ضامية الشوق
12-30-2019, 08:06 PM
الفصل الثامن
____
أمضت اليومين السابقين وهي تدخل إلى حسابات طيف في جميع مواقع التواصل .
وتتواصل مع زميلاتها في آخر سنة جامعية .
هي بطبيعتها لا تحب التحدث مع أي شخص .
لذا اقتصرت جميع صداقاتها في أيام الجامعة على مصالح الدراسة .
تساعدهم ويساعدونها , تدرس معهم .. إن رأت إحداهن متعبة ساعدتها لتتحمس من جديد .
يعني أن من رآها برفقتهن أيام الجامعة , يظن أنها ستتواصل معاهم إلى نهاية عمرها ربما .
لشدة ما كانت لطيفة ومهتمة بالجميع .
لا يعلمون أنها ما إن تغادر مكانا أو أناسا , تأخذ معها كل شيء , ولا تترك سوى الذكرى الطيبة .
لذا استغرب البعض من تواصلها معهم بعد هذه الفترة الطويلة .
إلا أنهم لم يبخلوا عليها بشيء .
حيث أخبروها بكل ما يعرفونه عن طيف .
لم يكن هناك شيء غريبا , بل أشياء صادمة .
آلمها قلبها بشدة وهي تسمعها من إحدى صديقات طيف المقربات أيام الجامعة , ثم تركتها بعد ذلك , ما إن اكتشفت أن طيف ليست فتاة جيدة على الإطلاق .
تظهر بمظهر حسن أمام الجميع .
ولكنها من الداخل , خبيثة للغاية .
لذا ..
لا تستغرب بعد الآن , من كون ذلك الغريب شقيقها .
طيف لديها العديد من العلاقات العاطفية .
منذ أن دخلت الجامعة , وحتى الآن .
تتحدث إلى أكثر من شاب .
ولكنها بالمقابل , ترغب بالزواج من شاب طيب .
لم يسبق وأن تحدث إلى إحداهن , أو كان في علاقة غرامية !
شعرت بالدم يفور في رأسها غضبا وقهرا .
كيف استطاعت أن تخدعها تلك الــ طيف ؟
كيف تمكنت من جعلها تشعر وأنها أشرف فتاة على وجه الأرض .
بل وتخبرها بكل سرور , أنها سعيدة جدا , بما أن العريس وافق عليها !
وأنها لم تتوقع ذلك .
بالطبع لم يكن عليها أن تتوقع , تلك الخبيثة المخادعة .
مهلا ..
طيف لم تخدعها , بل هي رأتها كذلك .
مثلما تحسن الظن بالجميع , أحسنت الظن بها .
وأرادت أن تربطها بإبن إبن عمها الذي تعزه كثيرا .
تنفست الصعداء حين أشارت الساعة إلى السادسة مساءً .
يعني أن بشرى ستكون مستيقظة الآن .
اتصلت بها وهي مستلقية على سريرها , انتظرت ردها .
لتجلس فجأة بقوة , وهي تسمع صوت مساعد / أهلين نجد .
ارتبكت فجأة , وهي تتذكر ما تنوي قوله لبشرى / هلا مساعد , وين بشرى ؟
مساعد بمزح / أفاا باركي لي على الأقل بما إني رديت .
قطبت جبينها بإستغراب / أبارك لك على إيش ؟
لمست الاستغراب في صوته هو أيضا / ليش زميلتك ما علمتك ؟ قبل شوي عقدنا القران .
تسارعت دقات قلبها , حتى ظنت أنها اختنقت .
أغمضت عيناها وهي ترتجف .
وعضت شفتها بقوة / من جدك مساعد ؟
ضحك مساعد من نبرتها / إيه إيش فيك انصدمتي ؟
مسحت وجهها بيدها الخالية من الهاتف بقوة , وهي تكاد تفقد وعيها من الصدمة / لا ولا شيء , خلاص بكلم بشرى بعدين .
أقفلت الخط , ودقات قلبها لا زالت متسارعة .
ظلت جالسه بذهول وغير تصديق , قبل أن تستلقِ وتغطي وجهها بالمخدة .
تحاول أن تتماسك ولا تبكي .
ما الذي فعلته ؟
ومالذي حصل !
هل حقا كانت السبب في ارتباط مساعد بطيف التي لا تستحقه !
صرخت بقوة تحت المخدة , ثم بكت دون شعور .
ماذا تفعل الآن ؟
هل تخبره بالحقيقة ؟
لينهي الموضوع باكرا ؟ قبل أن يتعلق بها ربما , ويتم الزواج !
أم سيكون ذلك بمثابة تخريب علاقة !
_____
عادت من المدرسة لتجد هديل تنام في حجرتها .
استغربت ذلك .
فهديل لم تأتِ لزيارة أختها منذ أن انتقلت هي إلى منزلها .
تركتها نائمة , الوهن بادٍ عليها بشدة .
يبدوا أن الحمل متعبها حقا .. فهي في نهاية الشهر التاسع الآن .
ظلت هديل نائمة حتى بعد العصر , ونامت هي أيضا .
لتوقظهما حسناء بعد عودتها من العمل .
خرجت إلى الصالة بعد أن صلّت العصر .
وانصدمت وهي ترى هديل تحتضن حسناء وتبكي .
اتجهت ناحيتهما وجلست وهي تنظر إلى حسناء بتساؤل .
لتأمرها الأخرى بالصمت .
حتى أفرغت هديل ما بها من دموع .
واعتدلت بجلستها وهي تمسح دموعها , ابتسمت لها يُمنى / متى جيتي ؟ لما رجعت من المدرسة كنتي نايمة .
هديل / جيت بعد ما خرجتوا انتوا في الصباح .
سألتها بتردد / فيك شيء ؟ ليش تبكين ؟
زمت هديل شفتيها وابتلعت غصتها , لتقول بضعف / تعبت منهم يا يُمنى , مو قادرة أتحمل أكثر .
حسناء بحدة / مين هم ؟ أهل حمود ؟
يُمنى بضيق / وش سووا لك ؟
نظرت إليها هديل لبعض الوقت , إن باحت لهم ما بخاطرها .
ستتضايق يُمنى بالتأكيد .
يُمنى بإصرار / أنا عارفة إنه الموضوع متعلق فيني يا هديل وما ودك تتكلمين عشان لا تضايقيني صحيح ؟
صمتت هديل ولم تجبها .
يُمنى / لا تخافين ما بتضايق , قولي يا هديل .
عضت شفتها بحيرة , قبل أن تغمض عيناها بحزن وتقول / يضايقوني بكلامهم , مو مرة ولا مرتين .. لا , كل ما شافوني , خاصة عمتي , دايم تقول لي إنه أخوي وعمتي السبب في انها محرومة من ولدها الحين , يعني أنا إيش دخلني ما أدري , أمس صارت مشكلة في بيتهم , ورحت أسلم عليهم , فجأة عصبت عليّ تقول انقلعي انتي جاية تتشمتين ؟ وانتي وأهلك أساس البلا , ومدري حمود إيش شاف فيك عشان يتزوجك , تعايرني بأمي اللي ماتت وهي تولدني , وتعايرني بأمي بشرى , تقول إنها كانت على علاقة مع أبوي قبل الزواج , وإنها لفت مخه وخلته يتزوجها عشان فلوسه , وكثير كثير كلام ما قدرت أتحمله .. عادي تقول عني أي شيء بس ما تكلم عنك انتي يا عمتي ولا عن مساعد وبشرى , ما تقذفها وتتهمها بشيء ما سوته , ما تحملت كلامها , حاولت أدافع عنكم , ما انتبهت لنفسي ولا صوتي اللي ارتفع غصبا عني من القهر , وما حسيت إلا بكف حمود على خدي .. مقهورة يا حسناء والله بموت من القهر .
أجهشت بالبكاء مرة أخرى .
لتكمل حسناء بهدوء / ما كان هذا كل شيء أن أدري , تكلمت عني بعد صحيح ؟
أغمضت هديل عيناها بضيق , وأومأت برأسها بإيجاب رغما عنها .
لتتنهد حسناء وتقول / وتقولين دايم يتكلمون ويضايقونك , ليش كنتي ساكتة ؟ ليش تحملتي كل هالوقت .
بالكاد تمكنت من أن تهديء نفسها من موجة البكاء العنيف / حسناء إنتي عارفة حمود قد إيش طيب , واني ما تزوجته إلا لأني كنت عارفة إنه غير عن أهله كلهم , حتى أبوي يحبه ويثق فيه ولا ما خلاني أرتبط بأحد يقرب سلمان لهالدرجة , غير كذا أنا حملت بأول شهر , كيف تبيني أشتكي على طول ؟ قلت يمكن إذا تحملت مرة ولا مرتين وطنشت يمكن ينسون ويتركوني بحالي , حتى لو ما تركوني كنت أقدر أتحمل , بس لما السالفة توصل إنهم يقذفونك ويقذفون بشرى , ما قدرت أتحمل .
نظرت إليها حسناء بأسى , لتعانقها وتتركها تكمل بكاءها .
انتبهوا إلى يُمنى حين قالت فجأة بهدوء / قلتي إنه حمود ضربك ؟ صراحة ما أستغرب هالشيء من أخ سلمان .
غضبت هديل / ما أسمح لك يُمنى , حمود مو مثل أخوه , أنا كنت غلطانة لما رفعت صوتي على أمه , يعني معاه حق .
صرخت حسناء بغيظ / كان سمع السالفة منك أو من أي أحد عشان يعرف الحق قبل يمد يده , انتي كيف ترضين بهالشيء يا غبية ؟ كيف تقولين إنه معاه الحق في إنه يضربك ؟ حمارة إنتي حمارة ؟ مافي أي شيء بهالدنيا يسمح للرجال إنه يمد يده على حرمة إلا إذا كان السبب قوي , وإنتي يوم رفعتي صوتك كمان معاك حق بعد .
عضت هديل شفتها بضيق , وتمنت لو أنها لم تتحدث بهذا الهراء .
فهي تحب حمود بشكل لا يصدق .
ولم ترغب بأن تسيء صورته أمام أي أحد .
لأنه أساسا لم يؤذيها أبدا , بيدّ أنه لا يوقف ألسنة أمه وإخوته إن أطلقوها لأذيتها .
نبهتها من شرودها حسناء وهي تسأل بحدة / وش جابك هنا ؟
هديل / ما قدرت أقعد معاه وأنا زعلانة منه , قلت له يوصلني بيت أهلي , بس بعدين قررت أجي هنا لأنه أساسا هم كلهم بيجون هنا عشان ملكة مساعد .
حسناء / شفتي يا هديل ؟ ما قدرتي تقعدين معاه لأن الضرب مو هين .. نفسك ما رضت هالشيء , بس انتي غبية وتقولين عادي معاه حق ؟
صرخت هديل بغيظ / يعني قصدك أتركه لأنه ضربني مرة وحدة وأنا في بطني ولده ؟ أسيبه وأشتت ولدي ؟ تبين مصيرنا كلنا يتشابه يا حسناء ؟
كتمت يُمنى شهقة الصدمة من حديث هديل , وظلت تنظر إليها بعينين متسعتين .
تجاهلت حسناء شعورها بالألم وهي تقول / لما الموضوع يكون متعلق بكرامتك يا هديل , لا تفكرين بـأي شيء غير نفسك , ولا …..
قاطعتها هديل بإصرار / أنا عندي ولدي وزوجي اللي بعمره ما أذاني إلا مرة وحدة , وجيت أفضفض لك عشان أرتاح شوي , أهم من شوية زعل يا حسناء .
أخفت حسناء قبضتها التي ترتجف من الغيظ والقهر , وادّعت الهدوء .
وهي تستمع إلى كلام أختها الجارح .
ولم ترد هذه المرة بشيء .
كانت الغصة في حلقها هذه المرة , أكبر من أن تُبتلع بسهولة .
ويبدوا أن صمتها نبّه هديل .
لتقول بنبرة معتذرة / أنا آسفة حسناء مو قصدي أجرحك , بس صدق حمود ما له ذنب , أنا زعلانة منه شوي بس بعدين راح نتراضى , صدقيني والله حمود طيب وما في منه , أنا أدري إنك خايفة عليّ ومقهورة , بس من جد حمود ما له دخل .
أومأت برأسها بإيجاب وقالت بإبتسامة مقتضبة / تمام وأنا آسفة بعد , الله يحفظكم لبعض , إذا تبين عديها هذي المرة لكن لا تسامحيه بسهولة , ترى لو سامحتي بسهولة بيرجع يكرر غلطه من دون ما يحس بالذنب .
ابتسمت هديل / إن شاء الله .
وقفت يُمنى تقول بصوت عالٍ / يا ربي من هالجو الكئيب , بروح أسوي لكم قهوة .
وقفت حسناء / اجلسي أدري إنك ما تعرفين تضبطينها .
غادرت حسناء المكان , ونظرت إليها يُمنى بضيق .
علمت أنها تريد أن تبتعد عن هديل قليلا , بعد أن قالت الأخرى ما قالت .
جلست وعيناها على هديل .
ظلت صامتة لبعض الوقت , قبل أن تسأل بهدوء / فهمت من كلامك إنه ما في أي أخبار عن سلمان .
هديل / لا , عساه بجهنم الله يأخذه .
لم تؤمن يُمنى ولم تعترض على دعوتها .
وهي تنظر إلى كفها , بذهن شارد .
عادت بذاكرتها إلى الخلف , إلى ما قبل 8 سنوات .
لمّا قابلت عائض لأول مرة بعد غيابها عنه 3 سنوات .
وبالصدفة .
اللقاء الآخر كان بإرادته هو .
حين أتاها في الغرفة .
استغربت إصراره في ألّا تقابل سلمان !
ولم تتمكن من تفسير الأمر , سوى أنه ربما يغار عليها .
حين خرج وتركها بمفردها .
وضعت يدها على قلبها , لتتنفس براحة .
بعد أن أصابها ذلك التوتر .
نهضت واتجهت ناحية النافذة .
تريد تأمل الجو بعد المطر .
لتسقط عيناها عليه وهو يخرج من منزلهم , عائدا إلى منزله ربما .
ضحكت بسعادة وهي تتذكر كلامه قبل قليل , هل حقا يغار عليها !
إذا هي محظوظة .
سرعان ما تضايقت وهي تتذكر أن خطتها فشلت , ولم تتمكن من الغياب عنه خمس سنوات على الأقل .
أحبطها الأمر جدا .
كونها لا زالت تتذكر حديثه كأنه قاله بالأمس .
أحبته وأعجبت به منذ الصغر , ولا زالت كذلك .. وستظل تحبه حتى الممات , ولكن .. هو أيضا عليه أن يشعر بها .
ويحبها كما تحبه .
لا ترغب بحب من طرف واحد على الإطلاق .
التفتت ناحية الباب , لتدخل بشرى وتقترب منها بقلق , رفعت يدها ووضعتها على جبينها / حرارتك لسه ما نزلت ليش قمتي من السرير ؟
يُمنى بإحباط / ما نجحت خطتي يا بشرى , عايض شافني لا وبأسوأ حالاتي .
ضحكت بشرى وهي تتذكر ما قالته يُمنى سابقا .
أنها ستجعل عايض يندم على حديثه .
ستغيب عنه حتى تكبر أكثر , وتصبح أجمل .
وتنوي الغياب عنه حتى تبلغ الثامنة عشر .
حتى تصبح أكثر جمالا وفتنة .
مسحت على ذراعها / لا أبشرك نجحت , لأنه عايض كان صدق خاق عليك , وجدا ندمان .
يُمنى / إيش دراك ؟
ابتسمت بشرى / شفته من الشباك أول ما راح ورى البيت , ما شفتي نظراته وهو يراقبك , عيونه كانت بتطلع من كثر ما هو خاق ههههههههه.
خجلت يُمنى / صدق كان يطالع فيني بإعجاب ؟
ضحكت بشرى من مشاعر هذه الصغيرة العجيبة / إيه والله .
ابتسمت يُمنى بخجل , واحمرّ وجهها .
لتمسك بشرى بيدها وتقودها إلى السرير / ارقدي الحين وارتاحي , نامي شوي لين يجون اخوانك ويمتلي البيت , بصحيك إذا وصلوا .
ولكنها لم توقظها حين وصلوا إخوتها .
بل ..
بعد وصولهم بساعات , حين طلب والدها رؤيتها فجأة .
فتحت عيناها لترى ملامح بشرى الوجلة , والوجه المحمر .
جلست بخوف / إيش فيك بشرى ؟
هزت بشرى رأسها نفيا / ما فيني شيء , بس البسي عبايتك وانزلي , أبوك يبي يشوفك والكل هناك الحين , عشان كذا البسي عبايتك بسرعة .
تساعرت دقات قلبها فجأة , وتجمعت الدموع في محاجرها .
كأنها شعرت بوالدها .
ظلت جالسة في مكانها دون حراك , وحرارتها ترتفع أكثر بمجرد التفكير .
لتنهض بشرى وتجلب عبائتها , وتجعلها ترتديها , لتبدأ يُمنى بالبكاء / بشرى أبوي إيش فيه ؟ ليش الكل عنده ؟ ليش يبي يشوفني الحين وقدام الكل ؟
تمالكت بشرى نفسها بقوة , وهي تساعد يُمنى على النهوض / ما أدري يُمنى إنتي روحي له وبس , لا تبكين .
شهقت يُمنى وهي تمسح دموعها بكفها .
وتتجه إلى الخارج بمساعدة بشرى , وهي تعرج بسبب ألم رجلها الذي لم يختفي تماما .
حتى وصلت إلى الأسفل .
لتجد جميع النساء من عائلتها تجلسن وعلى وجوههن ضيق وهم .
بل أن بعض شقيقاتها تبكين !
تركتها بشرى بالقرب من المجلس , ليمسك بها مساعد .
ويدخل إلى الداخل , متجه بها حيث والدها .
كان المجلس ممتلئا فعلا بالرجال , أعمامها وأبنائهم ربما .
وبالقرب من والدها بعض إخوتها , والدتها وشقيقاتها .. اقتربت منها وهي تجهش بالبكاء , من منظره وقد أصبح ضعيفا تماما .
جلست بجانبه على طرف السرير , وأمسكت بكفه تقبلها بعد أن أنزلت الغطاء عن وجهها / فديتك يبه وسلامتك من كل شر .
ابتسم لها بألم , وهو يضغط على كفها .. والدموع تنزل من عينيه أخيرا .
ليمد كفه الأخرى ويلمس بها تلك الندبة , يقول بصوت مبحوح من الألم / سامحيني يا بنتي , أدري إني زوجتك عايض غصبا عنك , يمكن تشوفيني ظلمتك لأني زوجتك وانتي صغيرة , بس ترى كله لمصلحتك , وماحد يستاهلك بهالدنيا يا بنتي , بس عايض الوحيد اللي قدرت أثق فيه .
قبلت جبينه ودموعها تهطل كالمطر / إيش هالكلام يا يبه لا تقول كذا , أنا ما عمري حسيت بهالشيء , بالعكس أنا راضية وعارفة إنك ما سويت هالشيء إلا لمصلحتي .
مسح على رأسها بحنان / الله يرضى عليك يا بنتي .
رفع صوته قليلا / وين عايض ؟
ظهر عايض من العدم فجأة , واقترب قائلا / أنا هنا يا عمي .
أشار عمه إلى جانبه , ليقترب ويجلس .
فيصبح أمام يمنى , مواجها لها .
ووجهه إلى عمه , الذي جعله يقترب بأكثر , ويهمس ببعض الكلام بأذنه .
فيوميء عايض برأسه , قبل أن يرفعه وينظر إلى يُمنى المنهارة ببكاء حزين .
ويقول بنبرة صادقة للغاية / أوعدك يا عمي إني ما أزعلها بيوم أو أضايقها .
سقطت عيناها بعينيه , لتنظر إليهما وتبحث عن الحقيقة فيهما .
هل يعني ما يقول حقا أم لا .
لم يسعها إيجاد الإجابة , حين شد والدها على يدها فجأة بقوة .
وصار جسده كله يشتد , كأن روحه تُنزع .
كان كذلك بالفعل .
بدأ إخوتها بالمحاولة في تلقينه الشهادة , حتى تمكن ولله الحمد .
ولا تدري ماذا حصل بعد نطقه للشهادة , حين اقترب منها عايض واحتضنها ليخبيء وجهها في حضنه .
وعيناها متسعتان بذهول وخوف .
حتى أن الدموع توقفت عن النزول .
وهي تشعر بيد والدها التي تمسك بكفها تتراخى وتضعف شيئا فشيئا , حتى تركت يدها وسقطت منها .
بقيت على ذلك الحال لبضع ثواني , قبل أن تسمع نحيب والدتها وإخوتها , بل الجميع ممن كان في المجلس .
وعايض لا زال يحتضنها .
حتى أبعدته عنها ببطء , وتنظر إلى والدها .
لتجده قد فارق الحياة بالفعل .
بوجه مطمئن .
بالرغم من أن ذلك كان واضحا وحقيقيا منذ أيام عدة , حين اشتد ضعفه .
إلا أنها شعرت بأنفاسها تختنق , وتصاب بدوار شديد .
حتى صوتها الذي أرادت أن تصيح به بقوة معلنة خسارتها وفقدها لأبيها , اختنق داخل جوفها .
ومنعها من إبداء أي ردة فعل .
لتتراخى عضلات جسمها , وتفقد الوعي .
تنهدت حين عادت إلى الواقع , وهي تأخذ كوب الشاي من يد حسناء .
جلست الأخرى بجانب أختها بعد أن وضعت الصينية على الطاولة الزجاجية , وسكبت لها القهوة .
نظرت إليها حسناء فجأة / إيش فيك تبكين ؟
رفعت رأسها بصمت , ثم ابتلعت ريقها وابتسمت رغما عنها / ما فيني شيء .
قالتها ومسحت دمعتها التي نزلت دون أن تشعر .
هديل / لا يكون زعلتي من كلامي عن سلمان , مو قصدي والله .
ابتسمت يُمنى وهي تقف وتقترب منها , عانقتها / لا حبيبتي ما زعلت ليش أزعل , غير إني عارفة إنه ما لي ذنب , تذكرت أبوي الله يرحمه .
أخذت كوبها من على الطاولة / يلا بروح أحل واجباتي قبل لا يجون البقية وأنشغل .
قالتها واختفت وراء باب غرفتها .
لتتنهد الأختان بالضيق .
وتريح حسناء ظهرها على الأريكة وهي تدعوا الله أن يوفق أخيها , وينجح زواجه هو على الأقل .
فشل زواج يُمنى أولا , ثم زواجها هي ..
والآن أتت هديل تشكو من زوجها الذي مدّ يده عليها !
لم يبقى سوى مساعد الغيمة , فليوفقه الله .
____
أمضت اليومين السابقين وهي تدخل إلى حسابات طيف في جميع مواقع التواصل .
وتتواصل مع زميلاتها في آخر سنة جامعية .
هي بطبيعتها لا تحب التحدث مع أي شخص .
لذا اقتصرت جميع صداقاتها في أيام الجامعة على مصالح الدراسة .
تساعدهم ويساعدونها , تدرس معهم .. إن رأت إحداهن متعبة ساعدتها لتتحمس من جديد .
يعني أن من رآها برفقتهن أيام الجامعة , يظن أنها ستتواصل معاهم إلى نهاية عمرها ربما .
لشدة ما كانت لطيفة ومهتمة بالجميع .
لا يعلمون أنها ما إن تغادر مكانا أو أناسا , تأخذ معها كل شيء , ولا تترك سوى الذكرى الطيبة .
لذا استغرب البعض من تواصلها معهم بعد هذه الفترة الطويلة .
إلا أنهم لم يبخلوا عليها بشيء .
حيث أخبروها بكل ما يعرفونه عن طيف .
لم يكن هناك شيء غريبا , بل أشياء صادمة .
آلمها قلبها بشدة وهي تسمعها من إحدى صديقات طيف المقربات أيام الجامعة , ثم تركتها بعد ذلك , ما إن اكتشفت أن طيف ليست فتاة جيدة على الإطلاق .
تظهر بمظهر حسن أمام الجميع .
ولكنها من الداخل , خبيثة للغاية .
لذا ..
لا تستغرب بعد الآن , من كون ذلك الغريب شقيقها .
طيف لديها العديد من العلاقات العاطفية .
منذ أن دخلت الجامعة , وحتى الآن .
تتحدث إلى أكثر من شاب .
ولكنها بالمقابل , ترغب بالزواج من شاب طيب .
لم يسبق وأن تحدث إلى إحداهن , أو كان في علاقة غرامية !
شعرت بالدم يفور في رأسها غضبا وقهرا .
كيف استطاعت أن تخدعها تلك الــ طيف ؟
كيف تمكنت من جعلها تشعر وأنها أشرف فتاة على وجه الأرض .
بل وتخبرها بكل سرور , أنها سعيدة جدا , بما أن العريس وافق عليها !
وأنها لم تتوقع ذلك .
بالطبع لم يكن عليها أن تتوقع , تلك الخبيثة المخادعة .
مهلا ..
طيف لم تخدعها , بل هي رأتها كذلك .
مثلما تحسن الظن بالجميع , أحسنت الظن بها .
وأرادت أن تربطها بإبن إبن عمها الذي تعزه كثيرا .
تنفست الصعداء حين أشارت الساعة إلى السادسة مساءً .
يعني أن بشرى ستكون مستيقظة الآن .
اتصلت بها وهي مستلقية على سريرها , انتظرت ردها .
لتجلس فجأة بقوة , وهي تسمع صوت مساعد / أهلين نجد .
ارتبكت فجأة , وهي تتذكر ما تنوي قوله لبشرى / هلا مساعد , وين بشرى ؟
مساعد بمزح / أفاا باركي لي على الأقل بما إني رديت .
قطبت جبينها بإستغراب / أبارك لك على إيش ؟
لمست الاستغراب في صوته هو أيضا / ليش زميلتك ما علمتك ؟ قبل شوي عقدنا القران .
تسارعت دقات قلبها , حتى ظنت أنها اختنقت .
أغمضت عيناها وهي ترتجف .
وعضت شفتها بقوة / من جدك مساعد ؟
ضحك مساعد من نبرتها / إيه إيش فيك انصدمتي ؟
مسحت وجهها بيدها الخالية من الهاتف بقوة , وهي تكاد تفقد وعيها من الصدمة / لا ولا شيء , خلاص بكلم بشرى بعدين .
أقفلت الخط , ودقات قلبها لا زالت متسارعة .
ظلت جالسه بذهول وغير تصديق , قبل أن تستلقِ وتغطي وجهها بالمخدة .
تحاول أن تتماسك ولا تبكي .
ما الذي فعلته ؟
ومالذي حصل !
هل حقا كانت السبب في ارتباط مساعد بطيف التي لا تستحقه !
صرخت بقوة تحت المخدة , ثم بكت دون شعور .
ماذا تفعل الآن ؟
هل تخبره بالحقيقة ؟
لينهي الموضوع باكرا ؟ قبل أن يتعلق بها ربما , ويتم الزواج !
أم سيكون ذلك بمثابة تخريب علاقة !
_____
عادت من المدرسة لتجد هديل تنام في حجرتها .
استغربت ذلك .
فهديل لم تأتِ لزيارة أختها منذ أن انتقلت هي إلى منزلها .
تركتها نائمة , الوهن بادٍ عليها بشدة .
يبدوا أن الحمل متعبها حقا .. فهي في نهاية الشهر التاسع الآن .
ظلت هديل نائمة حتى بعد العصر , ونامت هي أيضا .
لتوقظهما حسناء بعد عودتها من العمل .
خرجت إلى الصالة بعد أن صلّت العصر .
وانصدمت وهي ترى هديل تحتضن حسناء وتبكي .
اتجهت ناحيتهما وجلست وهي تنظر إلى حسناء بتساؤل .
لتأمرها الأخرى بالصمت .
حتى أفرغت هديل ما بها من دموع .
واعتدلت بجلستها وهي تمسح دموعها , ابتسمت لها يُمنى / متى جيتي ؟ لما رجعت من المدرسة كنتي نايمة .
هديل / جيت بعد ما خرجتوا انتوا في الصباح .
سألتها بتردد / فيك شيء ؟ ليش تبكين ؟
زمت هديل شفتيها وابتلعت غصتها , لتقول بضعف / تعبت منهم يا يُمنى , مو قادرة أتحمل أكثر .
حسناء بحدة / مين هم ؟ أهل حمود ؟
يُمنى بضيق / وش سووا لك ؟
نظرت إليها هديل لبعض الوقت , إن باحت لهم ما بخاطرها .
ستتضايق يُمنى بالتأكيد .
يُمنى بإصرار / أنا عارفة إنه الموضوع متعلق فيني يا هديل وما ودك تتكلمين عشان لا تضايقيني صحيح ؟
صمتت هديل ولم تجبها .
يُمنى / لا تخافين ما بتضايق , قولي يا هديل .
عضت شفتها بحيرة , قبل أن تغمض عيناها بحزن وتقول / يضايقوني بكلامهم , مو مرة ولا مرتين .. لا , كل ما شافوني , خاصة عمتي , دايم تقول لي إنه أخوي وعمتي السبب في انها محرومة من ولدها الحين , يعني أنا إيش دخلني ما أدري , أمس صارت مشكلة في بيتهم , ورحت أسلم عليهم , فجأة عصبت عليّ تقول انقلعي انتي جاية تتشمتين ؟ وانتي وأهلك أساس البلا , ومدري حمود إيش شاف فيك عشان يتزوجك , تعايرني بأمي اللي ماتت وهي تولدني , وتعايرني بأمي بشرى , تقول إنها كانت على علاقة مع أبوي قبل الزواج , وإنها لفت مخه وخلته يتزوجها عشان فلوسه , وكثير كثير كلام ما قدرت أتحمله .. عادي تقول عني أي شيء بس ما تكلم عنك انتي يا عمتي ولا عن مساعد وبشرى , ما تقذفها وتتهمها بشيء ما سوته , ما تحملت كلامها , حاولت أدافع عنكم , ما انتبهت لنفسي ولا صوتي اللي ارتفع غصبا عني من القهر , وما حسيت إلا بكف حمود على خدي .. مقهورة يا حسناء والله بموت من القهر .
أجهشت بالبكاء مرة أخرى .
لتكمل حسناء بهدوء / ما كان هذا كل شيء أن أدري , تكلمت عني بعد صحيح ؟
أغمضت هديل عيناها بضيق , وأومأت برأسها بإيجاب رغما عنها .
لتتنهد حسناء وتقول / وتقولين دايم يتكلمون ويضايقونك , ليش كنتي ساكتة ؟ ليش تحملتي كل هالوقت .
بالكاد تمكنت من أن تهديء نفسها من موجة البكاء العنيف / حسناء إنتي عارفة حمود قد إيش طيب , واني ما تزوجته إلا لأني كنت عارفة إنه غير عن أهله كلهم , حتى أبوي يحبه ويثق فيه ولا ما خلاني أرتبط بأحد يقرب سلمان لهالدرجة , غير كذا أنا حملت بأول شهر , كيف تبيني أشتكي على طول ؟ قلت يمكن إذا تحملت مرة ولا مرتين وطنشت يمكن ينسون ويتركوني بحالي , حتى لو ما تركوني كنت أقدر أتحمل , بس لما السالفة توصل إنهم يقذفونك ويقذفون بشرى , ما قدرت أتحمل .
نظرت إليها حسناء بأسى , لتعانقها وتتركها تكمل بكاءها .
انتبهوا إلى يُمنى حين قالت فجأة بهدوء / قلتي إنه حمود ضربك ؟ صراحة ما أستغرب هالشيء من أخ سلمان .
غضبت هديل / ما أسمح لك يُمنى , حمود مو مثل أخوه , أنا كنت غلطانة لما رفعت صوتي على أمه , يعني معاه حق .
صرخت حسناء بغيظ / كان سمع السالفة منك أو من أي أحد عشان يعرف الحق قبل يمد يده , انتي كيف ترضين بهالشيء يا غبية ؟ كيف تقولين إنه معاه الحق في إنه يضربك ؟ حمارة إنتي حمارة ؟ مافي أي شيء بهالدنيا يسمح للرجال إنه يمد يده على حرمة إلا إذا كان السبب قوي , وإنتي يوم رفعتي صوتك كمان معاك حق بعد .
عضت هديل شفتها بضيق , وتمنت لو أنها لم تتحدث بهذا الهراء .
فهي تحب حمود بشكل لا يصدق .
ولم ترغب بأن تسيء صورته أمام أي أحد .
لأنه أساسا لم يؤذيها أبدا , بيدّ أنه لا يوقف ألسنة أمه وإخوته إن أطلقوها لأذيتها .
نبهتها من شرودها حسناء وهي تسأل بحدة / وش جابك هنا ؟
هديل / ما قدرت أقعد معاه وأنا زعلانة منه , قلت له يوصلني بيت أهلي , بس بعدين قررت أجي هنا لأنه أساسا هم كلهم بيجون هنا عشان ملكة مساعد .
حسناء / شفتي يا هديل ؟ ما قدرتي تقعدين معاه لأن الضرب مو هين .. نفسك ما رضت هالشيء , بس انتي غبية وتقولين عادي معاه حق ؟
صرخت هديل بغيظ / يعني قصدك أتركه لأنه ضربني مرة وحدة وأنا في بطني ولده ؟ أسيبه وأشتت ولدي ؟ تبين مصيرنا كلنا يتشابه يا حسناء ؟
كتمت يُمنى شهقة الصدمة من حديث هديل , وظلت تنظر إليها بعينين متسعتين .
تجاهلت حسناء شعورها بالألم وهي تقول / لما الموضوع يكون متعلق بكرامتك يا هديل , لا تفكرين بـأي شيء غير نفسك , ولا …..
قاطعتها هديل بإصرار / أنا عندي ولدي وزوجي اللي بعمره ما أذاني إلا مرة وحدة , وجيت أفضفض لك عشان أرتاح شوي , أهم من شوية زعل يا حسناء .
أخفت حسناء قبضتها التي ترتجف من الغيظ والقهر , وادّعت الهدوء .
وهي تستمع إلى كلام أختها الجارح .
ولم ترد هذه المرة بشيء .
كانت الغصة في حلقها هذه المرة , أكبر من أن تُبتلع بسهولة .
ويبدوا أن صمتها نبّه هديل .
لتقول بنبرة معتذرة / أنا آسفة حسناء مو قصدي أجرحك , بس صدق حمود ما له ذنب , أنا زعلانة منه شوي بس بعدين راح نتراضى , صدقيني والله حمود طيب وما في منه , أنا أدري إنك خايفة عليّ ومقهورة , بس من جد حمود ما له دخل .
أومأت برأسها بإيجاب وقالت بإبتسامة مقتضبة / تمام وأنا آسفة بعد , الله يحفظكم لبعض , إذا تبين عديها هذي المرة لكن لا تسامحيه بسهولة , ترى لو سامحتي بسهولة بيرجع يكرر غلطه من دون ما يحس بالذنب .
ابتسمت هديل / إن شاء الله .
وقفت يُمنى تقول بصوت عالٍ / يا ربي من هالجو الكئيب , بروح أسوي لكم قهوة .
وقفت حسناء / اجلسي أدري إنك ما تعرفين تضبطينها .
غادرت حسناء المكان , ونظرت إليها يُمنى بضيق .
علمت أنها تريد أن تبتعد عن هديل قليلا , بعد أن قالت الأخرى ما قالت .
جلست وعيناها على هديل .
ظلت صامتة لبعض الوقت , قبل أن تسأل بهدوء / فهمت من كلامك إنه ما في أي أخبار عن سلمان .
هديل / لا , عساه بجهنم الله يأخذه .
لم تؤمن يُمنى ولم تعترض على دعوتها .
وهي تنظر إلى كفها , بذهن شارد .
عادت بذاكرتها إلى الخلف , إلى ما قبل 8 سنوات .
لمّا قابلت عائض لأول مرة بعد غيابها عنه 3 سنوات .
وبالصدفة .
اللقاء الآخر كان بإرادته هو .
حين أتاها في الغرفة .
استغربت إصراره في ألّا تقابل سلمان !
ولم تتمكن من تفسير الأمر , سوى أنه ربما يغار عليها .
حين خرج وتركها بمفردها .
وضعت يدها على قلبها , لتتنفس براحة .
بعد أن أصابها ذلك التوتر .
نهضت واتجهت ناحية النافذة .
تريد تأمل الجو بعد المطر .
لتسقط عيناها عليه وهو يخرج من منزلهم , عائدا إلى منزله ربما .
ضحكت بسعادة وهي تتذكر كلامه قبل قليل , هل حقا يغار عليها !
إذا هي محظوظة .
سرعان ما تضايقت وهي تتذكر أن خطتها فشلت , ولم تتمكن من الغياب عنه خمس سنوات على الأقل .
أحبطها الأمر جدا .
كونها لا زالت تتذكر حديثه كأنه قاله بالأمس .
أحبته وأعجبت به منذ الصغر , ولا زالت كذلك .. وستظل تحبه حتى الممات , ولكن .. هو أيضا عليه أن يشعر بها .
ويحبها كما تحبه .
لا ترغب بحب من طرف واحد على الإطلاق .
التفتت ناحية الباب , لتدخل بشرى وتقترب منها بقلق , رفعت يدها ووضعتها على جبينها / حرارتك لسه ما نزلت ليش قمتي من السرير ؟
يُمنى بإحباط / ما نجحت خطتي يا بشرى , عايض شافني لا وبأسوأ حالاتي .
ضحكت بشرى وهي تتذكر ما قالته يُمنى سابقا .
أنها ستجعل عايض يندم على حديثه .
ستغيب عنه حتى تكبر أكثر , وتصبح أجمل .
وتنوي الغياب عنه حتى تبلغ الثامنة عشر .
حتى تصبح أكثر جمالا وفتنة .
مسحت على ذراعها / لا أبشرك نجحت , لأنه عايض كان صدق خاق عليك , وجدا ندمان .
يُمنى / إيش دراك ؟
ابتسمت بشرى / شفته من الشباك أول ما راح ورى البيت , ما شفتي نظراته وهو يراقبك , عيونه كانت بتطلع من كثر ما هو خاق ههههههههه.
خجلت يُمنى / صدق كان يطالع فيني بإعجاب ؟
ضحكت بشرى من مشاعر هذه الصغيرة العجيبة / إيه والله .
ابتسمت يُمنى بخجل , واحمرّ وجهها .
لتمسك بشرى بيدها وتقودها إلى السرير / ارقدي الحين وارتاحي , نامي شوي لين يجون اخوانك ويمتلي البيت , بصحيك إذا وصلوا .
ولكنها لم توقظها حين وصلوا إخوتها .
بل ..
بعد وصولهم بساعات , حين طلب والدها رؤيتها فجأة .
فتحت عيناها لترى ملامح بشرى الوجلة , والوجه المحمر .
جلست بخوف / إيش فيك بشرى ؟
هزت بشرى رأسها نفيا / ما فيني شيء , بس البسي عبايتك وانزلي , أبوك يبي يشوفك والكل هناك الحين , عشان كذا البسي عبايتك بسرعة .
تساعرت دقات قلبها فجأة , وتجمعت الدموع في محاجرها .
كأنها شعرت بوالدها .
ظلت جالسة في مكانها دون حراك , وحرارتها ترتفع أكثر بمجرد التفكير .
لتنهض بشرى وتجلب عبائتها , وتجعلها ترتديها , لتبدأ يُمنى بالبكاء / بشرى أبوي إيش فيه ؟ ليش الكل عنده ؟ ليش يبي يشوفني الحين وقدام الكل ؟
تمالكت بشرى نفسها بقوة , وهي تساعد يُمنى على النهوض / ما أدري يُمنى إنتي روحي له وبس , لا تبكين .
شهقت يُمنى وهي تمسح دموعها بكفها .
وتتجه إلى الخارج بمساعدة بشرى , وهي تعرج بسبب ألم رجلها الذي لم يختفي تماما .
حتى وصلت إلى الأسفل .
لتجد جميع النساء من عائلتها تجلسن وعلى وجوههن ضيق وهم .
بل أن بعض شقيقاتها تبكين !
تركتها بشرى بالقرب من المجلس , ليمسك بها مساعد .
ويدخل إلى الداخل , متجه بها حيث والدها .
كان المجلس ممتلئا فعلا بالرجال , أعمامها وأبنائهم ربما .
وبالقرب من والدها بعض إخوتها , والدتها وشقيقاتها .. اقتربت منها وهي تجهش بالبكاء , من منظره وقد أصبح ضعيفا تماما .
جلست بجانبه على طرف السرير , وأمسكت بكفه تقبلها بعد أن أنزلت الغطاء عن وجهها / فديتك يبه وسلامتك من كل شر .
ابتسم لها بألم , وهو يضغط على كفها .. والدموع تنزل من عينيه أخيرا .
ليمد كفه الأخرى ويلمس بها تلك الندبة , يقول بصوت مبحوح من الألم / سامحيني يا بنتي , أدري إني زوجتك عايض غصبا عنك , يمكن تشوفيني ظلمتك لأني زوجتك وانتي صغيرة , بس ترى كله لمصلحتك , وماحد يستاهلك بهالدنيا يا بنتي , بس عايض الوحيد اللي قدرت أثق فيه .
قبلت جبينه ودموعها تهطل كالمطر / إيش هالكلام يا يبه لا تقول كذا , أنا ما عمري حسيت بهالشيء , بالعكس أنا راضية وعارفة إنك ما سويت هالشيء إلا لمصلحتي .
مسح على رأسها بحنان / الله يرضى عليك يا بنتي .
رفع صوته قليلا / وين عايض ؟
ظهر عايض من العدم فجأة , واقترب قائلا / أنا هنا يا عمي .
أشار عمه إلى جانبه , ليقترب ويجلس .
فيصبح أمام يمنى , مواجها لها .
ووجهه إلى عمه , الذي جعله يقترب بأكثر , ويهمس ببعض الكلام بأذنه .
فيوميء عايض برأسه , قبل أن يرفعه وينظر إلى يُمنى المنهارة ببكاء حزين .
ويقول بنبرة صادقة للغاية / أوعدك يا عمي إني ما أزعلها بيوم أو أضايقها .
سقطت عيناها بعينيه , لتنظر إليهما وتبحث عن الحقيقة فيهما .
هل يعني ما يقول حقا أم لا .
لم يسعها إيجاد الإجابة , حين شد والدها على يدها فجأة بقوة .
وصار جسده كله يشتد , كأن روحه تُنزع .
كان كذلك بالفعل .
بدأ إخوتها بالمحاولة في تلقينه الشهادة , حتى تمكن ولله الحمد .
ولا تدري ماذا حصل بعد نطقه للشهادة , حين اقترب منها عايض واحتضنها ليخبيء وجهها في حضنه .
وعيناها متسعتان بذهول وخوف .
حتى أن الدموع توقفت عن النزول .
وهي تشعر بيد والدها التي تمسك بكفها تتراخى وتضعف شيئا فشيئا , حتى تركت يدها وسقطت منها .
بقيت على ذلك الحال لبضع ثواني , قبل أن تسمع نحيب والدتها وإخوتها , بل الجميع ممن كان في المجلس .
وعايض لا زال يحتضنها .
حتى أبعدته عنها ببطء , وتنظر إلى والدها .
لتجده قد فارق الحياة بالفعل .
بوجه مطمئن .
بالرغم من أن ذلك كان واضحا وحقيقيا منذ أيام عدة , حين اشتد ضعفه .
إلا أنها شعرت بأنفاسها تختنق , وتصاب بدوار شديد .
حتى صوتها الذي أرادت أن تصيح به بقوة معلنة خسارتها وفقدها لأبيها , اختنق داخل جوفها .
ومنعها من إبداء أي ردة فعل .
لتتراخى عضلات جسمها , وتفقد الوعي .
تنهدت حين عادت إلى الواقع , وهي تأخذ كوب الشاي من يد حسناء .
جلست الأخرى بجانب أختها بعد أن وضعت الصينية على الطاولة الزجاجية , وسكبت لها القهوة .
نظرت إليها حسناء فجأة / إيش فيك تبكين ؟
رفعت رأسها بصمت , ثم ابتلعت ريقها وابتسمت رغما عنها / ما فيني شيء .
قالتها ومسحت دمعتها التي نزلت دون أن تشعر .
هديل / لا يكون زعلتي من كلامي عن سلمان , مو قصدي والله .
ابتسمت يُمنى وهي تقف وتقترب منها , عانقتها / لا حبيبتي ما زعلت ليش أزعل , غير إني عارفة إنه ما لي ذنب , تذكرت أبوي الله يرحمه .
أخذت كوبها من على الطاولة / يلا بروح أحل واجباتي قبل لا يجون البقية وأنشغل .
قالتها واختفت وراء باب غرفتها .
لتتنهد الأختان بالضيق .
وتريح حسناء ظهرها على الأريكة وهي تدعوا الله أن يوفق أخيها , وينجح زواجه هو على الأقل .
فشل زواج يُمنى أولا , ثم زواجها هي ..
والآن أتت هديل تشكو من زوجها الذي مدّ يده عليها !
لم يبقى سوى مساعد الغيمة , فليوفقه الله .