إرتواء نبض
12-27-2018, 11:36 PM
كيف حالك اليوم يا عم؟
جاءه الصوت كاسرًا حاجزَ صمته المطبق:
الحمد لله.. ردَّ بتثاقل، وضع الممرِّضُ جهاز ضغط الدم؛ ليفحص له الضغط.
نظر إلى الممرض نظرة عميقة، مليئة بالتساؤلات والأمنيات.
لِمَ لَمْ يصبح ابنه شابًّا متعلِّمًا؟
لم لم يكمل دراسته كباقي شباب جيله، ويصبح موظَّفًا محترمًا في مكان ما؟
حال ضغطك اليوم في استقرار والحمد لله.. قال الممرِّض وهو يلملم عدَّته، ويعيدها إلى العلبة، فقد عانى في الآونة الأخيرة من ارتفاع مُقْلِق لضغط الدم، خرج الممرض من الغرفة، وعاد هو إلى شروده وتساؤلاته.
لم فعل ابنه به ما فعل؟ أخذ يسأل نفسه: لم لم يتَّبع نصيحته أن يترك رفاق السوء، تلك الرفقة التي يسمِّيها "أصدقاءه وأصحابه"؟!
بئس الصحبة.. أخذ يتمتم، كان دائمًا ابنه يرفع صوته عليه: أن تلك حياته الخاصة، ولم يَعُدْ صغيرًا، ولا داعي لأن يقلق عليه.
تنفَّس الصعداء، وأخرج تنهيدة تُحرق أنفاسه، وهو يعود للوراء، كيف اكتشف بالصدفة ان ابنه يتعاطى المخدِّرات، مع رفقة السوء تلك؟ توقَّفت الأرض عن دورانها، حين علم بذلك، وتسمَّر في مكانه وتجمَّد.
حاول رَدْعَه دون جدوى؛ فقد سبق السيف العَدَلَ، فقد وصل لمرحلة لا تجدي فيها النصائح، ولا حتى التوبيخات، لقد وصل إلى مرحلة الإدمان، حتى بات يسرق من والده المال دون علمه، ويبيع أثاث البيت؛ ليؤمِّن لنفسه جَرْعة مخدِّر.
لم فعل ذلك بنفسه؟ أخذ يسأل نفسه ولسان حاله يقول: إنه لم يكن مقصِّرًا في حقِّه؛ فقد كان أبًا مثاليًّا، وكان يراقب تصرُّفاتِه، مرغِّبًا حينًا، وموبِّخًا أحيانًا، فقد أدَّب ولده ولم يهمله، ولم يكن أبًا مهمِلاً.
إذن؛ لم وصل ابنه إلى ذلك المنحدر؟!
عاد بذاكرته إلى مشهد ابنه الأخير، دخل غرفته بعدما انتظره على طاولة الإفطار طويلاً، دخل الغرفة، تسمَّر في مكانه، وجحظت عيناه من هذا المنظر، ابنه ممدَّدٌ على أريكته، فاغرًا فاه، والزبد يخرج منه، وحقنة ملقاة على أرض الغرفة، أخذ يصرخ وينادي عليه؛ لكن لا حياة لمن تنادي!
منظر سيارة الإسعاف، وزمجرة صوتها الهادر، بات يسكنه، كيف نُقل هو وابنه في سيارة إسعاف واحدة، نُقل هو إلى قسم الطوارئ يعاني جلطة دماغية حادَّة، ونقل ابنه إلى غرفة تشريح الموتى؛ لبيان سبب الوفاة.
جاء تقرير الطب الشرعي: أن سبب الوفاة جَرْعةٌ زائدة من المخدِّرات، أودت بحياته، وجرعة كبيرة من حسرة وألم تعتصر قلبه وكبده، جعلته سجينَ كرسيِّه المتحرِّك.
تنهَّد، واغرورقت عيناه بالدمع، عاد إلى شروده، يطالع الناس من شبَّاكه، ودمعه حرى نسج طريقه إلى وجنتَيْهِ.
جاءه الصوت كاسرًا حاجزَ صمته المطبق:
الحمد لله.. ردَّ بتثاقل، وضع الممرِّضُ جهاز ضغط الدم؛ ليفحص له الضغط.
نظر إلى الممرض نظرة عميقة، مليئة بالتساؤلات والأمنيات.
لِمَ لَمْ يصبح ابنه شابًّا متعلِّمًا؟
لم لم يكمل دراسته كباقي شباب جيله، ويصبح موظَّفًا محترمًا في مكان ما؟
حال ضغطك اليوم في استقرار والحمد لله.. قال الممرِّض وهو يلملم عدَّته، ويعيدها إلى العلبة، فقد عانى في الآونة الأخيرة من ارتفاع مُقْلِق لضغط الدم، خرج الممرض من الغرفة، وعاد هو إلى شروده وتساؤلاته.
لم فعل ابنه به ما فعل؟ أخذ يسأل نفسه: لم لم يتَّبع نصيحته أن يترك رفاق السوء، تلك الرفقة التي يسمِّيها "أصدقاءه وأصحابه"؟!
بئس الصحبة.. أخذ يتمتم، كان دائمًا ابنه يرفع صوته عليه: أن تلك حياته الخاصة، ولم يَعُدْ صغيرًا، ولا داعي لأن يقلق عليه.
تنفَّس الصعداء، وأخرج تنهيدة تُحرق أنفاسه، وهو يعود للوراء، كيف اكتشف بالصدفة ان ابنه يتعاطى المخدِّرات، مع رفقة السوء تلك؟ توقَّفت الأرض عن دورانها، حين علم بذلك، وتسمَّر في مكانه وتجمَّد.
حاول رَدْعَه دون جدوى؛ فقد سبق السيف العَدَلَ، فقد وصل لمرحلة لا تجدي فيها النصائح، ولا حتى التوبيخات، لقد وصل إلى مرحلة الإدمان، حتى بات يسرق من والده المال دون علمه، ويبيع أثاث البيت؛ ليؤمِّن لنفسه جَرْعة مخدِّر.
لم فعل ذلك بنفسه؟ أخذ يسأل نفسه ولسان حاله يقول: إنه لم يكن مقصِّرًا في حقِّه؛ فقد كان أبًا مثاليًّا، وكان يراقب تصرُّفاتِه، مرغِّبًا حينًا، وموبِّخًا أحيانًا، فقد أدَّب ولده ولم يهمله، ولم يكن أبًا مهمِلاً.
إذن؛ لم وصل ابنه إلى ذلك المنحدر؟!
عاد بذاكرته إلى مشهد ابنه الأخير، دخل غرفته بعدما انتظره على طاولة الإفطار طويلاً، دخل الغرفة، تسمَّر في مكانه، وجحظت عيناه من هذا المنظر، ابنه ممدَّدٌ على أريكته، فاغرًا فاه، والزبد يخرج منه، وحقنة ملقاة على أرض الغرفة، أخذ يصرخ وينادي عليه؛ لكن لا حياة لمن تنادي!
منظر سيارة الإسعاف، وزمجرة صوتها الهادر، بات يسكنه، كيف نُقل هو وابنه في سيارة إسعاف واحدة، نُقل هو إلى قسم الطوارئ يعاني جلطة دماغية حادَّة، ونقل ابنه إلى غرفة تشريح الموتى؛ لبيان سبب الوفاة.
جاء تقرير الطب الشرعي: أن سبب الوفاة جَرْعةٌ زائدة من المخدِّرات، أودت بحياته، وجرعة كبيرة من حسرة وألم تعتصر قلبه وكبده، جعلته سجينَ كرسيِّه المتحرِّك.
تنهَّد، واغرورقت عيناه بالدمع، عاد إلى شروده، يطالع الناس من شبَّاكه، ودمعه حرى نسج طريقه إلى وجنتَيْهِ.