مشاهدة النسخة كاملة : لمحات من العبر في هجرة سيد البشر


ضامية الشوق
08-26-2018, 11:14 PM
كلما أخَذت الأرض دورتها وأهلَّ المُحرَّم، تشوَّقت النفوس لاستِكناه معاني الهجرة، وكشْف مَساتيرها للعِبرة والذِّكرى، وكلما استدار العام، تذاكَرنا هذا الحدث الوثَّاب، وذلك الانقلاب الغلاَّب، الذي حوَّل العالم من مجاري الشرِّ والشَّقاء إلى السعادة والرخاء.

فالهجرة فاتحةٌ لتطوُّرات اجتماعية لخير الإنسانية، لم تَشهدها البشرية في سموِّ مواطنها، وعُلوِّ مكامنها، من قبلُ ولا من بعدُ، هناك في جزيرة العرب يقوم رجل في جماعات أُميَّة، في أحطِّ دَركات الجاهلية، يُحررها من مرذول عاداتها، وسافل مألوفاتها، ويُقيمها على مُثلٍ عليا، هي نهاية درجات الرشد ومدارج الكمال، نعم؛ ثَم انقلاباتٌ حدَثت أملاها التوسُّع الغاشم في موارد الحياة، ودعا إليها تنازُع البقاء والتزاحُم وعدم التراحم.

لم يشهد التاريخ أن مُصلحًا من المصلحين أحدث انقلابًا أصاب نجاحًا، وسجَّل فلاحًا، تغيَّر معه وجه البسيطة في مدة قصيرة في قبائلَ عربيةٍ مُشتتة مُبعثرة، لا تربطها صلة دينية، ولا تُوحِّدها جامعةٌ سياسية، تتَّقِد بينهم الحروب والنيران؛ من جرَّاء هفوة لسان، أو خيانة في رِهان، فينفخ فيها من رُوحه، فتتلألأ حياة ونورًا، وأخلاقًا وشعورًا، وبين عشيَّة وضُحاها نراها أمةَ الأُمم، خَفَّاقة العلَم، وراية السيف والقلم، سنين محدودة، يَشِع فيها إكسير الإصلاح، فيَنظِمها أُمة متحدة يدخلها الفُرس والديلم والتتار، وهم عنها غرباء، ويدخلها العبيد والأرِقَّاء في ظل الحرية والمساواة، فيَصِلُون إلى مقام السادة والقادة.

وهذا إن دلَّ، فإنما يدل على العدل الكامل، والحب الشامل، وكبْح جِماح الفوارق الجنسية الغاشمة، التي تواضَعت عليها البشرية الظالمة، وأراقوا فيها الدماءَ قبل الإسلام.

كل هذه المعاني السامية، وتلك الانتصارات الظافرة - لم يَشهدها التاريخ حتى الآن، اللهمَّ إلا في صاحب الهجرة النبوية.
على الوضع المعروف من السِّيَر،شبَّت الدعوة لأول مرة في مكة في مدى ثلاث عشرة سنة، رأى فيها المعصوم - صلوات الله عليه - وصحبُه القليلو العددِ الذين أجابوا الدعوة في أول مهْدها - كثيرًا من الأذى والعناد، والعَسْفِ والاضطهاد، ما شرِبوا معه كؤوسًا من يَحمُوم، وترصَّدت لهم العيون في كل مرصد، وتجسَّسوا عليهم من كل نافذة، رأى صاحب الرسالة أن الدار ليست دارَ مقامٍ ولا إسلامٍ، وأن التوحيد الخالص وعبادة الله في كل مكانٍ ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ... ﴾ [البقرة: 115].

رأى رجالاً أشدَّاءَ (من الأوس والخزرج)، يتسلَّلون في استخفاء، يَقتحمون العقبة الثانية، ويتسلقون شعاب الجبال، ويَمُدُّون أيديَهم بالبَيعة، (نريد الصدق والوفاء، فخُذ لنفسك ما أحببتَ ولربِّك ما تشاء)، فيتم العهد على عبادة الله، وعلى أن يَمنعوه مما يمنعون منه الأبناء والأعزاء، باذلين في الوفاء الدماءَ.


بهذا الحلف المدني، تفتَّحت للهجرة مغاليقُ الأبواب، فاستجابت لها الأسباب بانشراح الألباب، ما كاد الصبح يُزايله العَسس، والنهار يتنفس، حتى عُلِم العهد، وأُدرِك القصد، فهاج الشرُّ وتحرَّكت الأحقاد، وصُوِّبت السهام في الأكباد، فالحق والباطل يتصارعان، والإسلام والإيمان والشرك والطُّغيان يَقتتلان.
هذا يَنزع للعقيد والحرية،وذاك للتعصُّب والعصبية، وموروثات الوثنية، وأخيرًا استقرَّ رأي قريش في دار الندوة على اختيار فتًى جَلْدٍ من كل عشيرة؛ ليتوفَّر لديهم شباب وثَّاب، من الصُّلْب الغَلاَّب، يَضربون المعصوم -صلى الله عليه وسلم- ضربة رجل واحد؛ فيتفرَّق دمُه على جميع العشائر، فيَعجِز أهله، فيذهب محمد بالدِّيَة، هذا ما ابتكروه من بنات الأفكار، وتَقدِرون فتَضحك الأقدار، وما كاد النهار يشق فَحْمةَ الظلام حتى كان المعصوم وصاحبه في الغار، وهنا طاشت السهام ورُدَّت نصالُها في النحور، وعصَم الله الرسول؛ ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67].


لا مُشاحَّةَ أن قريشًا كانت حريصة على قتْل صاحب الرسالة؛ خشيةَ أن يُظهره الله عليهم، فيرجع فاتحًا، وقد خرجوا يتَّبعونه ومعهم (القافة)؛ لحِذْقهم في معرفة الأثر، وقد توفَّرت لهم الأدلة بأن صاحب الرسالة وصاحبَه في الغار، فقد كان من البداهة بمكان - وقد انتهى الأثرُ إليه - ألا يتركوه دون أن يَنزلوا إليه، أو يَسدُّوا فُوَّهته بالأحجار، أو يحاصروه أو يُحَرِّقوه بالنار.

كل هذا عَمُوا عنه وصَمُّوا، وأفسد الله أعمالَهم؛ لرعاية الله له بالحفظ والتأييد.

من هنا كان جرحًا في عزة الإيمان، أن يرضى مسلم لنفسه الذلَّ والهَوان، ويَجمُد في بلده حرصًا على المال والأهل والولدان.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ [النساء: 97]، وتَمضي الآيات فتقول: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100]، هذه عبرة من عِبَر الهجرة، ما أجدرها بالتدبُّر! ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].

مجنون قصايد
08-26-2018, 11:36 PM
ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد

إرتواء نبض
08-27-2018, 12:04 AM
سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنه
مودتي

الغنــــــد
08-27-2018, 12:50 AM
لطرحك نكهه جميله
وتستحق المروور والمشاركة لتميزها



يعطيك العااافيه

تقديري

نجم الجدي
08-27-2018, 01:09 AM
الله على اختيارك للموضوع الروووعه
شكرآ على المجهووود

بالتووفيق ان شاء الله

نجمكم

فزولهآ
08-27-2018, 10:58 AM
طرح جميل

روح الندى
08-27-2018, 12:11 PM
جزاك الله خير

ملكة الجوري
08-28-2018, 12:20 AM
http://www.hamsatq.com/kleeja/uploads/152330048675282.png

لا أشبه احد ّ!
08-30-2018, 03:29 AM





آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

عـــودالليل
08-30-2018, 04:08 AM
من متابعيك وسآكون كذلك باذن الله
قد لا أوفيك حقك بالرد
فأتمنى قبوله


يعطيك العافيه

دووم هالتميز ماشاء الله عليك
ربي يحفظك

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:44 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
مجنون قصايد

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:44 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
ارتواء نبض

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:45 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
الغند

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:46 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
نجم الجدي

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:46 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
فزولها

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:46 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
روح الندى

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:47 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
ملاك

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:47 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
أول أطيافي

ضامية الشوق
08-30-2018, 01:48 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
عود الليل