" ليــــش بعد ما ملجت على غيرها دَريت...ليـ ــــش !
يَدان لَطالما أَسْنَدَتا خَسَاراته حَطَّتا على كَتِفيه من الخَلْف..لِيَتْبَعهُما هَمْسٌ قَريب مُتَشَبّع بِرائِحة الأُخُوَّة،:فيصل اهدا..لا تفقد سيطرتك على نفسك..و لا تخلي الشيطان ينسيك قَدَر رَبك..كل شي بيده و يجري حسب رغبته..هذا كفيل إنّه يخليك تواصل ليلتك و إنت متطمن..لأن قلبك مؤمن إنّ ما بيصر إلا اللي فيه خير لك
هَمَسَ و الصَّوْت يَضْعَف بين مَتاهات الضَّياع،:خيــر ؟ "كَرَّرَ بِنَبْرة أَشَدُّ يَأساً" خيــر ! إنّي أخسرها خير ! "أَخْفَضَ رَأسه سانِداً جَبينه على ظاهر كَفّه المُتَّكِئة على السَّقف و هُو يُرْدِف بضِحْكة مَبْحوحة قَصيرة،ما هي إلا تَرْجُمان لِلَوْعات جَواه" سَلْمان لا تجذب عَلي عشان تواسيني
ضَغَطَ على كَتِفه مُعَقِّباً بِحَزْم،:مو قاعد اجذب..فيصل اوعى خلاص..إنت مو لها و لا هي لك..ربي يبيك تبدا من جديد..مع بنت غيرها..عيش فيصل..عيش و إنت حُر منها "أَخْفضَ صَوْته مُسْتَقِلَّاً وَتَر الحِمْية لَعَلَّ فَيْصَل يَنْتَفِض فَينقذ بَقايا كِبْريائه" عيش مثل قبل..إنت فيصل اللي ما تضعفه مراة
رَفَع رَأسه ثُمَّ اسْتَدار لِتَتَّضِح مَعالم وَجْهه المَيّت..كان أَسْوَداً يَمُر بَيْن أَزِقَّاته بَعْض احْمرار ما هُو إلا دِماء انْتَحَرت بمُغادَرَتها أَرْض قَلْبه..لِتَنْجو من أَوْجاع حُب يَقْتات على الضَّياع و يَتَنَفَّس الفِراق..مالَت شَفَتاه بابْتسامة رَسَمَت خَطَّ زَمَنٍ مَضى..كان فيه رَجُلاً يَحْفُر الأَرْض بكُل اسْتسلام....و حُب..هَمَسَ و أَهْدابه تَتَصافق...كَجِنْحان طَيْر أَفْزَعهُ المَطَر..،:فيصل ذاك..اللي ما تضعفه مراة..دفنته من زمااان..دفنته من اللحظة اللي صارت فيها حَلالي "تَعَلَّقَ بَصَرُه بِفَرَاغٍ يَخْلو منها و يَفْتَقِر لوُجودها الأُنثوي مُسْتَدْرِكاً بِلَحْن يشْبه لَحْنَ النِّهايات" اللحين هي حُرَّة...يــ ـ.. ..يَعـ ـني..يَعني...
أَطْبَقَ شَفَتَيه بقُوَّة بالتَّوالي مع حَقْن قَلْبه بسائِلٍ من وَجَع ضَخَّمه حَتَّى باتَ يُكَسّر أَنْفاسه و يُخْنِقه..وَجَعٌ يَصْهر الفؤاد و يُهَشّمه..لِيُمْسي فُتَاتاً لا يُشْبِع جُوع ذاته المُتَلِهّفة إلى حُبٍّ مَضَى و لَم يَرْجع..فَحُرِّيَتها تَعْني احْتمالية أن تَكون مُلْكَاً لِرَجُلٍ غَيْره..من جَديد..أَي مَوْتٌ صامِت من جَديد..مَوْتٌ أَبْكَم كَما خَلايا سَرَطانية تُهاجِم و تَقْتل ثُمَّ تَسْتَقِر دُون أن تَترك وَقْع بَصَامتها أو آثارٍ لَها...ذاكَ هُو المَوْت الذي يُشْعِل جَحيماً داخله..بلا دُخانٍ يُلَوّح لأحِبّائه فَيْنقذوه...يَحْترق..يَخْتَنق..و يُقَطَّع إلى أَشْلاء لا تُجَمَّع..بِصَمْت...فقط بِصَمت..،سَلْمان كان يَتَأَمَّله بذُهول..يَتَأَمَّل حيرته المُشاغِبة أَهْداب عَيْنيه..يَتَأَمَّل جُيوش الأَلَم السَّافِكة هُدوء مَلامحه..يُصْغي مع اللَّيْل لِسَمْفونية أَنْفاسه المَوْلودة من مَقْطوعات حَزينة..أَلَّفَها رَجُل فَقَد ذاته..اسْتَنْكَرَ بِوَجْس و هُو يبْصر الماء اللَّامع في عَيْنيه،:بتصيح فيصل !
أَجَاب بِحَسْرة مُضَعِّفاً من إذْهاله،:يا ليـــت...يا ليت اقدر اصيح..بس ما اعرف "و بأَسَف" ما اعرف اصيح مثل ما إنّي ما اعرف انطق واطلّع اللي داخلي "هَزَّ رَأسه بأسى" أشفق على نفسي سلمان..أشفق على نفسي اللي العالم يظنها قوية..و هي في الأساس من أضعف مخلوقات ربي
ناداه و هُو يَقْتَرب أَكْثَر،:فيــصل اســ
قاطَعهُ صَوْته الذي بَدا مُسْتَسْلِماً و جِدَّاً للبَحَّة،:خَلاص سلمان "رَفع ذراعه يَنْظر لِساعة مِعْصمه و هُو يُكْمِل بِتَنْهيدة كانت بطُول سَنَوات الفِراق" لازم ارجع داخل..أكيد اللحين يبوني ادخل لها
أَشار لِهَيْئته مُعَلّقاً بِسُخْرِية أَراد بها أن ينفض غُبار الضّعف عن مَنْكَبَي رَفيق دَرْبه،:زيــن عَدّل شكلك لا تخوّف البنية..كأنّك طالع من حرب نَفْسيَّة
ابْتَسَم لَهُ بِخفَّة مُعَقِّباً على كَلماته الأخيرة،و يَداه تُعيدان تَرْتيب رَبْطة عُنُقِه التي ارْتَخَت على إثْر عِراكه مع ذاته،:والله و عرفت توصف حالي..حرب نفسيَّة
هَزَّ رَأسه رافِعاً حَاجِبيه و بابْتسامة ثِقة،:و بتنتصر عليها...صدقني
,،
عَلى أَريكة واحِدة كَان جُلوسَهما..يُرافِقْهُما حَديثٌ وِدّي كان قَد خَطَفَت شُكوكٌ مُرْتابَة بَعْضاً من أَلْوانه الضَّاحِكة..لَكِنَّ المَحَبَّة النَّابِتة زَهْراً نَقي وَسَط رُوحَيْهما..طَغَى شَذاها الأَذْفَر على كَلِماتٍ نُفِثَت من فَمِ أُمٍّ تَشَرَّبَت دِماءَها حِقْداً..و انْتقام..،تَساءَلت و هي تَجُول بِعَيْنيها على المَكان الضَّاج بالنِساء..و الموسيقى الهادِئة خَلْفِيَّة تَسْتَنِد عَلَيْها كَلِماتها،:وين جَنى ما شوفها ؟
ابْتَسَمت مُتَذَكِّرة ما حَدَث لِتُجيبها،:عقب محاولات و إغراءات اقتنعت إنها لازم تروح الملجة..جُود عشانها قالت بتروح صالون..تقول عقب ما سووا شعرها و صبغوا أظافرها قالت لها تبي ترجع لأمها
اعْتلاء مُتَعَجِّب نال من حاجِبَيها المَرْسُومين..و بِضِحْكة تَساءَلت،:شسوت وياها جُود ؟ عاد الأطفال محد يقدر عليهم إذا عاندوا
أَجابت و هي تُرْخِي ساق على الأُخْرى،و بِأصابعها النَّحيلة تُسْكِن خُصْلاتها خَلْف أُذْنها..مانِعةً أَرْض خَدِّها من مَسِّ حَريرها..،:استمرت في العناد..على قولة جُود نزلت للأرض تصيح مو راضية حتى تمشي..بالغصب اقتنعت يوم كلمت أمها في التيليفون
ضَحَكَت مُعَلِّقةً،:يعني استغلت جُود..تعدَّلت و تزينت بعدين قالت ابي أمي
شاركتها الضّحكة،:بالضَّبط
و هي تُشير لابْنتها المَشْغولة بالتاج الذَهبي ذو الأزْهار الصَّغيرة المُزَيّن شَعْرها،:بيان كانت متحمسة لها..تقول لي بروح أرقص في العرس ويا صديقتي الجديدة
مالت بابْتسامة ناعِمة شَفَتاها الصَّغيرَتان،المُرْتَشِفَتان نَبيذاً مُسْتَدَر من ثَمَرةِ كَرَزٍ شَهِيَّة..و الحَنانُ قَد تَفَرَّعَ أَغْصاناً يانِعة من عَيْنيها المُتَدَثِّرَتين بِخِمارٍ من كُحْل أَسْود..قَاصِداً وَجْه تِلك الطّفْلة البَريئة..و اليَتيمة..،:يا عُمْري..أكيد بتزعل إذا خلصت الملجة و ما شافتها
و حَواسَها قَد اسْتَشْعَرَت تِلك الأغْصان..،:ما عليه بخليها تزورها يوم ثاني.."اسْتَدْرَكَت بِهَمْسٍ رَقيق و ابْتسامة حُب تُناغي شَفَتَيها،مع غَفْو كَفّها فَوْق كَفّ نُور المُرْتاحة على فَخْذها" عندش حَنان منزوي في روحش..إن شاء الله اشوفش ماما تغمرين طفلش بهالحنان
ارْتبَاكٌ خَجِل شَاغَبَ أَهْدابها المُلْتَوِية بأنوثَة مُلْفِتة..ازْدَرَدت ريقها المُتَحَفّز اسْتِجابَةً لِرَنين نَبَضات قَلْبَها الحائِر مُنْذُ زَمَن..و جُمْلَتها هَذه سافَرَت بها للذي أَتاها فَجْراً..يَوْمَ كان صَديقاً..و يَوْمَ كان حُبَّاً..و حين أَصْبَحَ زَوْجاً...،حَنَّت على خَدّها فأعادَت إليه حَريرها لِيَنْعَم به..و حَقيقةً هي أرادت أن تُخْفي مَلامحها التي نالَت منها اخْتلاجات مُتناقِضة..خَشِيَت أن تُثير شُكوك ابْنة عَمِّها..عادَ صَوْتها مُواصِلاً بَثَّ كَلِمات ماهي إلا أُكْسِجينات مُنَقَّحة من شوائِب الماضي و قَذاراته..،:ما أخفي عليش نُور..كنت أتمنى اشوف عيال أخوي منش..بس ربي مو كتب..نصيبكم مو مع بعض "ضَغَطَت بِمَلَق و إبْهامها تُناغي ظاهر كَفَّ نُور الغارِقة في الصَّمْت..أَرْدَفَت و كَأنَّها تُريد أن تُسْكِب زُلالاً عَذْب يَرْوي قَحَط هذه الاُنْثى التي أَفْقَدها كابوسٌ أَسْود اتّزان عَيْشَها" صدقيني إنّي ادعي ربي يرزقش بالزوج اللي يستاهلش..تعيشين وياه العمر كله بحب و راحة..بكون أسعد وحده نُور..صدقيني
مَرَّرَت لِسانها على شَفَتَيها و هي تَنْتَزِع من بَيْن أَضْلاعها تَنْهيدة نَشَبَت بَيْن ضِلْعٍ و نَبْضة،كَما شَوْكة تَجْرحُ النَّفَس كُلَّما مَرَّ بِها..أَخْفَضَت ساقَها و هي تَتَحَرَّك مُحاوِلَةً طَرْدَ إشارات التَّوَتُّر عن حَواسِها..أَلْصَقَت ظَهْرَها بالأريكة مع ارْتفاع ذراعها ماسَّةً بباطن كَفَّها جانب عُنُقِها..الْتَفَتت لِغَيْداء و من خَلْف خُصْلاتها نَظَرت إليها مُعَقِّبة على حَديثها،:أدري حبيبتي غيداء..أدري إنش تحبيني و تتمنين لي الخير..من غير ما تقولين
أَغْمَضَت للحظات مع مُغادَرة يَدُها كَف نُور لِتَمَس بأصابعها صِدْغها و هي تُفْصِح بإمارات الحَرَج،:و الله للحين متفشلة من اللي سويته ذاك اليوم..من اشوفش اتذكر الغباء اللي قلته...اخاف إنتِ للحين زعــ
قاطَعتها بسؤال مُضاد،:من وين فستان بيان ؟ ناااعم..حبيــته "نَظَرَت للطّفِلة لِتُنادي" بَيونه تعالي حبيبتي اشوف فستانش
مالَ رَأسها بِخِفَّة بالتَّوالي مع مَيْل شَفَتيها المُتَعَلِّقة بِهما ابْتسامة خالَطها دِفءٌ تَسَرْبَل بالمَحَبَّةِ و الحَنان..هذه النُّور لا تُريد أي اعتذارات جَديدة..تُريد أن تُؤكّد لها أَنَّ تِلْك الليْلة و شَكَاسة حَديثها في مُنْعَزل لإحْدى زَوايا ذاكرتها المُظْلِمة..و لا تَنوي أن تُضيئها..كَما أَنَّها تَرْفض أن يَطَأها لِسان أَحَدهم..فالماضي المُشَوَّه بالسُّوء لا أَرْضَ لهُ بينهما لِيَزْرع فيها عَلْقَمه..تَأَمَّلَتها و هي تُحادِث بَيان..تُداعب خَدَّيها..تُعيد تَسْريح شَعْرها الذي عَبَثَت به يَديها الصَّغيرتَان..تَبْتَسِم لها برِقِّة و تَهْدي وَجْنتيها القُطْنِيَّتين قُبْلة عَطِرة..و في سِرِّها كَرَّرَت دُعاءَها بأن يُعَوّضها الله خَيْرا..،
,،
يَتْبَع