مشاهدة النسخة كاملة : روائع البيان في القرآن (سورة الأعلى4)


ضامية الشوق
08-15-2018, 08:33 PM
(سورة الأعلى4)


بعد أن ربط الله على قلب نبيِّه ببشارة حفظ القرآن، أردف ذلك ببشارة ثانية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [الأعلى: 8].

• ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾: معطوفٌ على ﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾، وما بينهما اعتراضٌ.

• وهو وعد كريم من الله بتيسير جميع أموره - عليه الصلاة والسلام - ويشمل ذلك الوعدُ أمتَه إن اتبعتْ طريقتَه، ويدخل النبي في الوعد دخولاً أوليًّا، وقد ضرب المفسرون من السلف أمثلة لهذا التيسير، فقال مقاتلٌ: أي نهوِّن عليك عمل الجنة، وقيل: نوفِّقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، وقيل: للشريعة اليسرى، وهي الحنيفية السهلة، وقيل: نهوِّن عليك الوحي حتى تحفظَه وتعمل له، والأَولى حمل الآية على العموم؛ أي: نوفقك للطريقة اليسرى في الدين والدنيا، في كل أمرٍ من أمورهما التي تتوجه إليك

، نعم العموم الذي يعبر عنه صاحب الظلال قائلاً: "اليسر في يده، واليسر في لسانه، واليسر في خطوه، واليسر في عمله، واليسر في تصوُّره، واليسر في تفكيره، واليسر في أَخْذه للأمور، واليسر في علاجه للأمور، اليسر مع نفسه، واليسر مع غيره، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل أمره"، يسَّره الله لليسرى؛ فكان مثالاً عمليًّا لليُسر في جميع أمره.

• والمشهور أن تعلق التيسير يكون بالأمور لا بالأشخاص، كما هو في قوله - عز وجل -: ﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 26]، ولكن الآية الكريمة علقت التيسير بشخص النبي: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾، ثم وصفت الأمر بعد ذلك بـ: "اليسرى"، فهو يسر فوق يسر، ونور فوق نور، والعلة في ذلك كما أشار أبو السعود: "للإيذان بقوة تمكينه - عليه الصلاة والسلام - من اليسرى والتصرف فيها، بحيث صار ذلك ملكةً راسخةً له، كأنه - عليه الصلاة والسلام - جُبِلَ عليها؛ أي: نوفقك توفيقًا مستمرًّا للطريقة اليسرى، في كل بابٍ من أبواب الدين؛ علمًا وتعليمًا واهتداءً وهدايةً، فيندرج فيه تيسير طريق تلقي الوحي، والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة والنواميس الإلهية، مما يتعلق بتكميل نفسه - عليه الصلاة والسلام - وتكميل غيره"، وذلك من وافر فضله ورحمته - سبحانه - على النبي الخاتم وأمته.

• وقد أجاد الإمام الرازي في الوقوف على وجهٍ في غاية الروعة، والذي يكمن في التعبير بالنون الدالة على التعظيم في قوله - تعالى -: ﴿وَنُيَسِّرُكَ ﴾؛ حيث قال: "إنما قال: ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ بنون التعظيم؛ لتكون عظمة المعطي دالةً على عظمة العطاء، نظيره قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [يوسف: 2]، ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1]، دلت هذه الآية على أنه - سبحانه - فتح عليه من أبواب التيسير والتسهيل ما لم يفتحْه على أحدٍ غيره، وكيف لا وقد كان صبيًّا لا أب له ولا أم له، نشأ في قومٍ جهالٍ، ثم إنه - تعالى - جعله في أفعاله وأقواله قدوة للعالمين، وهديًا للخلق أجمعين؟".

فائدة:
1-صوَّرت الآية الكريمة بروعة بيانها أن اليسر محيط بالشريعة من أطرافها، وهذا من فضل الله على رسول الإسلام وأمته، مما يزيدنا تمسكًا بهذه الشرعة المباركة، وحبًّا لها، وذودًا عن حياضها الطاهرة؛ فهي اليسر وما دونها العسر.

2- إذا امتزجت أرواحنا بتلك الشرعة السمحة - ولا بد من ذلك - انطبعْنا بطبيعتها، فانعكس ذلك في حياتنا، فأشرق الكون بهذا الجمال من اليسر والسهولة والبساطة، كما كان رسول الله في تعامُله مع من حوله؛ حتى جذب القلوب إلى ربِّه بتلك الأخلاق الندية العطرة، فلا بد أن يكون اليسر واقعًا نحياه؛ فما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثمًا.

ثم انتقلت الآيات بعد ذلك آمرة رسول الله بالعمل بموجب تلك البشارات؛ حيث قالت:
• ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: 9].
أي: بعدما أعنَّاك على حفظ الوحي ويسَّرناك لليسرى، فدُمْ على تذكير الناس وهدايتهم.

• "وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد ذكَّر وبالغ فيه، فلم يدَعْ في القوس منزعًا، وسلك فيه كل طريق، فلم يترك مضيفًا ولا مهيعًا؛ حرصًا على الإيمان، وتوحيد الملك الديان، وما كان يزيد ذلك بعضَ الناس إلا كفرًا وعنادًا، وتمردًا وفسادًا، فأمره - صلى الله عليه وسلم - تخفيفًا عليه؛ حيث كاد الحرص على إيمانهم يوجه سهام التلف إليه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، بأن يخص التذكير بمواد النفع في الجملة، بأن يكون من يذكره كلاًّ أو بعضًا ممن يرجى منه التذكر، ولا يتعب نفسه الكريمة في تذكير من لا يورثه التذكير إلا عتوًّا ونفورًا، وفسادًا وغرورًا، من المطبوع على قلوبهم؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وقوله - سبحانه -: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [النجم: 29]، وعِلمه - صلى الله عليه وسلم - بمن طُبع على قلبه بإعلام الله تعالى إياه - عليه الصلاة والسلام - به، فهو - صلى الله عليه وسلم - بعد التبليغ وإلزام الحجة لا يجب عليه تكرير التذكير على من علم أنه مطبوع على قلبه، فالشرط على هذا على حقيقته".

وتخصيص الذكرى بمن يرجى إيمانه دون غيره إن صلح في حق رسول الله، فلا يصلح في حق غيره؛ لأن رسول الله ربما علم بالمطبوع على قلوبهم من المنافقين وغيرهم عن طريق إعلام الله إياه كما أشار الألوسي.

لذلك ذهب المحققون من أهل التفسير إلى أن الآية على عمومها؛ لذلك حذف المفعول، والمعنى ذكِّر الناس كلَّهم؛ فالذكرى نافعة على أية حال، وكما قال الحسن: إنها تذكرةٌ للمؤمن، وحُجَّة على الكافر.

فائدة:
1- فلا ينبغي أخذ مثل هذه الآيات تكأة للتكاسل والإعراض عن التذكير، بحجة أن القوم معرضون، أو لا يفهمون، أو أنهم لن يهتدوا؛ فذلك في علم الله، فقد ينقلب الفاجر تقيًّا.

2- وفارقٌ بين الإعراض عن الدعوة والتذكير، وبين فن الدعوة والتذكير؛ من تعاهد الناس بالموعظة، وعدم الإثقال عليهم لئلا يملوا، وسلوك أكثر من طريق لدعوتهم، وكذا تحديث القوم بما يفهمون، مما هو معلوم في أصول الدعوة؛ لذلك يقول الإمام ابن كثير معلقًا على الآية الكريمة: "ومن ها هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله، كما قال أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -: ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولُهم إلا كان فتنةً لبعضهم، وقال: حدِّث الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذَّبَ اللهُ ورسولُه؟!" فلا يعني ذلك الإعراض عن دعوة من لا يفهم، ولكن التفنن في دعوتهم.

http://img-fotki.yandex.ru/get/5646/39663434.376/0_87dba_e955751f_L.gif

لا أشبه احد ّ!
08-15-2018, 08:43 PM





آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

مجنون قصايد
08-15-2018, 11:17 PM
ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد

نجم الجدي
08-16-2018, 01:45 AM
الله على اختيارك للموضوع الروووعه
شكرآ على المجهووود

بالتووفيق ان شاء الله

نجمكم

إرتواء نبض
08-16-2018, 02:20 AM
سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنه
مودتي

ملكة الجوري
08-16-2018, 05:14 AM
http://www.hamsatq.com/kleeja/uploads/152330048675282.png

عازفة القيثار
08-16-2018, 04:56 PM
جِزًآكًٍ آللهُ خيرًٍ آلجزًٍآءُ
وُجَعَلَ حياتگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحور

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:29 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
أول أطيافي

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:30 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
مجنون قصايد

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:30 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
نجم الجدي

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:31 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
ارتواء نبض

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:31 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
ملاك

ضامية الشوق
08-16-2018, 10:31 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
عازفة القيثار

الغنــــــد
08-22-2018, 12:20 PM
لطرحك نكهه جميله
وتستحق المروور والمشاركة لتميزها
لك مني أجمل تحيه وتقدير


الغنــــــد

ضامية الشوق
08-25-2018, 05:30 PM
حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
الغند

بوزياد
08-30-2018, 02:47 AM
موضوع رائع ومفيد لما يحمل

من معلوماتمميزة ومعرفة

بارك الله فيك وفي كل جهودك

سلمت يداك على رووعة الاختيار

دمت بصحة و عافية
وننتظر القادم بشوووق


https://www.traidnt.net/vb/images/imgcache/2018/08/0a3d08dde897464bb7f3f1d0c447284f-23345476-1.png

ضامية الشوق
08-30-2018, 12:08 PM
حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
بو زياد