إرتواء نبض
03-20-2019, 09:45 PM
أحاديث
"ورأيتُ حلماً أنني التقيته ألا ليتَ أحلام المنامِ يقين"
هكذا بدأت ورقتها لهذا اليوم الغريب الذي شعرت فيه بأنها تريدُ أن تفرغ ما بداخلها كتابةً مع أنها لم تَخُض هذه التجربة من قبل.
إنّ حمل القلم لأول مرة لتفريغ شحنات ما بداخل الصدر إلى الورقة البيضاء أصعب من حل معادلةٍ رياضية من العيارِ الثقيل بالنسبة لياسمين.
يداها ترتعشان والقلم من اليد إلى الأرض بين سقوطٍ والتقاط. ما بي؟ لماذا يداي ترتعشان هكذا؟ لمَ تصادمت مشاعري هكذا؟ لا بأس سأحاول من جديد. شهيقٌ وزفير وإسبالُ جفنٍ وهدوء ثم "ورأيتُ حلماً … يقين". بدأتُ ورقتي بعبارةٍ اخترقتني قرأتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ماذا بعد؟ لا أستطيع تفريغ ما بداخلي. لقد سكن قلمي وسكنت يداي فوضعته فوق الورقة ووضعت يداي على رأسي محاولةً تخفيف ضجيج أفكاري. طُرِق باب غرفتي فإذا بها أمي حاملةً بيدها كوب شاي شفاف به ورقاتٌ من النعناع. أخذتُ الشاي شاكرةً إياها، كنتُ بأمس الحاجة لهذا الكوب، أجلستهُ أمامي وبدإتُ جلسةً تأمل للورقات الخضراء التي تسبح في هذا الكوب.
تبدو هذه الأوراق سعيدةً بغرقها، هل يسعدُ أحدٌ بالغرق؟ قد يكون بسبب ارتباطهما كارتباطي بذاك الطيف، طيفه هو. أصبح الشاي بارداً فقد قضت ساعاتٍ تفكر وتتأمل ولم تشعر بأن الليل قد أقبل وقد حان وقت النوم. اطفأت الأنوار وهدأ كل شيءٍ إلاها فما زال رأسها يضج بما فيه، هل ستلتقيه الليله في حلمها؟ هل سيعرفها، يناديها باسمها، يحدثها بما في خلده؟ نامت ياسمين وهي تحدّث نفسها…
شمسُ هذا اليوم جميلة وحانية تبعثُ على الدفء والنشاط، يبدو أن العمل اليوم سيكون مفعماً بالحيوية. وصلت ياسمين عملها فهي تعمل كاتبة في صحيفة المستقبل، مختصة بالقضايا المجتمعية التي تخص الفتيات اللواتي في مثل سِنها. لطالما قابلت ياسمين العديد من الفتيات، فكانت لهن كالرفيق وساهمت في حل قضاياهن ولكن…
مدير الصحيفة: ياسمين، هناك قضية جديدة تخصُ نافذتكِ، فتاة هذا عنوانها أرجو أن تتواصلي معها وأن تحضري مقالاً عن الموضوع بشكلٍ عام دون الخوض في خصوصيات أي أحد.
ياسمين: حسنا، سأرتب اللقاء اليوم.
طرقٌ ترابية ضيقة تحفّها الأشجار يميناً ويساراً، بيوتاً طينية، وأطفالٌ يرتدون ما لا أقدر أن أسميها ملابس، فهي لا تصلح لأن تكون أي شيء… بنطالٌ لا تستطيع تمييز لونه فقد طغى عليه الطين والغبار ولا تجد فيه مقدار شبرٍ واحد إلا وفيه فتحة أو رقعة… ولا أدري ماذا أسمي الذي فوق البنطال، هل هي سترة بموضةٍ جديدة أم ماذا؟ والحذاء له قصة أخرى، فمن رأيته يرتدي حذاءً تثبته الأربطة فهو يعتبرُ غنياً، فالأغلب هنا حفاة… هذه قرية الفتاة التي سأقابلها والتي علمتُ أن اسمها مجد … أيُ مجدٍ لكِ يا مجدُ هنا؟!
هاقد وصلتُ بيت مجد الطيني ذي الشباكين المربعين صغيري المساحة تغطيهما خرقة قماشٍ بيضاء أشكُ في بياضها. طرقتُ الباب ففتحت لي فتاة ناعمة الملامح ترتدي فستاناً فلاحياً مهترئ لونه أسود تخطهُ زركشات ملونة وتغطي رأسها بمنديلٍ فلاحي وخصلاتُ شعرها الأسود المموج منسدلة على أكتافها. سلمتُ عليها وتأكدتُ من اسمها فكانت هي المجد بذاتها، دخلتُ البيت فأجلستني على بساطٍ متواضع ودار بيننا الحوارُ التالي:
أنا: أنا أعتذر عن هذه الزيارة المفاجئة، أنا صحفية أعمل لدى صحيفة المستقبل وأختص بالقضايا الاجتماعية التي تخص الفتيات.
مجد: أهلاً وسهلاً بك.
أنا: شكراً لكِ، لقد سمعت عنكِ لذا جئت حتى أتحدث إليكِ وأحاول مساعدتكِ إن استطعت. فهلا حدثتني عن قضيتكِ.
مجد: أنا التي يُتِّمتُ ولُطّمتُ في الصغر، أنا التي كبرتُ بين العشب الحجر، أنا التي بنيت ذاتي وزرعت أرض الفقر، وحصدتها وبنيت هذا بيتُ الحجر … أنا آاااه أدماني مكاني وهذا هو القدر…
أنا: لا بأس.
بدأت دموعها تنهالُ بصمت وصوتها يحشرج… لقد كان بكاؤها يبكي الحجر، جلست جانبها ومسحتُ دموعها وهمستُ لها بأن طلع الفجر… فأمسكت رقبتي بيديها وإذا بأنيابٍ خرجت من فاها وغرستها في رقبتي…
يا رب، يا إلهي ما هذا الحلم… أمي أمي
نعم أنا هنا بنيتي، ما بك؟ لماذا تتعرقين وتتنفسين بسرعة؟
رأيتُ كابوساً مفزعاً أيقظني. حضنتني أمي وبقيتُ في حضنها حتى استرجعت قواي، ثم نهضت وذهبت إلى مكتبي وقد كانت عليه ورقة بيضاء فارغة وقلم وإلى يمينها كوب شاي فارغ. أخذتُ القلم وكتبت:
ورأيتُ حلماً أنني آويتهُ ألا ليتَ أحلام المنام تموت.
ذلك ما كان يدور في خيالها حيث كل ما سبق لم يكن إلا حديث ياسمين مع نفسها، فقد كانت هذه قصتها الجديدة التي ستكتبها اليوم كعادتها كل فترة تجلس على سريرها وبيدها كوب شاي فتبدأ تهمهم (تحدّث نفسها) بالقصة ثم تضع كوب الشاي وتفرد ذراعيها، فنَفَسٌ عميق ثم تقوم إلى مكتبها فتشرعُ في كتابة قصتها التي عنونتها ب "كوابيس ملهمة"…
منقول
"ورأيتُ حلماً أنني التقيته ألا ليتَ أحلام المنامِ يقين"
هكذا بدأت ورقتها لهذا اليوم الغريب الذي شعرت فيه بأنها تريدُ أن تفرغ ما بداخلها كتابةً مع أنها لم تَخُض هذه التجربة من قبل.
إنّ حمل القلم لأول مرة لتفريغ شحنات ما بداخل الصدر إلى الورقة البيضاء أصعب من حل معادلةٍ رياضية من العيارِ الثقيل بالنسبة لياسمين.
يداها ترتعشان والقلم من اليد إلى الأرض بين سقوطٍ والتقاط. ما بي؟ لماذا يداي ترتعشان هكذا؟ لمَ تصادمت مشاعري هكذا؟ لا بأس سأحاول من جديد. شهيقٌ وزفير وإسبالُ جفنٍ وهدوء ثم "ورأيتُ حلماً … يقين". بدأتُ ورقتي بعبارةٍ اخترقتني قرأتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ماذا بعد؟ لا أستطيع تفريغ ما بداخلي. لقد سكن قلمي وسكنت يداي فوضعته فوق الورقة ووضعت يداي على رأسي محاولةً تخفيف ضجيج أفكاري. طُرِق باب غرفتي فإذا بها أمي حاملةً بيدها كوب شاي شفاف به ورقاتٌ من النعناع. أخذتُ الشاي شاكرةً إياها، كنتُ بأمس الحاجة لهذا الكوب، أجلستهُ أمامي وبدإتُ جلسةً تأمل للورقات الخضراء التي تسبح في هذا الكوب.
تبدو هذه الأوراق سعيدةً بغرقها، هل يسعدُ أحدٌ بالغرق؟ قد يكون بسبب ارتباطهما كارتباطي بذاك الطيف، طيفه هو. أصبح الشاي بارداً فقد قضت ساعاتٍ تفكر وتتأمل ولم تشعر بأن الليل قد أقبل وقد حان وقت النوم. اطفأت الأنوار وهدأ كل شيءٍ إلاها فما زال رأسها يضج بما فيه، هل ستلتقيه الليله في حلمها؟ هل سيعرفها، يناديها باسمها، يحدثها بما في خلده؟ نامت ياسمين وهي تحدّث نفسها…
شمسُ هذا اليوم جميلة وحانية تبعثُ على الدفء والنشاط، يبدو أن العمل اليوم سيكون مفعماً بالحيوية. وصلت ياسمين عملها فهي تعمل كاتبة في صحيفة المستقبل، مختصة بالقضايا المجتمعية التي تخص الفتيات اللواتي في مثل سِنها. لطالما قابلت ياسمين العديد من الفتيات، فكانت لهن كالرفيق وساهمت في حل قضاياهن ولكن…
مدير الصحيفة: ياسمين، هناك قضية جديدة تخصُ نافذتكِ، فتاة هذا عنوانها أرجو أن تتواصلي معها وأن تحضري مقالاً عن الموضوع بشكلٍ عام دون الخوض في خصوصيات أي أحد.
ياسمين: حسنا، سأرتب اللقاء اليوم.
طرقٌ ترابية ضيقة تحفّها الأشجار يميناً ويساراً، بيوتاً طينية، وأطفالٌ يرتدون ما لا أقدر أن أسميها ملابس، فهي لا تصلح لأن تكون أي شيء… بنطالٌ لا تستطيع تمييز لونه فقد طغى عليه الطين والغبار ولا تجد فيه مقدار شبرٍ واحد إلا وفيه فتحة أو رقعة… ولا أدري ماذا أسمي الذي فوق البنطال، هل هي سترة بموضةٍ جديدة أم ماذا؟ والحذاء له قصة أخرى، فمن رأيته يرتدي حذاءً تثبته الأربطة فهو يعتبرُ غنياً، فالأغلب هنا حفاة… هذه قرية الفتاة التي سأقابلها والتي علمتُ أن اسمها مجد … أيُ مجدٍ لكِ يا مجدُ هنا؟!
هاقد وصلتُ بيت مجد الطيني ذي الشباكين المربعين صغيري المساحة تغطيهما خرقة قماشٍ بيضاء أشكُ في بياضها. طرقتُ الباب ففتحت لي فتاة ناعمة الملامح ترتدي فستاناً فلاحياً مهترئ لونه أسود تخطهُ زركشات ملونة وتغطي رأسها بمنديلٍ فلاحي وخصلاتُ شعرها الأسود المموج منسدلة على أكتافها. سلمتُ عليها وتأكدتُ من اسمها فكانت هي المجد بذاتها، دخلتُ البيت فأجلستني على بساطٍ متواضع ودار بيننا الحوارُ التالي:
أنا: أنا أعتذر عن هذه الزيارة المفاجئة، أنا صحفية أعمل لدى صحيفة المستقبل وأختص بالقضايا الاجتماعية التي تخص الفتيات.
مجد: أهلاً وسهلاً بك.
أنا: شكراً لكِ، لقد سمعت عنكِ لذا جئت حتى أتحدث إليكِ وأحاول مساعدتكِ إن استطعت. فهلا حدثتني عن قضيتكِ.
مجد: أنا التي يُتِّمتُ ولُطّمتُ في الصغر، أنا التي كبرتُ بين العشب الحجر، أنا التي بنيت ذاتي وزرعت أرض الفقر، وحصدتها وبنيت هذا بيتُ الحجر … أنا آاااه أدماني مكاني وهذا هو القدر…
أنا: لا بأس.
بدأت دموعها تنهالُ بصمت وصوتها يحشرج… لقد كان بكاؤها يبكي الحجر، جلست جانبها ومسحتُ دموعها وهمستُ لها بأن طلع الفجر… فأمسكت رقبتي بيديها وإذا بأنيابٍ خرجت من فاها وغرستها في رقبتي…
يا رب، يا إلهي ما هذا الحلم… أمي أمي
نعم أنا هنا بنيتي، ما بك؟ لماذا تتعرقين وتتنفسين بسرعة؟
رأيتُ كابوساً مفزعاً أيقظني. حضنتني أمي وبقيتُ في حضنها حتى استرجعت قواي، ثم نهضت وذهبت إلى مكتبي وقد كانت عليه ورقة بيضاء فارغة وقلم وإلى يمينها كوب شاي فارغ. أخذتُ القلم وكتبت:
ورأيتُ حلماً أنني آويتهُ ألا ليتَ أحلام المنام تموت.
ذلك ما كان يدور في خيالها حيث كل ما سبق لم يكن إلا حديث ياسمين مع نفسها، فقد كانت هذه قصتها الجديدة التي ستكتبها اليوم كعادتها كل فترة تجلس على سريرها وبيدها كوب شاي فتبدأ تهمهم (تحدّث نفسها) بالقصة ثم تضع كوب الشاي وتفرد ذراعيها، فنَفَسٌ عميق ثم تقوم إلى مكتبها فتشرعُ في كتابة قصتها التي عنونتها ب "كوابيس ملهمة"…
منقول