ضامية الشوق
10-03-2017, 02:45 AM
...
...
كما في كل عامٍ في الجامعة ..
يكون إلزاماً على كل طالب غريب أن يعرّف عن نفسه وعن بلاده أمام بقية الطلاب
هنا كانت الكارثة ..
لم تعلم لوتس عن ماذا ستتحدّث ...
عن بلادها قبل الحرب أم عن بلادها الآن !!
هل تخبرهم عن جنّة أصبحت جحيم ؟؟
أم تكتفي ببضع كلمات عن موقع بلادها وعدد السكان وبماذا تشتهر
كانت ليلةً عصيبةً جداً ..
أفكارٌ تذهب وأخرى تأتي
الى أن قرّرت ...
في اليوم التالي ..
وبعد أن أنهى جميع الطلاب الغرباء فقراتهم جاء دور لوتس ..
كانت ترتدي الأسود .. ليس لأنه يليق بها فقط
بل لأنها تريد أن تُريهم الأشياء بواقعيّة أكثر
صعدت الى المنصّة .. أغمضت عينيها لدقيقةٍ واحدة
ختمتها بتنهيدةٍ وبدأت الكلام :
أنا لوتس ..
أنا من هناك ..
من ذلك المكان حيث لم يعد للحياة معنى
أنا من بلادٍ هجرتها الشمس منذ زمن وتركت أطفالها يموتون برداً
من بلادٍ لا يستطيع الميّت فيها أن يرقدَ بسلامٍ في قبره
ولا تستطيع الأم أن تتوقف عن البكاء لفقدان ابنها الكبير
فهي تعلم أن أخيه سيلحق به ان لم يكن اليوم .. فغداً
بلادي .. حيث بدأت حياةُ البشرية منذ الاف السنين
لا تجد اليوم منفذاً واحداً لتستنشق منه هواء خالياً من الموت
أنا من بلادٍ يهرب فيها الطفل من منزله خوفاً من أن يموت من القصف
لا يهرب الى الشارع .. لأنه يخاف أن يموت قنصاً
ولا يهرب الى بلد ( شقيق ) ..
يخاف أن يموت جوعاً أو أن يتاجروا فيه على المحطّات
بل يذهب الى المقبرة .. يحفر قبره بيده
وينتظر الساعة لتأتي .. فالله أرحم به من الجميع
تمسح لوتس دموعها عن وجنتيها وتكمل
بلادي تدفع ضريبةَ لا ذنب لها فيها سوى أنها أطهر أرض
بلادي تضحّي بشبابها لأنها تعلم
أن السماء ستكون منصفةً لهم أكثر من الأرض
تجّار الحروب جعلوا من بلادي تجارةً رابحة
يموت المسلم لأنه مسلم
ويموت المسيحيّ لأنه مسيحي
والقاتل .. يدّعي أنه يتحدّث باسم الله عند كل قطرة دمٍ يسفكها
نحن من كنّا نحتضن الجميع في أوقاتهم العصيبة
من أطعمنا الجائع وسقينا العطاش منهم
كنّا وطناً لمن لا وطن له .. وأخوةٌ لمن لا أخ له
والآن ..
جميعهم ودون استثناء شاركوا بطعن بلادي من ظهرها لتركع
ومن لم يشارك في طعنها ..
وقف ووضع يديه أما عينيه كي لا يرى
انا من بلادٍ قبل أن أغادرها ..
قبّلت ترابها الذي يشكو نخوة العرب
من ظنناهم اخوة الدم والدين ..
بلادي وجعٌ يرافقني منذ مغادرتي
بكاء الأطفال ما زلت اسمعه الآن
وصرخات الحجارة لا تتوقف ..
نعم ..
الحجارة في بلادي تنطق لشدة الألم
البارحة مات قطٌ في شارعٍ قرب منزلي الجديد في هذه البلاد ..
لم تبقى قناةٌ تلفزيونية الا وعرضت الخبر ..
دموع الملايين تبكي هذا القط المسكين ..
أفواه الملايين أدانت هذا السائق الذي دعس القط عن غير قصد
أما في بلادي ..
وفي هذه اللحظة التي أتكلم فيها ..
يموت العشرات .. وعن قصد ..
ينتظرهم القاتل ليغدر بهم
وما من أحدٍ يكترث ..
وما من أفواه تدين ولا تندد
أرقام لا أكثر .. احصائيات
هكذا أصبحت بلادي
لكننا لم ولن نستسلم ..
لأننا عشنا سوريّة القديمة ونعلم جيّداً أن الليل مهما طال ..
سيأتي يوم وينجلي
ستعود بلادي كما عرفناها ..
أخوةٌ في السراء والضراء .. عطفٌ ومحبةٌ وإخاء
ستعود دمشق لتؤذّن الفجر على أصوات أجراس الكنائس
سيعيش الجميع كما كانوا سابقاً ..
لا يفرقهم سوى الموت
وتجمعهم سورية
تنزل لوتس عن المنصّة .. وتعود الى مقعدها
تبتسم بدموعها ...
والجميع في ذهول ممّا سمعوا
...
كما في كل عامٍ في الجامعة ..
يكون إلزاماً على كل طالب غريب أن يعرّف عن نفسه وعن بلاده أمام بقية الطلاب
هنا كانت الكارثة ..
لم تعلم لوتس عن ماذا ستتحدّث ...
عن بلادها قبل الحرب أم عن بلادها الآن !!
هل تخبرهم عن جنّة أصبحت جحيم ؟؟
أم تكتفي ببضع كلمات عن موقع بلادها وعدد السكان وبماذا تشتهر
كانت ليلةً عصيبةً جداً ..
أفكارٌ تذهب وأخرى تأتي
الى أن قرّرت ...
في اليوم التالي ..
وبعد أن أنهى جميع الطلاب الغرباء فقراتهم جاء دور لوتس ..
كانت ترتدي الأسود .. ليس لأنه يليق بها فقط
بل لأنها تريد أن تُريهم الأشياء بواقعيّة أكثر
صعدت الى المنصّة .. أغمضت عينيها لدقيقةٍ واحدة
ختمتها بتنهيدةٍ وبدأت الكلام :
أنا لوتس ..
أنا من هناك ..
من ذلك المكان حيث لم يعد للحياة معنى
أنا من بلادٍ هجرتها الشمس منذ زمن وتركت أطفالها يموتون برداً
من بلادٍ لا يستطيع الميّت فيها أن يرقدَ بسلامٍ في قبره
ولا تستطيع الأم أن تتوقف عن البكاء لفقدان ابنها الكبير
فهي تعلم أن أخيه سيلحق به ان لم يكن اليوم .. فغداً
بلادي .. حيث بدأت حياةُ البشرية منذ الاف السنين
لا تجد اليوم منفذاً واحداً لتستنشق منه هواء خالياً من الموت
أنا من بلادٍ يهرب فيها الطفل من منزله خوفاً من أن يموت من القصف
لا يهرب الى الشارع .. لأنه يخاف أن يموت قنصاً
ولا يهرب الى بلد ( شقيق ) ..
يخاف أن يموت جوعاً أو أن يتاجروا فيه على المحطّات
بل يذهب الى المقبرة .. يحفر قبره بيده
وينتظر الساعة لتأتي .. فالله أرحم به من الجميع
تمسح لوتس دموعها عن وجنتيها وتكمل
بلادي تدفع ضريبةَ لا ذنب لها فيها سوى أنها أطهر أرض
بلادي تضحّي بشبابها لأنها تعلم
أن السماء ستكون منصفةً لهم أكثر من الأرض
تجّار الحروب جعلوا من بلادي تجارةً رابحة
يموت المسلم لأنه مسلم
ويموت المسيحيّ لأنه مسيحي
والقاتل .. يدّعي أنه يتحدّث باسم الله عند كل قطرة دمٍ يسفكها
نحن من كنّا نحتضن الجميع في أوقاتهم العصيبة
من أطعمنا الجائع وسقينا العطاش منهم
كنّا وطناً لمن لا وطن له .. وأخوةٌ لمن لا أخ له
والآن ..
جميعهم ودون استثناء شاركوا بطعن بلادي من ظهرها لتركع
ومن لم يشارك في طعنها ..
وقف ووضع يديه أما عينيه كي لا يرى
انا من بلادٍ قبل أن أغادرها ..
قبّلت ترابها الذي يشكو نخوة العرب
من ظنناهم اخوة الدم والدين ..
بلادي وجعٌ يرافقني منذ مغادرتي
بكاء الأطفال ما زلت اسمعه الآن
وصرخات الحجارة لا تتوقف ..
نعم ..
الحجارة في بلادي تنطق لشدة الألم
البارحة مات قطٌ في شارعٍ قرب منزلي الجديد في هذه البلاد ..
لم تبقى قناةٌ تلفزيونية الا وعرضت الخبر ..
دموع الملايين تبكي هذا القط المسكين ..
أفواه الملايين أدانت هذا السائق الذي دعس القط عن غير قصد
أما في بلادي ..
وفي هذه اللحظة التي أتكلم فيها ..
يموت العشرات .. وعن قصد ..
ينتظرهم القاتل ليغدر بهم
وما من أحدٍ يكترث ..
وما من أفواه تدين ولا تندد
أرقام لا أكثر .. احصائيات
هكذا أصبحت بلادي
لكننا لم ولن نستسلم ..
لأننا عشنا سوريّة القديمة ونعلم جيّداً أن الليل مهما طال ..
سيأتي يوم وينجلي
ستعود بلادي كما عرفناها ..
أخوةٌ في السراء والضراء .. عطفٌ ومحبةٌ وإخاء
ستعود دمشق لتؤذّن الفجر على أصوات أجراس الكنائس
سيعيش الجميع كما كانوا سابقاً ..
لا يفرقهم سوى الموت
وتجمعهم سورية
تنزل لوتس عن المنصّة .. وتعود الى مقعدها
تبتسم بدموعها ...
والجميع في ذهول ممّا سمعوا