مشاهدة النسخة كاملة : شهر صفر


نظرة الحب
01-17-2010, 08:40 PM
الحمد لله الذي خلق فسوى ، والذي قدر فهدى ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لاتعد ولا تحصى ،
واصلي واسلم على الني المبعوث بالحق محمد صلى الله عليه وسلم
إن أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله عز وجل ومعرفة مايناقضه من الشرك والخرافات والبدع ، ذاك أن التوحيد هو القاعدة والأساس في دين الإسلام الذي لا يقبل الله عملا إلا به ، التوحيد هو أصل الأصول الذي خلقنا لأجله ، والأعمال كلها متوقف قبولها واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم .
إنه لايستقيم التوحيد عبد إلا بمعرفة الحق وما يضاده ، ثم الحذر منه ، وهذا القرآن الكريم كله آمر بالتوحيد ومحذر من الشرك : قال الله تعالى ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) يوسف 108 .
إخوتي الكرام / لقد تنادت الأدلة المتكاثرة والحجج المتضافرة والبراهين المتوافرة على عظم أمر التوحيد وخطر ما يضاده وشدة الخوف على الناس من الانحراف والزيغ ، ولماذا لايخاف عليهم والشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتغويهم ؟! وفي الحديث القدسي : يقول الله تعالى (( خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا )) رواه مسلم .
ومما يضاد التوحيد ما يعتقده بعض أهل الجاهلية وأتباعهم في هذا الزمان ، من اعتقادات وبدع في بعض الأيام وبعض الشهور من العام ، ومن ذلك ما يعتقده بعضهم في هذا الشهر من العام ألا وهو شهر صفر .
إن شهر صفر هذا هو أحد الشهور الهجرية ، وهو الشهر الذي يلي شهر المحرم ، ولقد سمي صفر بهذا الاسم ، لإصفار مكة من أهلها أي : خلوها من أهلها إذا سافروا ، وقيل : بل سموا الشهر صفر لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفرا من المتاع .
لقد كان للعرب في الجاهلية في شهر صفر منكران عظيمان:
الأول منهما / التلاعب فيه تقديما وتأخيرا حيث كانوا في الأشهر الحرم يقدمون ويأخرون حسب أهوائهم ، ولذلك لأن الله سبحانه جعل في العام أربعة أشهر حرم ، حرم فيها القتال تعظيما لشأنها ، وهذه الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ، ومصداق ذلك في كتاب الله سبحانه (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم ))التوبة آية 35
فكان المشركون إذا أرادوا أن ينتهكوا حرمة شهر المحرم قدموا شهر صفر وجعلوه مكانه حتى لا تحول الأزمنة الفاضلة بينهم وبين ما يشتهون.
أما النكر الثاني / الذي كان يرتكبه العرب في مثل هذا الشهر فهو التشاؤم منه ، حيث كانوا يعتقدون أنه شهر حلول المكاره ونزول المصائب منه ، فلا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أن لا يوفق ، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية أن لا يربح ،
ولهذا أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد الزائف فشهر صفر من أشهر الله ، وزمان من أزمنة الله ، لايحصل فيه إلا ما قضاه الله وقدره ، ولم يختص سبحانه هذا الشهر بوقوع مكاره ولا بحصول مصائب ، فا لأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا فيما يقدر الله سبحانه ، فصفر كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر .
إن كان أهل الجاهلية يعتقدون في بعض الأشهر الاعتقادات الباطلة بسبب جهلهم وبعدهم عن الهدي النبوي فما بال فئام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم تأبى إلا التشبه بأهل الجاهلية والحذو حذوهم ؟! فنجد البعض يتشاءم من زيارة المرضى في بعض أيام هذا الشهر ، وطائفة تمنع الزيجات ، وفئة تحيي بعض السنن في هذا الشهر تمسكا بما عليه أهل الجاهلية .
ومما يعتقده البعض وخاصة في بعض الأقطار الإسلامية أنه في آخر يوم أربعاء من هذا الشهر ينزل الله سبحانه آلاف البليات والكوارث حتى يكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة وأشدها ، وعلى من أراد الخلاص من شرور ذلك اليوم أن يصلي أربع ركعات بصيغة معنية ثم يختم صلاته بالدعاء المعين وفيه : اللهم اكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه ، يا كافي المهمات ويا دافع البليات " .
أخواني وأخواتي / لقد سئلت اللجنة الدائمة عن هذه الصلاة وتوابعها فأجابت : " إن هذه النافلة المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلا لا من الكتاب ولا من السنة ، ولم يثبت أن أحد من سلف هذه الأمة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة ، بل هي بدعة منكرة ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، ومن نسب هذه الصلاة وما ذكر معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة رضي الله عنهم فقد أعظم الفرية ، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذابين
وثقت بربي وفوضت أمري ......... إليه وحسبي به من معين
فلا تبتئس لصروف الزمان ......... ودعني فإن يقيني يقيني
ومن الاعتقادات الباطلة في هذا الشهر اجتماع بعض الناس في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في بعض المساجد ، يتحلقون إلى كتاب الله ، ويكتب لهم على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء كقوله تعالى (( سلام على نوح في العالمين )) ، ثم يضعونها في الأواني ويشربون من مائها ويعتقدون أن سر كتابتها كان في هذا الوقت ، ثم يتهادونها إلى البيوت لاعتقادهم أن هذا يذهب الشرور ، وهذا لاشك أنه اعتقاد فاسد وتشاؤم مذموم وابتداع قبيح يجب أن ينكره كل من يراه على فاعله .
إن التشاؤم بالأزمنة والتشاؤم بالأشهر وببعض الأيام أمر يبطله الإسلام لما فيه من الظن السيئ بالرب سبحانه ، ومن الاعتقاد الباطل الذي لا ينبني على دليل أو برهان ، وهذا التشاؤم هو جنس الطيرة التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم فقال (( لا عدوى ولا طيرة )) وفي الحديث الآخر : (( الطيرة شرك الطيرة شرك )) فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا عدوى )) يعني : لا عدوى مؤثرة بطبعها ، لأن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أن العدوى تؤثر بنفسها تأثيرا لا مرد له ، وتأثيرا لا صارف له ، وأن العدوى ناقلة للمرض لا محالة ولا بد أن يكون ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لا ينفي أصل وجود العدوى ، وهي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح بسبب المخالطة بينهما ، فإن الانتقال بسبب المخالطة حاصل وملاحظ ومشهود ، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال( لا يورد ممرض على مصح ) رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( فر من المجذوم كفرارك من الأسد)) رواه أحمد .
ومع هذا فإن المرض لا ينتقل إلا بقضاء الله وقدره ، وهذا ما لا يعتقده أهل الجاهلية ، ولذلك لما قال الني صلى الله عليه وسلم : (( لا عدوى ، ولا صفر ، ولا هامة )) قال أعرابي : يارسول الله ، فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها يجربها ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : ( فمن أعدى الأول ؟! ) متفق عليه. وقوله: ( فمن أعدى الأول ؟!) أي: أن الأول إنما جرب بقضاء الله وقدره.
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( ولا طيرة ) أي : لا تشاؤم ، لأن التشاؤم أمر كان يعتقده أهل الجاهلية ، بل ربما لم تسلم منه نفس كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل ) رواه أبو داود والترمذي . فقوله : ( ما منا إلا ) يعني : ما منا إلا تخالط الطيرة قلبه ، وربما وقع التطير في نفسه .
والتطير أو التشاؤم يكون بالأشخاص ، وخصوصا أهل الاستقامة والصلاح كما تشاءم قوم موسى بنبيهم موسى عليه السلام ، كما في قول الله تعالى : ( وإن تصيبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) أي : أنه إذا جاءهم البلاء والجدب والقحط قالوا : هذا من موسى وأصحابه ،فأبطل الله هذه العقيدة بقوله : ( ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : ما أصابهم من البلاء والجذب والقحط ليس من موسى وقومه ، ولكنه من الله الذي قدره ، ولا علاقة لموسى وقومه به . وقد يقع به الكثيرون من المسلمين اليوم، فسبحان الله ! متى يكون من تمسك بشرع ربه وبسنة نبيه شؤما على الناس والمجتمع ؟!
ويكون التطير أو التشاؤم بأشياء قد يراها الشخص فيتشاءم منها ، كرؤية الرجل الأعور أو الأعوج أو الأشل ، وبعضهم يتشاءم عندما يسمى المولود الجديد باسمه .
لايفتأ أهل الجاهلية وأتباعهم أن يوجدوا لمعتقداتهم ما يثبت صحتها ويشهد لها ، حيث ابتدعوا أحاديث ونصوصا نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وهو منها براء ، كل ذلك لأجل البرهنة على أعمالهم والاستشهاد لها ، ومن ذلك يروي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة ) ذكره الشوكاني وغيره في الأحاديث الموضوعة . وكذلك من الأحاديث الموضوعة عن هذا الشهر حديث ( يكون صوت في صفر ، ثم تتنازع القبائل في شهر ربيع ، ثم العجب العجاب بين جمادي ورجب ) ، فهذا حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم .
إن بعض الناس من باب مخالفة أهل الجاهلية وتشاؤمهم بشهر صفر يؤرخ ويقول : " شهر صفر الخير " ، وهذا الفعل منه هو من باب مدافعة البدعة ، لأن هذا الشهر ليس شهر خير ولا شر ، ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال : خيرا إن شاء الله ، فلا يقال : خيرا ولا شر ، بل هي تنعق كبقية الطيور . وبعضهم يردد عبارة : " خير ياطير" تشاؤما أو تفاؤلا ،وهذا كله بلا شك تكلف لا أصل له وعقيدة باطلة ، وكما قال الأول :
الزجر والطير والكهان كلهم ..... مضللون ودون الغيب أقفال
إن هذا الشهر الذي يتشاءم به البعض قد حوى أحداثا عظاما وتواريخ جليلة ، ففي هذا الشهر كانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وهي غزوة الأبواء ، حيث خرج يعترض عيرا لقريش ، ولكن لم يلق كيدا ، وفي مثل هذا الشهر كان فتح خيبر على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وفي مثل هذا الشهر كانت الوقعة التي قتل فيها خبيب بن عدي رضي الله عن الجميع .
ألا فتقوا الله واعلموا أن ماعند الله إنما يجلب بعبادته وأن المكاره والحوادث تدفع بالدعاء وبالطاعة ، قال الله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
فاتقوا الله وأخلصوا له العبادة ، وأعلموا أن أفضل أعمال أهل الجنة وتوحيد الله سبحانه وتعالى ، وأن أشنع أعمال أهل النار الإشراك مع الله غيره وإحداث ما لم يأذن به الله ، قال صلى الله عليه وسلم ( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقي الله يشرك به دخل النار ) رواه مسلم .
إن الشرك والخرافات والبدع لا تقع في الأرض جملة واحدة ، بل تقع شيئا فشيئا ، إن كل زمان شغله المؤمن بطاعة الله تعالى فهو زمن مبارك عليه ، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله تعالى فهو مشئوم عليه ، فالشؤم في الحقيقة هو في معصية الله تعالى ، وأعلموا – رحمكم الله – أن مامن خير إلا دلنا رسولنا عليه ، وما من شر إلا حذرنا منه ، فقد حذرنا الطيرة ونهانا عنها ، ودلنا على كفارتها وعلاجها ، فقال عليه الصلاة والسلام ( من ردته الطيرة عن حاجه فقد أشرك ) قالوا : وما كفارة ذلك يارسول الله ؟ قال : ( أن يقول أحدهم : اللهم لاطير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك ) ثم يمضي لحاجته رواه أحمد بسند حسن .
وفي حديث آخر لما ذكرت الطيرة عند رسول الله قال: ( أحسنها الفأل ، ولا ترد مسلما ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يذهب السيئات إلا أنت ، لاحول ولا قوة إلا بك ) أخرجه أبو داود ، وصححه النووي في رياض الصالحين
لقد أنقذنا الله من جهالة الشرك وعماية الجاهلية بحسن الاعتقاد ووضوح الرسالة وحسن الاقتداء بسيد العباد .
جزآكم الله خير الجزاء على حسن قراءتكم لهذا الموضوع وبارك الله فيكم .
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنة

عـــودالليل
01-17-2010, 09:45 PM
ألف شكر

مروري شكر وتقدير للمجهود الراقي

~يقولون غير البشر~
01-17-2010, 09:48 PM
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه
جزاااك الله خير نظــرة ,,
وجعل ماطرحتي بمواازين حسنآتك ,,
ودي ,,/

نظرة الحب
01-20-2010, 01:01 AM
شاااااااااااكره مروركم العطر


http://www.alshouq.com/vb/imgcache/9e9a4e27fabf8cfe0231f05bc63358ee.gif

البرق النجدي
01-20-2010, 02:10 AM
جزيتي الجنه يالغاليه على طرحك المميز

نظرة الحب
01-20-2010, 01:58 PM
شاااااكره مروك بروووووووووقه

http://www.alshouq.com/vb/imgcache/9e9a4e27fabf8cfe0231f05bc63358ee.gif

سعودي وافتخر
01-20-2010, 05:48 PM
جزاك الله خير ع الطرح القيم

عفوكـ يارب
01-20-2010, 05:55 PM
جزاك الله خير

نظرة الحب
01-20-2010, 08:11 PM
شااااااكره مروركم العطر


http://www.alshouq.com/vb/imgcache/9e9a4e27fabf8cfe0231f05bc63358ee.gif